
30.05.2010, 00:54
|
|
______________
|
|
الملف الشخصي
التسجيـــــل: |
12.05.2010 |
الجــــنـــــس: |
ذكر |
الــديــــانــة: |
الإسلام |
المشاركات: |
44 [ عرض ] |
آخــــر نــشــاط |
02.09.2020
(20:37) |
تم شكره 6 مرة في 5 مشاركة
|
|
|
|
|
سوسو والاجتهاد
بقلم الشيخ إبراهيم بن عبد العزيز بركات - بيت المقدس
يعلم سوسو كغيره من بني البشر أنه لا يولد مولود عالماً، فالعلم وإن كان فتوحات ربانية فهو كالرزق أيضاً يحتاج إلى سعي واجتهاد، ولا يكون إلا بالتعلم لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما العلم بالتعلم، وإنما الفقه بالتفقه، ومن يرد الله به خيراً يفقه في الدين) . فأخذ سوسو حرصاً منه على تحصيل العلم بطلب العلم، وطرق كل باب من شأنه أن يوصله إلى العلم،
فما ترك كتاباً إلا واطلع عليه، أو شريطاً أو محاضرة إلا وسعى سعياً حثيثاً لشهودها، وبعد وقت ليس بالقليل استطاع سوسو أن يتحصل على بعض العلوم الشرعية، وذات يوم وسوسو منشغل في طلب العلم سمع أن في المسجد الفلاني محاضرة لشيخ معروف، فلم يكذب سوسو خبراً، ولم يتوانَ لحظة عن حضورها، فأسرع من توه متوجهاً إلى ذلك المسجد لينعم بما يستمع إليه من علم وفقه، وصل سوسو المسجد فوجد شيخاً وقوراً تعلوه الهيبة، وطلابه يحفونه وسط حلقة هائلة، جلس سوسو حيث انتهى به المقام وأخذ يستمع إلى تلك المحاضرة القيمة بشوق وتلهف، ممسكاً بيده قلمه وعلى حجره ورقه، يدون كل ما يراه محتاجاً إليه، وقد أبهج سوسو ما تحصل عليه من علم نافع وفوائد قيمة على يدي الشيخ الجليل.
وبعد انتهاء المحاضرة القيمة، توجه أحد طلاب الشيخ إلى الشيخ بالسؤال التالي:
فضيلة الشيخ الحبيب: ما حكم العمل على تغيير منكرات المجتمع؟
فأجاب الشيخ قائلاً: مرجع هذا الحكم إلى رأي ولي الأمر ، فله وحده النظر في المسألة، إن قال بالجواز جوّزنا، أو قال بالتحريم حرمنا.
إلا أن المسألة عند سوسو على خلاف ما قعّد الرجل، فقام سوسو من مجلسه، وحدق بالشيخ بصره، ورفع صوته قائلاً ليس كلامك صحيحاً يا شيخ، فنظر الشيخ إليه بعين الغضب، وقد احمر وجهه وانتفخت أوداجه، وقال بصوت كأنه الرعد، ماذا قلت يا سوسو.
فحرك سوسو شفتيه التي ترتعش خوفاً بصوت لا يكاد يسمع : عفواً يا سيدي الشيخ لم أقصد مخالفتك ولكني تعلمت المسألة على خلاف ما ذكرت لنا.
فقال الشيخ بغضب أيضاً: ماذا ماذا فمن أنت ومن تكون حتى ترد علي وتخطئني ؟
فقال سوسو: أنا طالب علم أبحث عن الحق يا سيدي الشيخ.
فقال الشيخ: مرحباً بطالب العلم، ولكن يا بني هل تحفظ القرآن؟
فأجاب سوسو: كلا يا سيدي.
فرد عليه الشيخ قائلاً : كيف ترد علي قولي يا سوسو وأنت لا تحفظ القرآن، هذا لا يجوز، لقد عدوت قدرك يا سوسو وولجت باباً لست أهلاً له، فلا يصح أن ترد قول الأشياخ وأنت لا تحفظ القرآن يا سوسو.
فخرج سوسو حزيناً من المسجد حرجاً، خاصة بعد ارتفاع ضحكات طلاب الشيخ ونظراتهم الممتلئة سخرية، لكن كلام الشيخ لم يزل يقلق أركان سوسو ويقض مضجعه، فالمسألة على خلاف قول الشيخ ، بل قد خالف الشيخ فيها قواعد عامة، وأصولاً ثابتة، كما أن المسألة في عرف سوسو لا يختلف فيها اثنان، ولا ينتطح فيها كبشان، فهي معلومة عند العامة قبل الخاصة، فأخذ سوسو يفكر بأمر الشيخ الذي لا يكاد يفارق ذهنه، ثم عزم سوسو على حفظ الكتاب الكريم ومواجهة الشيخ بالحقيقة الغائبة عنه وعن طلابه الكرام، وما هي إلا أشهر معدودة حتى عاد سوسو إلى ذلك الشيخ بعد حفظه للقرآن.
وقف سوسو أمام الشيخ، وطلابه ينظرون إلى سوسو بتعجب، رفع سوسو صوته بوجه الشيخ قائلا: ها أنا قد حفظت كتاب الله سبحانه وأتيت لمناقشتك.
فقال الشيخ : ولكن يا سوسو هل تحفظ الصحيحين؟
رد سوسو قائلاً: كلا يا سيدي.
فصرخ الشيخ بوجهه قائلاً: وكيف تجرؤ على مناقشتي يا سوسو وأنت لا تحفظ الصحيحين؟
مرة ثانية يقع سوسو في الحرج ويواجه ضحكات الطلاب وازدراؤهم، إلا أن ما أصابه لم يثنه عن عزيمته، ولم يقلل من إرادته، بل زاده صلابة وإصراراً على مواجهة الشيخ.
خرج سوسو من عند الشيخ ولا هم له إلا حفظ الصحيحين ليمكنه ذلك من الرد على الشيخ، فاختلى سوسو بنفسه وأكب على حفظ الصحيحين ولم يمض على سوسو زمن طويل حتى عاد للشيخ متسلحاً بحفظ الصحيحين.
وقف سوسو مرة ثالثة أمام الشيخ قائلاً بثقة وثبات، يا سيدي الشيخ ها أنا ذا قد حفظت الصحيحين بإتقان وفهم، وجئت لمناقشتك.
فنظر الشيخ إلى سوسو وأخذ يقلب فيه البصر، ثم أخذت الشيخ سكتة هنيهة ثم قال: يا سوسو أحسنت صنعاً ولكن هل تحفظ كتب السنن؟
فقال سوسو حرجاً: كلا يا سيدي الشيخ.
فصرخ الشيخ قائلاً: لا تحفظ السنن وتجيء مناقشاً إن هذا لشيء عجيب! اذهب يا سوسو ولا تعد فكفاك ما تلاقي من عتاب وتوبيخ.
وهكذا يجد سوسو نفسه مرة بعد مرة أمام استهزاء أقرانه من الطلاب وضحكاتهم.
خرج سوسو من عند الشيخ حزيناً يعلوه الهم والغم، إلا أن تيقنه من صحة ما يراه خلافاً للشيخ جعله أكثر إصراراً، وأقوى عزيمة، وعقد الراية ليرد على الشيخ قوله بالحجة والبرهان، ولم يتردد سوسو للحظة بل ذهب وجمع كتب السنن وأخذ يردد أحاديثها مرة تلو مرة حتى وعاها قلبه وحفظها صدره، ثم جاء ووقف أمام الشيخ بعد مرات عديدة قائلاً: أيّه الشيخ لقد حفظت السنن عن ظهر قلب وجئتك مناقشاً.
فقال الشيخ بعد ما علته الدهشة وأخذته الحيرة: هل حفظت السنن يا سوسو:
فأجاب سوسو: نعم وبإتقان.
حينها لم يدر الشيخ ماذا يقول لسوسو، وأخذ يفكر بطريقة ما يصرف سوسو عنه، ثم صرخ قائلاً: ولكني على يقين يا سوسو من أنك لا تحفظ شيئاً من المتون العلمية.
سوسو: ماذا قلت المتون العلمية؟ وهل يجب عليّ حفظ المتون؟
فقال الشيخ: حتماً يا سوسو، وإلا كيف ستصبح عالماً حاذقاً.
سوسو يفكر بما قال له الشيخ وأخذه التأمل وقد خفت صوته واطمأنت جوارحه وهدأت مشاعره، ثم قال سوسو للشيخ متسائلاً؟ ولكن يا شيخ هل إذا حفظت المتون العلمية أستطيع حينها مناقشتك؟
توقف الشيخ عن الإجابة للحظة مندهشاً، ثم أجاب بصوت متردد: الحقيقة لا يا سوسو.
فغضب سوسو من فوره وقال بصوت عال : متى إذاً أكون مجتهداً وأستطيع مناقشتك يا شيخ؟
فأجاب الشيخ : لا يكون لك ذلك يا سوسو إلا في حالة واحدة.
سوسو : وما هي هذه الحالة يا سيدي الشيخ؟
الشيخ بثقة تامة: حين تدرك يا سوسو أن قولي صحيح لا يعتريه الخطأ، ولا يسعك إلا متابعتي دون أدنى مخالفة لي، فحينها تكون قد بلغت العلم يا سوسو؟
|