ثالثا : ماء المرأة المقابل لماء الرجل في الطب :
لقد قرر القرآن الكريم في الآيات التي تتحدث عن خلق نسل سيدنا آدم أن الخلق يكون من الماء ، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا..} (سورة الفرقان ، الآية : ٥٤ ) ، و لقد وصف "الله سبحانه وتعالي" هذا الماء بأنه دافق ، قال تعالي : {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (6) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} (سورة الطارق ، الآيتان : 5_6)، وأيضا بأنه مهين ، قال تعالي : {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} ( سورة السجدة ، آية : ٨)، كما قال تعالي أيضا : {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} ( سورة المرسلات ، آية : ٢٠ ) ، و بالنظر في الآيات السابقة يتبين لنا أن القرآن الكريم لم يوضح ماء الرجل من ماء المرأة ، ولكن المعني الضمني يشير إلي احتواء هذا الماء علي عناصر الخلق الأولية التي يتكون منها الإنسان ، و السنة المطهرة تؤكد أن الخلق يكون من الرجل و المرأة معا ، فلقد ورد عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، أنه قال : "مر يهودي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث أصحابه فقالت قريش : يا يهودي إن هذا يزعم أنه نبي فقال لأسألنه عن شيء لا يعلمه إلا نبي ، قال فجاء حتى جلس ثم قال : يا محمد مم يخلق الولد ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا يهودي من كلٍ يخلق من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة " ( ١١ ) ، وهذا يدل علي أن الخلق يكون من الرجل و المرأة معا وأن مصطلح النطفة يعبر عن الجزء من الماء الدافق أو المهين الذي يستخلص منه عناصر خلق الإنسان الأولية و التي يتكون منها الولد ، ولقد أثبت العلم الحديث أن خلق الإنسان يكون من اندماج الحيوان المنوي الذكري و بويضة الأنثى ، وبذلك يكون الحيوان المنوي هو نطفة الرجل و تكون البويضة هي نطفة المرأة ، كما يكون من الضروري أن يكون الماء الدافق أو المهين هو الذي يحمل تلك النطف و معبرا عن ماءي الرجل والمرأة معا .
قال العلماء في مجال الإعجاز العلمي في القرآن و السنة : { يخرج ماء الرجل متدفقا ويشير إلي هذا التدفق قوله تعالي : "فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (6) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} (سورة الطارق ، الآيتان : 5_6) ومما يلفت النظر أن القرآن الكريم يسند التدفق للماء نفسه مما يشير إلي أن للماء قوة دفق ذاتية ، وقد أثبت العلم في العصر الحديث أن المنويات التي يحتويها ماء الرجل لابد أن تكون حيوية متدفقة متحركة وهذا شرط للإخصاب ، و قد أثبت العلم أيضا أن ماء المرأة الذي يحمل البويضة يخرج متدفقا إلي قناة الرحم (فالوب) ، وأن البييضة لابد أن تكون حيوية متدفقة متحركة حتى يتم الإخصاب " ( ١٢ ) ، و ذكر الدكتور البار : " إن الحيوانات المنوية يحملها ماء دافق هو ماء المني، كذلك البويضة في المبيض تكون في حويصلة جراف (Graafian Follicles)، محاطة بالماء ، فإذا انفجرت الحويصلة تدفق الماء وتلقفت أهداب البوق البويضة لتدخلها إلى قناة الرحم، حيث تلتقي بالحيوان المنوي لتكون النطفة الأمشاج، هذا الماء يحمل البويضة تماما كما يحمل ماء الرجل الحيوانات المنوية ، كلاهما يتدفق، وكلاهما يخرج من بين الصلب والترائب: من الغدة التناسلية؛ الخصية أو المبيض.. وتتضح مرة أخرى معاني الآية الكريمة {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)} [الطارق : 5 - 7]، في إعجازها العلمي الرائع: ماء دافق من الخصية يحمل الحيوانات المنوية، وماء دافق من حويصلة جراف بالمبيض يحمل البويضة " ، كما أوضح أيضا الدكتور البار وصفا علميا دقيقا لماء المرأة : " إن للمرأة نوعين من الماء، أولهما: ماء لزج يسيل ولا يتدفق ، وهو ماء المهبل، وليس له علاقة في تكوين الجنين، وثانيهما: ماء يتدفق وهو يخرج مرة واحدة من حويصلة جراف (Graafian Follicles) بالمبيض عندما تقترب هذه الحويصلة المليئة بالماء الأصفر من حافة المبيض فإنها تنفجر ويتدفق منها الماء الأصفر حاملا البييضة.." ( ١٣).
=*=*=*=*=*=*=
١١ . أحمد ، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ، مسند أحمد .
١٢ . مارشال جونسون ، عبد المجيد الزنداني ، مصطفى أحمد : و صف التخليق البشري في مرحلة النطفة ، في :
"علم الأجنة في ضوء القرآن والسنة ".
١٣ . البار , محمد علي ، خلق الإنسان بين الطب والقرآن.الدار السعودية للنشر.
يتبع ...