أحكام إفشاء أسرار الزوجية ؟
بعد هذه الجولة الإيمانية بقي أن نتعرف على ما يجوز
وما لا يجوز نقله من أخبار الحياة الزوجية فأقول وبالله التوفيق :
إفشاء أسرار الزوجية على أقسام :
القسم الأول : أن تكون هذه الأسرار فيما يتعلق بأمور الاستمتاع بين الزوجين ,ووصف التفاصيل الراجعة
إلى الجماع وإفشاء ما يجري من المرأة من قول أو فعل حالة الوقع .
فهذا الحديث فيها نوعين :
النوع الأول : إذا كان الحديث بلا حاجة فلا يجوز الكلام فيها في المجالس للحديثين السابقين . قال الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم "
وفي هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه" .
وقد مثل النبي ـصلى الله عليه وسلم ـ الزوجين اللذين يتحدثان عن أسرار الفراش كمثل شيطان وشيطانة تلاقيا في طريق ماء فجامعها بمرأى من الناس , فعن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والرجال والنساء قعود عنده فقال :"لعل رجلاً يقول ما يفعل بأهله , ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها " فارم القوم – يعنى سكتوا ولم يجيبوا – فقلت : أي والله يا رسول الله , إنهن ليقلن وإنهم ليفعلون . قال : فلا تفعلوا فإنما ذلك مثلا الشيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون " .
فهذا نهي صريح عن كشف أسرار الفراش فكان هذا الكشف والإفشاء صورة جنسية معروضة في الطريق والفتنة الشيطانية المعروضة
في الطريق العام تتوق إليها النفوس الآثمة وتنفق في سبيل الحصول عليها الأموال الطائلة .
كما أنها نوع من المجاهرة , وسبب لتجرؤ السفهاء وإماطة اللثام عن الحياء .
النوع الثاني : إن كان الحديث فيها لإثبات حق أو رفع ظلم كأن تكون أمام القاضي أو من اتفقا على أن يكون المصلح بينهما فتنكر المرأة نكاح الزوج لها وتدعي عليه العجز عن الجماع أو نحو ذلك فهذا لا بأس بالحديث فيه لما يلي :
- روى البخاري في صحيحه أن رجلاً ادعت عليه امرأته العنة فقال : والله يا رسول الله إني لأنقضها نقض الأديم ولكنها ناشز تريد رفاعة ولم ينكر عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ . - روى مسلم في صحيحه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لأبي طلحة "أعرستم الليلة".
القسم الثاني : إن كانت الأسرار فيما عدا ذلك فهو أيضاً على أنواع : النوع الأول : إن كان الحديث في وصف الأزواج خلقياً فلا يجوز لقول النبي ـصلى الله عليه وسلم ـ : لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها" رواه البخاري. والمحذور نفسه موجود عند النساء فإذا استغرقت المرأة في وصف زوجها وجماله وبهائه قد يحدث في نفوس الحاضرات ما لا تحمد عقباه من الحسد ونحوه .
النوع الثاني :إن كان الحديث في وصف الأزواج خلقياً فهو بين أمرين : الأول : إن كان الحديث ذماً : كوصفه بالبخل أو الجهل أو الغلظة فهذا لا يجوز إلا إذا كان على سبيل الشكاية لمن يريد الإصلاح كالقاضي ونحوه لأنها من الغيبة والغيبة كما هو معلوم ذكرك أخاك بما يكره وهي محرمة .
الثاني : إن كان الحديث مدحاً : فهذا على حسب المصلحة إن كان في الحديث عن صفاته منفعة فلا بأس وإلا فلا خوفاً من ترتب المفاسد فإن قال قائل : حديث أم زرع وكلام النسوة في أزواجهن فقد دار حديثين مدحاً وذماً في الأزواج والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم ينكر ذلك مما يدل على جواز الحديث في مثل هذه الموضوعات ؟
والجواب من وجوه :
أولاً : أن الحديث جاء على هيئة الخبر , فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يسمع ما تقول
عائشة رضي الله عنها عن حال هؤلاء النسوة المجهولات وما دار بينهن من الحديث .
ثانياً : القاعدة تقول :
لا غيبة لمجهول فالنساء لا يعرفن وكذا الأزواج لا يعرفون فهذا انتفى المحذور . ذكر النووي في شرح مسلم : قال "قال المازري : قال بعضهم : وفيه أن هؤلاء النسوة ذكر بعضهم أزواجهن بما يكره , ولم يكن ذلك غيبة لكونهم لا يعرفون بأعيانهم أو أسمائهم و وإنما الغيبة المحرمة أن يذكر إنساناً بعينه , أو جماعة بأعيانهم , قال المازري وإما يحتاج إلى هذا الاعتذار لو كان النبي صلى الله عليه وسلم سمع امرأة تغتاب زوجها , وهو مجهول فأقر على ذلك .. وأما هذه القضية فإنما حكتها عائشة عن نسوة مجهولات غائبات , لكن لو وصفت اليوم امرأة زوجها بما يكرهه , وهو معروف عند السامعين كان غيبة محرمة فإن كان مجهولا لا يعرف بعد البحث فهذا لا حرج فيه عند بعضهم كما قدمنا