وحضرني الآن عجب:
هؤلاء الذين ينكرون عذاب القبر, أتراهم لا يستعملون هذه الأحاديث – أقصد الاستعاذة في الصلاة بعد التشهد؟
لو كانوا لا يستعيذون, فإنه لخطب عظيم ابتلوا به، فظني أنهم صرفوا ليعذبوا – اللهم غفرانك – ولله في خلقه شؤون, سبحانه جل جلال الله.
* * * * *
من أقوال السلف في إثبات عذاب القبر، وما كانوا يخافونه من هول المطلع
1-عن ابن عباس قال: دخلت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين طعن فقلت: أبشر بالجنة يا أمير المؤمنين, أسلمت حين كفر الناس, وجاهدت مع رسول الله حين خذله الناس, وقبض رسول الله وهو عنك راض, ولم يختلف في خلافتك اثنان, وقتلت شهيدا. فقال أعد علي: فأعدت عليه, فقال: والله الذي لا إله غيره, لو أن لي ما على الأرض من صفراء وبيضاء لافتديت به من هول المطلع.
2-كان عثمان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته, فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي, وتبكي من هذا. فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن القبر أول منزل من منازل الآخرة, فإن نجا منه فما بعده أيسر منه, وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه"
قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه"
3- وعن علي رضي الله عنه قال: ما زلنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} ]التكاثر: 1 – 2 [.
4- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن أحدكم ليجلس في قبره إجلاساً فيقال له: ما أنت؟ فإن كان مؤمنا قال: أنا عبد الله حيا وميتا, أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, فيفسح له في قبره ما شاء الله، فيرى مكانه من الجنة, وينزل عليه كسوة يلبسها من الجنة.
وأما الكافر فيقال له: ما أنت؟ فيقول: لا أدري. فيقال له: لا دريت ولا تليت, فيضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه, أو تتماس أضلاعه, ويرسل عليه حيات من جوانب قبره ينهشنه ويأكلنه, فإذا جزع فصاح، قمع بمقمع من نار من حديد.
5- عن أبي موسي الأشعري رضي الله عنه قال: أعمقوا لي قبري, تخرج نفس المؤمن وهي أطيب ريحا من المسك, قال: فتصعد بها الملائكة الذين يتوفونها، فتتلقاهم الملائكة دون السماء, فيقولون: من هذا معكم؟ فيقولون: فلان ويذكرونه بأحسن عمله, فيقولون: حياكم الله وحيا من معكم.
قال: فتفتح له أبواب السماء، فيشرق وجهه, قال: فيأتي الرب تعالى ووجهه برهان مثل الشمس.
قال: وأما الآخر فتخرج نفسه وهي أنتن من الجيفة، فتصعد بها الملائكة الذين يتوفونها, فتتلقاهم ملائكة دون السماء, فيقولون: من هذا معكم؟ فيقولون: فلان ويذكرونه بأسوإ عمله.
قال: فيقولون: ردوه ردوه, فما ظلمه الله شيئا. فقرأ أبو موسى رضي الله عنه: {وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ (39) إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} ] الأعراف: 39 – 40 [.
6- عن عمير بن سلمة قال: جاء رجل إلى أبي الدرداء رضي الله عنه وهو مريض فقال: يا أبا الدرداء, إنك قد أصبحت على جناح فراق الدنيا, فمرني بأمر ينفعني الله به، وأذكرك به. فقال: إنك بين أمة معافاة, فأقم الصلاة, وأدّ زكاة مالك إن كان لك, وصم رمضان, واجتنب الفواحش, ثم أبشر.
فأعاد الرجل على أبي الدرداء رضي الله عنه، فقال أبو الدرداء: اجلس ثم اعقل ما أقول لك, أين أنت من يوم ليس لك من الأرض إلا عرض ذراعين في طول أربعة أذرع, أقبل بك أهلك – الذين كانوا لا يحبون فراقك – وجلساؤك وإخوانك, فأتقنوا عليك البنيان, ثم أكثروا عليك التراب, ثم تركوك, ثم جاءك ملكان أسودان أزرقان جعدان.
أسماؤهما: منكر ونكير, فأجلساك ثم سألاك: ما أنت؟ أم: على ماذا كنت؟ أم: ماذا تقول في هذا الرجل؟
فإن قلت: والله ما أدري, سمعت الناس قالوا قولا فقلت قول الناس, فقد والله رديت وهويت.
فإن قلت: محمد رسول الله أنزل عليه كتابه, فآمنت به, وبما جاء معه, فقد والله نجوت وهديت, ولن تستطيع ذلك إلا بتثبيت من الله تعالى مع ما ترى من الشدة والتخويف.
7- عن سعيد بن المسيب, عن أبي هريرة, أنه صلى على منفوس ثم قال: اللهم إني أعيذه من عذاب القبر.
8- وعن ابن أبي مليكة قال: سمعت عائشة رضي الله عنها قالت: يسلط على الكافر في قبره شجاع أقرع, فيأكل لحمه من رأسه إلى رجليه, ثم يكسى اللحم, فيأكل من رجليه إلى رأسه, ثم يكسى اللحم، فيأكل من رأسه إلى رجليه, فهو كذلك.
9- عن أم خارجة مولاة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم أنها حضرت امرأة تموت, فجعلت تقول لها: إنك تسألين عن ربك وعن النبي, فجعلت تثبتها.
10- عن ابن عباس في قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ} [إبراهيم: 27], قال: إن المؤمن إذا حضره الموت شهدته الملائكة يسلمون عليه ويبشرونه بالجنة, فإذا مات مشوا مع جنازته, ثم صلوا عليه مع الناس, فإذا دفن أجلس في قبره, فيقال له: من ربك؟ فيقول: ربي الله. ويقال له: من رسولك؟ فيقول محمد. فيقال له: ما شهادتك؟ فيقول: أشهد أن لا إله الله وأن محمدا عبده ورسوله, فيوسع له قبره مدّ بصره.
وأما الكافر فتنزل الملائكة فيبسطون أيديهم – والبسط هو الضرب – يضربون وجوههم وأدبارهم عند الموت, فإذا دخل قبره أقعد, فقيل له: من ربك؟ فلم يرجع إليهم شيئا، وأنساه الله ذكر ذلك, وإذا قيل له: من رسولك الذي بعث إليك؟ لم يهتد له، ولم يرجع إليهم شيئا, يقول الله تعالى: {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ}.
11- قال عطاء والحسن البصري في قوله تعالى لنبيه: {وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً (74) إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا}[الإسراء: 74 – 75 [. قال: ضعف الممات. قال: هو عذاب القبر.
12- وقال قتادة: عذاب القبر ثلاثة لثلاث: ثلث من الغيبة وثلث من النميمة, وثلث من البول.
13- وعن عبد الله بن الشخير قال: بينما رجل يسير في أرض إذ انتهى إلى قبر, فسمع صاحبه يقول: آه آه.
فقام على قبره وقال: فضحَك عملك, وافتضحت.