اعرض مشاركة منفردة
   
Share
  رقم المشاركة :4  (رابط المشاركة)
قديم 11.05.2009, 22:01

أبو صهيب الأثري

عضو

______________

أبو صهيب الأثري غير موجود

الملف الشخصي
التسجيـــــل: 11.05.2009
الجــــنـــــس: male
الــديــــانــة:
المشاركات: 22  [ عرض ]
آخــــر نــشــاط
03.04.2010 (22:37)
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
افتراضي رد: هداية السائل إلي مافي أحكام اللقطة من مسائل


وهذا ما يظهر من جملة كلامهم رحمة الله عليهم أن غالب أقوالهم قد بني علي الإعتبارين السابقين فيما بينا والله تعالي أعلم .
ولا شك أن أهل العلم لهم مسالكهم في إطراد الكراهة أو تقييدها وقد بيّنا وجهاتهم ومقاصدهم وهاك كلام حسن للحافظ بن حجر في الفتح :
قال : وَمِنْ حُجَّتِهِمْ حَدِيث الْجَارُود مَرْفُوعًا " ضَالَّة الْمُسْلِمِ حَرْق النَّارِ " أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ، وَحَمَلَ الْجُمْهُور ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَا يُعَرِّفُهَا ، وَحُجَّتهمْ حَدِيث زَيْد بْن خَالِد عِنْد مُسْلِم " مَنْ آوَى الضَّالَّةَ فَهُوَ ضَالّ ، مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا " وَأَمَّا مَا أَخَذَهُ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ فَمِنْ جِهَة أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَى أُبَيّ أَخْذَهُ الصُّرَّة فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ شَرْعًا ، وَيَسْتَلْزِمُ اِشْتِمَاله عَلَى الْمَصْلَحَةِ وَإِلَّا كَانَ تَصَرُّفًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ ، وَتِلْكَ الْمَصْلَحَة تَحْصُلُ بِحِفْظِهَا وَصِيَانَتِهَا عَنْ الْخَوَنَةِ وَتَعْرِيفِهَا لِتَصِلَ إِلَى صَاحِبِهَا ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْأَرْجَح مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ ، فَمَتَى رَجَحَ أَخْذُهَا وَجَبَ أَوْ اُسْتُحِبَّ ، وَمَتَى رَجَحَ تَرْكُهَا حَرُمَ أَوْ كُرِهَ ، وَإِلَّا فَهُوَ جَائِز .أهـ 7-337
قلت والذي يظهر أن الحديثين المذكورين محمولان علي التقاط الإبل أو إلتقاط اللقطة دون التعريف كما حرر ذلك الطحاوي في مشكل الأثار وما سبق من كلام الحافظ , وسيأتي ملخصاً بمشيئة الله تعالي .
تنبيه : ما وقع في الموطأ : 1250 - و حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ لُقَطَةً فَجَاءَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَر َفَقَالَ لَهُ إِنِّي وَجَدْتُ لُقَطَةً فَمَاذَا تَرَى فِيهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَرِّفْهَا قَالَ قَدْ فَعَلْتُ قَالَ زِدْ قَالَ قَدْ فَعَلْتُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَا آمُرُكَ أَنْ تَأْكُلَهَا وَلَوْ شِئْتَ لَمْ تَأْخُذْهَا. فهو علي سبيل التورع وليس علي سبيل الحزم قال أبوالوليد في المنتقي : عقب الأثر :
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ لِأَهْلِ الْوَرَعِ ، وَمَنْ يَخْتَصُّ بِهِ التَّصَرُّفَ فِيهَا بِالْأَكْلِ لَهَا ،.... ) وهذا محمود في بابه علي مابيّنا وقد رُوي مثله عن ابن عباس كما سبق في حكاية ابن رشد ذلك عنه وقد جاء عنه رضي الله عنه في مصنف ابن أبي شيبة : عن طلحة بن مصرف عن ابن عمر أنه وجد تمرة فأكلها.5-192 والله تعالي أعلم .
وما وقع أيضا عند مسلم :
3253 -عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ آوَى ضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌّ مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا .
وكذلك ما وقع عند ابن ماجة وغيره :
2502- عن مطرف بن عبد الله بن الشِّخير عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضالة المسلم حرق النار . : ( سنن ابن ماجة ) صححه الألباني الروض النضير( 264 ) الصحيحة ( 620 ) وصححه الحافظ في الفتح .7-337 .
قلت : جمع الرويات وجمع الأدلة أولي من إهمالها علي ما حققه الفقهاء, وظاهر كلام أهل العلم أن هذا الحديث وما في معناه له أوجه :
- إما أن هذا مقصور علي الضالة من الإبل إذا الأحاديث الواقعة في هذا جاءت في معرِض النهي عن أخذ ضالة الإبل وركوبها أي ووجهته أن النبي صلي الله عليه وسلم قد أجاز اللقطة وما أنكر علي السائل وسئل عن ضالة الغنم فقال أعرف عفاصها ووكاءها علي ماجاء في الروايات أي انه لم ير بأسا في التقاطها علي أن يعرفها ويحفظها حتي يردها إلي صاحبها , لكن لما سئل عن ضالة الإبل غضب ولم يأذن له في ذلك وفي البخاري : فَتَمَعَّرَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا لَكَ وَلَهَا مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ . ولم يفعل ذلك إلا في الإبل فقط كما سبق ,
بل وفي بعض روايات هذا الحديث عند الطحاوي وعزاه الحافظ المزي في التحفة إلي أبي داود في الكبري عن الجارود قال : أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن على إبل عجاف ، فقلنا : يا رسول الله ، إنا نمر بالجرف ، فنجد إبلا فنركبها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ضالة المسلم حرق النار » مشكل الأثار 10-351
- أو أن الضالة لا تقع إلا علي الحيوان فلا يطلق اسم الضالة علي الدراهم والدنانير فيقال ضالة وهي وجهة الخطابي وعليه لا يدخل فيه غير الحيوان.
قال في عون المعبود :
(قَالَ الْخَطَّابِيُّ : لَيْسَ هَذَا بِمُخَالِفٍ لِلْأَخْبَارِ الَّتِي جَاءَتْ فِي أَخْذ اللُّقَطَة ، وَذَلِكَ أَنَّ اِسْم الضَّالَّة لَا يَقَع عَلَى الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير وَالْمَتَاع وَنَحْوهَا وَإِنَّمَا الضَّالّ اِسْم الْحَيَوَان* الَّتِي تَضِلّ عَنْ أَهْلهَا كَالْإِبِلِ وَالْبَقَر وَالطَّيْر وَمَا فِي مَعْنَاهَا فَإِذَا وَجَدَهَا الْمَرْء لَمْ يَحِلّ لَهُ أَنْ يَعْرِض لَهَا مَا دَامَتْ بِحَالٍ تَمْنَع بِنَفْسِهَا وَتَسْتَقِلّ بِقُوَّتِهَا حَتَّى يَأْخُذهَا صَاحِبهَا ... )4-122.
قلت : يصح لغة أن يدخل الإبل وغيره حيواناً كان أم غيره وفي القاموس المحيط قال : ضَلَّ الشَّيْءُ يَضِلُّ ضَلاَلاً: إذا ضاعَ , ثم قال . ومنه: ضَلَّ الماءُ في اللَّبَنِ: أي خَفِيَ فيه.2-189.
فعلي هذا كل ما ضاع عن صاحبه يقال له ضل.
ونحى مثل هذا النحو الإمام الطحاوي في المشكل علي أن الضال هو كل ما ضل عن صاحبه ولو كان جماداً واستدل بقوله تعالي :
ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا ... الإية 74)غافر. أي أن الله تعالي أقر قولهم ضلوا علي الجماد وما كان يعبودون إلا أصناما لا تسمع ولا تتكلم ,
واستدل بقوله صلي الله عليه وسلم « إن أمكم أضلت قلادتها ، فابتغوها »
ولم أجد هذه الرواية فيما بحثت - وهو يشير بذاك إلي حادثة الإفك - ولعله تقصير , ثم قال رحمه الله أي الطحاوي : فدل ذلك على أن الفقد لما له روح ، ولما لا روح له ، قد يطلق عليه أنه ضال ... )10-358
- أو أن المتوعد بهذا هو من أخذ اللقطة مطلقاً ولم يعرفها كما جاء في بعض الروايات : أَنَّهُ قَالَ مَنْ آوَى ضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌّ مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا . وهو عند مسلم وقد سبق .
وهو متوجه أيضاً , قال النووي :
هَذَا دَلِيل لِلْمَذْهَبِ الْمُخْتَار أَنَّهُ يَلْزَمهُ تَعْرِيف اللُّقَطَة مُطْلَقًا ، سَوَاء أَرَادَ تَمَلُّكهَا أَوْ حِفْظهَا عَلَى صَاحِبهَا ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَان الْخِلَاف فِيهِ ، وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِالضَّالَّةِ هُنَا ضَالَّة الْإِبِل وَنَحْوهَا مِمَّا لَا يَجُوز اِلْتِقَاطهَا لِلتَّمَلُّكِ ، بَلْ أَنَّهَا تُلْتَقَط لِلْحِفْظِ عَلَى صَاحِبهَا ، فَيَكُون مَعْنَاهُ : مَنْ آوَى ضَالَّة فَهُوَ ضَالّ مَا لَمْ يُعَرِّفهَا أَبَدًا ، وَلَا يَتَمَلَّكهَا ، وَالْمُرَاد بِالضَّالِّ الْمُفَارِق لِلصَّوَابِ ،..) أهـ
ونحى إليه الحافظ في الفتح قال رحمه الله :
: وَمِنْ حُجَّتِهِمْ حَدِيث الْجَارُود مَرْفُوعًا " ضَالَّة الْمُسْلِمِ حَرْق النَّارِ " أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ، وَحَمَلَ الْجُمْهُور ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَا يُعَرِّفُهَا ، وَحُجَّتهمْ حَدِيث زَيْد بْن خَالِد عِنْد مُسْلِم " مَنْ آوَى الضَّالَّةَ فَهُوَ ضَالّ ، مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا " وَأَمَّا مَا أَخَذَهُ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ فَمِنْ جِهَة أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَى أُبَيّ أَخْذَهُ الصُّرَّة فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ شَرْعًا ،..) 7-337
قلت وأطال النفس في التوجيه لهذين الحديثين الإمام الطحاوي رحمه الله في كتابه مشكل الأثار فليراجع في : باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحكام الضوال فهو هام جدا فليراجع . وانظر شرح معاني الأثار : 5-141 ففيه تحرير .

المسئلة الثانية :
فيما يُعرَّف من اللقطة وكيفية تعريفها :
فيما يظهر من غالب كلام أهل العلم أن عمدة كلامهم هو ما جاء في الصحيحين عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهَا قَالَ فَضَالَّةُ الْغَنَمِ قَالَ هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ قَالَ فَضَالَّةُ الْإِبِلِ قَالَ مَا لَكَ وَلَهَا مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا. خ 2199 م 3247 ورواه مالك وغيره وله روايات عدة لعلها تأتي مع الشرح .
قلت : ولأهل العلم في تتبع الحديث مسالك سأذكر بحوله وقوته بعضها مختصراّ ثم أذكر ما يطمئن القلب إليه في تحرير القول بمشيئته تعالي .
قد بينا بحوله وقوته مسالك أهل العلم في التقاط اللقطة أو أخذها بغض النظر عن الإنتفاع بها أم لا وهذا ما سنحرره فيما بعد بإذنه تعالي ربما في المسئلة الثالثة أو التي تليها لكن يجدر بنا هنا أن نبين مسالكهم ووجهاتهم في النص ثم التحرير بإذنه تعالي فيما هو مطلوب علي الملتقط فعله حتي تبرأ ذمته من اللقطة هذه أو من حق أخيه وجامعها في بذل الجهد في إيصال اللقطة إلي صاحبها . أو أن يفعل ما يغلب علي ظنه أن يكون هذا داعياً إلي تعريفها لمالكها .
وهذه المسئلة عمدتها قوله صلي الله عليه وسلم كما في الصحيحين : فَقَالَ اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً ... الحديث )
فعلي هذا أن علي اللاقط أمرين :
- معرفة العفاص والوكاء وعددها كما جاء في بعض روايات البخاري .
- تعريفها سنة علي المشهورعلي ماسيأتي بإذنه تعالي قريباّ .
( معرفة العفاص والوكاء والعدد )
فيه قوله اعرف عفاصها ووكاءها :
أي احفظ هاتين العلامتين حتي إذا عرفتهما وجاءك من يدعي ملكها فليخبرك بهما فإذا صدق وصفه فادفعها إليه وفي ذلك مسائل ستأتي قريباً بإذنه تعالي .
قال في المنتقي :
وَقَوْلُهُ : اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً مَعْنَاهُ عِنْدِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَحْفَظَ صِفَةَ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ وَيَكْتُمُ ذَلِكَ لِيَنْفَرِدَ بِحِفْظِهِ وَفِي النَّوَادِرِ لِابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ يَنْبَغِي لِلَّذِي يُعَرِّفُ اللُّقَطَةَ أَنْ لَا يُرِيَهَا أَحَدًا وَلَا يُسَمِّيَهَا بِعَيْنِهَا وَلَا يَقُولُ مَنْ يُعَرِّفُ دَنَانِيرَ ، أَوْ دَرَاهِمَ ، أَوْ حُلِيًّا ، أَوْ عَرْضًا لَكِنْ يُعَمِّي ذَلِكَ لِئَلَّا يَأْتِيَ مُسْتَحِلٌّ فَيَصِفَهَا بِصِفَةِ الْمُعَرِّفِ فَيَأْخُذَهَا وَيُبَيِّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا وَلَمْ يَقُلْ ثُمَّ عَرِّفْ بِذَلِكَ وَلَا أَبْرِزْهَا وَأَظْهِرْهَا ، وَلَوْ جَازَ لَهُ أَنْ يَذْكُرَ صِفَتَهَا لَمَا احْتَاجَ إِلَى حِفْظِ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ وَلَأَغْنَى عَنْ ذَلِكَ إظْهَارُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ .. ) أهـ 4-66.
وقد جاء في بعض روايات البخاري : فَسَأَلَهُ عَمَّا يَلْتَقِطُهُ فَقَالَ عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ احْفَظْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِهَا وَإِلَّا فَاسْتَنْفِقْهَا .. الحديث.2249. وهو واضح الدلالة علي ما بيّنا .
تنبيه : في الرواية الأخيرة هذه قدم التعريف علي الحفظ فقال : عرفها سنة ثم احفظ عفاصها ووكاءها , وفي سابقتها اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة !!
قلت : ليس فيما سبق إشكال أو كثير فائدة من الوقوف عندها إلا طرحا عن السنة وذاك علي مخرجين :
الأول : الجمع بينهما بأن يكون مطلوباّ منه أن يتعرف عليها مرتين وجمع الروايات أولي من أهمالها كما هو مقرر والقصد أن يعرِّفها عند التقاطها مرة حتي إذا وصفها صاحبها فهي له ويعرفها مرة عند مرورها سنة علي تعريفها عند إرادة الإنتفاع بها حتي إذا جاء صاحبها ردها إليه وهذا ما نحى إليه النووي في شرحه قال :
هَذَا رُبَّمَا أَوْهَمَ أَنَّ مَعْرِفَة الْوِكَاء وَالْعِفَاص تَتَأَخَّر عَلَى تَعْرِيفهَا سَنَة ، وَبَاقِي الرِّوَايَات صَرِيحَة فِي تَقْدِيم الْمَعْرِفَة عَلَى التَّعْرِيف فَيُجَاب عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَة أَنَّ هَذِهِ مَعْرِفَة أُخْرَى ، وَيَكُون مَأْمُورًا بِمَعْرِفَتَيْنِ ، فَيَتَعَرَّفهَا أَوَّل مَا يَلْتَقِطهَا حَتَّى يَعْلَم صِدْق وَاصِفهَا إِذَا وَصَفَهَا ، وَلِئَلَّا تَخْتَلِط وَتَشْتَبِه ، فَإِذَا عَرَّفَهَا سَنَة وَأَرَادَ تَمَلُّكهَا اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَتَعَرَّفهَا أَيْضًا مَرَّة أُخْرَى تَعَرُّفًا وَافِيًا مُحَقَّقًا ، لِيَعْلَم قَدْرهَا وَصِفَتهَا فَيَرُدّهَا إِلَى صَاحِبهَا إِذَا جَاءَ بَعْد تَمَلُّكهَا وَتَلَفهَا ، .. ) أهـ 6-157
الثاني : أن القصة واحدة وجمع الرويات إنما يصح لو كانتا حادثتين مختلفتين ولفظ ثم لم تفد هنا الترتيب لأنها علي قول الحافظ قد تأتي بمعني الواو وبالتالي لا يحتاج هنا إلي الجمع وهذا قول الحافظ رحمه الله قال في الفتح بعد أن حكي توجيه النووي رحمه الله مختصرا قال :
( قُلْت : وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ " ثُمَّ " فِي الرِّوَايَتَيْنِ بِمَعْنَى الْوَاو فَلَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا وَلَا تَقْتَضِي تَخَالُفًا يَحْتَاجُ إِلَى الْجَمْعِ وَيُقَوِّيه كَوْن الْمَخْرَج وَاحِدًا وَالْقِصَّة وَاحِدَة وَإِنَّمَا يُحَسِّنُ مَا تَقَدَّمَ أَنْ لَوْ كَانَ الْمَخْرَج مُخْتَلِفًا** فَيُحْمَلُ عَلَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ ، وَلَيْسَ الْغَرَض إِلَّا أَنْ يَقَعَ التَّعَرُّف وَالتَّعْرِيف مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ أَيِّهِمَا أَسْبَق .)أهـ 7-322
** في رواية البخاري : فَعَرَّفْتُهَا فَلَمْ أَجِدْ ثُمَّ أَتَيْتُهُ ثَلَاثًا فَقَالَ احْفَظْ وِعَاءَهَا وَعَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَاسْتَمْتِعْ – (2284) وهي في قصة أبي ابن كعب بخلاف هذه الرواية وهي رواية خالد بن زيد الجهني فالسائل فيها أعرابي وهو بخلاف أبي بن كعب ولا شك وحقق الحافظ في الفتح أنه زيد الجهني والد خالد صاحب الرواية فقال رحمه الله :
ثُمَّ ظَفِرْت بِتَسْمِيَةِ السَّائِلِ وَذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْحُمَيْدِيّ وَالْبَغَوِيّ وَابْن السَّكَنِ وَالْبَارُودِيّ وَالطَّبَرَانِيّ كُلّهمْ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّد بْن مَعْن الْغِفَارِيّ عَنْ رَبِيعَة عَنْ عُقْبَة بْن سُوَيْد الْجُهَنِيّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : " سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ : عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ أَوْثِقْ وِعَاءَهَا " فَذَكَرَ الْحَدِيث .
قلت : مازلنا نغرف من بحور علومهم فرحم الله علمائنا وأسكنهم فسيح جناته آمين .

وأما الوكاء فهو رباط القربة ونحوه كالوعاء .
قال في القاموس المحيط :
الوِكاءُ، ككِساءٍ رِباطُ القِرْبَةِ وغيرِها، وقد وَكاها وأَوْكاها، و عليها، وكلُّ ما شُدَّ رأسُه من وِعاءٍ ونحوِهِ وِكاءٌ. أهـ 3-486
والعفاص كما قال أهل اللغة هو الوعاء ونحوه
قال الجوهري في الصحاح في اللغة :
العِفاصُ: جلدٌ يُلْبَس رأس القارورة. وأما الذي يدخل في فمها فهو الصمام وقد عفصت القارورة: شددت عليها العِفاصَ.1-481 ونحوه قاله الرازي في مختار الصحاح .
وليس هو الرباط الذي يربط به كما روي عن بعضهم ورده صاحب المنتقي قال : وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم اعْرَفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْعِفَاصُ الْخِرْقَةُ وَالْخَرِيطَةُ وَالْوِكَاءُ الْخَيْطُ الَّذِي تُرْبَطُ بِهِ ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عِيسَى الْأَعْشَى وَعَنْ أَشْهَبَ فِي النَّوَادِرِ الْعِفَاصُ وَالرِّبَاطُ وَالْوِكَاءُ مَا فِيهِ اللُّقَطَةُ مِنْ خِرْقَةِ ، أَوْ غَيْرِهَا وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الْوِكَاءَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَا يُرْبَطُ بِهِ ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ فِي حَدِيثِ أُبَيٍّ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم قَالَ لَهُ اعْرِفْ عِدَّتَهَا وَوِعَاءَهَا وَوِكَاءَهَا فَجَعَلَ مَكَانَ الْعِفَاصِ الْوِعَاءَ وَأَثْبَتَ الْوِكَاءَ الَّذِي يُوكَأُ بِهِ الْوِعَاءُ فَصَحَّ أَنَّهُ الْخَيْطُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ .) أهـ 4-66
قلت : وفي الحديث (الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ ,,) وهو عند ابن ماجة وحسنه في الإرواء وأعله ابن أبي حاتم وحسنه النووي في الخلاصة وضعفه الحافظ في بلوغ المرام وأنظر نصب الراية وعلل ابن ابي حاتم ومراسيل أبي داود .
والشاهد منه ماقاله في حاشية السندي علي سنن ابن ماجة :
جَعَلَ الْيَقَظَة لِلْإِسْتِ كَالْوِكَاءِ لِلْقِرْبَةِ كَمَا أَنَّ الْقِرْبَة مَا دَامَتْ مَرْبُوطَة بِالْوِكَاءِ اِخْتِيَار صَاحِبهَا كَذَلِكَ الْإِسْت مَا دَامَ مَحْفُوظًا بِالْعَيْنِ أَيْ الْيَقَظَة بِاخْتِيَارِ الصَّاحِب ... ) أهـ1-422
وفي زوائد المسند أيضاً وقع : وخرقتها بدلا وعفاصها قاله الحافظ رحمه الله .7-322 والله تعالي أعلم بالصواب .
وفي رواية عند البخاري لآبي بن كعب : فَقَالَ احْفَظْ وِعَاءَهَا وَعَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَاسْتَمْتِعْ بِهَا.
فزاد في هذه الرواية عددها وهذا إن كانت مما يمكن عده وإلا فبالكيل والوزن وبما يمكن وصفه به قال الحافظ رحمه الله :
وَالْغَرَضُ مَعْرِفَة الْآلَاتِ الَّتِي تَحْفَظُ النَّفَقَةَ . وَيَلْتَحِقُ بِمَا ذُكِرَ حِفْظ الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ وَالْكَيْلِ فِيمَا يُكَالُ وَالْوَزْنِ فِيمَا يُوزَنُ وَالذَّرْع فِيمَا يُذْرَعُ . الفتح -7-322
وهذا الذي يظهر إذ المقصود المصلحة قال الحافظ في الفتح :
وَتِلْكَ الْمَصْلَحَة تَحْصُلُ بِحِفْظِهَا وَصِيَانَتِهَا عَنْ الْخَوَنَةِ وَتَعْرِيفِهَا لِتَصِلَ إِلَى صَاحِبِهَا . أهـ والله تعالي أعلم .
( تعريف اللقطة إلي صاحبها )







رد باقتباس