
07.06.2009, 13:59
|
|
______________
|
|
الملف الشخصي
التسجيـــــل: |
29.05.2009 |
الجــــنـــــس: |
أنثى |
الــديــــانــة: |
الإسلام |
المشاركات: |
438 [ عرض ] |
آخــــر نــشــاط |
23.03.2014
(22:22) |
تم شكره 5 مرة في 5 مشاركة
|
|
|
|
|
رد: أهمية رحابة صدر الداعية وسماحة نفسه
ثالثاً: العفو والصفح:
ومن مستلزمات الحلم الذي فيه كظم للغيظ وضبط للغضب، ثم الأناة التي فيها تبصر بالأمور وتأن في التصرف، مع الاستناد للرحمة بالجاهلين كل ذلك يثمر العفو والصفح؛ لأن "القلوب الكبيرة قلما تستجيشها دوافع القسوة فهي أبداً إلى الصفح والحنان أدنى منها إلى الحفيظة والاضطغان"[20].
وما دام الداعي المسلم ينظر إلى من يدعوهم نظرة الرحمة والشفقة عليهم فإنه يعفو ويصفح عنهم في حق نفسه، قال تعالى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (الأعراف/199).
وإذا كان هذا هو شأن الداعي المسلم بالنسبة لمن يدعوهم ويحتمل صدور الأذى منهم فإن عفو الداعي وصفحه عن أصحابه أوسع، قال تعالى {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} (آل عمران/159).
وعندما وقعت حادثة الإفك، كان وقعها على آل أبي بكر شديداً، فلما نزلت البراءة حلف أبو بكر رضي الله عنه ألا ينفق على مسطح بن أثاثة فأنزل الله في ذلك قوله تعالى {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (النــور/22).
والداعية الذي يهدف إلى استمالة القلوب وهدايتها لا يقسو؛ لأن "القسوة التي استنكرها الإسلام جفاف في النفس لا يرتبط بمنطق ولا عدالة، إنها نزوة فاجرة تتشبع من الإساءة والإيذاء، وتمتد مع الأثرة المجردة والهوى الأعمى"[21]، ومن أعظم مواقف العفو عفو النبي rعن المشركين يوم فتح مكة[22].
وهكذا فإن رحابة الصدر وسماحة النفس تنتظم الرحمة التي تدعو إلى الحلم الذي يقود إلى العفو فيكون من وراء ذلك التأثير التلقائي؛ لأن الإنسان يتأثر بالإحسان {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (فصلت/34).
وهذا أمر مشاهد حيث نرى أن من كان سمح النفس يستطيع "أن يظفر بأكبر قسط من محبة الناس له، وثقة الناس به؛ لأنه يعاملهم بالسماحة والبشر ولين الجانب، والتغاضي عن السيئات والنقائص، فإذا دعاه الواجب إلى تقديم النصح كان في نصحه رقيقاً ليناً، سمحاً هيناً، يسر بالنصيحة، ولا يريد الفضيحة، يسد الثغرات ولا ينشر الزلات والعثرات"[23].
وبعض الدعاة ممن لا يتحلّون في أنفسهم بهذه السمة تجدهم يندفعون مع أدنى خطأ أو أقل عثرة، وإذا بهم يدعون بالويل والثبور وعظائم الأمور، وكثيراً ما يواجهون الناس بالأحكام الدامغة الخطيرة من الفسق أو الابتداع أو التساهل ونحو ذلك، وهؤلاء كثيراً ما يستزلهم الشيطان بهذه الحمية بأن الحق أحق أن يتبع، ويثير التساؤل أين الغيرة الإيمانية والحمية الإسلامية ؟ ليغطي على الأناة التي تنظر في عواقب الأمور، والحلم الذي يضبط النفوس، والرحمة التي تستميل القلوب، وبعض هؤلاء – وللأسف – يندفعون أحياناً خوفاً من أن يُتهموا بعدم الغيرة أو التميع والتساهل، ولا يفهم من قولي أن كل فاعل لذلك مذموم، ولا أن كل موقف يقتضي الحلم واللين فقد أشرت فيما سبق إلى ما ينقض هذا الفهم، ولكني أنوه إلى صور في الواقع ناشئة من أفهام قاصرة وممارسات خاطئة.
[1] في ظلال القرآن (1/500-501).
[2] المرجع السابق. والنفس السمحة التي ليس فيها ضيق، أو السماحة السهولة واللين. انظر القاموس المحيط (1/229).
[3] أصول الدعوة (343-344).
[4] لطائف الإشارات (1/377).
[5] تفسير ابن كثير (3/72).
[6] أصول الدعوة (344).
[7] خلق المسلم (207).
[8] متفق عليه. صحيح البخاري مع الفتح (6/360) صحيح مسلم (3/1420) وانظر الرحيق المختوم (150).
[9] انظر الرحيق المختوم (314).
[10] صحيح مسلم (3/1417).
[11] خلق المسلم (204).
[12] خلق المسلم (203).
[13] خلق المسلم (106).
[14] الأخلاق الإسلامية (2/325).
[15] المرجع السابق (2/353).
[16] أخرجه مسلم في صحيحه (1/48).
[17] خلق المسلم (107).
[18] أخرجه البخاري (1/324).
[19] خلق المسلم (109).
[20] خلق المسلم (204).
[21] خلق المسلم (207).
[22] الرحيم المختوم (480-481).
[23] الأخلاق الإسلامية (2/443).
د. علي بن عمر بادحدح
|