
08.11.2010, 10:52
|
|
______________
|
|
الملف الشخصي
التسجيـــــل: |
24.04.2009 |
الجــــنـــــس: |
أنثى |
الــديــــانــة: |
الإسلام |
المشاركات: |
3.944 [ عرض ] |
آخــــر نــشــاط |
29.08.2013
(18:25) |
تم شكره 30 مرة في 26 مشاركة
|
|
|
|
|
ماذا فعل هولاكو للخروج من هذا المأزق؟

حصار ميافارقين
لقد بدأ هولاكو بالطرق السهلة وغير المكلفة، وحاول إرهاب "الكامل" وإقناعه بالتخلي عن فكرة الجهاد "الطائشة"، فأرسل إليه رسولاً يدعوه فيه إلى التسليم غير المشروط، وإلى الدخول في زمرة غيره من الأمراء المسلمين.. وكان هولاكو ذكياً جداً في اختيار الرسول، فهو لم يرسل رسولاً تترياً، إنما أرسل رسولاً عربياً نصرانياً اسمه "قسيس يعقوبي"؛ فهذا الرسول من ناحية يستطيع التفاهم مع الكامل محمد بلغته، وينقل له أخبار هولاكو وقوته وبأسه، وهو من ناحية أخرى نصراني، وذلك حتى يلفت نظر الكامل محمد إلى أن النصارى يتعاونون مع التتار، وهذا له بعد استراتيجي هام؛ لأنك لو نظرت إلى الموقع الجغرافي لإمارة ميافارقين في شرق تركيا لرأيت أن حدودها الشرقية تكون مع مملكة أرمينيا النصرانية والمتحالفة مع التتار، وحدودها الشمالية الشرقية مع مملكة الكرج (جورجيا) النصرانية والمتحالفة أيضاً مع التتار..
وهكذا أصبح الكامل محمد الأيوبي كالجزيرة الصغيرة المؤمنة في وسط خضم هائل من المنافقين والمشركين والعملاء..
ـ من الشرق أرمينيا النصرانية..
ـ من الشمال الشرقي الكرج النصرانية..
ـ من الجنوب الشرقي إمارة الموصل العميلة للتتار..
ـ من الغرب إمارات السلاجقة العميلة للتتار..
ـ من الجنوب الغربي إمارة حلب العميلة للتتار..
وأصبح الموقف في غاية الخطورة!..
ماذا فعل الكامل محمد - رحمه الله - مع الرسول النصراني من قبل هولاكو؟
لقد أمسك به، وقتله!..
ومع أن الأعراف تقتضي أن لا يقتل الرسل إلا أن الكامل قام بذلك ليكون بمثابة الإعلان الرسمي للحرب على هولاكو، وكنوع من شفاء الصدور للمسلمين انتقاماً من ذبح مليون مسلم في بغداد؛ ولأن التتار ما احترموا أعرافاً في حياتهم..
وكان قتل "قسيس يعقوبي" رسول التتار رسالة واضحة من الكامل محمد إلى هولاكو، وأدرك هولاكو أنه لن يدخل الشام إلا بعد القضاء على الكامل محمد.. (وسيأتي التعليق على قضية قتل الرسل لاحقًا في هذا الكتاب).
واهتم هولاكو بالموضوع جداً؛ فهذه أول صحوة في المنطقة، ولم يضيع هولاكو وقتاً، بل جهز بسرعة جيشاً كبيراً، ووضع على رأسه ابنه " أشموط بن هولاكو"، وتوجه الجيش إلى ميافارقين مباشرة بعد أن فتح له أمير الموصل العميل أرضه للمرور..
وتوجه "أشموط بن هولاكو" بجيشه الجرار إلى أهم معاقل إمارة ميافارقين، وهو الحصن المنيع الواقع في مدينة ميافارقين نفسها وبه "الكامل محمد" نفسه، وكان الكامل محمد - رحمه الله - قد جمع جيشه كله في هذه القلعة؛ وذلك لأنه لو فرقه في أرض الجزيرة (بين دجلة والفرات) فإنه لن تكون له طاقة بجيوش التتار الهائلة..
وجاء جيش التتار، وحاصر ميافارقين حصاراً شديداً، وكما هو متوقع جاءت جيوش مملكتي أرمينيا والكرج لتحاصر ميافارقين من الناحية الشرقية، وكان هذا الحصار الشرس في شهر رجب سنة 656 هجرية - بعد الانتهاء من تدمير بغداد بحوالي أربعة شهور
وصمدت المدينة الباسلة، وظهرت فيها مقاومة ضارية، وقام الأمير الكامل محمد في شجاعة نادرة يشجع شعبه على الثبات والجهاد.
لقد كان كريماً في زمان اللئام!!
شجاعاً في زمان الجبناء!!
فاهماً جداً في زمان لا يعيش فيه إلا الأغبياء!.. بل أغابي الأغبياء!!
كان من المفروض في هذا الحصار البشع الذي ضرب على ميافارقين أن يأتيها المدد من الإمارات الإسلامية الملاصقة لها.. لكن هذا لم يحدث.. لم تتسرب إليها أي أسلحة ولا أطعمة ولا أدوية.. لقد احترم الأمراء المسلمون النظام الدولي الجديد الذي فرضته القوة الأولى في العالم التتار على إخوانهم وأخواتهم وأبنائهم وبناتهم وآبائهم وأمهاتهم المسلمين..
والواقع أنني أتعجب من رد فعل الشعوب!!..
أين كانت الشعوب؟!
إذا كان الحكام على هذه الصورة الوضيعة من الأخلاق، فلماذا سكتت الشعوب؟! ولماذا لم تتحرك الشعوب لنجدة إخوانهم في الدين والعقيدة، بل وإخوانهم في الدم والنسب، فمجتمعاتهم كانت شديدة التلاصق؟!
لقد سكتت الشعوب، وسكوتها مرده إلى أمور خطيرة..
ـ أولاً: لم تكن الشعوب تختلف كثيراً عن حكامها.. إنما كانت تريد الحياة.. والحياة بأي صورة..
ـ ثانيا: كانت هناك عمليات "غسيل مخ" مستمرة لكل شعوب المنطقة.. فلا شك أن الحكام ووزراءهم وعلماءهم كانوا يقنعون الناس بحسن سياستهم، وبحكمة إدارتهم، ولا شك أيضاً أنهم كانوا يلومون الكامل محمدًا الذي "تهور" ودافع عن كرامته، وكرامة شعبه، بل وكرامة المسلمين..
لا شك أنه كان يظهر خطباء يقولون مثلاً:
" أما آن للكامل محمد أن يتنحى، ليجنب شعبه دمار الحروب؟!.."
أو من يقول:
"لو سلم الكامل محمد أسلحته لانتهت المشكلة، ولكنه يخفي أسلحته عن عيون الدولة الأولى في الأرض: التتار، وهذا خطأ يستحق إبادة الشعب الميافارقيني بكامله!"..
ولا شك أن هولاكو كان يرسل بالرسائل يقول فيها: إنه ما جاء إلى هذه المدينة المسالمة إلا لإزاحة الكامل محمد عن الحكم، أما شعب ميافارقين فليس بيننا وبينه عداء.. إنما نريد أن نتعايش سلمياً بعضنا إلى جوار بعض!..
كانت هذه عمليات غسيل مخ تهدّئ من حماسة الشعوب، وتقتل من مروءتها ونخوتها..
ـ ثالثاً: من لم تقنعه الكلمات والخطب والحجج، فإقناعه يكون بالسيف!!
تعودت الشعوب على القهر والبطش والظلم من الولاة..
وعاش الناس و"تأقلموا" على الكراهية المتبادلة بين الحكام والمحكومين..
في ظل هذه الملابسات المخزية، والأوضاع المقلوبة، نستطيع أن نفهم لماذا يتم حصار إمارة ميافارقين، ويتعرض شعبها المسلم للموت أحياء، ولا يتحرك لها حاكم ولا شعب من الإمارات الإسلامية المجاورة..
وإذا كنا نفهم الخزي والعار الذي كان عليه أمير الموصل بدر الدين لؤلؤ، وأمراء السلاجقة (غرب تركيا) كيكاوس الثاني وقلج أرسلان الرابع، فإن الخزي والعار الذي وصل إليه "الناصر يوسف الأيوبي" حاكم حلب ودمشق قد وصل إلى درجة يصعب فهمها!!..
فالرجل تربطه بالكامل محمد الأيوبي علاقات هامة جداً.. ففوق علاقات الدين والعقيدة، وعلاقات الجوار، وعلاقات البعد الإستراتيجي الهام لإمارة حلب؛ إذ إن ميافارقين تقع شمال شرق حلب، ولو سقطت فسوف يكون الدور القادم على حلب مباشرة... فوق كل هذه الأمور فهناك علاقات الدم والرحم.. فكلا الأميرين من الأيوبيين، والعهد قريب بجدهما البطل الإسلامي العظيم صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، والذي لم يمر على وفاته سبعون سنة (توفى صلاح الدين الأيوبي رحمه الله في سنة589 هجرية)، ووقفاته ضد أعداء الأمة لا تُنسى، فكيف يكون الحفيد الناصر يوسف على هذه الصورة المخزية؟
هذا سؤال صعب.. فليس هناك للناصر يوسف أية مبررات.. لا من ناحية الشرع، ولا من ناحية العقل..
لقد طلب الأمير الكامل محمد - رحمه الله - النجدة من الناصر يوسف الأيوبي، فرفض رفضاً قاطعاً.. لم يتردد.. ولم يفكر.. إنه قد باع كل شيء، واشترى ود التتار.. وما علم عندما فعل ذلك أن التتار لا عهد لهم ولا أمان.. وحتى لو صدق التتار في عهودهم أيبيع المسلمين للتتار ولو بكنوز الدنيا؟!
ثم أن الناصر يوسف لم يكتف بمنع المساعدة عن الكامل محمد، ولم يكتف بالمشاركة في حصار ميافارقين، بل أرسل رسالة إلى هولاكو مع ابنه العزيز، يطلب منه أن يساعده في الهجوم على "مصر"، والاستيلاء عليها من المماليك!!!..
تخيلوا.. أنه في هذه الظروف يطلب الناصر يوسف من التتار الهجوم على مصر!!..
ولم ينس الناصر يوسف طبعاً أن يحمل ابنه العزيز بالهدايا الثمينة، والتحف النفيسة، إلى "صديقه" الجديد هولاكو..
ولكن سبحان الله!.. على نفسها جنت براقش!!..
فقد استكبر هولاكو أن يرسل له الناصر يوسف ابنه العزيز ولا يأتي بنفسه، فقد أتى الأمراء الآخرون بأنفسهم، واستكبر هولاكو أيضاً أن يطلب منه الناصر يوسف أن يعينه في الاستيلاء على مصر لضمها لحكم الناصر يوسف؛ وذلك لأن هولاكو بطبيعة الحال يريد للشام ومصر معًا أن يدخلا في حكمه هو لا في حكم الناصر يوسف.. ومن هنا غضب هولاكو، وأرسل رسالة شديدة اللهجة إلى الناصر يوسف.. كل هذا مع أن العزيز بن الناصر يوسف آثر أن يبقى في عسكر هولاكو ليهاجم معه المسلمين!!..
وطبعاً ليس هذا مستغرباً.. فهذا الشبل من ذاك الأسد!!..
ولنقرأ سوياً رسالة هولاكو إلى الناصر يوسف حاكم حلب ودمشق.. وواضح - بالطبع - أن هناك بعض الأدباء المسلمين المحترفين كانوا في جيش هولاكو يصوغون له ما أراد من أمور في لغة عربية سليمة، وبأسلوب يناسب العصر الذي كتبت فيه..
قال هولاكو:
"الذي يعلم به الملك الناصر صاحب حلب، أنا قد فتحنا بغداد بسيف الله تعالى، وقتلنا فرسانها، وهدمنا بنيانها، وأسرنا سكانها، كما قال الله تعالى في كتابه العزيز: (قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها، وجعلوا أعزة أهلها أذلة، وكذلك يفعلون)، واستحضرنا خليفتها، وسألناه عن كلمات فكذب، فواقعه الندم، واستوجب منا العدم، وكان قد جمع ذخائر نفيسة، وكانت نفسه خسيسة، فجمع المال، ولم يعبأ بالرجال، وكان قد نمى ذكره، وعظم قدره، ونحن نعوذ بالله من التمام والكمال..
إذا تم أمـر دنا نقصــهتوقع زوالاً إذا قيـل تـم
إذا كنت في نعمـة فارعه فإن المعاصي تزيل النعـم
وكم من فتى بات في نعمة فلم يدر بالموت حتى هجم
إذا وقفت على كتابي هذا، فسارع برجالك وأموالك وفرسانك إلى طاعة سلطان الأرض شاهنشاه روي زمين (أي ملك الملوك على وجه الأرض) تأمن شره، وتنل خيره، كما قال الله تعالى في كتابه العزيز: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى، ثم يجزاه الجزاء الأوفى)، ولا تعوق رسلنا عندك كما عوقت رسلنا من قبل، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وقد بلغنا أن تجار الشام وغيرهم انهزموا بحريمهم إلى مصر (وقد حدث هذا بالفعل؛ إذ فر كثير من التجار من الشام عندما علموا بقرب قدوم التتار)، فإن كانوا في الجبال نسفناها، وإن كانوا في الأرض خسفناها..
أين النجاة ولا مناص لهارب ولي البسيطان الندى والماء
ذلت لهيبتنا الأسود وأصبحتفي قبضتي الأمراء والوزراء"
وانتهت الرسالة التترية المرعبة!!..
وسقط قلب الناصر يوسف في قدمه!!..
ماذا يفعل؟!
|