وهي تتضمن أصول الدين والعقيدة من الأدلة العقلية والفطرية والشرعية على وجود الله تعالى وتوحيده ، وصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإثبات البعث .وفي سائر سور القرآن الكريم ، نجد السورة الواحدة تجمع أركان
العقيدة بأصول عامة تبين أركان الإيمان - وأعظمها الإيمان بالله تعالى- وما يتفرع عن هذه الأركان وينضم إليها ، أو يكون من مقتضياتها ومستلزماتها ، وتضع - كذلك - الإجابة الصحيحة الحاسمة على الأسئلة التي تفسر للإنسان أصل وجوده ونشأته ، وغايته التي يسعى إليها ، والمصير الذي ينتهي إليه بعد رحلته في هذه الحياة ، وتحدد علاقته بالله تعالى وبالكون وبالحياة والأحياء من حوله .يقول الإمام الشاطبي ، - رحمه الله - :( وغالب السور المكية تقرر ثلاثة معان ، أصلها معنى واحد ، وهو الدعاء إلى عبادة الله وتوحيده :
أحدها : تقرير الوحدانية لله الواحد الحق . غير أنه يأتي على وجوه ، كنفي الشريك بإطلاق ، أو نفيه بقيد ما ادعاه الكفار في وقائع مختلفة ، من كونه مقربًا إلى الله زلفى ، أو كونه ولدًا ، أو غير ذلك من أنواع الدعاوى الفاسدة .
والثاني : تقرير النبوة للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه رسول الله إليهم جميعًا ، صادق فيما جاء به من عند الله . وهذا المعنى وارد على وجوه أيضًا كإثبات كونه رسولا حقًّا ، ونفي ما ادعوه عليه من أنه كاذب ، أو ساحر ، أو مجنون ، أو يعلمه بشر ، أو ما أشبه ذلك من كفرهم وعنادهم .
والثالث : إثبات أمر البعث والدار الآخرة ، وأنه حق لا ريب فيه ، بالأدلة الواضحة ، والرد على من أنكر ذلك بكل وجه يمكن الكافر إنكاره به ، فرد بكل وجه يلزم الحجة ، ويبكت الخصم ويوضح الأمر .فهذه المعاني الثلاثة هي التي اشتمل عليها المنزل من القرآن بمكة في عامة الأمر ، وما ظهر- ببادئ الرأي- خروجه عنها فراجع إليها في محصول الأمر .ويتبع ذلك : الترغيب والترهيب ، والأمثال والقصص ، وذكر الجنة والنار ، ووصف يوم القيامة ، وأشباه ذلك ) . وإذا كانت
العقيدة هي الموضوع الأساسي الرئيس في السور المكية ، فإنها كذلك موضوع رئيس في السور المدنية التي نزلت لتعالج قضايا تشريعية تعرض من خلال هذه
العقيدة ومقتضى الإيمان بالله تعالى ، كـما ألمحنا إليه فيما سبق . ومن هنا ، فإن الحديث عن
العقيدة ( لم ينقطع في المدينة ، لأنه ليس حديثًا يذكر في مبدأ الطريق ثم ينتقل منه إلى موضوع آخر ، إنما يذكر في مبدأ الطريق ثم ينتقل معه إلى كل موضوع آخر) .