ولم يكن حديث القرآن عن الحوار حديثاً عَرَضياً بل اهتم به اهتماماً كبيراً من حيث المنهج والقواعد التي ينبغي أن يسير عليها ، وعَرَض لأساليبه ونماذج منه ، مما يعطي المتأمل فيه نظرية متكاملة عن الحوار من خلال القرآن الكريم
منهج الحوار في القرآن :
تنطلق رحلة المنهج الحواري في القرآن منبداياته الأولى ، حيث لابد من أن يتكافأ الطرفان من حيث الاستعدادات النفسيةوامتلاك القدرة على الحوار .. ومن ثَمَّ تُرسم قواعده التي سيسير عليها .. ويلتزمالأطراف بالخضوع لما يكشف عنه الحوار من حقائق .. فإذا تم فإما أن يصل الأطراف إلىنتيجة واحدة فيكون قد نجح .. وإما أن لا يقتنع أحد الفريقين أو أن يعاند فإنه يمارس حقاً اعتُرف به بقبول الحوار .. وعندما ينتهي الحوار إلى هذه النتيجة فللمسلم رسالة يختم بها حواره تتمثل بتذكير الطرف الآخر بأنه مسئول عما وصل إليه .. تلك هي عناوين لتفاصيل قرآنية حول الحوار نذكر بعضها فيما يلي :
1- امتلاك الحرية الفكرية :
لابد لكي يبدأ الحوار أن يمتلك أطرافه حرية الحركة الفكرية التي يرافقها ثقة الفرد بشخصيته الفكرية المستقلة ، فلا ينسحق أمام الآخر لما يحس فيه من العظمة والقوة التي يمتلكها الآخر ، فتتضاءل إزاء ذاك ثقته بنفسه وبالتالي بفكره وقابليته لأن يكون طرفاً للحوار فيتجمد ويتحول إلى صدى للأفكار التي يتلقاها من الآخر.
لذلك أمر الله رسوله أن يحقق ذلك ويوفره لمحاوريه "قُلْ إِنَّمَاأَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ" [ [الكهف:110] ، "قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لإسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" (الأعراف:188)