السلام عليكم
أمى الفاضلة أم جهاد
موضوعك ثقيل جدا و غزير جدا و جميل جدا
و يصعب على الكثيرين منا فهمه
لكنى أحب التعليق عليه لأنى أحبه أيضا و تعلمين ما سببه لى من مشاكل من قبل مع بعض المتعالمين
مجرد إستخدام كلمة "المكان" عند العوام يوجه العقول إلى المخلوق. فالمكان أصلا مخلوق خلقه الخالق
و من قبله كان الله ولا شئ معه أزلا
فيجب أن يفرّق العقل البشرى بين تعريف المكان و الجهة بمفهوم المخلوق المدرك لهما كما تدل اللغة
و بين إثبات ما أثبته الله لنفسه من صفات دون تكييف أو تجسيم أو تمثيل أو تعطيل
فلا يترك الإنسان لعقله العنان ليشطح بإثبات الجهة المكانية لله عز و جل بمفهوم العقل الذى يجر صاحبه إلى التجسيم و التحيز
كما يجب أن يثبت العلو مطلقا لله عز و جل من واقع القرآن الكريم و أيضا بلا مكان مخلوق ولا جهة متحيزة
فإن المكان المخلوق هو من صفات المخلوقات فقط
ولا يستطيع العقل البشرى إدراك ذات غير المخلوق أى الخالق عز وجل
و إنما نثبت ما أثبته الله لنفسه - و منه العلو و ليس علو المكان أو الجهة بمعنى العلو المخلوق مثلما يتصور العقل- على منهج أهل السنة بلا تكييف ولا تحريف ولا تمثيل ولا تعطيل
ولا تجسيم
فإستخدام الألفاظ مثل داخل العالم و خارج العالم و الجهة و غير ذلك مما لم يرد لا فى القرآن ولا فى السنة مما يثير فى عقول العوام التجسيم أو تعجز عقولهم عن تفسيره إلا بالتمثيل فإننا نقول لهم: إن كل ما تتصورونه هو من صفات المكان المخلوق أو الجهة المخلوقة فى فهم العقل المخلوق و الله منزه عن كل ذلك.
فإن لزم أن نستخدم ألفاظا فى صفات الله عز وجل فلا تكون إلا الألفاظ التى وردت فى القرآن و السنة و أيضا بدون تكييف أو تمثيل
فإن استخدمنا ألفاظا محدثة فى صفات الله عز وجل فيجب أن تأخذ هذه الألفاظ المحدثة المعانى الثابتة فى القرآن و السنة أيضا و هى معانى تختلف عن المفاهيم الأصلية التى يفهمها العقل البشرى لهذه الألفاظ عند استخدامها مع المخلوقات و هو الحال مع ألفاظ "المكان و الجهة".
فكما أن الصفات تتمايز بتمايز الموصوف
فإن معانى هذه الألفاظ أيضا تتمايز بتميز الموصوف
لذا فإن استخدام ألفاظ مثل "المكان و الجهة" مع الله عز و جل يجب أن نوضّح أنها ليست بمفاهيم المخلوقات
و الأفضل ألا نستخدم هذه الألفاظ أصلا
خاصة مع من يصرّون على استخدامها بمعناها الحقيقى
و الحق أنه لا اعتبار لمعناها اللغوى البشرى الحقيقى هنا لأنها لا تستخدم مع مخلوقات و إنما فى وصف الله عز وجل خالق المخلوقات
و لكن لابد مما ليس منه بد أيضا
فإن كان التخيير بين أن يكون الله داخل العالم أو خارجه و الإصرار على اختيار أحدهما
فلا شك أن قولنا هو أن الله قطعا خارج العالم
لأن العالم مكان مخلوق
و الله منزه عن المكان المخلوق
و لكن يجب الإشارةمع قولنا ذلك أن كلمة "خارج العالم" هنا أيضا لا تعنى التحيز كما يفهم العقل البشرى كلمة خارج بتطبيقها على المكان
و إنما هو نفى للتجسيم و إثبات للوجود لله واجب الوجود بذاته
و هذا هو الحال مع كافة الألفاظ المحدثة الأخرى التى يضطرنا المبتدعة إلى استخدامها فى صفات الله سبحانه
نقولها ثم نعطيها معنى يختلف عن معناها اللغوى الحقيقى الذى يفهمه البشر من تلك الألفاظ عن وصف المخلوقات
كل الإشكال بسبب إستخدام ألفاظ محدثة و محاولة العقل للتصور و التمثيل فيما لا طاقة للعقل به
فتخرج الألفاظ عن معناها الحقيقى و تشطح العقول إما بالتجسيم أو بالتعطيل
و نعوذ بالله من كليهما
سبح إسم ربك الأعلى
توقيع أبوجنة |
 |