الزهد والورع.بين التنظير والممارسة :
من كتا ب الاحسان لعبد السلام ياسين :
البذل :
الزهد والورع:
....
جاع ذئب الحرص على المال فافترس ذمة المؤمن ونشر الفقر في حظيرة الآمنين المستضعفين. وجاع ذئب حب الرئاسة فتظالم الناسُ وتحاكموا إلى الطاغوت. الظلم كفر والبؤس كاد أن يكون كفرا. واجتماعهما التاريخي وتحالفهما في مُرَكَّب الاستكبار الطبقي ظلمات بعضها فوق بعض. ولا يكون الزهد في مفهومه الفردي السلبي الكفِّي القناعي الأخلاقي كفُؤاً لقتال الاستكبار وجلاء ظلماته.
زهد المؤمن الذي يكف يده عن الحرام والشبهات ويتقلل من المباحات، وورع المؤمن الذي يغُضّ طرفه عن المحارم ويحتاط لدينه في دقائق الأمور أخلاقُ المؤمن الضعيف إن بقي هذا الزاهد الورِع بمعزل عما تفعله الذئاب الجائعة وتتآمر فيه وتتعاون عليه.
ويكون زهد الزاهد وورع الورع الذي يكبَح نفسه ويملكها ويُصعِّد نزواتها إيمانا قويا وقاعدة صلبة للجهاد إن تَمَتَّنَتْ روابطُ القوة الزهدية في أخلاقية جماعية حتى صارت معروفا يغير منكرا، ودعوة تُسند دولة، ودولة تقوِّض دعائم الباطل وتحق حق العدل والإحسان.
................
لم يكن زهد الصحابة عمادُ الدعوة النبوية والخلافة الأولى زهدَ دروشة وهروب. كان زُهدُهم عملا فعالا، كان جهادا متواصلا يبذلون النفس والنفيس في سبيل الله. عاشوا زهدهم يوم أسلموا لله عز وجل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصبروا معه لأذى قريش الشديد. عاشوه يوم هاجروا معه مخلفين وراءهم الأهل والولد والدار والمال، مخلفين العشيرة، وكانت العشيرةُ في المجتمع الجاهلي هي الأمن وهي الشرفُ وهي الحسب وهي ضمان الحياة. زهدوا في الدنيا كلها وهاجروا إلى الله ورسوله، مع الله ورسوله، .....
..........
وأستغفر الله، ما عندي من الاستهانة بزهاد الأمة الذين جاءوا من بعد عهد الخلافة الأولى شيء، وما وصفت زهد القاعدين عن الجهاد بأنه إيمان ضعيف إلا مقارنة بالنموذج الكامل النبوي الصحابي الذي ينبغي أن يكون نُصب أعيننا، قريبا منا، لا تحجبنا عنه زهادة الهاربين بدينهم المتخفّين به. نريده لمستقبل الخلافة الثانية إن شاء الله زهداً ساكناً في الأعماق لا شقشقة طافحة على الأوراق تمجد "الدراسة الواعية للكون الكبير".
وما كان زهاد المسلمين الصادقون والصوفية الكرام أصحاب كلام وخصام. خاصموا الدنيا وعزفت نفوسهم عنها، أمسكَ الزهادَ شوقُهم إلى ما عند الله، وأمسكَ الصوفيةَ السالكين شوقُهم إلى الله عن التهافت على الدنيا، وضبَطَهم ذكرُ الله وصحبةُ أهل الله عن التهالك فيها، وأرسى قواعدَهم رسوخُ الإيمان بالغيب عن التطاوح في حَمأة الصراع الذئبي على المال والحسب. كانوا ورعين زاهدين، ازدهرت مواجيدهم الزهدية الورعية في باقات من طيِّب الكلام ومُخْلَصه وصائبه، ما أحرانا أن نتأمله تفصيلا لنتجاوزه من بعدُ جُملة مرتفعين إلى القمة النبوية القرآنية الصحابية.
ثم يقول عبد السلام ياسين:
قال الإمام الجنيد: سمعت سريّاً يقول: "إن الله عز وجل سلب الدنيا عن أوليائه، وحماها عن أصفيائه، وأخرجها من قلوب أهل وداده، لأنه لم يرضها لهم".
.....
سأل رُويم الصوفي شيخه الجنيد عن الزهد فقال: "الزهد استصغار الدنيا ومحو آثارها من القلب".
....
.
كان الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه أزهد الناس. قال: "الزهد ثلاثة أوجه: الأول ترك الحرام وهو زهد العوام. والثاني ترك الفضول من الحلال وهو زهد الخواص. والثالث ترك ما يشغل عن الله وهو زهد العارفين".
.........
.....وقال زاهد في الدنيا، ثاوٍ فيها ببَدنه، راحل عنها بقلبه:
أيهـا المعجـب فَخْــرا
بمقــاصيـر الـبيــوت
إنمـا الدنـيــا محــل
لـقـيــام وقـنــوت
وغـدا تـنــزل لحـداً
ضيقـا بعـد التخـوت
بين أقــوام سكــوت
نـاطقـات في الصمـوت
فارْض في الدنيا بثـوب
ومـن العـيـش بقــوت
واتخذ بيتـا ضعيـفــا
مثـل بيـتِ العنكبــوتِ
ثم قل: يا نـفـس هـذا
بيـت مـثـواكِ فمـوتي
.......
الآن بعدما قرانا بعضا مما كتبه الشيخ عبد السلام ياسين عن الزهد ..لنرى التطبيق العملي لما قاله الشيخ :