الله المستعان ،،،،،،
جزاكم الله خيرًا،إخواني وأخواتي
من فضائل الدعاء:
أنه هو العبادة
يوم ترى العبد كثير الدعاء اعلم أنه عابد، يوم تراه متصلاً بالله اعلم أنه قوي الإرادة.
نظرت إلى فيلم مع بعض الإخوة للمجاهدين الأفغان في منطقة ترخم ، وقد رفعوا أياديهم قبل القصف المسلح وهم يحملون الكلاشنكوف فبكينا جميعاً.
من أين يأتي المدد؟ أخذوا المدد من الله، لا من هيئة الأمم، ولا من مجلس الأمن، ولا من موسكو ، ولا من واشنطن ، ولكن إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران:160] النصر من السماء، كان الصحابة إذا حضروا طلبوا من الله أن ينصرهم فينصرهم سبحانه. فقبل المعركة لهم دعاء، واتصال بالله.
وقف حبيبنا ورسولنا ومعلمنا صلى الله عليه وسلم في معركة بدر يدعو إلى الفجر حتى سقطت بردته من على كتفيه.
يقول سبحانه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] إذا قالوا لك: أين الله؟ هل هو قريب أو بعيد؟
إذا سألك العباد عن قدرة ربك، وعن سمعه وعلمه، فقل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] ولم يقل: فقل لهم إني قريب، قال أهل المفسرين: ترك الفصل لشدة الوصل، ولم يقل: فقل لهم: إني قريب. لأن في هذا فصل، وإنما قال: إني قريب، ترك الفصل لشدة الوصل ولاتصال الكلام أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186] وسبب نزول هذه الآية أن الصحابة أتوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنهم حديثو عهد بالجاهلية التي كانت تجعل الإنسان يعبد الوثن واللبن والتمر والحجر والمدر، فجعلهم عليه الصلاة والسلام يعبدون الله، جعلهم أمة ربانية تتصل بالله، بينها وبين الله جسور، أمة ليس بينها وبين الله واسطة إلا في التبليغ عن طريق محمد عليه الصلاة والسلام. قالوا: {يا رسول الله أربنا قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ }.
يقولون: يا رسول الله! أخبرنا وأفتنا أربنا قريب يسمع فنتكلم بصوت خافت أم هو بعيد فنرفع أصواتنا؟ ولذلك يقول ابن مسعود : [[كنت متستراً في لباس الكعبة فمر بي مشركان كثيرة شحم بطونهما، قليل فقه قلوبهما، فسمعت الآخر يقول: أيسمعنا رب محمد إذا تكلمنا؟ فيقول أخوه التيس الأعمى الذي هو غبي مثله قال: إذا رفعنا سمعنا، وإذا خفضنا لا يسمعنا. فيقول: خفض صوتك ]].
قالوا: { أربنا قريب فنناجيه أو بعيد فنناديه؟ فسكت عليه الصلاة والسلام فأنزل الله: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186] }.
أنه لا يهلك معه أحد
أما فضل الدعاء فحدث ولا حرج، ورد في الحديث {لن يهلك مع الدعاء أحد } كيف تهلك والدعاء معك؟ كيف تموت والدعاء معك؟ كيف تخزى في الدنيا والدعاء معك؟ قال أبو الحسن علي بن أبي طالب : [[عجباً لكم! معكم الدواء ومعكم الداء، داؤكم الذنوب ودوؤكم الدعاء والاستغفار ]] فأكثروا من الدعاء وألحوا في الاستغفار.
ذكر الله إبراهيم عليه السلام فوصفه أنه كان أواه منيب، وقد اختلف أهل التفسير في تفسير كلمة "أواه" قال بعضهم: كان يقول: أواه من ذنوبي، أواه من خطاياي، أواه من معاصي، أواه من تقصيري. وبعضهم قال: كان كثير الدعاء، وكثير المسألة والإلحاح.
ألحوا في الدعاء فإن الله يحب الملحين في الدعاء. ألح في الدعاء فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى واسع المغفرة.
لا تـسـألـن بنـي آدم حـاجـة ** واسـأل الـذي أبـوابـه لا تحـجـب
الله يغضب إن تركت سؤاله ** وترى ابن آدم حين يسأل يغضب
لو سألت الإنسان، طلباً وطرقت عليه بابه، وألححت عليه يغضب منك، أو يطردك أو يسأم منك إلا الله. وكلما اقتربت من الله ودعوته وصدقت معه زادك توفيقاً وهداية ورشداً. يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن زكريا وغيره من الأنبياء وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90].
ولو سئل الناس التراب لأوشكوا ** إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا
أما خزائن الله فملأى: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْأِنْفَاقِ وَكَانَ الْأِنْسَانُ قَتُوراً [الإسراء:100].
من آداب الدعاء:
دعاء الله بأسمائه الحسنى
أما دعاء الله بالأسماء فلله أسماء سمى بها نفسه، ولم يسمه أحد من الناس، بل اختار لنفسه أسماء كالحكيم والكريم والعليم والحليم والحي القيوم وذو الجلال والإكرام وأمثالها وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ [الأعراف:180] الصوفية لهم دعاء عجيب! يقول ابن عربي الصوفي الغالي: من أفضل الأسماء: هو هو. الضمير المنفصل، وقد ضحك عليه ابن تيمية بقوله: هذا ليس دعاءً بل هذا نبيح كلاب، فهم قالوا: بدلاً من هو الله، يكفي أن تقول: هو، وبعضهم قال: الله الله الله الله، وبعضهم يردد فقط الاسم بلا دعاء، وأنت تجدهم في المدينة ومكة ممن يقدم من البلاد الأخرى جالساً الليل كله من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر، وهو يقول: يا لطيف يا لطيف، يا لطيف يا لطيف. ماذا فعل اللطيف؟ وماذا تريد من اللطيف؟
فلو أتاك رجل عند الباب واسمك محمد، فقال: يا محمد، يا محمد، يا محمد، يا محمد. فتقول: نعم. فيقول: يا محمد، يا محمد. فتقول: نعم. فيقول: يا محمد. ما هذا! ماذا تريد من محمد؟ إن الاسم لابد أن ينادى بمشتق أو بفعل أو بطلب، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك، يا أكرم الأكرمين أكرمنا بطاعتك، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة.
ووردت أسماء ما أنزل الله بها من سلطان، كقول بعضهم كما يذكر الغزالي صاحب كتاب الإحياء : يا دهر الدهارير. سبحان الله! وهل من أسماء الله دهر الدهارير؟! هذه طلاسم ما أنزل الله بها من سلطان، أسماؤه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى توقيفية وهي التي سمى بها نفسه وسماه بها رسوله عليه الصلاة والسلام.
جاء عند أحمد في المسند بسند صحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقول: {اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، وجلاء همي وغمي، وذهاب حزني } ما أجمل هذا الدعاء! وما أحسن هذا الكلام! وعند البخاري عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:{إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة } قال أهل العلم: معنى (من أحصاها) على أحد معان ثلاث: من أحصاها قيل: حفظها، ومن أحصاها قيل: عمل بمقتضاها، ومن أحصاها قيل: عرف معانيها. والكل صحيح.
والدعاء بالأسماء الحسنى يكون بأن تثني على الله قبل أن تدعوه كما كان يقول عليه الصلاة والسلام في الليل: {اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون! اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم }.
الإلحاح في الدعاء
من آداب الدعاء: أن تكون ملحاحاً، لا تقول:دعوت دعوت فلم يستجب لي. بل تستمر، يقول صلى الله عليه وسلم: {لا يقل أحدكم: دعوت فلم يستجب لي } وقال في حديث آخر: {يستجاب لأحدكم ما لم يستعجل، يقول: دعوت دعوت فلم يستجب لي } وكل شيء عنده بمقدار. أتملك اقتراحاً على الله؟
أتريد أن تنفذ إرادتك على الله؟
أتريد أن يلبي الله لك طلبك في أسبوع؟!
أنظر إلى موسى، وقف عليه السلام داعياً يقول رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ [يونس:88] فيقول أخوه هارون وهو بجانبه: آمين، آمين، آمين. فأخبر الله أنه استجاب لهما فسماهما داعيين، قال: قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا [يونس:89] قال أهل العلم: كان بين الدعاء والإجابة أربعون سنة. أربعون سنة مكث موسى ينتظر عذاب الله على فرعون وقومه.
الإلحاح أن تستمر في الدعاء {ليسأل أحدكم حاجته حتى شسع نعله -وفي بعض الروايات- حتى الملح فإنه إن لم ييسره الله ما تيسر }.
القلوب بيد الحي القيوم، ولا يفتح القلوب إلا هو، والمفاتيح عنده: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59].
عدم التعدي في الدعاء
أولياء الله لا يتعدون في الدعاء، التعدي شيء يخالف الشرع مثل أن يدعو العبد أن يكون نبياً من الأنبياء، كيف تكون نبياً وقد ختمت الرسالة؟! الله عز وجل يقول: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [آل عمران:144] ويقول في آية أخرى: وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40] وكأن تدعو أن تكون أفضل من أبي بكر الصديق وقد صح بالنصوص أنه أفضل الأمة.
سمع سعد بن أبي وقاص -المجاهد العظيم الشجاع فاتح العراق - ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض على يمين الجنة -اشتراط: قصر أبيض وعلى يمين الجنة في الشارع الثاني، قصر على شارعين!- قال: يا بني، إني سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:{ليكونن أقوام من أمتي يعتدون في الطهور والدعاء } فلا تكن منهم، ولكن ادع الله الجنة واستعذ به من النار.
يقول ابن الجوزي : أتى أعرابي ووقف بـعرفة ثم نزل وبات بـمزدلفة وفي اليوم الأول رمى الجمرات، وسبق الناس إلى الحرم ودخل الحرم مسرعاً، ثم تعلق بأستار الكعبة وقال: اللهم اغفر لي قبل أن يكثر عليك الناس. لا إله إلا الله! يقول: نفِّذ طلبي يا رب الآن قبل أن يأتي الناس ألوف مؤلفة. وهو الذي لا تختلف عليه اللهجات، ولا يضيق بتعدد الحاجات، ولا تختلط عليه النغمات ولا السمات ولا الأعراف ولا القبائل ولا الجهات، لو اجتمع أهل الأرض من خلق الله من ذرية آدم إلى قيام الساعة في صعيد واحد قال: {فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر } رواه مسلم .
هذا من دعاء الأعراب، وهو من الجهل بما عند الله، وهو من التعدي، بل بعضهم كان يدعو بالدعاء الجاهلي الذي ذكره أهل العلم ولا يليق بذلك قال بعض الأعراب: اللهم اغفر لي وإن كنت غفرت لي فأرني علامة. يقول: أرني علامة لأرى هل غفرت لي أم لا.
وكان بعضهم إذا دخل في الإسلام كما ذكر ذلك ابن عباس يقول: اللهم ارزقنا دراً -أي: لبناً- وزرعاً وضرعاً. فكان إذا لم يرزق ارتد عن الإسلام، يعبد الله على حرف: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ [البقرة:200] دعاء في الدنيا فقط، فيأتيه دعاء الدنيا ومعيشة الدنيا لكن لا حظ له عند الله، فالمسلم لا يتعدى في الدعاء.
ومن التعدي في الدعاء أن تقول: اللهم إني أسألك أن ترفعني على فلان وفلان في الجنة، وأسألك أن تدخلني الجنة وترزقني ثلاثة قصور: قصر أبيض وقصر أزرق وقصر بنفسجي. هذا من التعدي والاشتراط الذي ما أنزل الله به من سلطان.
توخي الأوقات الفاضلة
للدعاء أوقات، وأعز وقت في السحر، سبحان الله الذي جعل السحر من أفضل الأوقات!
قلت لليل هل بجوفك سر ** عامر بالحديث والأسرار
قال لم ألق في حياتي حديثاً ** كحديث الأحباب في الأسحار
نام الناس ورقدوا وغفلوا إلا الله، وفي الصحيحين :{ينـزل ربنا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إلى سماء الدنيا، فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فاغفر له؟ هل من داع فأجيبه؟ فإذا طلع الفجر ارتفع الله } فالسحر عجيب وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:18] وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ [آل عمران:17] إن كنت تريد الخير فكن من الداعين في الثلث الأخير يوم تنام العيون إلا عين الله:
نامت الأعين إلا مقلة ** تذرف الدمع وترعى مضجعك
فالسَحَر السَحَر.
والسجود من الأماكن والحالات الفاضلة، يقول عليه الصلاة والسلام:{إني نهيت أن أقرأ القرآن وأنا ساجد، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم } -أي جدير- حديث صحيح. وصح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال:{أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد }.
يقولون: كان محمد بن جعفر الصادق إذا سجد في المقام بكى عند الكعبة حتى يبكي الناس، ويقول: مسكينك بين يديك، فقيرك بين يديك.
نور الدين محمود بن سبكتكين التركي المجاهد العظيم كان إذا سجد يقول: اللهم اغفرلي، فإن عندي من الخطايا كالجبال. هذا هو الصدق والإخلاص.
محمد بن واسع الأزدي يوم فتح المسلمون كابل عاصمة أفغانستان طوقوها فأخذ يرفع سبابته ويتكئ على رمحه، ويقول: يا حي يا قيوم! انصرنا. فيقول المجاهد قائد المعركة قتيبة بن مسلم : والله لأصبع محمد بن واسع عندي خير من مائة ألف سيف شهير، ومن مائة ألف شاب طرير.
إذاً: توخي الأوقات الفاضلة ومنها الساعة التي بعد صلاة العصر إلى المغرب من يوم الجمعة فما جاء في الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام: {إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يدعو الله عز وجل أو يصلي -كما في رواية أبي هريرة - ويسأل الله شيئاً إلا أعطاه } إذا جلست في المسجد أو في بيتك داعياً منيباً مخبتاً لبى الله طلبك.
ومن الأوقات: يوم عرفة ، حيث يتجلى الله للناس يوم عرفة فيقول: {يا ملائكتي! انظروا لعبادي أتوني شعثاً غبراً ضاحين، أشهدكم أني قد غفرت لهم }.
ترك السجع والتكلف
مثلما يعرض في بعض المساجد في دعاء القنوت والتراويح، تجدهم لا يبكون عند القرآن، فإذا أتى القنوت اهتز المسجد والحارة لأن الإمام مجهز نفسه من الصباح بـمقامات ابن نباته ومقامات الحريري،ومقامات البديع،وديوان أبي تمام ، يمسك الراء نصف ساعة، والدال نصف ساعة، والنون نصف ساعة، .....وهكذا
اللهم يا رافع القصور، ويا موسع الدور، ويا كسار الظهور، وشارح الصدور..، ثم يمول دعاءه ويتكلف فيه، وهذا خلاف السنة. وقد نبه على ذلك سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في كثير من المناسبات، فليجتنب الإنسان التكلف، فإننا ديننا يسير سهل، الأولى أن يبكي من القرآن، وادع بما عندك، وكان السلف يكرهون التكلف، والدعاء هو الذي يخرج من القلب لا ما حفظ في الرأس أو في القرطاس، فهذا يطير مع الهواء والأنفاس.
العجم كانوا يدعون بلغاتهم ولكن الله يستجيب لهم، حتى سئل ابن تيمية قالوا له: لو دعا الله داع بلغة عامية أيستجاب له؟ قال: سبحان الله! المهم أن يوجد الصدق والإخلاص لأنهما طريق الاستجابة وليس الفصاحة، كم من فصيح قلبه أعمى، وأعجم، وأبكم.
الدعاء بالجوامع
الدعاء بجوامع الأدعية، تقول عائشة في الصحيح: {كان عليه الصلاة والسلام يتوخى الدعاء بالجوامع من الكلم من الأدعية ويدع ما سوى ذلك }.
ومن الأدعية الجوامع: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، اللهم إني إسألك العفو والعافية، اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم اهدني وسددني، اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي، يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك. هذه هي الأدعية الجوامع ونحوها مما ورد في السنة.
الإسرار في الدعاء
يقول عز من قائل في الذكر: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً [الأعراف:205] وفي الدعاء قال: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف:55] قال عز وجل: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف:55] وقال في الذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً [الأعراف:205] قال هناك: (وَخُفْيَةً) وقال هنا: (وَخِيفَةً) فما الفرق بينهما؟
فالذكر يدعى من الخوف فعلى الذاكر أن يكون خائفاً، وعلى الداعي أن يكون مخفياً فيخفي الداعي دعاءه لأمور:-
أولاً: لا يتشوش قلبه.
الأمر الثاني: لأنه أخلص للعبادة وأبعد عن الرياء والسمعة.
الأمر الثالث: أنه أبعد عن عين الحاسد، فإن الحاسد ينقم على النعمة، وأفضل النعم أن تدعو الله إلى أمور أخرى.
يقول أبو موسى الأشعري : {كنا في ثنية مع الرسول عليه الصلاة والسلام، فأخذ الصحابة يرفعون أصواتهم بالذكر والتكبير والتهليل والتحميد والتسبيح، فقال عليه الصلاة والسلام: أيها الناس! أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، وإنما تدعون سميعاً بصيراً أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته، ثم قال - لـأبي موسى - يا عبد الله بن قيس ! قلت: نعم. يا رسول الله! قال: ألا أدلك على كنز من كنور الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله } وكان أبو موسى يقولها في نفسه، فدله عليه الصلاة والسلام على ذلك.
يقول عز وجل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة:186] وهو قرب العلم، وإلا فالله مستوٍ على عرشه بائن عن خلقه استواء يليق بجلاله، ولذلك ذكر الله معية العلم، فقال: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة:7] فهذا بالعلم ما يكون اثنان إلا والله ثالثهم تبارك وتعالى بعلمه، وإلا فهو مستوٍ على عرشه، قريب يسمع دعاء الداعي ويرى مخ النملة في عظمها الناحل، ويرى دبيب النمل ويسمعها وهي في حندس الظلام على الصفا السوداء في بقاع الأرض أو في قعر المعمورة، يقول تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام مادحاً لهم: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90] فوصفهم بكثرة الدعاء، وما أتى مطلوب إلا بدعاء، وسوف نمر بنماذج من دعاء الأنبياء والرسل، ولا يستهين العبد بالغرض البسيط، فبعضهم لا يدعو في الأمر السهل، لأنه يقول: ما يحتاج هذا إلى دعاء، وهذا خطأ، بل قد صح في الحديث: {ليدع أحدكم ربه، حتى في شسع نعله، فإنه إن لم ييسره لا يتيسر أبداً }.
شروط استجابة الدعاء
يقول الصحابة: {يا رسول الله! أربنا قريب فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ -يقولون: أين الله؟ هل هو قريب فنخفض الصوت ونتكلم معه، أم بعيد فنرفع أصواتنا- فأتى الجواب من الواحد الأحد فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186] قال أهل العلم: اشترط الله عليهم شرطين.
الأول: الاستجابة المطلقة لله ولرسوله، فمن لم يستجب لله ولرسوله، فلا يستجيب الله له أبداً، لأنه عطل طريق الإجابة، فكما تكونوا يول عليكم.
الثاني: أن يكون مؤمناً عاملاً الصالحات، ومهما طال المدى فإن العبد بين نعمة الدعاء، حتى يقول أحد الصالحين: والله! إني أريد أن يتأخر قضاء حاجتي أو أن تتأخر حاجتي لأجل ما أجد من لذة الدعاء. فهو يريد أن يُفتح له باب في الدعاء، فيريد أن تتأخر حاجته؛ ليبقى داعياً مقبلاً على الله.
موسى عليه السلام، يقف ويرفع يديه وعنده هارون بجانبه، فيقول داعياً ربه: رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ [يونس:88] فقال هارون: آمين آمين آمين، فأنزل الله: قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا [يونس:89] فجعل المؤمِّن والداعي داعين، قال أهل العلم: بعد أربعين سنة أجاب الله دعوته، وما قنط وما هاب وما مل وما سئم.
يعقوب بكى أربعين سنة على يوسف، يقول بعض أهل التفاسير وأهل السير ولله الحكمة البالغة، يقولون: لما جاء إخوة يوسف في الصباح قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ [يوسف:11-13] فأوحى الله إليه: خفت الذئب وما رجوتني، فمن الذي بيده الذئب وتصرف الذئب إلا الله، فخاف أن يأكله الذئب فأتى الخوف من غير مأمنه.
يقول: ما كان في أذهان أولاد يعقوب أن يقولوا أكله الذئب، لكن فتح لهم الطريق، قالوا: يقول أبونا: أخاف أن يأكله الذئب، إذاً في المساء إذا أتينا نقول: أكله الذئب، فذهبوا به فألقوه في غيابة الجب،
قال ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم : أسقطوا يوسف عليه السلام في حبل فوقع في الماء على صخرة في الجب، فأخذ يسبح الله، يقول: تهدأ الحيتان والضفادع ولا يهدأ هو من التسبيح، حتى أوحى الله إليه: يا يوسف! لا تخف: لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [يوسف:15].
يقول: سوف ننجيك، وأنا معك.
وعند الإمام أحمد في كتاب الزهد أن موسى عليه السلام لما عبر أرض مدين وكشف الصخرة وردها وسقى تولى إلى الظل، ثم بكى فرفع يديه فقال: يا رب! فقير مريض جائع غريب، فأوحى إليه: يا موسى! الجائع: من لم أكن أنا مطعمه، والغريب: من لم أكن أنا مؤنسه، والفقير: من لم أكن أنا مغنيه، والمريض من لم أكن أنا طبيبه، ذكرها الإمام أحمد .
فأتى هؤلاء الأبناء -على سبيل الاستطراد- فقالوا: أكله الذئب، قال ابن عباس : خلعوا قميصه خلعاً ولم يشقوه والذئب لا يعرف خلع القميص، بل المعروف أنه إذا أكل أكل، فأتوا بالثوب سالماً معافى ولطخوه بدم، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ [يوسف:18].
والقميص في سورة يوسف ثلاثة: قميص كذب، وقميص براء، وقميص شفاء.
وإذا أردت أن تعرف قوة إيمان العبد فانظر إلى دعائه، فإذا رأيت العبد يبتهل في أدبار الصلوات وبعد الفجر، وإذا قام من النوم وقبل الصلوات ويوم الجمعة، فاعرف أنه مؤمن، وإذا رأيت العبد كالاً فاتراً، ما يدعو إلا بسهو أو لهو فاعرف أن إيمانه على قدر دعائه.
الذنوب والمعاصي وأثرها على الدعاء
والعجيب أن المعاصي تقلب مقاصد العبد عليه، حتى قال بعض أهل العلم: إني لأعرف معصيتي في خلق دابتي وامرأتي وفي لباسي، حتى في لبس الحذاء، فبعض السلف يقول: إذا لم تُلبس لك الحذاء من أول وهلة، فاعلم أنه لذنب ارتكبته.
وذكروا عن سهل التستري أو غيره: أنه ذهب إلى صلاة الجمعة فانقطعت حذاؤه، فقال: أتدرون لم انقطعت؟ قالوا: بقضاء وقدر، قال: لكني أظنها بسبب وهو أني تركت غسل الجمعة، ثم عاد واغتسل.
وأخبروا ابن الجوزي بهذه القصة فقال: قلت ذنوبهم فعرفوا من أين أتوا، وكثرت ذنوبنا فلا ندري من أين أُتينا.
تكاثرت الظباء على خراش ** فما يدري خراش ما يصيد
فالثوب الأبيض إذا نقطت فيه نقطة سوداء عرفت من كل مكان، أما الثوب الأسود فلطخ فيه ما شئت، لا يظهر عليه الأسود ولا الديزل ولا الشحم ولا الأحمر ولا البنفسجي.
ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {ونقني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس } فالثوب الأبيض مثل المؤمن، والثوب الأسود مثل الفاجر الذي تلطخ من كل جهة، حتى إن بعض الناس إذا قلت له: لا تستمع الغناء قال: ليس معكم إلا مسألة الغناء! والحديث عن الغناء! الناس معاصيهم مثل الجبال، وأنت مع الغناء! وذلك لأن معاصيه مثل الجبال، فأصبح الغناء عنده شيئاً طبيعياً، تحدثه عن إسبال الثوب، قال: ألا تعرفون إلا الثوب؟! الحمد لله نحن أحسن من غيرنا، لو ذهبت أوروبا لرأيت المنكرات والدواهي، لأنه يقيس نفسه على بوش ، وأوباما، فيرى أنه أفضل منهم، فهو يشهد أن لا إله إلا الله، وهو يصلي الخمس فيرى أن له ميزة أو مزية.
فإذا علم ذلك، فلا بد من الدعاء ولو بالأمر السهل، حتى الصالحون كانوا إذا خرجوا من بيوتهم يدعون الله أن يسهل لهم أمورهم، ويفتح قلوب الناس لهم ويسخر لهم مطالبهم، ويهيئها، فإنها إن لم يهيئها الله لا تتهيأ.
.............يتبع إن شاء الله
توقيع أبو عبد الله محمد بن يحيى |
خُـــــذْ لك زَاديْــنِ مِـنْ سِــيـــرَةٍ ** وَمِنْ عَمَـلٍ صَــالِــــحٍ يُدّخرْ
وكن في الطريق عفيفَ الخُطى ** شريفَ السماعِ كريمَ النَّظرْ
وكــن رجـــلاً إن أتَـــــــوْا بَعْدَهُ ** يَقُــولُـونَ مَــرّ وَهَـــذَا الأثَرْ
|
آخر تعديل بواسطة أبو عبد الله محمد بن يحيى بتاريخ
17.09.2010 الساعة 18:10 .