المحن التي تعرض لها في حياته:
تعرض الشيخ لكثير من المحن والبلايا في حياته، فقد ابتلي في نفسه، وابتلي في ماله، وابتلي في ولده، ولكنه قابل كل ذلك بالصبر والرضا والمجالدة، وهذا هو شأن المؤمن الموحد الذي يوقن أن من سنة الله تعالى في عباده الابتلاء والامتحان والتمحيص، (ليبلوكم في ما آتاكم) [الأنعام/165]، ويمكن أن نجمل ما وقع للشيخ مما سبق ذكره فيما يلي:
1- سجنه: سجن الشيخ قاسم في البحرين لمدة سنة وشهرين من قبل أميرها محمد بن خليفة، وذلك بعد أن قام الشيخ قاسم بزيارة ودية إلى البحرين، وعندما وصل إليها، ألقي القبض عليه، وأودع السجن، وكان ذلك في أعقاب وقعة الوكرة الشهيرة سنة 1286هـ، ولم يطلق سراحه إلا بعد أن وقع في الأسر بعض شيوخ آل خليفة في نهاية معركة دامسة، فتم عقبها تبادل الأسرى بين الطرفين.
2- مصادرة أمواله: وذلك من قبل الإنجليز بواسطة حكومة الهند البريطانية، وكان سبب ذلك طرد الشيخ قاسم للتجار الهنود "البانيان" الذين يعتبرون من رعايا بريطانيا في ذلك الحين، فانتقاماً من الشيخ قاسم نتيجة ذلك التصرف، قامت بريطانيا بمصادرة أملاك وأموال الشيخ قاسم في كل من البحرين وبومباي بالهند بحجة تعويض رعاياها.
3- مقتل ابنه علي: كان علي الملقب بجوعان من أحب أبناء الشيخ قاسم إليه، وكان رجلاً فاضلاً أديباً من شجعان الرجال، خاض بعض المعارك في عهد أبيه، وكان قتله على يدي العجمان سنة 1304هـ بعد هجومهم على الدوحة ليلاً في حالة غفلة من أهلها، وغيبة من الشيخ قاسم في منطقة الظعاين التي يقيم فيها.
وفاته:
بعد حياة حافلة بجلائل الأعمال، وحميد الخصال، انتقل الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني إلى رحمة الله تعالى.
وعند وفاته كان كثير الترديد لكلمة التوحيد، والسؤال عن وقت الصلاة، والحث على إكرام الضيوف، وقد سطر هذا الشاعر محمد بن حسن المرزوقي القطري في مرثيته للشيخ قاسم حيث قال:
شهـادة توحيـد تكـررهـا لـه وتسألنا هل جاء وقت صلاة
وهل أكلوا ضيفي وهل لبسوا الكسا كعادتك الغـراء قبل ممات
وكانت وفاته عصر يوم الخميس 13 من شهر شعبان سنة 1331هـ، الموافق 17 يوليو 1913م ودفن في قرية الوسيل وهي قرية تقع على بعد 24 كيلومتر شمالي الدوحة.
وبوفاته فقدت قطر علماً من أعلامها، ورمزاً من رموز أصالتها، وأديباً من أدبائها، رجل العلم والفضل والكرم.
نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يتغمده برحمة منه وأن يسكنه الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.
أولاده:
بارك الله تعالى في عقب الشيخ قاسم رحمه الله فخلف ذرية مباركة من البنين والبنات، وللشيخ قاسم من الذكور ستة عشر ولداً ومن الإناث ست أما أولاده فهم:
1ـ فهد بن قاسم (الكبير)
2ـ خليفة بن قاسم
3ـ ثاني بن قاسم
4ـ عبد الرحمن ابن قاسم
5ـ عبد الله بن قاسم "أمير قطر"
6ـ علي بن قاسم الملقب بـ (جوعان)
7ـ سلطان بن قاسم
8ـ محمد بن قاسم
9ـ علي بن قاسم
10ـ فهد بن قاسم (الصغير)
11ـ أحمد بن قاسم
ومن أولاده وقد توفي وعمره ستة وعشرون عاماً.
وسلمان وناصر وعبد العزيز وعبدالرحمن.
أما البنات فالذي وقفنا عليه من أسمائهن فاطمة ونايله وشيخة وسبيكة ومريم وطفلة.
قالوا عن الشيخ قاسم:
أثني على الشيخ قاسم كثير من الأعلام بما يكشف مقامه، ويبين منزلته فليس غريباً أن يكتب العلماء والأدباء عن هذا الطود الشامخ والأديب المبرز، والعالم الفاضل للثناء عليه، وليس غريباً أن يتسابق الشعراء على مدحه في حياته، وعلى رثائه من بعد موته، ولنقتطف هنا من كلامهم ما جاء في صفات هذا الرجل العظيم:
قال محمود شكري الآلوسي: "وهو من خيار العرب الكرام، مواظب على طاعاته، مداوم على عبادته وصلواته، من أهل الفضل والمعرفة بالدين المبين، وله مبرات كثيرة على المسلمين… وهو مسموع الكلمة بين قبائله وعشائره، وهم ألوف مؤلفة…"
وقال تلميذ الآلوسي محمد بهجت الأثري: "الشيخ قاسم بن محمد بن ثاني حاكم قطر من كبار أنصار الإصلاح الإسلامي".
وقال خالد بن عبد الله الفرج: "كان مشهوراً بالكرم، والتمسك بالديانة، وإيراده من تجارة اللؤلؤ التي هي حياة سكان ضفاف الخليج".
وقال أيضاً: "هو من أمراء العرب العصاميين المشهورين رحمه الله".
وقال عبد الله بن خميس: "هو العالم الجليل، والسلفي المحض، والموقف نفسه وماله لخدمة العلم والعلماء".
وقال عثمان القاضي: "كان رجلاً من فحول الرجال علماً وحلماً ورأياً ثاقباً وكرماً حاتمياً"
وقال أيضاً: تحت عنوان: فصل فيمن اشتهر من الأدباء المتأخرين رحمهم الله:
"قاسم بن ثاني أمير قطر أديب بارع، وجواد سخي".
يقول سليمان الدخيل عنه: "هو من النابغين في الأمة العربية، العاملين لسعادة الدين والوطن، وقد آتاه الله من فضله خيراً كثيراً، ومن العلم والمال والولد"
وقال الزركلي: "كان أريحياً جواداً"
وقال جون فيلبي: "وكان هذا الرجل ذا سمعة أسطورية فاحتفظ بقوته العقلية والجسمانية حتى النهاية، وكثيراً ما كان يشاهد وهو يمتطي جواده مع فرقة من الخيالة كلها من أبنائه وأحفاده، وقد خلفه ابنه عبد الله فظل يحافظ على العلاقات الودية مع جاره العظيم الذي كان حكيماً فلم يتدخل قط في استقلال شبه الجزيرة".
آثاره:
آثاره في دولة قطر:
1. يعد الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني المؤسس الحقيقي لدولة قطر، فقد كان من كبار الساسة عمل نائباً لوالده الشيخ محمد مما أكسبه خبرة ودراية سياسية كبيرة.
2. عمل على أن تكون قطر بلداً موحداً مستقلاً، فهو أول رجل ظهرت قطر في ظل زعامته كياناً عضوياً واحداً متماسكاً مما استدعى تدخل بريطانيا التي ازداد نفوذها في تلك الآونة.، وقد استطاع من خلال سياسته أن يعمل على توازن للاعتراف باستقلال قطر من جانب أكبر قوتين متنافستين على النفوذ في منطقة الخليج العربي وأعني كلاًّ من انجلترا وتركيا.
3. لمع نجمه وزادت شعبيته، وذلك بما آتاه الله من عقل وحكمة وحنكة وحسن سياسة، حيث استطاع أن يوحد القبائل القطرية تحت لوائه ويجمع شتاتها، لقد وحد القلوب فاجتمعت على محبته.
ويقول الشيخ عبد الله البسام عن الشيخ قاسم وآثاره في عهده "توسعت أعمال البلاد، ونشط عمل الغوص فيها، وصار لها ميناء بحري تجاري لتصدير البضائع وتوزيعها، فكثر السكان، وتعددت الأعمال، واتسعت البلاد، وتوسع فيها العمران، وصار للعاصمة الدوحة قرى وضواح، وأصبحت دولة مستقلة.
ويقول عنه: إنه ساس قطر "بالعدل والحكمة والرحمة حتى أحبته رعيته".
حين قامت الدولة السعودية الأولى وانتشرت الدعوة السلفية كانت قطر من ضمن المناطق التي امتدت إليها هذه الدعوة.ولا أحد ينكر ما قام به الشيخ قاسم من نشر للدعوة السلفية في قطر فهو الذي أرسى دعائمها فيها، وكان من المتحمسين لها، ولا أدل على ذلك من عدم وجود مظاهر الانحراف في شرك العبادة في قطر، وهذا مستمر إلى يومنا هذا والحمد لله.
وكانت تربطه علاقات مع علماء الدعوة السلفية سواء في نجد كالعلامة الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ أو في العراق كالشيخ العلامة محمود شكري الآلوسي.
وقد تمثل دوره في نشر تلك الدعوة من عدة نواح منها:
1. قيامه بنفسه بالدعوة والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما ذكر المؤرخون عنه.
2. قيامة بالخطابة في الناس كل جمعة ولا شك أنه من خلال الخطبة ينشر العقيدة الصحيحة في الناس، كما أنه عقيب كل صلاة جمعة يلقي درساً لطيفاً يحض به على طلب العلم والسعي إليه، والعمل بأحكام الدين والجهاد والزكاة وغير ذلك من الأمور النافعة.
3. استجلابه للعلماء من نجد للقيام بأمر الدعوة إلى الله، وتوجيه الناس، فكان أولئك العلماء يجلسون للناس في المساجد يدرسونهم العلوم الشرعية من عقيدة وفقه وحديث وتفسير، ومن هؤلاء العلماء عالم الأحساء المالكي الشيخ المحدث عيسى بن عكاس قال عنه صاحب روضة الناظرين: (وكان حسن التعليم طلبه الشيخ قاسم بن محمد بن ثاني حاكم قطر ليقيم عنده في الدوحة لنشر العلم والدعوة والإرشاد وإمامة جامعه، والخطابة فيه، فسافر إلى قطر، وأقام بها سنة واحدة، وانتفع منه خلق، ودرّس في العقائد والحديث ورجاله والفقه .……)
4. إرساله لبعض أهل قطر من طلبة العلم للدراسة عند علماء نجد ومن هؤلاء الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله الدرهم.
ونذكر هنا أنه رفض إلتقاط صورة له خوفآ من الله لأن آلة التصوير كانت طارئة في زمنه وتفسر في الحكم الشرعي من الصورة فتحوط على عادة العلماء ,ومن المشايخ الذين يشاركونه في عدم جواز أخذ الصورة الشيخ إبن عثيمين رحمه الله .
ونحن نذكر ذلك ليس محاباة ولا رياء ولكن نريد أن نذكر الناس بالدين وأنصاره من أهل بلادهم ليقتفوا آثارهم