سادسا: تفسير الحديث في ضوء المكتشفات الحديثة:
قبل تقدم العلم ، كان السائد أن مسئولية ولادة طفل ذكر أو أنثي تتحملها المرأة وحدها ، و لا يوجد أي دور للرجل في تحديد جنس الطفل ، و مع تطور العلوم و تقدم وسائل البحث العلمي واكتشاف نوعين من الحيوانات المنوية ؛ هما النوع الحامل للصبغي (Y) , والنوع الحامل للصبغي (X) ، ومنذ ذلك الإكتشاف وعلماء الأحياء يعتبرون أن الذكر هو المسئول عن تحديد جنس الطفل ولا يوجد أي دور للمرأة في هذه العملية ، وعلي العكس من ذلك كانت الأحاديث الشريفة التي قالها النبي صلى الله عليه وسلم منذ القرن السابع الميلادي تنص بشكل واضح و صريح علي أن تحديد نوع الجنين مسئولية مشتركة بين الرجل والمرأة وهذا , الحديث الذي رواه ثوبان مولي رسول الله صلى الله عليه وسلم يعبر بصدق عن اشتراك الرجل و المرأة في ذلك ، و النص في الحديث "ماء الرجل أبيض ، وماء المرأة أصفر ، فإذا اجتمعا ، فعلا مني الرجل مني المرأة : أذكرا بإذن الله ، وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بإذن الله " ، أي أن علو ماء أحدهما يكون سببا في اكتساب جنس من علا ماؤه ، و في ضوء المكتشفات الحديثة لخصائص الأمشاج الكهربائية، يكون العلو المقصود العلو الكهربائي وهو علو حقيقي و ليس علوًا معنويًا،
ولتوضيح ذلك لابد من استرجاع بعض قواعد علم الطبيعة التي تخص الشحنة الكهربائية : يوجد نوعان من "الشحنات الكهربائية" (Electric charge) ، وهما "الشحنة الموجبة" (positive) ويرمز لها بالرمز (+) : وتعني نقصان عدد كبير من الإلكترونات في الجسم ، و "الشحنة السالبة" (negative) و يرمز لها بالرمز (-) : وتعني تجمع عدد كبير من الإلكترونات في الجسم ، وكما سبق إيضاحه ، تتجاذب الشحنات ذات الطبيعة المختلفة ، فإذا اقترب جسيمان مشحونان بشحنات ذات طبيعة مختلفة، وكانت للجسيمان حرية الحركة، فإن كلا منهما يجذب الآخر، وإذا كان أحد الجسيمين بروتونًا، والآخر إلكترونًا، فإن البروتون هو الذي يجذب إليه الإلكترون، عند اقترابهما ؛ لأن كتلة البروتون أكبر بكثير من كتلة الإلكترون ، وأيضا تتنافر الشحنات ذات الطبيعة المتماثلة : أي أن شحنتين موجبتين أو شحنتين سالبتين ، إذا اقتربتا لمسافة معينة، تظهر بينهما قوى ميكانيكية ، تعمل على دفع الشحنة ذات الكتلة الأقل ، بعيدًا عن الشحنة ذات الكتلة الأكبر ، بناء علي هذه الحقائق الكهربائية ، تكون الشحنة الموجبة هي الأعلى كهربائيًا نظرًا لقدرتها علي جذب الإلكترونات من الشحنة السالبة ، و بتطبيق القواعد السابقة علي الخصائص الكهربائية للبييضة و للحوين المنوي عند عملية التخصيب ، نجد أنه عندما تكون البييضة "سالبة الشحنة" فإنها تجذب إليها الحوين المنوي (Y) (الذي يحمل شحنة موجبة) وينتج "طفل ذكر"، وبما أن الحامل للصبغي "الشحنة الموجبة" هي الأعلى حسب قواعد الطبيعة يكون مني الرجل هو الأعلى و بذلك يكون علو مني الرجل سببًا في إنجاب "طفل ذكر" ،وهذا يطابق ما أوضحه الحديث النبوي بشكل مذهل " فإذا اجتمعا ، فعلا مني الرجل مني المرأة : أذكرا بإذن الله " ، و أما إذا كانت البييضة موجبة الشحنة فإنها تجذب إليها الحوين المنوي الحامل للصبغي (X) (الذي يحمل شحنة سالبة) و ينتج "طفل أنثى" ،وهذا ما أوضحه أيضا الحديث النبوي " وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بإذن الله " ، أي هناك دور مشترك للرجل والمرأة في تحديد جنس الطفل ، ومن خلال العرض السابق يتضح لنا صدق حديث النبي صلى الله عليه وسلم و يقدم إعجازًا علميا جديدًا يضاف إلي ما سبق من معجزات نبوية و التي لابد أن تكون وحيا من الله العليم الذي يعلم كل شيء ، ما نعلم وما لا نعلم ، يقول الله تعالي : {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك : 14]
يتبع ...