الموضوع
:
يا مسلم ... إقرأ ... واعتبر ...
اعرض مشاركة منفردة
Tweet
Share
رقم المشاركة :
822
(رابط المشاركة)
19.12.2013, 11:18
pharmacist
عضوة مميزة
______________
الملف الشخصي
التسجيـــــل:
28.10.2010
الجــــنـــــس:
أنثى
الــديــــانــة:
الإسلام
المشاركات:
3.814
[
عرض
]
آخــــر نــشــاط
10.10.2021 (12:19)
تم شكره 328 مرة في 292 مشاركة
أغلى ما نملك
في إحدى القرى كان هناك ثريٌّ يعيش في قصْرٍ منيف، به خدم وحشم، ثم هو مع غناه الفاحش وماله الوافر،
سِكِّير عِرْبيد، مستهتر، مرابٍ مُرْتش مقامر، لا مكان للقِيَم والمُثُل في رأسه، ولا وزن لها في تفكيره، بل هو
عبد لشهواته، لا يحيا إلا لها، ولا يؤمن إلا بها!
ولكن لفت نظر هذا الغني التافِه أنَّ هناك رجلاً فقيرًا مُعدمًا لا يملك شيئًا إلا بيتًا حقيرًا يؤويه هو وأسرته،
ومع هذا فهو شامخٌ بأنفه لا يُطأطئ رأسه لأحد، غير محتقرٍ لنفسه ولا لحاله، بل هو ماضٍ في درب الحياة،
ملتمس لُقمة العيش بلا خنوع ولا خضوع، ولا ذل ولا حقْد على أحد، معروفٌ عند الجميع بِنَزَاهته وعفَّته
على فقْره المدْقع، أمينٌ على ما استرعي من عمل، صادق اللهجة، عظيم المهابة على ما هو فيه من ضيق
ذات اليد، حتى صار الناس يحتكمون إليه فيما شَجَر بينهم من يسير الخلافات التي لا يخلو منها مجتمع، ثُم
هو مضرب مثلهم إن أرادوا التمثيل على الصدْق والأمانة، والعفة وسلامة الصدر، حتى حل في قريته
بمنزلة عظيمة، ومكانة جسيمة، رفعتْه إلى منزلة الأغنياء - وليس بغني - وإلى مرتبة الوجهاء وليس منهم،
إنما لا يملك إلا أخلاقًا عالية، وصفات نبيلة، وتجسيدًا لمعانٍ عظيمة عجز الأغنياء عن امتثالها والتخلُّق
بها، وصار الناس يرونها مجموعة في هذا الفقير فأحبوه وأجلّوه.
ونظر الغني إلى نفسه وإلى نظر الناس إليه، فوجد نفسه منبوذًا، إنما يعظّمه الناس تعظيم الطامع في ماله،
فإذا ما أدار لهم ظهره رموه بكُلِّ خسيسة، وكان عالمًا بموقفهم من ذلكم الفقير المعْدم وتعظيمهم له وتقديرهم
إياه، فجعل ينظر في أسباب ذلك فرأى أن عظمة الفقير إنما جاءت من أخلاقه التي ينتهجها في سلوكه،
وقيمه التي يجسدها في أفعاله، وأن الناس إنما ازدروه هو - على غناه - لغيِّه، وضحالة قيمه ومبادئه.
ثم أنعم النظر فإذا هو لا قبل له بأخلاق ذلك الفقير وقيمه ومبادئه، وأنه لا صبر له عن اللهو والمجون
ومراتع الشهوة والهوى، وأنه لا طاقة له بأن يصبح امرأ نزيهًا عفيفًا، لا يرشو ولا يرتشي، ولا يكذب
ولا يخون ولا يغش، فإنه متى فعل ذلك أفلس وافتقر، ومتى افتقر حيل بينه وبين شهواته ولذاته، وليس
يطيق عنها صبرًا.
فجعل يفكِّر كيف يمكنه أن يهبط بذلكم الفقير صاحب القيَم والمبادئ إلى عالمه المنحط ؛ فإنه متى ما نجح
في ذلك لم يبقَ لذلك الفقير أية مزية عليه، وساعتها تسقط منزلتُه من أعيُن الناس، ويتساوى معه في الخسة
والضعة الأخلاقية، فيعود الناسُ إلى تعظيم الغني لأجل ماله وجاهه.
انطلق ذلكم الغني الماجن إلى بيت الفقير، وعرض عليه أن يعمل عنده لتنفتح له أبواب من الرزق مغلقة،
أغراه وأغراه، وأوضح له ما هو فيه من نعمة ونعيم ولذة وشهوة.
رد الفقير بكلمةٍ واحدة: "إن أقل مبدأ من مبادئي، أو خلق من أخلاقي - لَهُو أعظم وأغلى عندي من كل
ما ذكرت من شهوات ولذات، إن قيمي وأخلاقي هي أغلى ما أملك وما يمكن أن أملك".
العبرة :
إن الغرب بما عنده من تفوُّق مادي ليس يختلف حاله كثيرًا عن حال ذلك الغني، فيكاد يكون جل فضله الآن
في قوته وغناه، وإن كان يرفع بعض شعارات التمدُّن؛ كالحرية، والمساواة، إلا أن قيمه ومبادئه تظل سافلة
منحطة إلى غاية دركات الانْحِطاط.
إنه مجتمع نفعي بَحْت، ينحدر مع الرذيلة، ولكنه يخترع نظريات وفلسفات ليبررها ويُبرهن على أفضيلتها.
ونحن كأمة نملك ما يملك ذلك الفقير من قيَمٍ وأخلاق ومبادئ - وإن كنا فرطنا في الكثير منها - إلا أنها
محفوظة في تُراثنا، ما علينا إلا أن نبعثها ونعيشها، ونمتثلها واقعًا في حياتنا.
إذا كان هذا حالنا وحال الغرب، فلماذا لا نعتز بقيَمنا وأخلاقنا وتراثنا أمام الغرب،
كما يعتز ذلك الفقير بما يملكه أمام ذلكم الغني؟!
لا ريب أن أخلاقنا وديننا وقيمنا هي أغلى وأعلى من كل ما عند الغرب من تقدُّم مادي؛ فالقوة والغنى
أعراض زائلة تذهب وتجيء، كما نراه في سقوط دول وقيام أخرى، ولا معنى للقوة والغنى بدون قيَم
ومبادئ، أَلَم يجتح التتار الدنيا بقوتهم، فماذا كسبت الدنيا من ذلك؟!
أليس اليهود - عادة - أغنى الناس وأرباب المال أينما حلوا، فمَن احتذاهم - يومًا - مثالاً أو اتخذهم قدوة؟!
إنَّ القيَم والمبادئ هي الباقية الخالدة، والغرب صار قويًّا غنيًّا، ولكن بلا قيم ولا مُثُل ومبادئ، وغلب
الدنيا بقوته وهزمها بغناه، ولم يبق له من أمرنا ما يأبه له إلا ديننا وتُراثنا وقيمنا وأخلاقنا، وهذا الغرب
بعد مسْخه العقلي والفكري عاجزٌ أن يرتفع إلى موروثنا من أخلاق وقيم؛ لأنه صار كما يصرح منظروه
بذلك "كائنًا اقتصاديًّا"، فلا هَمَّ له إلا جيبه يملؤه وينفق منه على الشهوات والملذات، ومن ثَمَّ فمُهمته
الحالية أن يستنزلنا عن قيَمِنا ومبادئنا وأخلاقنا؛ لنحيا بدنسه ونفعيته وأثرته وجفائه؛ لتتم له غلبته ونصره
في كل الميادين، وليبدو أمام نفسه والعالم شريفًا نبيلاً متَحَضِّرًا فاضلاً، إلى جانب كونه غنيًّا ثريًّا قويًّا.
فمتى نفقه هذه القضية ونعتز بديننا وأخلاقنا اعتزاز ذلك الفقير بمبادئه وقيمه، ونطلب مع ذلك
الغنى والقوة؟!
وما أيسر سبيلَهما لو نفضنا عن رؤوسنا الكسل والتواكُل!
منقول
المزيد من مواضيعي
تآلف مع النقد
قلم يبهرك وقلم يقهرك
كيف تنظر إلى الحياة؟
الحقيقــــة
هل فكرت في تغيير طبعك ؟
الناس كالسلحفاة
الطيور المهاجرة
تداعت علينا الأمم.. فهل إلى نهوض من سبيل؟
توقيع
pharmacist
pharmacist
اعرض الملف الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى pharmacist
إيجاد كل مشاركات pharmacist
إحصائيات المشاركات
عدد المواضيع
412
عدد الـــــردود
3402
المجمــــــــوع
3.814