وعلى كلّ من الأبوين أن يذكّر الآخر إذا لم يعدل ويقف الموقف الحازم حتى يتحقّق العدل ومن ذلك المطالبة بردّ الأمر إلى أهل العلم كما تدلّ على ذلك الرواية التالية لحديث
النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبِي بِبَعْضِ مَالِهِ فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلَقَ أَبِي إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِي فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ قَالَ لَا قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ فَرَجَعَ أَبِي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ. رواه مسلم رقم 1623.
وقد استحبّ عدد من أهل العلم أن يعدل الأخ الكبير بين إخوانه إذا أعطاهم لأنّ موقعه بينهم قريب من موقع الأب ]حاشية البجيرمي ج3 : كتاب الهبة[
وكذلك يعدل الجدّ في أعطياته لأحفاده وكذلك العمّ في أعطياته لأولاد أخيه . وهكذا .
قال صاحب المنهج : ( وَكُرِهَ ) لِمُعْطٍ (
تَفْضِيلٌ فِي عَطِيَّةِ بَعْضِهِ) مِنْ فَرْعٍ أَوْ أَصْلٍ وَإِنْ بَعُدَ سَوَاءٌ الذَّكَرُ وَغَيْرُهُ لِئَلَّا يُفْضِيَ ذَلِكَ إلَى الْعُقُوقِ وَالشَّحْنَاءِ وَلِلنَّهْيِ عَنْهُ وَالْأَمْرِ بِتَرْكِهِ .
وإذا تنبّه الأب إلى أنّ أعطيته لبعض أولاده مخالفة للحديث المذكور فإنّه بين أمرين إمّا أن يزيد الآخرين أو يُعطيهم مثلما أعطى غيرهم أو يستردّ أعطيته ممن زاده او خصّّه بشيء دون سبب شرعي ولا يُعتبر في هذه الحالة داخلا في النهي عن استرداد العطية وتشبيه الفاعل بالكلب يعود في قيئه وذلك لأنّ النبي صلى
الله عليه وسلم قال : "
لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ ، وتصحيح الخطأ وردّ الأمور إلى نصابها مما يُحمد عليه الأب .
فَإِنْ خَصَّ بَعْضَهُمْ بِعَطِيَّةٍ، أَوْ فَاضَلَ بَيْنَهُمْ فِيهَا أَثِمَ، وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ : إمَّا رَدُّ مَا فَضَّلَ بِهِ الْبَعْضَ، وَإِمَّا إتْمَامُ نَصِيبِ الْآخَرِ، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي
الله عنهما قَالَ: وَهَبَنِي أَبِي هِبَةً . فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ رضي
الله عنها : لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : إنَّ أُمَّ هَذَا أَعْجَبَهَا أَنْ أُشْهِدَك عَلَى الَّذِي وَهَبْت لِابْنِهَا، فَقَالَ صلى
الله عليه وسلم يَا بَشِيرُ أَلَك وَلَدٌ سِوَى هَذَا ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : كُلُّهُمْ وَهَبْت لَهُ مِثْلَ هَذَا ؟ قَالَ : لَا . قَالَ : فَأَرْجِعْهُ .
فإن كان ( أي الولد ) عَاصِيًا بِحَيْثُ يَصْرِفُ مَا يُعْطِيهِ لَهُ فِي الْمَعْصِيَةِ فَإِنْ تَعَيَّنَ الرُّجُوعُ طَرِيقًا فِي ظَنِّهِ إلَى كَفِّهِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ كَانَ وَاجِبًا ثم نقل : وَيُكْرَهُ لَهُ الرُّجُوعُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَإِنْ وُجِدَ لِكَوْنِ الْوَلَدِ عَاقًّا أَوْ يَصْرِفُهُ فِي مَعْصِيَةٍ أَنْذَرَهُ بِهِ فَإِنْ أَصَرَّ لَمْ يُكْرَهْ ( أي رجوع الأب في الهبة ) .
ومما ينبغي التنبيه عليه أيضا أن العدل بين الأولاد يراعى فيه تفاوت حاجاتهم فمصروف الولد الجامعي ليس مثل الولد في الصفّ الأول ولعبة الولد ذي السنتين ليست كلعبة الولد ذي الثمان والعشر والبنت تُزيّن بذهب لا يجوز للذّكر لبسه وهكذا والخلاصة أنّه يعطي كلّ ولد ما يحتاجه فإن تساووا في الحاجة والحال ساوى بينهم في الأعطيات على النحو المتقدّم ، والله تعالى أعلم
نسأل
الله تعالى أن يرزقنا البرّ بآبائنا والعدل في أولادنا واثبات على ديننا وصلى
الله على نبينا محمد .