اعرض مشاركة منفردة
   
Share
  رقم المشاركة :3  (رابط المشاركة)
قديم 14.04.2009, 06:18
صور نوران الرمزية

نوران

مديرة المنتدى

______________

نوران غير موجود

الملف الشخصي
التسجيـــــل: 13.04.2009
الجــــنـــــس: أنثى
الــديــــانــة: الإسلام
المشاركات: 4.608  [ عرض ]
آخــــر نــشــاط
30.06.2014 (14:52)
تم شكره 92 مرة في 54 مشاركة
افتراضي


بسم الله الرحمن الرحيم



الدافع الثاني






( بلاغة القرآن وفصاحته )






ولقد كان من بين الدوافع التى شجعت المسلمين على بذل كل هذه الجهود التى تقدمت الإشارة إلى طرف منها : بلاغة القرآن وفصاحته ، وبيانه ، ذلك أن البلاغة تتمثل في بلوغ المتكلم بكلامه ما يريد من نفس السامع بإصابة موقع الإقناع من العقل ، والوجدان من النفس ، أو هى إعطاء كل مقام ما يناسبه من المقال ، ولم يعرف في تاريخ البشر كلام قارب القرآن فضلا عن أن يساويه في قوة تأثيره في العقول والقلوب ، فتراه مرة يسوق المعاني الكثيرة في كلمات يسيرة .

يقول الأصمعي – رحمه الله – سمعت بنتا من الأعراب تنشد :
أستغفر الله لذنبي كله قتلت إنسانا بغير حله
مثل غزال ناعم في دله وانتصف الليل ولم أصله

فقلت لها : قاتلك الله : ما أفصحك ، فقالت ويحك ، : أبعد هذا فصاحة مع قول – الله تعالى – { وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ }
[ القصص : 7 ] ، فجمع في آية واحدة بين أمرين ، ونهيين ، وبشارتين...!(1) .

ومرة يكرر ألفاظا من حرف ، ومن حرفين ، ومن جملة لعشرات المرات تصويرا للمراد ، ولا تكون هناك غرابة ولا تنافر ولا ضعف تأليف ولا تكرار في المعاني .... فمثلا تكررت ( الميم ) سبع عشرة مرة في آية واحدة وهي – قوله تعالى – { قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ هود : 48 ] ولا غربة ولا تنافر ، وتكررت ( أم ) خمس عشرة مرة في هذه الآيات .. { فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ {29} أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ {30} قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ {31} أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ {32} أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ {33} فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ {34}أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ {35} أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ {36} أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ {37} أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ {38} أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ {39} أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ {40} أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ {41} أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ {42} أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ الطور: 30 – 43 ] ، ولم تكن غرابة ولا تنافر ولا تكرار للمعاني . وتكررت آية {ويل يؤمئذ للمكذبين } عشر مرات في سورة المرسلات ، وكذلك تكررت آية { فبأي آلاء ربكما تكذبان } إحدى عشرة مرة في سورة الرحمن ، ولم تكن غرابة ولا تنافر ولا تكرار للمعاني .
ومرة يضفي على الجمادات صورة الحياة والأحياء كما في قوله – سبحانه – { فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ } [ الكهف : 77 ] . ، ومرة يستجيش أريحية الناس ويحركها بهذا الأسلوب الجميل حتى تنهض لإعلاء كلمة الله ونصرة الضعفاء والمظلومين ، فيقول – سبحانه – { وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا} [ النساء : 75 ] ، ومرة يسوق الكلام بطريق التمثيل ترهيبا أو ترغيبا ، فيقول – سبحانه – { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ {264 [وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {265} أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } [ البقرة : 264 – 266 ] .

{ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ }
[ البقرة : 275 ] .

ومرة بطريق الحذف كقوله تعالى تعالي : { وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } [ يوسف : 82 ] ، { وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } [ الأعراف : 117 ] ..
{ وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنا } [ البقرة : 60 ] ... ومرة بطريق تقديم ما حقه التأخير كقوله تعالى : : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [ الفاتحة : 5 ] ... { ولله غيب السموات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون } [ هود : 123 ] ومرة بطريق القصة وما أكثر القصص في القرآن ، إبرازا لمواطن العظة والعبرة وحملا على التفكير والثبات ، إذ يقول – سبحانه – { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ } [ يوسف : 111 ]

{ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [ الأعراف : 176 ] . . { وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } [ هود : 120 ] .. ومرة بطريق التمليح لا التصريح ، مثل الخبر الذي يؤول إلى معني الأمر أو النهي ، ومنه قوله تعالى : {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّه } [ آل عمران : 110 ] ... إذ المراد مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر وآمنوا بالله تكونوا خير أمة أخرجت للناس ومنه – قوله تعالى – { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ {78} كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ {79} تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ {80} وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } [ المائدة : 78 – 81 ] .

وإذ المراد : لا تعصوا ولا تعتدوا ولا تتركوا التناهي عن المنكر ولا تتولوا الذين كفروا ، وإلا نزل بكم من العقاب مثل ما نزل بهؤلاء ، وهذا التمليح أبلغ من التصريح في الحث على الفعل أو الترك ، ولا شك أن الفطرة السليمة والعقول الراشدة والأذواق الرفيعة تستهويها هذه الأساليب البلاغية والبيانية فتتعلق بها في كل الأحوال وفي سائر الأوقات وفي جميع العصور ...
يقول الشيخ الدكتور – محمد عبدالله دراز – شارحا سبب قوة تأثير أسلوب القرآن .. ( أسلوب القرآن لا يعكس نعومة أهل المدن ولا خشونة أهل البادية، وإن المقاطع في القرآن أكثر مما في النثر وأقل مما في الشعر ، وإن نثره ينفرد ببعض الخصائص والميزات ، فالكلمات فيه مختارة غير مبتذلة ولا مستهجنة ، ولكنها رفيعة رائعة ، معبرة ، الجمل فيها ترتيب بشكل رائع، حتى إن أقل عدد من الكلمات يعبر عن أوسع المعاني وأغرزها ، إن تعابيره موجزة ، ولكنها مدهشة في وضوحها ، حتى إن أقل الناس حظا من التعلم يستطيع فهم القرآن دونما صعوبة ) (1)




(1) أنظر تفسير القرآن الحكيم : للشيخ محمد رشيد رضا ( 1/28 )
(1) أنظر : الفصحى لغة القرآن لأنور الجندي ص 40 .


يتبع باذن الله تعالى






رد باقتباس