عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( 40 ق هـ ــ 23 هـ )
هو أبو حفص عمر بن الخطاب بن نفيل القرشى العدوي . ثانى الخلفاء الراشدين وأول من لقب بأمير المؤمنين . كان فى الجاهلية من أبطال قريش وأشرافهم وله السفارة فيهم ، ينافر عنهم وينذر من أرادوا إنذاره. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو قائلاً : اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب (1) فكان أحبهما عمر بن الخطاب . أسلم قبل الهجرة بخمس سنوات ، شهد مع النبى صلى الله عليه وسلم الغزوات كلها وقاد بعض السرايا أميراً عليها . وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم كان المستشار الأول لأبى بكر الصديق ، ولما توفي أبو بكر الصديق تولى عمر الخلافة سنة 13هـ ، وفي عهده فتحت الشام والعراق والقدس والمدائن ومصر والجزيرة ، وهو أول من وضع التاريخ الهجرى واتخذ بيت مال للمسلمين ، وأول من جمع الناس على صلاة التراويح فى المسجد ، وأول من اتخذ الدرة يؤدب بها المخالفين ، وأول من عس بالمدينة ، وجلد فى الخمر ثمانين جلدة ، وأول من أنشأ الدواوين وفرض الأعطيات . كان متواضعاً خشن العيش والمطعم شديداً فى الحق قليل الضحك ، على وجهه خطان سوداوان من البكاء ، وكان نقش خاتمه ( كفى بالموت واعظاً يا عمر ) وله آثار كثيرة ومناقب عظيمة ، ومن ذلك أنه خرج ذات ليلة فوجد امرأة معها صبيان يبكون من الجوع وقدر على النار فيها ماء تعللهم بها ليناموا ، فبكى عمر رضى الله عنه ورجع يهرول إلى دار الدقيق فأخرج كيساً من دقيق وجراب شحم وقال : يا أسلم احمله على ظهري فقال : أنا أحمله عنك . فقال : أنت تحمل وزري يوم القيامة ! فحمله على ظهره وانطلق إلى المرأة ووضع من الدقيق فى القدر وألقى عليه الشحم وجعل ينفخ تحت القدر والدخان يتخلل لحيته ساعة ثم أنزلها عن النار ووضع الطعام للأطفال فأكلوا وشبعوا والمرأة تدعو له دون أن تعرفه . ولم يزل عندهم حتى ناموا وأعطاهم نفقة وانصرف (2). وهناك الكثير عن مواقفه العظيمة . وكان فى عام الرمادة( عام وقع فيه القحط والمجاعة ) لا يأكل إلا الخبز والزيت حتى اسود جلده ، وكان يقول : بئس الوالى أنا إن شبعت والناس جياع . وكان شديداً على عماله يحاسبهم في نهاية ولايتهم عبى أموالهم وممتلكاتهم الخاصة فيسأل كلا منهم : من أين لك هذا ؟. وكان يأمر عماله أن يوافوه بالموسم فإذا اجتمعوا قال : أيها الناس إنى لم أبعث عمالي عليكم ليصيبوا من أبشاركم ولا من أموالكم ، إنما بعثتهم ليحجزوا بينكم وليقسموا فيأكم بينكم ، فمن فعل به غير ذلك فليقم . ومن فضائله ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : دخلت الجنة فرأيت فيها داراً أو قصراً فقلت لمن هذا فقالوا لعمر بن الخطاب فأردت أن أدخل فذكرت غيرتك . فبكى عمر وقال : أي رسول الله أو عليك أغار .(3) وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمر استأذن عليه وعنده نساء من قريش يكلمنه ويكثرن عاليه أصواتهن فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك ، فقال عمر : أضحك الله سنك يا رسول الله . فقال صلى الله عليه وسلم عجبت من هؤلاء اللا تى كن عندى فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب . قال عمر : فأنت يا رسول الله أحق أن يهبن . ثم قال عمر أى عدوات أنفسهن أتهبننى ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلن نعم أنت أغلظ وأفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذى نفسى بيده مالقيك الشيطان قط سالكاً فجا إلا سلك فجا غير فجك .(4) وقد نزل القرآن موافقاً لرأي عمر فى أكثر من حادثة ، يقول رضى الله عنه : وافقت ربى فى ثلاث : فى مقام إبراهيم وفى الحجاب وفى أسارى بدر .(5) وبعد أن حج عمر سنة 23هـ دعا الله عزوجل وشكا إليه كبر سنه وضعف قوته وانتشار رعيته وخوفه من التقصير ، وسأله أن يقبضه إليه وأن يمن عليه بالشهادة فى المدينة ، فاستجاب الله له الدعاء ، فطعنه أحد الحاقدين على الإسلام ( أبو لؤلؤة المجوسي ) وهو يصلى الفجر ، وحمل إلى داره وظل ثلاثة أيام ، وأوصى أن يكون الأمر شورى بعده فى ستة ممن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض . ومات في نفس العام سنة 23هـ (6) ودفن بالحجرة النبوية إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبى بكر .
المدينة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنة
13 ـ 23 هـ
تولى عمر بن الخطاب الخلافة سنة 13 للهجرة ، وكان إدارياً حازماً صاحب اجتهاد وفراسة ، فانتدب الناس للجهاد وتوسيع الفتوحات فى بلاد الشام وفارس وفتحها الله فى عهده ووردت الأموال الكثيرة إلى المدينة فأحدث عمر ديواناً للعطاء فرض فيه لكل مولود مسلم راتباً سنوياً يأخذه طوال عمره، وأحدث دواوين الجند والبريد ، وحرص على تفقد أمور الرعية بنفسه ، فكان يخرج فى الليل والنهار ويطوف فى الأسواق والشوارع ويتتبع أحوال الناس باهتمام بالغ ، فعاشت المدينة سنوات من الطمأنينة والرخاء والازدهار وهاجر إليها كثيرون واتسع العمران ، وضاق المسجد النبوى بالمصلين فأضاف إليه عمر أرضاً من الدور المجاورة ووسعه . وفى سنة 18 هـ أحدث القحط مجاعة فى المنطقة وزحفت القبائل إلى أطراف المدينة تستغيث فخصص لها عمر ما يكفى من الطعام وأقام الموائد الجماعية وكتب إلى الأمصار يطلب النجدة ، وكان يطوف بنفسه على البيوت والخيام ويراقب توزيع الطعام وهو جائع لا يأكل حتى يأكل الأخرون ، ثم جمع الناس وعلى رأسهم العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى بهم صلاة الاستسقاء فكشف الله الغمة وهطلت الأمطار ووصلت النجدات من الأمصار كما وصلت غنائم الفتوحات وخاصة كنوز كسرى وحاشيته فوزعها عمر على الناس ، ونفذ عمر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراج غير المسلمين من جزيرة العرب ، وصفت المدينة وبقية الجزيرة للمسلمين ، وانتشر العدل والرخاء وطلب عمر من الله أن يرزقه الشهادة فى المدينة ، فاستجاب له ، وطعنه أبو لؤلؤة المجوسى الحاقد على الإسلام والمسلمين وهو فى صلاة الفجر فتوفي بعد ثلاثة أيام في ذي الحجة سنة 23هـ .(7)
---------------------------
(1)لراوي: عبدالله بن عمر المحدث: ابن حبان - المصدر: المقاصد الحسنة - لصفحة أو الرقم: 113
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
(2)القصة ذكرها اسلم مولى عمر بن الخطاب
(3)الراوي: جابر بن عبدالله المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - لصفحة أو الرقم: 2394
خلاصة حكم المحدث: صحيح
(4)لراوي: سعد بن أبي وقاص المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - لصفحة أو الرقم: 3683 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
(5)قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه : وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلاثٍ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فَنَزَلَتْ : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) ، وَآيَةُ الْحِجَابِ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ ، فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ ، وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ ، فَقُلْتُ لَهُنَّ : (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ) ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ . رواه البخاري من حديث أنس رضي الله عنه .
ورواه مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال عمر : وافقت ربي في ثلاث : في مقام إبراهيم ، وفي الحجاب ، وفي أُسارى بَدْر .
(6)انظر البداية والنهاية/الجزء السابع/وفاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تعالى
(7)انظر البداية والنهاية لابن كثير – الكامل في التاريخ - أمير المؤمنين عمر بن الخطاب للصلابي - قطف الثمر بشيء من سيرة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه لعبدالرحمن بن عبدالله السحيم - الغرر في فضائل عمر رضي الله عنه جلال الدين السيوطي
يتبع
توقيع جادي |
رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ( آل عمران )
جلس أبو الدرداء يبكي بعد فتح جزيرة قبرص لمّا رأى بكاء أهلها وفرقهم، فقيل: ما يبيكيك يا أبا الدرداء في يوم أعزالله به الإسلام؟ فقال: (ويحكم ما أهون الخلق على الله إن هم تركوا أمره بينما هم أمة كانت ظاهرة قاهرة، تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترون
 |