وقد ترك الشيخ تراثا علميا ضخما في علوم التفسير والحديث والسيرة والعقيدة والفقه وأصول الفقه والزهد والتصوف، وتلاميذ جهابذة. وحارب البدع وأحيا السنة وكانت له فتنة مع الحشوية من المنتسبين للحنابلة في أمور العقيدة. وفي دمشق التي كان يحكمها الملك الصالح إسماعيل من بني أيوب الذي ولّى العز بن عبد السلام خطابة الجامع الأموي الكبير بدمشق وبعد فترة قام الملك الصالح إسماعيل بقتال ابن أخيه الصالح أيوب حاكم مصر، وانتزاع السلطه من يده، وأعطاهم الصالح إسماعيل حصن الصفد والثقيف، وسمح لهم بدخول دمشق لشراء السلاح والطعام. وعندها غضب العز، وصعد المنبر وخطب الناس خطبة عصماء، وأفتى بحُرمة بيع السلاح للفرنجة وحُرمة الصلح معهم، ثم قطع الخطبة عن الصالح إسماعيل وكان ذلك بمثابة إعلان للعصيان العام .وقال في آخر خطبته: اللهم أبرم أمر رشد لهذه الأمة يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويأمر بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، ثم نزل. علم الملك الصالح إسماعيل بخروج العز عن طاعته فغضب عليه غضبًا شديدًا وأمر بإبعاده عن الخطابة وسجنه، وبعدما حصل الهرج والمرج واضطرب أمر الناس أخرجه من السجن ومنعه من الخطبة بعد ذلك فانتقل العز بعد ذلك إلى مصرفوصلها سنة 639هـ فرحب به الملك الصالح نجم الدين، فولاّه الخطابة والقضاء وكان أول ما لاحظه بعد توليه القضاء قيام الأمراء المماليك المملوكين للدولة الإسلامية بالبيع والشراء وقبض الأثمان، وهو ما يتعارض مع الشرع إذ أنهم في الأصل مملوكين ولا يحق لهم البيع والشراء و الزواج من حرائر نساء مصر، وكان الشيخ لا يجامل في الحق فلا يمضي لهم بيعاً ولا شراء حتى تكالبوا عليه وشكوه إلى الملك الصالح الذي لم تعجبه فتوى الشيخ العز، فذهب الي الشيخ يسأله أن يعدل من فتواه فطلب منه الشيخ ألا يتدخل في القضاء فليس هذا للسلطان، فإن شاء أن يتدخل فالشيخ يقيل نفسه .(عبد الرحمن الشرقاوي أئمة الفقه التسعة 359 ) فاجتمع أمراء الدولة من الأتراك و أرسلوا اليه فقال الشيخ نعقد لكم مجلساً و ننادي عليكم بالبيع لبيت مال المسلمين (السيوطي حسن المحاضرة )فاستشاط نائب السلطنة غضباً وكان من المماليك وأقسم ليقتلن الشيخ بسيفه فذهب إليه نائب السلطان مع جماعة من الأمراء فطرق بابه ففتح الباب ابنه عبداللطيف فراعه منظر نائب السلطنة إذ رأى سيفه مسلولاً والغضب يعلو وجهه فدخل على والده وقال: انج بنفسك إنه القتل فرد عليه الشيخ بقوله (أبوك أقل من أن يُقتل في سبيل الله). ثم خرج وحين وقع بصره علي النائب سقط السيف من يد النائب و ارتعد فبكى وسأل الشيخ أن يدعو له وقال يا سيدي ماذا ستفعل قال (أنادي عليكم وأبيعكم). فأي رجل وفقيه بحق هذا
إلا أن السلطان لم يذعن لحكم الشيخ فأرسل اليه من يتلطف اليه و بعد إصرار الشيخ أخبره الرسول أن السلطان لن يسمح ببيع الأمراء و أمر السلطان واجب وهو فوق قضاء الشيخ عز الدين وعلى أية حال فليس للشيخ أن يدخل في أمور الدولة فشؤون الأمراء لا تتعلق به بل بالسلطان وحده فأنكر الشيخ تدخل السلطان في القضاء وقام فجمع أمتعته ووضعها علي حمار ووضع أهله علي حمير أخرى وساق الحمير ماشياً وسألوه :إلى أين يا شيخ فقال: (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) فيم المقام بأرض يُستضعف فيها أهل الشريعة و يُعتدي فيها علي القضاء ؟ فتجمع الناس وراءه و تبعه العلماء والصلحاء والتجار والنساء والصبيان حتى كادت مصر أن تخلو من سكانها فخرج الملك الصالح مسرعاً ولحق بالعز وأدركه في الطريق وترضّاه وطلب منه أن يعود وينفذ حكم الله فتم له ذلك واشتهر العز بعدها بأنه بائع الملوك فازداد الأمراء المماليك غضباً وتآمروا علي قتل الشيخ مرة أخرى ولكنهم فشلوا بل و تاب من بعثوهم لقتله علي يديه وصلوا صلاة توبة وكان هو إمامهم وقد عايش العز دولة بني أيوب التي أنشأها صلاح الدين في الشام ومصر وكانت دولة قوية ولكن في آخر عصرها تنافس أمراؤها وتقاتلوا على المُلك حتى لجأ بعضهم إلى التحالف مع الصليبيين من أجل أن يتفرغ لقتال إخوانه وبني عمومته ثم كان في آخر دولتهم أن حكمتهم امرأة هي شجرة الدر في سابقة هي الثانية في تاريخ الإسلام أن يملك المسلمين امرأة، بعد تولي رضية الدين سلطنة دلهي 634-638هـ غير أن المصريين استنكروا وجود امرأة تتحكم في رقاب الأمراء و الكبراء و السادة و غضبوا غضبا شديدا وخرجت المظاهرات الغاضبة تستنكر هذا الحضور و النفوذ السياسي الكبير لسيدة من سيدات القصر وقد قاد المعارضة العز بن عبد السلام ووقف وسط جموع المتظاهرين منددا بجلوس امرأة على عرش مصر مبينا أن هذا الجلوس مخالفا للشرع الحكيم ما اضطر شجرة الدر بعدها للتنحي بعد ثمانين يوماً قضتها في الحكم وبعد وصول الأمير قطز لسدة حكم مصر وظهور خطر التتار ووصول أخبار فظائعهم ورسلهم المهددين وللاستعداد لملاقاة التتار الزاحفين أمر قطز بجمع الأموال للإعداد للحرب ووقف العلماء وكان على رأسهم العز بن عبد السلام أمام الأمراء وقادة الجند فقرروا ألا يؤخذ من الناس شيئا إلا إذا كان بيت المال فارغاً وبعدما يخرج الأمراء والتجار وأغنياء الناس من أموالهم وذهبهم حتى يتساوى الجميع فنزل الأمير قطز على حكم العلماء.
وقد توفي العزّ بن عبدالسلام رحمه الله في العاشر من جمادى الأولى سنة ستين وستمائة للهجرة.
عبد الرحمن الشرقاوي أئمة الفقه التسعةكتاب اليوم أخبار اليوم1983
آخر تعديل بواسطة queshta بتاريخ
17.05.2010 الساعة 11:47 . و السبب : وضح علامات ترقيم وتصليح بضعة كلمات