ثانياً : حق الولاء والبراء والأخوة :
قال الله عز وجل :
{ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) } الممتحنة
إن الولاء والبراء باب من أهم أبواب العقيدة التي يجب أن ينتبه إليها كل مسلم والولاء معقود على الإيمان بالله وحده والبراء ممن ابتغى غير الإسلام ديناً أبداً ولو كانوا آبائنا أو أبنائنا أو إخواننا أو عشيرتنا وعلى هذا نصوص كثيرة من القرآن والسنة لا يسع المجال لذكرها ومنها :
قوله تعالى :
{ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ } المائدة
{ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } محمد
ففي الآيتين بيان بانعقاد الولاء بين المسلمين وانقطاعه بين المسلمين والكافرين وبراءة الأول من الآخر بينها تبارك وتعالى في قوله :
{ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ .. الآية } الممتحنة
وفي قوله تعالى :
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73) } الأنفال
ففي الآية الأولى إنعقاد الولاء بين المؤمنين بالله وفي الثانية قطع المولاة والبراءة من الكافرين
إلا تفعلوه يا مؤمنين تكن فتنة ، ولا أرى هذه الفتنة إلا في هذا الشعار البائس الأخوة في الإنسانية .
وفساد كبير ، قال السعدي : فإنه يحصل بذلك من الشر ما لا ينحصر من اختلاط الحق بالباطل، والمؤمن بالكافر، وعدم كثير من العبادات الكبار، كالجهاد والهجرة، وغير ذلك من مقاصد الشرع والدين التي تفوت إذا لم يتخذ المؤمنون وحدهم أولياء بعضهم لبعض.
فهذا الشعار الأخوة في الإنسانية ليس من الإسلام في شيء وإنما هو من صنع من لا دين له لتميع الدين وإنكاس عقيدة الولاء والبراء السابق تعريفها ويقولون الدين لله والأرض للجميع !
بل إن الدين لله وإِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ..
ومن الفساد الذي نتج عن هذه الفتنة من التمييع نعت الكافر بأخي ومخاطبته بها وهو مما لا يجوز مطلقاً لأي سبب من الأسباب ..
قال الله عزوجل { إنما المؤمنون أخوة }
قال ابن دقيق العيد :
كلمة "إنما" للحصر على ما تقرر في الأصول وفي ذلك اتفاق على أنها للحصر ومعنى الحصر فيها: إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عداه . انتهى
فالأخوة حكم مثبت للمؤمنين منفي عن غيرهم ..
وقال النبي صلى الله عليه وسلم :
" وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا " متفق عليه
قال الشافعي رحمه الله : قد جمع الله الناس بالإسلام ، ونسبهم إليه ، فهو أشرف أنسابهم. انتهى
وإن الإسلام قد قطع أوصال كل علاقة ولم يُبقي إلا وصال الدين فليس أخي حقاً أواليه وأذل نفسي له وله ما لي وعليه ما علي إلا أخي في الدين ولو كا صينياً وليس ذلك لأخي من أمي إن كان مشركاً ..
قال الله عز وجل لنوح حين نادى ربه :
{ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) } هود
إنه ليس من أهلك ..
وقال تعالى :
{ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) } التوبة
وقال تعالى :
{ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22) } المجادلة
فبهذا التقرير المختصر يتبين لنا أنه لا يمكن أبداً أن أقول للكافر يا أخي متودداً بها إليه كيف هذا ؟؟
كذلك المحبة لا تكون إلا في الدين ..
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
" إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ " رواه أحمد وهو حسن بشواهده
فإني أحب المؤمن لا أحبه إلا في الله لإيمانه وأبغض الكافر لكفره بالله العظيم ولا يجوز التصريح له بالمحبة مطلقاً لا أحبك ولا نحبك ولا محبك فلان لأنه لا مجال في قلب المؤمن لحب كافر ..
رجل يدعي أن لله ولداً أقول له أنا أحبك أو أنك أخي كيف هذا ؟؟!
إن الله عز وجل قال في الحديث القدسي :
" يشْتِمُنِي ابْنُ آدَمَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتِمَنِي وَيُكَذِّبُنِي وَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَمَّا شَتْمُهُ فَقَوْلُهُ إِنَّ لِي وَلَدًا وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ فَقَوْلُهُ لَيْسَ يُعِيدُنِي كَمَا بَدَأَنِي " صحيح البخاري
فرجل يشتم رب العلمين ليل نهار ويدعي أن له ولداً كيف أحبه وكيف أخايه وكيف أواليه بل إننا نبغضهم في الله أسوة بأبراهيم والذين آمنوا معه
{ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ .. الآية } الممتحنة
ولكن أين الرحمة والتسامح والإحسان ؟؟!!
في الآية التي صدرنا به هذا النقطة يقول الله عز وجل :
{ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) } الممتحنة
أمرنا الله عز وجل أن نبرهم أي نحسن إليهم وأن نقسط إليهم والقسط هو العدل
قال السعدي رحمه الله :
أي: لا ينهاكم الله عن البر والصلة، والمكافأة بالمعروف، والقسط للمشركين، من أقاربكم وغيرهم، حيث كانوا بحال لم ينتصبوا لقتالكم في الدين والإخراج من دياركم، فليس عليكم جناح أن تصلوهم، فإن صلتهم في هذه الحالة، لا محذور فيها ولا مفسدة كما قال تعالى عن الأبوين المشركين إذا كان ولدهما مسلما: { وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا }
وقال رحمه الله في قوله تعالى { وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }
ينهى تعالى عن مجادلة أهل الكتاب، إذا كانت من غير بصيرة من المجادل، أو بغير قاعدة مرضية، وأن لا يجادلوا إلا بالتي هي أحسن، بحسن خلق ولطف ولين كلام، ودعوة إلى الحق وتحسينه، ورد عن الباطل وتهجينه، بأقرب طريق موصل لذلك، وأن لا يكون القصد منها مجرد المجادلة والمغالبة وحب العلو، بل يكون القصد بيان الحق وهداية الخلق، إلا من ظلم من أهل الكتاب، بأن ظهر من قصده وحاله، أنه لا إرادة له في الحق، وإنما يجادل على وجه المشاغبة والمغالبة، فهذا لا فائدة في جداله، لأن المقصود منها ضائع. انتهى
وقال الله عز وجل { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) } آل عمران
وهنا يكون موقف المؤمن الفطن الحريص على دينه وعلى نجاة الآخرين في أن يلتزم بشرعه فلا ينعقد قلبه إلا على حب المؤمن لإيمانه وبغض الكافر لكفره ولا يواليه ولا يأخيه وفي نفس الوقت يُحسن إليه ويُعامله بحسن الخلق ويقسط إليه ويعدل في أمره ولا يظلمه ولا يتجنى عليه ولكن يلين له في القول ويحسن إليه في الفعل بُغية أن يرق قلبه وينشرح صدره للإسلام والمسلمين .. ولا تضاد بين ذلك وذاك ولا يجتمعان إلا في قلب المؤمن الفطن .
يتبع ...
توقيع أبوحمزة السيوطي |
إذا كُنت تشعر انك لاتعيش جيـداً ...فاعلم أنك لاتصلي جيداً |