{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21) } سورة الزمر .
This image has been resized. Click this bar to view the full image. The original image is sized 1024x768.

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّه أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيع فِي الْأَرْض ثُمَّ يُخْرِج بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانه ثُمَّ يَهِيج فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلهُ حُطَامًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَلَمْ تَرَ } يَا مُحَمَّد { أَنَّ اللَّه أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاء مَاء } وَهُوَ الْمَطَر { فَسَلَكَهُ يَنَابِيع فِي الْأَرْض } يَقُول : فَأَجْرَاهُ عُيُونًا فِي الْأَرْض ; وَاحِدهَا يَنْبُوع , وَهُوَ مَا جَاشَ مِنْ الْأَرْض
ويُخْبِر تَعَالَى أَنَّ أَصْل الْمَاء فِي الْأَرْض مِنْ السَّمَاء كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ " وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاء مَاء طَهُورًا " فَإِذَا أَنْزَلَ الْمَاء مِنْ السَّمَاء كَمَنَ فِي الْأَرْض ثُمَّ يَصْرِفهُ تَعَالَى فِي أَجْزَاء الْأَرْض كَمَا يَشَاء وَيُنْبِعهُ عُيُونًا مَا بَيْن صِغَار وَكِبَار بِحَسَبِ الْحَاجَة إِلَيْهَا وَلِهَذَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى " فَسَلَكَهُ يَنَابِيع فِي الْأَرْض "
ثُمَّ يُخْرِج بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانه " أَيْ ثُمَّ يُخْرِج بِالْمَاءِ النَّازِل مِنْ السَّمَاء وَالنَّابِع مِنْ الْأَرْض زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانه أَيْ أَشْكَاله وَطُعُومه وَرَوَائِحه وَمَنَافِعه " ثُمَّ يَهِيج " أَيْ بَعْد نَضَارَته وَشَبَابه يُكْتَهَل فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا قَدْ خَالَطَهُ الْيُبْس " ثُمَّ يَجْعَلهُ حُطَامًا " أَيْ ثُمَّ يَعُود يَابِسًا يَتَحَطَّم " وَقَوْله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ فِي فِعْل اللَّه ذَلِكَ كَاَلَّذِي وَصَفَ لَذِكْرَى وَمَوْعِظَة لِأَهْلِ الْعُقُول وَالْحِجَا يَتَذَكَّرُونَ بِهِ , فَيَعْلَمُونَ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَنْ يَتَعَذَّر عَلَيْهِ إِحْدَاث مَا شَاءَ مِنْ الْأَشْيَاء , وَإِنْشَاء مَا أَرَادَ مِنْ الْأَجْسَام وَالْأَعْرَاض , وَإِحْيَاء مَنْ هَلَكَ مِنْ خَلْقه مِنْ بَعْد مَمَاته وَإِعَادَته مِنْ بَعْد فَنَائِهِ , كَهَيْئَتِهِ قَبْل فَنَائِهِ , كَاَلَّذِي فُعِلَ بِالْأَرْضِ الَّتِي أُنْزِلَ عَلَيْهَا مِنْ بَعْد مَوْتهَا الْمَاء , فَأَنْبَتَ بِهَا الزَّرْع الْمُخْتَلِف الْأَلْوَان بِقُدْرَتِهِ .أَيْ الَّذِينَ يَتَذَكَّرُونَ بِهَذَا فَيَعْتَبِرُونَ إِلَى أَنَّ الدُّنْيَا هَكَذَا تَكُون خَضِرَة نَضْرَة حَسْنَاء ثُمَّ تَعُود عَجُوزًا شَوْهَاء وَالشَّابّ يَعُود شَيْخًا هَرِمًا كَبِيرًا ضَعِيفًا وَبَعْد ذَلِكَ كُلّه الْمَوْت فَالسَّعِيد مَنْ كَانَ حَاله بَعْده إِلَى خَيْر وَكَثِيرًا مَا يَضْرِب اللَّه تَعَالَى مَثَل الْحَيَاة الدُّنْيَا بِمَا يُنْزِل اللَّه مِنْ السَّمَاء مِنْ مَاء وَيُنْبِت بِهِ زُرُوعًا وَثِمَارًا ثُمَّ يَكُون بَعْد ذَلِكَ حُطَامًا كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاة الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَات الْأَرْض فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاح وَكَانَ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء مُقْتَدِرًا" .
المصادر :
تفسير ابن كثير .
تفسير الطبري .