(3)
ومما ينقمه الجاحون للتدبير فى الموت والفناء ذهابهم الى انه ينبغى ان يكون الناس مخلدين فى هذه الدنيا من الافات , فقد ينبغى ان نسوق هذا القول الى غايته فننظر ما محصوله .
افرايت لو كان كل رجل يدخل الى العالم يبقى بلا موت , الم تكن الارض ستضيق بهم حتى تعوزهم المساكن والمزارع والمعايش ؟ فتنشب بينهم الحروب وتسفك الدماء , هذا الى ما كان سيغلب عليهم من الحرص والشره , وقساوة القلب , فانهم لو وثقوا بانهم لا يموتون لما قنع احد بشىء ناله ولا فرح بشىء سيناله ثم كانوا سيملون الحياة الى ان ينتهى بهم الامر الى تمنى الموت , والراحة من الدنيا .
فان قالوا :
انه كان ينبغى ان ترفع عنهم المضار والاوصاب حتى لا يتمنوا الموت فلا يتوقوا اليه فقد وصفنا ما كان هذا مخرجهم اليه من العتو والاشر الحامل لهم على ما فيه فساد الدين والدنيا .
فان قالوا :
انه كان ينبغى ان لا يتوالدوا , كى لا تضيق عليهم المساكم والمعايش ..
قلنا : اذا كان يحرم اكثر الخلق دخول العالم , والاستمتاع بنعم الله ومواهبه فى الدارين جميعا اذا لم يدخل العالم الا قرن واحد لا يتناسلون ولا يتوالدون .
فان قالوا :
كان يخلق فى ذلك القرن الواحد من الناس مثل ما خلق , ويخلق الى انقضاء العالم رجع الامر الى ما ذكرنا من ضيق المساكن , والمعاش عنهم , ثم لو كانوا لا يتوالدون ولا يتناسلون ذهب موضع الانسان بالقرابات , وذوى الارحام والانتصار بهم فى الشدائد , وموضع تربية الاولاد والسرور بهم ففى هذا دليل على ان ما تذهب اليه الاوهام سوى ما جرى به التدبير خطأ وسفال من الرأى والقول .