اعرض مشاركة منفردة
   
Share
  رقم المشاركة :3  (رابط المشاركة)
قديم 26.02.2010, 15:10
صور أبو عبد الله البخاري الرمزية

أبو عبد الله البخاري

غفر الله له و لوالديه

______________

أبو عبد الله البخاري غير موجود

الملف الشخصي
التسجيـــــل: 06.05.2009
الجــــنـــــس: ذكر
الــديــــانــة:
المشاركات: 30  [ عرض ]
آخــــر نــشــاط
12.10.2010 (20:08)
تم شكره 2 مرة في 2 مشاركة
افتراضي


فالحضارة الغربية أطلقت العقول تجدّ وتبتدع ، وأطلقت من ورائها الأهواء تلذ وتستمتع وتشتهي ، فضرب الخير بالشر ضربة لم تقتل ولكنها تركت الآثار التي هي سبب القتل ، إذ لا تزال تمدّ مدّها حتى تنتهي إلى غاياتها ، وذلك هو السر في أنه كلما تقادمت الأزمنة على هذه الحضارة ضجّ أهلها وأحسّوا عللاً اجتماعية لم تكن فيهم من قبل ، ولو قد عمت الحضارة وتغشي أروبا كلها فلم يبق في تلك الأرض سواد ريفي أقرب إلى الطبيعة وأشكل بها ولا يزال في الحياة على إرثه القديم كالسواد الأعظم الذي يعمر قراها ويملأ صميمها في كلّ مملكة منها - لرأيت أفظع ما ترى العين من بلاد متعادية متنابذة ، لما ينازع أهلها من طلب المنافع الشخصية والتكالب عليها و الاستهتار بالشهوات والتناحر على تكاليف حياتهم الثقيلة المملولة المستوخمة ، بيد أن ريف أروبا وقراها وما فيها من نزعة الدين ومن معاني الطبيعة البعيدة عن الحضارة ومن الأخلاق السوية الصحيحة التي لم تزغها المدنية - كل ذلك هو الذي يمسك بهذه القارة أن تنهار ويحفظها أن تتحلل ، وهو كالبداوة المحضة بإزاء الحضارة في معانيها المستهلكة ، فهو بذلك مادة التجديد الإنساني في أروبا ، على حين أن هذه المدنية هي مادة التجديد الحيواني بما تصرف عليه الحواس من المتاع واللذة ، والحواس روّاد القلب فما أدت إليه أصلحه أو أفسده ؛ ولقد قرأت في هذه الأيام رواية يقال إن كاتبها نادرة ، فما فرغت منها إلا وأنا أعتقد أن كاتب أروبا هذا هو حيوان أروبا ... إن العقول الناضجة المميزة لا تهب منها الحكمة الإلهية بقدر ما تهب من الأهواء ولا بعض ذلك ، بل هي من قسط من الأفراد الذين لا يبلغون فصلا في الكتاب الإنساني الكبير ، أما الشهوات فهي للجنس كله ؛ إذ هي غايات طبيعية في تركيب الأجسام ؛ ولذا قامت الأديان على سنة حكيمة كافلة للمصلحة ، وهي إبعاد الشهوات عن المجتمع وإباحة القليل منها بشروط وقيود ، واعتبار درء المفسدة مقدماً على جلب المصلحة ، وذلك وإن لم يؤت الناس عقلاً فإن العقل لا يؤتيهم غيره في آداب الحياة ، ولكن الحضارة قامت على إطلاق العقل والهوى ، فاستباحت الدينَ طوائفُ من الناس وتركته بلا أثر في طوائف أخرى ، فكانت تحكيماً للشهوات في الخلق وتمكيناً لأسبابها في الاجتماع ، ومن ثم أخذت تقتلع الأخلاق الإنسانية من أصولها ، وما أعرف أكثر مظاهر المدنية إلا أمراضاً مسماة بغير أسمائها ، و كلها جميلة سائغة مشرقة ، لأنها كلها تؤلف حلما مريضا كأحلام الخمر والأفيون ...
أصبح الغربي المتحضر عصبياً ثائراً حساساً يدلف إلى الجنون بخطى بطيئة لكنها سائرة متحركة ، وابتلته المدنية بأمراضها التي لم تكن في أسلافه ، كالسرطان وغيره ، وضربته الشهوات بخدر الحاسة الروحية وخمولها فأصبح يعمل للغرض الأسمى بوسائل معكوسة لا تؤدي إلا إلى الغرض الأسفل ، ورجع كأنه غريب عن الطبيعة الخشنة التي لا بد من خشونتها ليبقى قوياً بها وقوياً فيها وقوياً عليها ، وتغير من كل ذلك تاريخ عقله وأعصابه ، فضعف النبوغ الفني وأصبح النمط العالي منه خاصاً بالتاريخ القديم وحده ، مع أنه ليس بين القديم وبين الجديد إلا طبيعة هذه الحضارة وأثرها على العقول ، أما الإنسان فهو هو ، بيد أنه في الحضارة الأولى المتخشنة كان كالدينار الجديد رزيناً خشناً ، فأصبح في هذه الحضارة الناعمة كالدينار الأملس مسحته الأيدي وأزالت حرشته فهو إلى ضعف وإلى نقص ...







توقيع أبو عبد الله البخاري
" هم يقولون إنهم يريدون بآرائهم الأمة ومصالحها ومراشدها ، ويقولون في ذلك بما يسعه طغيانهم واتساعهم في الكلام واقتدارهم على الثرثرة ، حتى إذا فتشت وحققت لم تجد في أقوالهم إلا ذواتهم وأغراضهم وأهواءهم يريدون أن يبتلوا بها الناس في دينهم وأخلاقهم ولغتهم ، كالمسلول يصافحك ليبلغك تحيته وسلامه ، فلا يبلغك إلا مرضه وأسباب موته " ** الرافعي متحدثاً عن العلمانيين **


رد باقتباس