( 1 )
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، أحمده حمدًا على كمال أسمائه والأوصاف ، وأشكره على رد عاديات أهل الإرجاف،وأصلي على خير مبعوث بلا خلاف ،محمد – صلى الله عليه وسلم – أرسله ربه إلى الأشقاء وأولاد العلات والأخياف ،فأصلح به ربُه الأرض،وأقام به النفوس وحق لنا الاعتراف،وبعد :
فقد ندبني بعض الأخوة – غفر الله له – على المدارسة مع الأحبة لبعض أداب الخلاف،وهذا والله حسن ظن منه بي – جزاه الله عليه خيرًا- فأقول والله المستعان، ومن بغيره استعان لا يُعان :
إن الناظر في أحوال أمة الإسلام ، والسابر لغور أمورها هذه الأيام ،فيقلب نظره هنا وهناك،وينظر حزينًا لما وقعت فيه من الإرباك،وقد فسد عند البعض تصورات هذا الدين ، بل وحاربه البعض فوجد منّا خير معين ،فانصب دعاة الإسلام،وانكب مصلحو ما أفسده الطغام، وانبرى المصلحون لهذه الأمة،ليرسموا الطريق للشبيبة ،ويضعوا خطط للإصلاحات قريبة،فوضعوا أيديهم على جروح غائرة،ووقفوا على أحوال من السوء بالغة،وجدوا أن صدور الأخوة والأخوات من دعاة الإصلاح قد ضاقت ببعضهم البعض،ولم يفرقوا بين طرق الإصلاح،وفرق الضلال،فابتعدنا عن منهج الأسلاف،ولم نعد نعرف شيئًا عن الخلاف والاختلاف،بل لا نحسن أن نختلف،فضاق الناس ذرعًا،وتجرعنا من كؤوس الذل تجرعًا،ومن هنا علموا أن التقصير وقع في أشياء،منها العلم الحافظ، وكيفية الاختلاف،وآدابه، فاضطر بعض من تسرّع إلى القول بإلغاء الخلاف،ومحاولة إزالته،وهذا – لعمري – أمر لا يكون، ولا يحدث.
وشاء الله أن أبدأ – على قلة البضاعة – في بعض الخواطر،وسبر ما هو غائر في نفسي والأخوة،وتوضيح ماهية الخلاف ، وأسبابه،وكيفيته،وما يجوز السكوت ، وملا لايجوز ، وإن لم يجز،فكيف ننكر ،........، والله المستعان
بادئ ذي بدئ :
تعريف الخلاف :
قال في التاج : " قال ابنُ دُرَيْدٍ : قالَ أَبو زَيْدٍ : يُقَال : اخْتَلَفَ فُلانٌ صَاحِبَهُ والاسْمُ الخِلْفَةُ بالكَسْرِ وذلك أَنْ يُبَاصِرَه حَتّى إِذا غَابَ جَاءَ فدَخَلَ عليه فتلك الخِلْفَةُ . الخِلْفَةُ : الدَّوَابُّ التي تَخْتَلِفُ في أَلْوَانِهَا وهَيْئَتِهَا وبه فُسِّرَ أَيَضاً قَوْلُ زُهَيْرٍ السَّابِقُ أَو تخَتَلِفُ في مِشْيَتِها ؟ وهذا قد تقدَّم . الخِلْفَةُ : مَايَبْقى بَيْنَ الأَسْنَانِ مِن الطَّعَامِ يُقَال : أَكَلَ طَعَاماً فَبَقِيَتْ في فِيهِ خِلْفَةٌ ؟ فتَغَيَّرَ فُوهُ نَقَلَهُ اللِّحْيَانِيُّ . الخِلْفَةُ : الْهَيْضَةُ وهو فَسَادُ المَعِدَةِ مِن الطَّعَامِ يُقَالُ : أَخَذَتْهُ خِلْفَةٌ : إِذا اخْتَلَفَ إِلى المُتُوَضَّإِ نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ . الخِلْفَةُ : وَقْتٌ بَعْدَ وَقْتٍ عن ابنِ الأَعْرَابِيِّ . الخِلْفَةُ : نَبْتٌ يَنْبُتُ بَعْدَ نَبْتٍ قد تَهَشَّمَ نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ أَويَنْبُتُ مِن غَيْرِ مَطَرٍ بَلْ بِبَرْدِ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَهُ أَبو زِيَادٍ الكِلاَبِيُّ . الخِلْفَةُ : الْقَوْمُ الْمُخْتَلِفُونَ يُقَال : القَوْمُ خِلْفَةٌ حكاه أَبو زَيْدٍ ونَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ . الخِلْفَةُ : الْمُخَالَفَةُ والمُضَادَّةُ ويُضَمُّ في هذا فكأَنَّهُ اسْمٌ منه ووُجِدَ هنا في بعضِ النُّسَخِ : " المُخْتلِفون المُخَالفة " بحَذْفِ واوِ العَطْفِ وفي بَعْضِهَا : المُخَالف بغيرِ هَاءٍ وكلُّ ذلك غَلَطٌ . يُقَال : لَهُ وفي اللِّسَان : لها وَلَدَانِ أَو عَبْدَانِ أَو أَمَتَانِ خِلْفَتَانِ هذِه عن الكِسَائِيِّ وخِلْفَانِ : إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا طَوِيلاً والآخَرُ أَسْوَدَ وقال غيرُ الكِسَائِيِّ : هما خِلْفَانِ في المُذَكَّرِ والمُؤَنَّثِ وأَنْشَدَ أَبو زَيْدٍ :
" دَلْوَايَ خِلْفَانِ وسَاقِيَاهُمَا أَي : إِحْداهُما مُصْعِدَةٌ مَلأَى والأخْرَى مُنْحَدِرَةٌ فَارِغَةٌ وقد تقدَّم قريباً . الْكُلِّ : أَخْلافٌ وخِلْفَةٌ لم يُضْبَطُ الأَخِيرُ فاقْتَضَى أَن يكونَ بالكَسْرِ فالسُّكُونِ والصَّوابُ : خِلَفَةٌ بكَسْرٍ فَفَتْحٍ كقِرْدَةٍ وقِرَدَةٍ . وكُلُّ لَوْنَيْنِ اجْتَمَعَا فَهُمَا خِلْفَةٌ ونَصُّ الكِسَائِيِّ : خِلْفَتَانِ ونَصُّ اللِّحْيَانِيِّ : يُقَال لكُلِّ شَيْئَيْنِ اخْتَلَفا : هما خِلْفَانِ . وخِلْفَةُ وِرْدِ الإِبِلِ هو : أَنْ يُورِدَهَا بِالْعَشِيِّ بَعْدَمَا يَذْهَبُ النَّاسُ كما في اللِّسَانِ . يُقال : مِنْ أَيْنَ خِلْفَتُكُمْ ؟ أَي : مِن أَيْنَ تَسْتَقُونَ ؟ نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ . يُقَال : أَخَذَتْهُ خِلْفَةٌ : إِذا كَثُرَ تَرُدُّدُهُ إِلَى الْمُتَوَضَّإِ لَذَرَبِ مَعِدَتِهِ مِن الهَيْضَةِ . الخُلْفَةُ بِالضَّمِّ : الْعَيْبُ والفَسَادُ والْحُمْقُ كَالْخَلاَفَةِ كَسَحَابَةٍ يُقَال : مَا أَبْيَنَ الخَلاَفَةَ فيه ! أَي : الحُمْقُ . الخُلْفَةُ أَيضاً : الْعَتَهُ والْخِلاَفُ أَي : المُخَالَفَةُ وبكُلِّ ذلك فُسِّرَ قَوْلُهم : " أَبِيعُك هذا العَبْدَ وأَبْرَأُ إِليكَ مِنْ خُلْفَتِهِ " . يُقَال : رجلٌ ذو خُلْفَةٍ وقال ابنُ بُزُرْجَ : خُلْفَةُ العَبْدِ : أَن يكونَ أَحْمَقَ مَعْتوهاً وقال ابنُ الأَعْرَابِيِّ : أَي أَبْرَأُ إِليْكَ مِن خِلافِهِ وقال غيرُه : أَي مِنْ فَسادِهِ وقد خَلَفَ يَخْلُفُ خَلاَفَةً وخُلُوفاً . الخُلْفَةُ مِن الطَّعَامِ : آخِرُ طَعْمِهِ يُقَالُ : إِنَّهُ لَطَيِّبُ الخُلْفَةِ . الخَلْفَةُ بِالْفَتْحِ وكَصَرَدٍ هكذا في النُّسَخِ وفي بعضِها : وبِالفَتْحِ : ج كصُرَدٍ : ذَهَابُ شَهْوَةِ الطَّعَامِ مِن الْمَرَضِ وكُلٌّ مِن النُّسْخَتَيْنِ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ والذي في أُمَّهَاتِ اللُّغَةِ : ويُقَال : خَلَفَتْ نَفْسُه عن الطَّعَامِ فهو يَخْلُفُ خُلُوفاً : إِذا أَضْرَبَت عن الطَّعَامِ مِن مَرَضٍ . الخَلْفَةُ أَيضاً : مَصْدَرُ خَلَفَ الْقَمِيصَ يَخْلُفُه خَلْفَةً وقال كُرَاعٌ : خَلْفاً : إِذَا أَخْرَجَ بَالِيَهُ ولَفَقَهُ لَفْقاً . والْمِخْلاَفُ : الرَّجُلُ الْكَثِيرُ الإِخْلاَفِ وفي الصِّحاحِ : رَجُلٌ مِخْلافٌ : كَثِيرُ الخِلاَفِ لِوَعْدِهِ " .
هذا هو مادة الاختلاف لغة، وما يتعلق بها
قال الجرجاني في التعريفات :
الخلاف : منازعة تجري بين المتعارضين ؛لتحقيق حق أو لإبطال باطل
والفرق بين الخلاف ، والاختلاف
أقول والله أعلم : الخلاف كله ممقوت ، والاختلاف منه محمود ومنه ممقوت أو مذموم
>>>>> يتبع إن شاء الله
توقيع أبو السائب أكرم المصري |
|