السؤال التاسع والعشرون :
- ما رأيكم شيخنا فيمن يقول إنّ مال الكافر الّذي بلده يعادِي الإسلام ويحاربه غنيمة، ولا بأس في أخذه بطريقة أو أخرى، ولا إثم في ذلك ؟
الجواب :
من دخل بلاداً في أي دولة بأمان وبعهد وذمة فلا يجوز له نقض العهد، ولا يجوز النهب ولا السلب ولا القتل ولا الغصب، ولا الاعتداء على الأموال أو الأعراض أو الأنفس، ولو كان أهل تلك الدولة كفاراً أو حربيّين أو مخالفين في الدّين، لأنّه دخل بعهد وأمان، والأدلّة على ذلك:
1- قوله تعالى : (( فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)) (التوبة: من الآية4 )
2- وقال سبحانه : (( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً )) (الاسراء: من الآية34)
3- أن ذلك من الغدر والخيانة، روى البخاري عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ قالا: كَانَ الْمُغِيرَةُ صَحِبَ قَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَتَلَهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم "أَمَّا الْإِسْلَامَ فَأَقْبَلُ وَأَمَّا الْمَالَ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ."
قال ابن حجر في (الفتح 5/402) :" ويستفاد منه – أي من الحديث – أنه لا يحل أخذ أموال الكفار في حال الأمن غدراً؛ لأن الرفقة يصطحبون على الأمانة، والأمانة تؤدى إلى أهلها مسلماً كان أو كافراً، وأن أموال الكفار إنما تحل بالمحاربة والمغالبة " .
4- وروى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: (( اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَاب )) فلا يجوز الظلم بحال ولو كان للكفار.
ومن يستحلّ أخذ أموال الكفّار فمذهبه قائم على قول اليهود: {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }.
ومن أقوال أهل العلم :
قال الشافعي رحمه الله في " الأمّ " (4/284) : " وإذا دخل رجل مسلم دار الحرب بأمان .. وقدر على شيء من أموالهم لم يحل له أن يأخذ منه شيئا قل أو كثر؛ لأنّه إذا كان منهم في أمان، فهم منه في مثله، ولأنّه لا يحلّ له في أمانهم إلاّ ما يحلّ له من أموال المسلمين وأهل الذمّة ".
وقال السرخسي الحنفيّ في " المبسوط (10/96): " أكره للمسلم المستأمن إليهم في دينه أن يغدر بهم لأنّ الغدر حرام "، والكراهة عند السّرخسيّ هنا معناها التّحريم.
وقال ابن قدامة في " المغني " (9/237): "وأمّا خيانتهم فمحرّمة، لأنّهم إنّما أعطوه الأمان مشروطا بتركه خيانتهم وأمنه إيّاهم من نفسه، وإن لم يكن ذلك مذكورا في اللّفظ فهو معلوم في المعنى، ولذلك من جاءنا منهم بأمان فخاننا كان ناقضا لعهده، فإذا ثبت هذا لم تحلّ له خيانتهم لأنّه غدر، ولا يصلح في ديننا الغدر، وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : ((المُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ )) فإن خانهم أو سرق منهم أو اقترض شيئا وجب عليه ردّ ما أخذ إلى أربابه، فإن جاء أربابه إلى دار الإسلام بأمان أو إيمان ردّه عليهم، وإلاّ بعث به إليهم، لأنّه أخذه على وجه حرم عليه أخذه فلزمه ردّ ما أخذ، كما لو أخذه من مال مسلم ".
وقال المرغينانِي: " وإذا دخل المسلم دار الحرب تاجرًا؛ فلا يحلّ له أن يتعرّض لشيءٍ من أموالهم، ولا من دمائهم " [بداية المنتهي (ص: 118)].
ومن المفاسد المترتبة على الإقدام على مثل هذا العمل :
- فيه تشويه لصورة الإسلام، والمسلم مطالب بحفظ سمعة الإسلام وسمعته، ولا يجوز له أن يدنسها لأجل المال، ولا أن يصد عن دين الله بمثل هذه الممارسات.
- المسلم بهذا العمل يعرض نفسه وأهله وذويه للخطر من سجن، أو طرد، أو إيذاء، وهو في غنى عن كل ذلك، وليس للمسلم أن يذل نفسه، ولا يجوز أن يعرض من تحت يده للفتن حين يلقي بنفسه بأسباب تؤدي به إلى السجن والانقطاع عنهم.