اعرض مشاركة منفردة
   
Share
  رقم المشاركة :3  (رابط المشاركة)
قديم 03.12.2010, 21:37
صور محب الله ورسوله الرمزية

محب الله ورسوله

عضو مميز

______________

محب الله ورسوله غير موجود

الملف الشخصي
التسجيـــــل: 18.07.2010
الجــــنـــــس: ذكر
الــديــــانــة: الإسلام
المشاركات: 1.313  [ عرض ]
آخــــر نــشــاط
07.07.2011 (13:55)
تم شكره 4 مرة في 4 مشاركة
افتراضي


ففي الوقت الذي كان فيه الخلفاء المسلمون يسعون لإحياء علوم اليونان ويحرضون الناس على قراءة كتبها (39) كانت الكنيسة في الغرب تبذل جهودا جبارة للقضاء على العلوم والدراسات واللغة اليونانية في بلاد الغال وبريطانية لأنها تمثل حضارة الكفار غير المسيحيين فقد قال الأب هيرونيموس إن الفكر اليوناني لعنة على البشر (40). لذلك كانت الترجمة العربية لهذا الإرث عملية إنقاذ لكنوز حضارة مهددة بالفناء لأن العالم المسيحي مهد تلك الثقافة اضمحل قسمه الغربي تحت وطأة ضربات البرابرة الذين نهبوا وأحرقوا روما ثلاث مرات بحيث لم يبق بين الخرائب التي خلفها الغزو إلا بعض الرهبان الذين أخذوا يفتشون بين الأنقاض عن بقايا العلوم والمعارف التي بقيت من حضارة ألف عام. وبالرغم من أن هؤلاء الرهبان أنقذوا ما يمكن إنقاذه إلا أن آفاقهم الفكرية كانت محدودة لأن همهم كان محصورا بالآخرة (41) أما بيزنطة وهي وريثة العالم الروماني اليوناني الذي نجا مما أصاب قسمه الغربي من خراب ونهب ودمار فقد تقوقع أباطرتها حول أنفسهم وراء سبعة كيلومترات من الأسوار التي أحاط بها تيودوس عاصمة ملكهم وكأن الأمر لا يعنيهم (42) في هذه الظروف ظهر العالم الإسلامي كقوة متماسكة منسجمة ملأت الفراغ الذي خلفه انقسام العالم المسيحي إلى عالمين غربي وشرقي هدمت العداوة بينهما كل ما خلفته روما وأثينا من صروح حضارية . مما خلق تربة صالحة لنمو التعصب وانتشار الجهل في المجتمعات الغربية التي كانت منذ قرون ترزح تحت كابوسين يقفان في طريق تقدمها. أولهما التعصب الديني وثانيهما انتشار الجهل الذي سماه المؤرخون Penuria Latinitatis القحط اللاتيني وقد التفتت الكنيسة وهي المسئولة عن الدين والدنيا في عالم القرون الوسطى فلم تجدحلولا لهاتين العقدتين إلا لدى العرب فقد وجدت متنفسا للتعصب الديني في شن الحروب الصليبية على عرب المشرق وفتشت عن مناهل المعرفة فوجدتها لدى عرب المغرب في أسبانيا وصقلية وقد سارت هاتان الحركتان العظيمتان بشكل متواز في طرفي العالم الإسلامي (43). وفي وقت واحد تقريبا فبينما كان غودفرو اديوبون وريمون دوسان جيل والإمبراطور كونراد وريشاركور دوليون ولويس التاسع يحرقون المدن ويدمرون الحصون ويقتلون الآمنين في أنطاكية ومعرة النعمان والقدس وحول أسوار دمشق وحلب ودمياط كان أديلار دوبات وجان دوسيفيل وميشيل سكوت وجيرار دوكريمون وغيرهم يصلون الليل بالنهار في مكتبات طليطلة يترجمون كنوز الكتب العربية في مختلف العلوم وينقلونها إلى اللغة اللاتينية التي أصبحت لغة العلم في العالم الغربي . منذ القرن العاشر اجتذب التفوق الفكري لدى عرب الأندلس الكاهن جيربير دواوريلاك فنقل نماذج من علومهم أكسبته من الاحترام والتقدير ما أوصله إلى كرسي البابوية وجاء القرن الحادي عشر بقسطنطين الأفريقي الذي نقل للعالم المسيحي كتاب كامل الصناعة الطبية لعلي بن عباس وزاد المسافر لابن الجزار وشرح لأقوال جالينوس المأثورة وغيرها.
وبالرغم من كل ما ألصق بقسطنطين من اتهامات تتعلق بانتحاله لبعض الكتب العربية التي ترجمها إلى اللاتينية وبالرغم من ترجماته التي تنقصها الدقة فإن العالم الغربي مدين له بفتح أبواب كنوز المشرق وتوجيه الأنظار إليها. فقد مضت ثلاثة قرون على العمل الرائع الذي تناول ترجمة العلوم الإغريقية بالدرجة الأولى والهندية والفارسية والسريانية بالدرجة الثانية إلى اللغة العربية عندما نما وعي الغرب لتأخره ونضج لدرجة أشعرته بحاجته للمعرفة . وعندما أراد إعادة الصلة بالفكر القديم التفت أولا وقبل كل شئ لا للمنابع اليونانية بل إلى العربية التي تنبض بالحياة والموجودة على عتبة داره ففي هذا الوقت عمت العالم الغربي حركة ترجمة واسعة بين لغات العصر وقد كانت الترجمة من العربية إلى اللاتينية أهمها بحيث يمكن القول بأن ما ترجم من اللغة العربية إلى اللاتينية يعادل ما نقل من كل اللغات الأخرى (44) ويعود الفضل فيه إلى رئيس أساقفة طليطلة الفرنسي ريمون الذي جعل من طليطلة منارة اجتذبت كل علماء أوربا خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر . وكانت أول الأعمال التي أوحى بها تتناول الفلسفة وتلي ذلك ترجمات كتب في الرياضيات والتنجيم والفلك والطب ومن أوائل المترجمين في طليطلة جان دوسيفيل الذي ترجم كتاب الروح لابن سينا وكانت حفظ الصحة لأرسطو وكتاب الفرق بين النفس والروح لقسطا بن لوقا وكتاب الأشكال لثابت بن قرة . وترجم غونديسالفي كثيرا من كتب الفلاسفة العرب كابن سينا والفارابي والغزالي واشترك هيرمان دلمات في ترجمة القرآن مع روبير دوريتين وبيرلوفينرابل كما ترجم خارطة نصفي الكرة السماوية لبطليموس. وترجم أفلاطون دوتيفولي كتبا للبتاني طبعت مرات عديدة في بولونية والبندقية و نورامبورغ وقام آديلاد دوبات بزيارات كثيرة إلى البلدان الأوربية والعربية قبل أن يترجم إلى الإنكليزية واللاتينية أصول إقليدس وكتبا في الهندسة وشروحا للمجسطي وجيزا للخوارزمي (45).
على أن أكثر المترجمين إنتاجا و أوسعهم شهرة كان جيرار دوكريمون الذي تميز بتنوع ترجماته فقد شملت علوم المنطق والهندسة والفلك والتنجيم والفلسفة والطب والكيمياء والضرب بالرمل (46) فقد بدأ بتعلم اللغة العربية والتعمق بتقاناتها، وقد جمع هذه الترجمات وحقق وثبت نسبتها له بعد جهود قرنين من الزمن بون كومباني في روما عام 1852م ولوسيان لوكليرك في باريز عام 1874م فقد تبين أن مجموع ما ترجمه جيرار وحده يتألف من واحد وسبعين كتابا على الأقل (47)، ومما لا شك فيه بأنها ثروة علمية ضخمة انتقلت إلى الغرب وأسهمت في تكوين أجيال من العلماء في جامعاته. ومن المؤكد أن كمية الأفكار التي نشرها جيرار دوكريمون وحدة تزيد عن ما نشره جميع أقرانه ومنافسيه. على أن ما تم إنجازه في طليطلة لا يقارن بما أنتجه المشرق العربي من حيث الدقة والأهمية ولكنه لم يكن أقل تأثيرا وأقل فائدة على الصعيد العالمي نظرا لتعطش الغرب للمعرفة فبدون العرب ما كان لعصر النهضة أن يرى النور (48).
هذا وقد كانت صقلية أيضا أحد المناهل التي استقى منها الغرب العلوم العربية ففيها عاش الشريف الإدريسي الجغرافي الذي عهد إليه الملك روجيه الثاني بتأليف كتب في الجغرافيا فقام بذلك خير قيام كما رسم مجموعة من الخرائط شاملة للعالم المعمور ضمت سبعين خريطة إضافة إلى كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق المشهور بكتاب روجار ظل الأوربيون يستقون منه معلوماتهم الجغرافية مدة طويلة (49) كما ترجم في صقلية كتاب المجسطي والبصريات المنسوبة إلى بطليموس ونقل كتاب كليلة ودمنة من العربية إلى اليونانية . ويقول العلامة جورج سارتون إن روجيه الثاني كان أكثر حكام عصره تنورا وقد استطاع أن يجعل من صقلية في مدة قصيرة أرقى وأغنى دولة في أوربا.
وقد تابع الإمبراطور فريدريك الثاني هذا المنهج إذ استدعى إلى بلاطه عددا كبيرا من العلماء والمترجمين على رأسهم ميشيل سكوت الذي ترجم إلى اللاتينية كتاب الفلك للبطروجي إضافة لشروح ابن رشد على مؤلفات أرسطو وقام بتوسيع مدرسيتي الطب في ساليرنو و بادوفا وجعلهما جامعتين كاملتين جاء إليهما بأساتذة من عرب صقلية (50-51).
لقد ازدهرت الحضارة العربية الإسلامية في صقلية في عهد الأمراء الكلبيين واستمر تأثيرها في عهد ملوك النورمان والإمبراطور فريدريك الثاني الذي قام بتنظيم الحياة الاقتصادية في بلاده متبعا الأساليب التي كان النورمان أخذوها عن العرب سواء فيما يتعلق بمصانع الطراز أو أصول المحاسبة المالية التي انتقلت إلى التجار اللومبارديين ومنهم إلى جميع المدن التجارية والدوائر الحكومية في بلاد الغرب ومن المفيد أن نذكر هنا إقدام فريدريك الثاني على وضع نظام جديد للنقد.

هذا ولم تقتصر الترجمة على هذه المراكز التي مر ذكرها إذ قام أرمانغو في مونبيليه بترجمة ثلاثة كتب هي الكليات وأرجوزة ابن سينا وشروح ابن رشد للأرجوزة كما ترجم أرنودوفيل نوف في مونبيليه أيضا كتابا لقسطا بن لوقا.
وفي مرسليا ترجم كرومير دوبلزانس كتابا في النبات لحنين بن إسحق وحتى في روان في أقصي شمال فرنسا قام الكاهن سيمون دوجين بترجمة كتاب الأدوية المفردة لسيرابيون.
إن الكتب التي نقلتها أوربا إلى لغاتها كانت تمتاز بالوضوح والترتيب والتسلسل لذلك فقد ظل بعضها كتبا مدرسية بين أيدي الطلاب قرونا عديدة كالقسم الخاص بالجراحة من كتاب التصريف لأبي القاسم الزهراوي الذي طبع في البندقية عام 1497 وفي بال عام 1541 وفي أكسفورد عام 1778 وبقي كتابا مدرسيا للجراحة قرونا عديدة في مدرستي سالرنو ومونبيليه (52) كما ظل كتاب القانون لابن سينا سبعة قرون بين أيدي الطلاب الغربيين.







توقيع محب الله ورسوله
قال تعالى
الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)


رد باقتباس