
27.05.2010, 16:20
|
|
______________
|
|
الملف الشخصي
التسجيـــــل: |
17.05.2009 |
الجــــنـــــس: |
ذكر |
الــديــــانــة: |
الإسلام |
المشاركات: |
479 [ عرض ] |
آخــــر نــشــاط |
02.06.2012
(01:54) |
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
|
|
|
|
|
المبحث الأول
التعريف بالعصمة، وبيان دلالتها على حجية القرآن الكريم والسنة النبوية، والاقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم
أولاً : التعريف بالعصمة لغة وشرعاً، وبيان مواضعها من حياة الأنبيـاء عليهـم الصلاة والسلام :
أ- المعنى اللغوى :
العصمة وردت فى اللغة لعدة معان منها :
1- المنع 2- الحفظ
3- القلادة 4- الحبل
قال صاحب اللسان : "العصمة فى كلام العرب المنع، وعصمة الله عبده : أن يعصمه مما يوبقه، يقال عصمه، يعصمه، عصماً : منعه ووقاه
وبهذا المعنى جاءت الكلمة فى القرآن الكريم والسنة المطهرة
قال تعالى على لسان سيدنا نوح عليه السلام وابنه : (يا بنى اركب معنا ولا تكن مع الكافرين. قال سآوى إلى جبل يعصمنى من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين)(1 ) وقال تعالى على لسان امرأة العزيز : (ولقد راودته عن نفسه فاستعصم)( 2) وقال سبحانه فى حق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس)(3 ) وقال تعالى : (قل من ذا الذى يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءاً أو أراد بكم رحمة)(4 ) وفى الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بى وبما جئت به. فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دمائهم وأموالهم إلا بحقها. وحسابهم على الله"(5 ) والعصمة القلادة، وفى اللسان أيضاً أصل العصمة : الحبل وكل ما أمسك شيئاً فقد عصمه"(6 ).
وبالإمعان فى هذه المعانى جميعها ترى أنها ترجع إلى المعنى الأول الذى هو "المنع" فالحفظ منع للشئ من الوقوع فى المكروه أو المحظور، والقلادة تمنع سقوط الخرز منها، والحبل يمنع من السقوط والتردى.
وعلى المعنى الأول دار كلام حُذَاق المفسرين والأثريين، قال الإمام الطبرى(7 ) فى تفسيره لقوله تعالى : (ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم)(8) قال : "وأصل العصم : المنع، فكل مانع شيئاً فهو عاصمه. والممتنع به معتصم به"(9 ) وقال تفسيراً لقوله تعالى : (قال سآوى إلى جبل يعصمنى من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله)(10) : يقول سأصير إلى جبل أتحصن به من الماء فيمنعنى منه أن يغرقنى. ويعنى بقوله (يعصمنى) يمنعنى، مثل عصام القربة الذى يشد به رأسهما فيمنع الماء أن يسيل منها(11 ) وفى قوله تعالى : (قل من ذا الذى يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءاً أو أراد بكم رحمة)(12 ) قال : من ذا الذى يمنعكم من الله إن هو أراد بكم سوءاً فى أنفسكم(13 ).
فكلام هذا الإمام – رحمه الله تعالى – يدل على أن مادة (عصم) فى القرآن الكريم حيثما وردت بشتى تصريفاتها تدور على المنع والامتناع، وهو أصلها فى الوضع اللغوى. وقال ابن الأثير(14 ) : العصمة : المنعة، والعاصم : المانع الحامى، والاعتصام الامتساك بالشئ افتعال منه.
ب- المعنى الشرعى :
عرَّف المتكلمون والمحدثون من أهل السنة العصمة فى الشرع بتعريفات بعضها يختلف عن بعض لفظاً إلا أن المعنى واحد، وقد يختلف بعضها لفظاً ومعنى، والاختلاف فى المعنى يعود إلى من سلب اختيار المعصوم فى أفعاله، ومن أوجبه.
وهذه التعريفات وإن اختلفت مناحيها فى التعبير، وتنوعت جوانب تناولها لمعنى عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فإنها جميعها تنتهى إلى حفظ الله تعالى إياهم من مواقعة الذنوب والمخالفات بعد البعثة باتفاق المحققين المحقين، وقبل البعثة على التحقيق.
ولعل من أحسن التعريفات للعصمة وأسلمها ما ذكره صاحب كتاب نسيم الرياض فى شرح الشفا للقاضى عياض بأنها : "لطف من الله تعالى يحمل النبى على فعل الخير، ويزجره عن الشر مع بقاء الاختيار تحقيقاً للابتلاء"15 ) ومن المستحسن فى تعريفها أيضاً من قال : "هى حفظ الله عز وجل للأنبياء بواطنهم وظواهرهم من التلبس بمنهى عنه، ولو نهى كراهة ولو فى حال الصغر مع بقاء الاختيار تحقيقاً للابتلاء( 16).
إن العصمة تعنى حفظ الله تعالى لأنبيائه عن مواقعة الذنوب الظاهرة والباطنة، وأن العناية الإلهية لم تنفك عنهم فى كل أطوار حياتهم قبل النبوة وبعدها، على ما هو المعتمد ، فهى محيطة بهم تحرسهم من الوقوع فى منهى عنه شرعاً أو عقلاً،
وهذا ما ظهر أثره فى الخارج، فقد كان أنبياء الله تعالى ورسله عليهم الصلاة والسلام محفوظى الظواهر والبواطن من التلبس بمنهى عنه ولو نهى كراهة أو خلاف الأولى.
فهم محفوظون ظاهراً من الزنا وشرب الخمر والكذب والسرقة، وغير ذلك من المنهيات المستقبحات فى الخارج، ومحفوظون فى الباطن من الحسد والكبر والرياء وغير ذلك من منهيات الباطن(17 ).
فلم تُعرف لهم زَلة، ولا سُجلت عليهم هفوة فى مجتمعاتهم المليئة بالشحناء والعداوة والبغضاء لهم، ولو أن أعدائهم علموا من ذلك شيئاً لطاروا به فرحاً، ليدفنوا ما زاع لهم من مكارم الأخلاق، وصالح القول والعمل، فقد كانوا فى غاية التربص لتصيد عثراتهم إن وجدوها، فلما أعياهم البحث والانتظار، ويئسوا من العثور على شئ من ذلك، طفقوا يفترون الكذب، ويقولون الزور، فيرمونهم بالسحر تارة، والكهانة أخرى، والجنون حيناً، والافتراء حيناً آخر، وغير ذلك بما طاب لهم التفوه به مما سجله عليهم القرآن الكريم، وحفظه التاريخ، ولكن سرعان ما كان يكذبهم الواقع، فتبور أقوالهم، وترجع عليهم بالخزى والعار، ويبقى جانب الأنبياء مصوناً بالعصمة الإلهية، والعناية الربانية، ليكونوا أطهاراً أتقياء قادة الخلق إلى مكارم الأخلاق.
وما كان لهم بذلك من يد لولا العصمة الربانية التى أحاطت بهم قبل نبوتهم وبعدها فمنعتهم من الوقوع فيما لا يحمد مما يكون منفرداً للناس عن أتباعهم إلى ما يدعونهم إليهم من الدين والأخلاق الفاضلة(18 ).
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
(1 ) الآيتان 42، 43 هود.
(2 ) جزء من الآية 32 يوسف.
(3 ) الآية 67 المائدة.
( 4) الآية 17 الأحزاب.
(5 ) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله محمد رسول الله… الخ 1/233 رقم 20، والبخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الجهاد، باب دعاء النبى صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام والنبوة… الخ 6/130 رقم2946 من حديث أبى هريرة رضى الله عنه.
( 6) لسان العرب لابن منظور 12/ 403 – 405، وينظر : معجم مقاييس اللغة لابن فارس 4/332، ومختار الصحاح للرازى ص437، والقاموس المحيط للفيروز آبادى 4/148، 149، والمصباح المنير لأحمد الفيومى 2/566 .
(7 ) هو محمد بن جرير بن يزيد الطبرى، صاحب التفسير الكبير، والتاريخ الشهير، كان من الأئمة المجتهدين، ولم يقلد أحداً، وكان إماماً فى فنون كثيرة منها : التفسير، والحديث، والفقه، والتاريخ، وغير ذلك، توفى سنة 310هـ له ترجمة فى : تاريخ بغداد للخطيب البغدادى 2/162 رقم 589، وطبقات المفسرين للداودى 2/110 – 118 رقم 468، وطبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير 1/222 رقم 22 .
(8 ) الآية 101 آل عمران.
(9 ) جامع البيان عن تأويل آى القرآن 4/26 .
(10 ) الآية 43 هود.
(11 ) جامع البيان 6/309
(12 ) الآية 17 الأحزاب.
(13 ) جامع البيان 21/ 138 .
(14 ) هو المبارك بن محمد الشيبانى الجزرى، يكنى أبا السعادات، ويلقب مجد الدين، ويعرف بابن الأثير وهو واحد من الأئمة الأعلام فى الحديث والفقه والنحو، قال ابن خلكان : كان فقيهاً محدثاً ورعاً مهيباً من مؤلفاته الغزيرة والنافعة النهاية فى غريب الحديث، وأسد الغابة وغير ذلك مات سنة 606هـ له ترجمة فى : وفيات الأعيان 3/289 – 291، وشذرات الذهب 5/22 – 23، وطبقات الفقهاء والشافعيين لابن كثير 2/776، 777 0
(15 ) نسم الرياض فى شرح الشفا للقاضى عياض 4/39، وينظر : التعريفات للجرجانى ص150، ومعجم مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهانى ص377، وفتح البارى 11/ 510 رقم 6611، وشرح العقائد للسعد التفتازانى 1/200، وشرح المواقف للجرجانى 8/280، 281، والمسامرة بشرح المسايرة لكمال بن الهمام ص227، والنفحات الشذية فيما يتعلق بالعصمة والسنة النبوية لمحمد الطاهر الحامدى ص18 – 20 0
(16 ) شرح الخريدة مع حاشية الصاوى للدردير ص104 بتصرف، وينظر : إتحاف المريد شرح جوهرة التوحيد بهامش حاشية محمد الأمير على جوهرة التوحيد ص114 .
(17 ) ينظر : إتحاف المريد بحاشية الأمير ص114، وتحفة المريد على جوهرة التوحيد للباجورى ص75 .
(18 ) ينظر : أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم فى القرآن والسنة للدكتور أحمد الحداد 2/990، 991 .
|