اعرض مشاركة منفردة
   
Share
  رقم المشاركة :4  (رابط المشاركة)
قديم 28.11.2010, 00:54
صور أمــة الله الرمزية

أمــة الله

مديرة المنتدى

______________

أمــة الله غير موجود

الملف الشخصي
التسجيـــــل: 24.04.2009
الجــــنـــــس: أنثى
الــديــــانــة: الإسلام
المشاركات: 3.944  [ عرض ]
آخــــر نــشــاط
29.08.2013 (18:25)
تم شكره 30 مرة في 26 مشاركة
افتراضي


نور الدين محمود



من أبرز شخصيات الدولة الزنكية نور الدين محمود؛ إذ تحفل سيرته بجهاد طويل ضد الصليبيين، وضد الدولة العُبيدية في سبيل نصرة الإسلام، ورفع رايته.

وُلِدَ نور الدين محمود في يوم الأحد 17 شوال سنة 511هـ/ 1118م بحلب، وقد نشأ في كفالة والده صاحب حلب والموصل وغيرهما، تعلم القرآن والفروسية والرمي، وكان شهمًا شجاعًا ذا همة عالية وقصد صالح وحرمة وافرة وديانة بينة[1].

اعتنى نور الدين بمصالح الرعية، فأسقط ما كان يؤخذ من المكوس، وأعطى عرب البادية إقطاعيات لئلا يتعرضوا للحجاج، وقام بتحصين بلاد الشام وبنى الأسوار على مدنها، وبنى مدارس كثيرة منها العادلية والنورية ودار الحديث، ويعتبر نور الدين أول من بنى مدرسة للحديث، وقام نور الدين ببناء الجامع النوري بالموصل، وبنى الخانات في الطرق، وكان متواضعًا مهيبًا وقورًا، يكرم العلماء، وكان فقيهًا على المذهب الحنفي، فكان يجلس في كل أسبوع أربعة أيام يحضر الفقهاء عنده، ويأمر بإزالة الحجاب حتى يصل إليه من يشاء، ويسأل الفقهاء عمّا يُشكل عليه، ووقف نور الدين كتبًا كثيرة ليقرأها الناس[2].


يقول ابن كثير فيه: "كان رحمه الله حسن الخط كثير المطالعة للكتب الدينية، متبعًا للآثار النبوية، محافظًا على الصلوات في الجماعات، كثير التلاوة محبًّا لفعل الخيرات، عفيف البطن والفرج، مقتصدًا في الإنفاق على نفسه وعياله في المطعم والملبس، حتى قيل: إنه كان أدنى الفقراء في زمانه أعلى نفقة منه من غير اكتناز ولا استئثار بالدنيا، ولم يُسمَع منه كلمةُ فُحشٍ قطّ في غضب ولا رضى، صموتًا وقورًا.

ركب يومًا مع بعض أصحابه والشمس في ظهورهما والظل بين أيديهما لا يدركانه، ثم رجعا فصار الظل وراءهما، ثم ساق نور الدين فرسه سوقًا عنيفًا، وظِلُّه يتبعه؛ فقال لصاحبه: أتدري ما شبهت هذا الذي نحن فيه؟ شبَّهتُه بالدنيا تهرب ممن يطلبها، وتطلب من يهرب منها"[3]. ويدل هذا الموقف على شدة زهده فيالدنيا، وعلى انتباه قلبه ويقظته.

اتصف نور الدين محمود بعدد من الصفات مكنته من تحقيق ذلك النجاح الباهر في بناء وإدارة دولة واسعة منها:

شعوره بالمسئولية الملقاة على عاتقه، واعتماده الحلول العقلية، وقوة شخصيته، كما تمتع بخصائص عسكرية فذة جعلته من أعظم قادة زمانه، ومكنته من تحويل جيشه الصغير إلى أعظم قوة عسكرية في الشرق الأدنى، كما كان رياضيًّا من الطراز الأول مولعًا بضرب الكرة "البولو" خدمة للأغراض الدينية، ومارس أيضًا رياضة الصيد، وكان تقيًّا ورعًا شغوفًا بالعلم، معظمًا للعلماء، وكان يختار رجال دولته بعناية فائقة، منح المؤسسة القضائية استقلالاً تامًّا، وأنشأ دار العدل التي كانت بمنزلة محكمة عليا لمحاسبة كبار الموظفين في الدولة، تحرى العدل وأنصف المظلوم من الظالم دون النظر إلى الفوارق الاجتماعية، كما كان حريصًا على تأمين الخدمات الاجتماعية لرعيته[4].


كان نور الدين محمود وهو في الثلاثين من عمره واضح الرؤية والهدف منذ أن تسلم الحكم حتى يوم وفاته، إذ كان عليه واجبالجهاد لتحرير الأرض من الصليبيين المعتدين وعلى رأسها بيت المقدس، وتوفير الأمان للناس، وأدرك أن الانتصار على الصليبيين لا يتحقق إلا بعد جهاد طويل ومرير حافل بالتضحيات في خطوات متتابعة تقرب كل منها يوم الحسم، فالخطوة الأولى التي كان قد بدأها والده عماد الدين زنكي حين حرَّر إمارة الرها التي تشكِّل تداخلاً مع الأراضي الإسلامية، فتمكن بذلك من تطهير الأراضي الداخلية وحصر الوجود الصليبي في الشريط الساحلي، وعليه أن يخطو الخطوة الثانية، لذلك وضع أسس سياسة متكاملة تتضمن توحيد بلاد الشام أولاً

ثم توحيد بلاد الشام ومصر التي كانت تعاني من الاضطرابات وفوضى الحكم ثانيًا، وطرد الصليبيين من المنطقة ثالثًا، وكان التوحيد في نظره يتضمن توحيد الصف والهدف في آن واحد، فأما توحيد الصف فهو جمع بلاد الشام ومصر في إطار سلطة سياسية واحدة، وأما توحيد الهدف فهو جمع المسلمين تحت راية مذهب واحد هو مذهب أهل السنة، وكان كلَّما توغل في خضمالجهاد، وتقدم به الزمان يزداد اقتناعًا بصواب هذه السياسة، وكان سبيله إلى ذلك مزيجًا من العمل السياسي والمعارك العسكرية التي تخدم توحيد الصف والهدف[5].



ولكن لم تكن الأمور مستقرة أبدًا على الجبهة الداخلية، فقد كانت مراكز القوى المتنافسة في العالم الإسلامي كثيرة، وكانت هذه المنافسة تأخذ أحيانًا شكلاً حادًّا وعنيفًا، غير أن خطر الصليبيين دفع القوى الإسلامية في أحيانٍ كثيرة إلى دفن خلافتها وتجاوز منافساتها، وكانت بعض القوى الإسلامية تقوم بدور الوساطة أحيانًا، لجمع الكلمة وتوحيد الجهد ضد أعداء الدين، ومثال ذلك ما حدث سنة 560هـ/ 1164م عندما وقع خلاف حاد بين نور الدين محمود بن زنكي وبين صاحب الروم قلج أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان أدى إلى الحرب والتضاغن، فلما بلغ خبر ذلك إلى مصر، كتب وزير صاحب مصر - الصالح بن رزيك - إلى قلج أرسلان ينهاه عن ذلك، ويأمره بموافقة نور الدين واتّباعه، وكان لذلك دوره في إخماد ثائرة الفتنة التي كان للروم دورهم فيها بتحريض قلج أرسلان لصرف نور الدين عن جهاد الصليبيين.

وفي سنة 562هـ/ 1166م، أعلن (صاحب مَنْبج) واسمه غازي بن حسان المنبجي عصيانه، وتمرد على نور الدين الذي كان قد عينه على حكم منبج، فما كان من نور الدين إلاّ أن وجه إليه قوة عملت على حصاره، ثم إخراجه من منبج التي أسند نور الدين حكمها إلى أخيه قطب الدين الذي عين (ينال بن حسان) لإدارة الحكم فيها، وكان عادلاً خيرًا محسنًا إلى الرعية، جميل السيرة فبقي فيها إلى أن أخذها منه صلاح الدين يوسف بن أيوب سنة 572هـ/ 1177م.

وكانت معظم ديار بكر وحصن كيفا تحت حكم فخر الدين أرسلان بن داود بن سقمان بن أرتق، وتصادف أن مرض سنة 562هـ/ 1166م، وشعر باقتراب منيته، فكتب إلى نور الدين محمود رسالة جاء فيها: "إن بيننا صحبةً في جهاد الكفار، أريد أن ترعى بها ولدي". وما لبث فخر الدين أرسلان أن توفي، وخلفه من بعده ابنه محمد، فقام نور الدين بحمايته والدفاع عنه، وكان قطب الدين مودود صاحب الموصل وشقيق نور الدين قد طمع بضم أملاك فخر الدين أرسلان إلى أملاكه، ووجه جيشًا لهذه الغاية، فأسرع نور الدين وكتب رسالة إلى أخيه قطب الدين جاء فيها: "إن قصدت أو تعرضت لبلاده، منعتُك قهرًا" فامتنع قطب الدين عن تنفيذ ما كان يريده.





رد باقتباس