اعرض مشاركة منفردة
   
Share
  رقم المشاركة :40  (رابط المشاركة)
قديم 22.11.2010, 20:38
صور أمــة الله الرمزية

أمــة الله

مديرة المنتدى

______________

أمــة الله غير موجود

الملف الشخصي
التسجيـــــل: 24.04.2009
الجــــنـــــس: أنثى
الــديــــانــة: الإسلام
المشاركات: 3.944  [ عرض ]
آخــــر نــشــاط
29.08.2013 (18:25)
تم شكره 30 مرة في 26 مشاركة
افتراضي


سقوط حلب
واستمر الحصار التتري لمدينة حلب سبعة أيام فقط، ثم أعطى التتار الأمان لأهلها إذا فتحوا الأبواب دون مقاومة، ولكن زعيمهم توران شاه قال لهم: إن هذه خدعة، وإن التتار لا أمان لهم ولا عهد، ولكنهم كانوا قد أحبطوا من سقوط ميافارقين، وعدم مساعدة أميرهم الناصر يوسف لهم، وبقائه في دمشق، وتركه إياهم تحت حصار التتار لهم.. وهذا الإحباط قاد الشعب إلى الرغبة في التسليم.. واتجه عامتهم إلى فتح الأبواب أمام هولاكو، ولكن قائدهم توران شاه وبعض المجاهدين رفضوا، واعتصموا بالقلعة داخل المدينة..
وفتح الشعب الحلبي الأبواب للتتار بعد أن أخذوا الأمان، وانهمرت جيوش التتار داخل مدينة حلب، وما إن سيطروا على محاور المدينة حتى ظهرت النوايا الخبيثة، ووضح لشعب حلب ما كان واضحاً من قبل لمجاهدهم البطل توران شاه، ولكن للأسف كان هذا الإدراك متأخراً جداً!.. لقد أصدر هولاكو أمراً واضحاً بقتل المسلمين في حلب وترك النصارى!!.. وهذه ولاشك خيانة متوقعة، والخطأ هو خطأ الشعب الذي بنى قصوراً من الرمال!.. وهكذا بدأت المذابح البشعة في رجال ونساء وأطفال حلب، وتم تدمير المدينة تماماً، ثم خرب التتار أسوار المدينة لئلا تستطيع المقاومة بعد ذلك، ثم اتجه هولاكو لحصار القلعة التي في داخل حلب، وكان بها توران شاه وبعض المجاهدين، واشتد القصف على القلعة، وانهمرت السهام من كل مكان، ولكنها صمدت وقاومت، واستمر الحال على ذلك أربعة أسابيع متصلة، إلى أن سقطت القلعة في النهاية في يد هولاكو، وكسرت الأبواب، وقتل هولاكو - كما هو متوقع ـ كل من في القلعة، ولكنه أبقى على حياة توران شاه ولم يقتله!.. وهنا يذكر بعض المؤرخين أن هولاكو قد فعل ذلك إعجاباً بشجاعة الشيخ الكبير توران شاه، وأن هذه فروسية ونبل من الفاتح هولاكو، ولكن هذه صفات لا تتناسق أبداً مع وصف هولاكو، وليس هولاكو بالذي يُعجب بمن يقاومه، وليس هو بالذي يتصف بنبل أو فروسية.. إنما الذي يتراءى لي أنه أبقى على حياته لأغراض أخرى خبيثة، فهذا العفو من ناحية هو عمل سياسي ماكر يريد به ألا يثير حفيظة الأيوبيين المنتشرين في كل بلاد الشام، وخاصة أنه قتل الكامل محمد الأيوبي منذ أيام، فإذا تتبع قوادهم بالقتل فهذا قد يؤدي إلى إثارتهم، ولا ننسى أيضاً أن كثيراً من الأيوبيين يحالفونه، ومنهم الأشرف الأيوبي أمير حمص، وهو لا يريد أن يقلب عليه الأوضاع في الشام.. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فهو يريد أن يفتح الباب للأمراء المسلمين أن يسلموا أنفسهم إليه دون مقاومة، فهولاكو - كما هو واضح - رجل وديع جداً، ولطيف جداً، ومسالم ونبيل جداً جداً، ويحافظ على القواد الذين يقاومونه، فما بالكم بمن دخل في حلفه!!.. ثم من ناحية ثالثة فإننا لا ننسى أن توران شاه هو عم الناصر يوسف حاكم دمشق الخائن، والإمساك بتوران شاه دون قتله قد يكون وسيلة من وسائل المساومة المستقبلية مع الناصر يوسف، أو فتح الطريق أمامه للاعتذار، وبذلك قد يوفر هولاكو على نفسه حرباً من المحتمل أن يفقد فيها عدداً من جنوده..
أنا أعتقد أن أمثال هذه الدوافع ـ أو ما كان على شاكلتها ـ قد يناسب طبيعة هولاكو الدموية، أما أن يقال إن هولاكو تأثر بأخلاق وفروسية توران شاه فأصبح هو الآخر أخلاقياً وفارساً، فهذا ما لا يُتوقع من مثله أبداً!..
وهكذا استقر الوضع لهولاكو في حلب، وخمدت كل مقاومة، وهدمت كل الأسوار والقلاع.. ثم أراد هولاكو أن ينتقل إلى مكان آخر في الشام، فاستقدم الأشرف الأيوبي أمير حمص، وهو أحد الأمراء الخونة الذين تحالفوا مع التتار، وأظهر هولاكو للأشرف الأيوبي كرماً غير عادي!.. فقد أعطاه إمارة مدينة حلب إلى جوار مدينة حمص، وذلك ليضمن ولاءه التام له، ولكي يتيقن الأشرف أن من مصلحته الشخصية أن يبقى السيد هولاكو محتلاً للبلاد، ولكنه بالطبع وضع عليه إشرافاً تترياً دقيقاً من بعض قادة الجند التتر، فأصبح الأمير الأشرف الأيوبي وكأنه الحاكم الإداري للمدينة، أي أصبح الأمير الأشرف الأيوبي "صورة" حاكم أمام الشعب، بينما كان هناك الحاكم العسكري التتري لحلب، والذي كان يعتبر في الواقع الحاكم الفعلي للبلد، وبيده بالطبع كل مقاليد السلطة والحكم والقوة!
ثم اتجه هولاكو غربًا بعد إسقاط حلب، إلى حصن "حارم" المسلم (على بعد حوالي خمسين كيلو مترًا من حلب(، وكانت به حامية مسلمة رفضت التسليم لهولاكو، فاقتحم عليها الحصن بعد عدة أيام من المقاومة، وذبح كل من فيها..
ثم أكمل طريقه غرباً بعد ذلك حتى وصل إلى إمارة أنطاكية، وهي إمارة حليفه النصراني الأمير "بوهمند"، فضرب هولاكو معسكره خارج المدينة، ثم دعا إلى عقد مؤتمر لبحث الأوضاع الراهنة في الشرق الأوسط الجديد (وذلك حسب الرؤية التترية)؛ فبدأ حلفاؤه في هذه المنطقة يتوافدون عليه ليقدموا له فروض الولاء والطاعة.. فجاء الملك الأرمني هيثوم، وجاء إليه أمير أنطاكية بوهمند، وجاء إليه كذلك أمراء السلاجقة المسلمون: كيكاوس الثاني وقلج أرسلان الرابع، وكانت إمارتهما على مقربة من أنطاكية..
ثم بدأ هولاكو يصدر مجموعة من الأوامر والقرارات:ـ
ـ أولاً: يكافأ ملك أرمينيا هيثوم بمكافأة كبيرة من غنائم حلب، وذلك تقديراً لمساعدات الجيش الأرمني في إسقاط بغداد ثم ميافارقين ثم حلب..
ـ ثانياً: على سلطانَيْ السلاجقة: كيكاوس الثاني, وقلج أرسلان الرابع أن يعيدا بعض المدن والقلاع التي كان المسلمون قد فتحوها قبل ذلك إلى ملك أرمينيا، وذلك لتوسيع ملك الزعيم الأرمني، وتثبيت أقدامه في المنطقة كحليف استراتيجي أساسي لهولاكو.. ولم تكن - بالطبع - فرصة الاعتراض واردة عند السلطانين المسلمين!
ـ ثالثاً: يكافأ "بوهمند" أمير أنطاكية على تأييده لهولاكو، وذلك بإعطاء مدينة اللاذقية المسلمة له، ليضمها بذلك إلى أملاك إمارة أنطاكية، وكانت اللاذقية قد حررت من الصليبيين أيام صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، ثم ظلت مسلمة إلى هذه اللحظة، ولكنها أهديت بكلمة واحدة إلى النصارى!!.. والقرار الثاني والثالث هما تطبيق للقاعدة الاستعمارية المجحفة وهي أن المحتل يعطي ما لا يملك لمن لا يستحق!!
ـ رابعاً: وهذا القرار الرابع كان قراراً غريباً، وهو ليس في مصلحة أمير أنطاكية ولا في مصلحة الملك الأرمني، ولكن هذا القرار لإثبات أن كل شيء الآن أصبح بيد السيد الجديد هولاكو، وما هؤلاء الملوك إلا "صورة" حلفاء فقط..
وهذا القرار الغريب كان يقضي بأن يعين بطريرك جديد للكنيسة في أنطاكية المحكومة أصلاً بالنصارى!.. وليس في حلب مثلاً أو بغداد.. ولكن في أنطاكية ذاتها، ومن المعلوم أن هولاكو لم يكن نصرانياً، فالقرار يأتي من قبل من لا يفقه في النصرانية شيئاً، وفوق ذلك فالبطريرك الجديد ليس من أنطاكية!.. بل أنكى من ذلك فالبطريرك الجديد ليس من نفس المذهب النصراني الذي عليه بوهمند وهيثوم!!.. وهذه سابقة خطيرة في تاريخ النصارى..





رد باقتباس