بسم الله الرحمنالرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
........
نستأذن أخواننا الافاضل الدكتور " أبو عبدالله محمد بن يحيى " والفاضل " أبو حمزة السيوطي " لأن نُرحب بمُداخلة أخينا في الله الأُستاذ الفاضل " ابو عبد الرحمن الأثري " المُدير العام ، وأن نُعطي مُداخلته الإهتمام اللائق بها وبما يليق بمقام صاحبها ،
وأن نوضح حول طرحه للآيه الكريمه ، التي أُعتبرت وتم الإستدلال بها على وجود نسخ وناسخ ومنسوخ في كتاب الله الكريم ، مع أننا وضحنا ذلك في طلبنا للتوضيح من أُختنا في الله " نور اليقين " ولا ضير من طرح ذلك هُنا حول الآيه 106 من سورة البقره .
.......
{ مَانَنسَخْمِنْآيَةٍأَوْنُنسِهَا نَأْتِبِخَيْرٍ مِّنْهَاأَوْمِثْلِهَاأَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍقَدِيرٌ }البقرة106
.............
وتتحدث هذه الآيه الكريمه عن كلام الله ، بنسخهلآيات السابقين ولآيات أُخرى أُنسيت بإراده منهُ ، وما عاد لها ذكرٌ في الكُتب ولافي ذاكرة الناس ، وأنه أتى بديلاً عنها بما هو خيرٍ منها ، وبما هو مثلها في هذاالقُرآن العظيم ، ولنركز أن كلام الله هُنا يتحدث " عن نسخ آيات وتنسيتها بالكُليه " ، ولا عاد وجودٌلها عند البشر ، وليس لحُكمٍ مُعين فيها ، وذلك لأن آيات القُرآن العظيم غالبيتهاتتحدث عن أكثر من موضوع في نفس الآيه ، وبالتالي تحمل أكثر من حُكم ، ولذلك نُنوهونُشدد في التنويه إلى أن الحديث عن " آيه " بأكملها وكُليتها وليس حكم .
...........
فلم يقل الله" ما ننسخ من حُكم في آيهأوحُكم آيه، وإنما يتكلم الله عنآيهبكاملهاوكُليتها"
...........
وليس من الضروره أن تقتصر أو تكون هذه الآيه آيهكتابيه فقط ، بل شاملاً جميع أنواع الآيات مُعجزيه وبيانيه وغيرها ، وبالذات المُعجزيه التأييديه .
...........
وقد وردتكلمةآيهفي 79 مره في 79 آيه وفي سورٍ مُختلفه من هذا القُرآن العظيم
........
كُلها لا تتحدث عن الآيهالكتابيه بعينها ، حتى يُقال أنها تعني آيات القُرآن والتي تُعتبر آيات كتابيه ،وإنما عن الآيات من النوع الآخر الدلاليه والمُعجزيه والكونيه....إلخ ، وقد ذكرنا أين هي تلك الآيات ، ونتمنى أن يتم العوده لها للتثبت مما نقول .
........
وكُلها لم يعني الله بها آيه كتابيه ، وإنماآياته الأُخرى ، وإن عنى الله بها آيه كتابيه فلن يكون عنى بها كلامه ووحيه في هذاالقُرآن العظيم ، لان الله لم ينسخ " يُلغي ويُبطل ويُزيل" أي آيه من هذا القُرآن العظيم ،ولا حتى أي حكم في أي آيه من هذا البيان الخالد ، بل تكفل بحفظ كُل آيه من آياتهوإحكامه لها ، فكيف إذا جئنا إلى " نُنسها " هل الله يُنسي شيء من هذا القُرآن ،فأين الحفظ والتكفل به ، ولماذا يتم تنزيله من الأساس حتى يُنسى .
...........
وهذه الآيه وردت من ضمن الآيات من " 40-123" منسورة البقره ، ومن ضمن آيات الخطاب الموجه من الله فيها لليهود ، والتي بدأها اللهسُبحانه وتعالى بقوله " يا بنيإسرائيل......." وأنتهت بقوله تعالى " يا بني إسرائيل...." حيث يسردالله لهم تاريخهم ليفضحهم ، ويُخبرهم بإنتهاء ما خصهم به وإختياره لهم ، وانتهاءملكوتهم وكُرسي داوودهم عنهم ، والذين فهموا ما قصدته الآيه وعرفوا ما رمت إليهوأعترضوا ، ولم يعترفوا بالنسخ وان ينسخ القُرآن توراتهم وكُتبهم وكُتب غيرهم بمافيها التوراة والإنجيل والزبور ، وأن يُنزل هذا القُرآن الناسخ والحاوي لشرائعهمولتوراتهم ولكتابهم وكُتب غيرهم ، وهذه الشريعه الناسخه لشريعتهم وشرائع السابقين ، بعد أن لم تعد كلام الله ووحيه كما أنزله بالكامل، فهو حسد من عند أنفسهم وغضب لإنتهاء كُتبهم والعمل بها ، وخبرهم وخبر غيرهم ،وعدم رضاهم وعدم ودهم بذلك .
..........
والله يقول فيها ما ننسخ من آيةٍ سواء كانتكتابيه أو بينةٍ أو عبرةٍ أو عظةٍ أو دلالةٍ أو مُعجزةٍ أو شريعةٍ بآياتهاوأحكامها....إلخ ذلك ، والتي أُعطيت للأولين ولأنبياءهم ورسلهم ، سواء هذه الآيهآيه كتابيه أو ماديه أو معنويه....إلخ ، وأُعطيت للدلالة على نبوة ورسالة من سبقوامُحمداً صلى اللهُ عليه وسلم ، سواءٌ نسخناها أو أُنسيت ولم يعُد لها ذكراً ، ولايتذكرها البشر ، وليس لها ذكر في الكُتب وبإرادةٍ من الله ، إلا نسخنا كُل ذلك سواءما أُنسي منهُ وما هو موجود .
..........
إلا وأتينا وأعطينا مُحمداً وأُمته من الآياتخيراً منها أو مثلها ، فأعطاهُ الله من الآيات والمُعجزات والبينات والدلالات علىنبوته ورسالته ، ما لم يُعطه لمن هُم قبله من أنبياء ورسُل ، وأعطاه وأعطى أُمته مالم يُعطه لغيرهم ، وما لم يُعطه للأُمم السابقه ، بل وأعطاهُ مثلُها وكذلك خيراًمنها ، فأعطاه الشريعه التي نسخت كُل الشرائع السابقه وأحتوتها ، وبأفضل وأحكموأحسن وأرحم وأعدل وأقوم وأجود....إلخ ، وأعطاهُ من المُعجزات والبينات والدلالاتعلى نبوته ورسالته ما لم يُعطه لأي نبيٍ قبلهُ ، ويكفيه هذا القُرآن مُعجزة اللهالخالده إلى إنقضاء الدهر ، والذي لا تنقضي عجائبه ومُعجزاته إلى إنقضاء الدهر .
وكلام الله لا يُنزع من سياقه، ليتم أخذ آيه من ضمن آيات وتفسيرها لوحدها ، بناءً على كلماتٍ فيها " ننسخ " " آيه " ، فحتى لو تم ذلك فالله يتكلم عن آيه بأكملها ونسخه لآيات ونسيانها ،والإتيان بمثلها وبما هو خير منها ، فكلام الله سبحانه وتعالى يُفسر بعضه بعضاً ،فهذه الآيه من سورةالبقرة 106، تُفسرها الآيهالتي سبقتها مُباشرةً ، وهي الآيه 105 من سورةالبقرة،لنعرف ما هذا الذي يتحدث رب العزه عنهُ من الآيات التي سينسخها ، والتي منها ماأنساهُ للبشر ، حتى أتي بمثله في هذا القُرآن ، بل وبخير وأخير منهُ ، في قولهتعالى : -
................
{ مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِالْكِتَابِ وَلاَالْمُشْرِكِينَ أَنيُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْخَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّبِرَحْمَتِهِمَن يَشَاءُوَاللّهُ ذُوالْفَضْلِ الْعَظِيمِ}البقرة105
...........
ما هوالخيرالذي يتنزل من الله على سيدنا مُحمد وأُمته ، وهذهالرحمهغير هذا " القُرآن العظيم " وآياته الكريمه،وهذه الشريعة السمحاء ، شريعة الرحمه والمحبهوالتسامح ، والآيات والبينات الأُخرى التي سيُعطيها لنبيه .
.............
من هو الذي ومن هُم الذينأختصهم الله بهذه الرحمه التي تتنزل ، وشاء الله وأختارهم من دون أُمم الأرض ، غيرسيدنا مُحمد صلى اللهُ عليه وسلم ، وأُمته " أُمة العرب في حينها وأُمة الإسلامككُل إلى يوم يُبعثون .
...........
من هُم المزعوجون من هذاالخير الذي يتنزل من الله ، ولا يودون ذلك ويموتون من القهر والحسد ، والذي أختصالله به مُحمداً ومن تبعه من دونهم ، هُم الذين كفروا من أهل الكتاب بالإضافهللمُشركين .
..........
فالله يُبين في هذه الآيهالكريمه ، عدم رغبة ومودة ، بل وحسد وغضب اليهود بالذات والذين أشركوا ، وهُمالكُفار والمُشركون بإلإضافه للمسيحيون في وقتها ، لانهم التحقوا بالمُشركين فيشركهم بالله وأصبحوا في مقامهم .
...........
هؤلاء كُلهم لا يودون أنيتنزل هذا الخير وهذه الرحمه ، على نبيه ورسوله وأُمته ، والله يوضح أنه هو الذيأختص هذا النبي والرسول الكريم وأُمته بهذا الخير وهذه الرحمه ، وهذه مشيئتهوإرادته ، وهو صاحب الفضل العظيم في ذلك .
............
فالله يُخبر اليهود بأنهم لايودون ولا يُحبون بل ويحسدون مُحمد وأُمته والمُسلمونعلى هذا الخير وهذه الرحمه ، التي تتنزل عليهم ، وهو هذا القُرآنالعظيمبما فيه من خير ورحمه ، والآيات التي أيد بهانبيه ، والله يُخبرهم بأنهأختص مُحمدوأُمتهومن تبعه بهذه الرحمه وهذا الخير ، وهو صاحبالفضلالعظيم في ذلك .
............
ومُباشرةً يتبعهم الله بالردالواضح نتيجة حسدهم وعدم رضاهم عن ذلك ،بالآيه التيتليها ،ليُعرف هذا الخير وهذهالرحمهما هي ، وبأن هذه الرحمه وهذا الخيرالذي يتنزل ، وأختص به مُحمداً وأمته ، هو ما نُسخمن شرائع السابقين ، وكُتبهم ، بما فيها شريعتهم وكُتبهم بالذات والتيمنهاالتوراة والزبور والإنجيل وحتى شاملاً لما نُسيولا ذكر لهُ الآن فيالكُتب أو ذاكرة الناس ، بل وأنهذا الخير وهذه الرحمه التي تتنزل هي على مثلوعلىأخير من شرائع وكُتب السابقين ، أي أن هذا الخير وهذه الرحمهالتيتتنزل هي على مثل بل وبأخير مماسبق .
............
بعد ذلك يأتي رد الله سُبحانهوتعالى على هؤلاء الحاسدين ، ليوضح وليُعرف ما هو هذا الخير وما هذه الرحمه التيتتنزل ، واختص بها نبيه ورسوله وأُمته من دونهم ، وبالذات اليهود ، لأن الخطاب لازال مُوجه لهم ، وهذا واضح في نص الآيه التي تليها
...............
{ مَانَنسَخْمِنْآيَةٍأَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍمِّنْهَاأَوْمِثْلِهَاأَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍقَدِيرٌ }البقرة106
............
والتي وردت بين الآيات 105- 108، والتي تُعطي تفسيرها الواضح الذي لا يقبل الشك .
.............
{مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِالْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَأَنيُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْخَيْرٍمِّن رَّبِّكُمْوَاللّهُ يَخْتَصُّبِرَحْمَتِهِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُوالْفَضْلِ الْعَظِيمِ}
...
{مَانَنسَخْ مِنْآيَةٍأَوْ نُنسِهَانَأْتِ بِخَيْرٍمِّنْهَا أَوْمِثْلِهَاأَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَعَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
...
{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُالسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }{أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُوَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ }
...
{وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِالْكِتَابِلَوْيَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِممِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّفَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَىكُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }البقرة109
..........
ولذلك جاءت هذه الآيه بينالآيتين
....
{ مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِالْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ.......}
وبين
" وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِالْكِتَابِلَوْيَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِأَنفُسِهِم...."
............
ولذلك اليهود أهل كُتب وعرفواما عنته هذه الآيات ، وبأنها عنتهم وعنتكُتبهموشرائعهم فلم يعترفوا بالنسخ بل وأنكروه ، وأداروا فيما بعد رأسهذه السكين التي بهتهم الله بها وأن عهدهم إنتهى ، أداروا رأس هذهالسكينللقُرآن ولفقوا الكثير من الروايات الكاذبهوالإسرائيليلت ليس عن ناسخومنسوخ ، بل عن قُرآنمنسي ، وقُرآن مُسقط أسقطهم الله ، وقُرآن مرفوع ،وبالتالي عن قُرآن مفقود وضائع ولا يُدرى أين هو ، وحُمل ذلك علىالناسخوالمنسوخ ، وأخطأ عالم وتلاه من بعده وأخذعنهُ من بعده أو عاصره ، وكُل واحد ممن قال بهذه أخذ عن من بدأها أو ممن سبقه أوتبعه .
..........
ولذلك عند التفسير لهذه الآيهالكريمه ، لو ظن شخص أن قصد الله " ما ننسخ من آيه " نسخ للحُكم للآيه القُرآنيه ،لكن الكلمه التي بعدها " نُنسها " تجعله يتوقف ويُلغي ما فهمه ، وأن الحديث ليس عنآيه أو آيات كتابه العزيز .
............
لأنه لا يوجد مُسلم برأسه عقليعتقد أن هذا القُرآن ، أُنسي منهُ ولو حرف ولا حتى سكون ، فكيف القول بآيه ، وكيفسيكون القول وفحشه عند الحديث عن آيات كثيره أو سور .
..............................................
ثُم نأتي إلى " نأت بخيرمنها " ،أي ان هذه الآيه التي نَسخت أكثر في الخيريه ، من التي نُسخت أو أُنسيت والعياذُبالله ، وتلك خيريتها أقل في كُل شيء ، هل يُعقل أن في كلام الله كلام أخير من كلام، وهل في كلام الله والعياذُ بالله ، كلام أخير وأجود من كلام .
............
ثُم نأتي " ما ننسخ من آيه أونُنسها " نأت "بمثلها" أيالشبيهه لها تماماً، أي الآيه مثل الآيه تماماًفي كُل حرف وكلمه وتشكيل فيها ، وما يخص ذلك من معنى أو بيان أو حكم أو تفصيل ، هليُعقل هذا وما الفائده وما هذه العبثيه .
..........
ما الفائده من ذلك وما الجدوى، أن تُنسخ آيه أو تُنسى ويؤتى بخيرٍ منها ، أو أن ينسخ أو يُنسي الله آيه ويأتيبمثلها ، إلا إذا ضاع الأصل ، ولا بُد من الإتيان بالمثل ، وهل كلام الله يضيع فيالقُرآن والعياذُ بالله .
............
وهل الله عاجز عن أن يأتي بماهو المثل والأخير منذُ البدايه ، حتى ينسخ من هذا القُرآن ويأتي بالمث والأخير فيمابعد .
........
ولذلك الكلام من اللهسُبحانه وتعالى موجه لليود " يا بني إسرائيل " ما نسخنا من آيةٍ أو أُنسيت بأمر منا " كتابيه أو غيرها " ، إلا وآتينا وأعطينا مُحمداً في هذا القُرآن وهذه الشريعهبمثلها وبخيرٍ منها.
......
شُكرنا المُتواصل للجميع ، ودُعاءنا لله العلي القدير أن يُلهمنا قول الحق ، الذي يوصلنا للحق ولما فيه كسب مرضاته ونيل رضاه .
.....
أخيكم ومُحبكم في الله : - عمر المناصير..... 11 جُمادى الآخر 1431 هجريه