
21.10.2013, 10:06
|
|
|
______________
|
|
الملف الشخصي
| التسجيـــــل: |
08.05.2010 |
| الجــــنـــــس: |
ذكر |
| الــديــــانــة: |
الإسلام |
| المشاركات: |
3.061 [ عرض ] |
| آخــــر نــشــاط |
| 22.03.2021
(13:42) |
|
تم شكره 303 مرة في 228 مشاركة
|
|
|
|
|
الفصل الأول
إفشاء السلام في القرآن الكريم والسنة النبوية
إن من أدب المسلم الحق إفشاء السلام - ابتداء وجواباً -، وإفشاء السلام في الإسلام ليس تقليداً اجتماعياً يتغير ويتطور تبعاً للبيئة والعصر، وإنما هو أدب ثابت ومحدد، أمر الله عز وجل به في كتابه، ووضع قواعده وآدابه رسوله صلى الله عليه وسلم.
ففي القرآن الكريم أمر الله تعالى المؤمنين بإلقاء السلام، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النور/27][11]
وأمر برد التحية بأحسن منها أو بمثلها، فقال تعالى: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ﴾ [النساء/86][12].
أي: إذا سلم عليكم المسلم فردوا عليه أفضل مما سلم، أو ردوا عليه بمثل ما سلم، فالزيادة مندوبة، والمماثلة مفروضة.[13]
وزكى هذه التحية في كتابه، ووسمها بالبركة والأمان، وأمرنا - نحن المؤمنين - بإلقائها على أهلنا، لا نعدل عنها إلى غيرها. فقال: ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [النور/61][14]
قال قتادة: إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم، وإذا دخلت بيتاً ليس فيه أحد فقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا بني، إذا دخلت على أهلك فسلم، يكون بركة عليك وعلى أهل بيتك)) [15]
والمعنى أن: السلام سبب زيادة بركة وكثرة خير ورحمة.[16]
إن تحية السلام تعبير عن احترام المسلم للطرف الآخر، في أنه لا يضمر حياله سوءاً، وأنه يحترم محضره فلا يسمعه لغواً، وأنه يريد له حياة كريمة طيبة، وأنه يودعه بكرامة واحترام، ومن ثم كانت هذه التحية هي التي اصطفاها الله لآدم عليه السلام، وأرادها لذريته على اختلاف عصورهم وأمصارهم وشرائعهم.
• عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعا، فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك. فقال: السلام عليكم. فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه ورحمة الله، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن)) [17]
قوله " فقال:السلام عليكم " قال ابن بطال: يحتمل أن يكون الله علمه كيفية ذلك تنصيصا، ويحتمل أن يكون فهم ذلك من قوله له: " فسلم ".
قال ابن حجر: ويحتمل أن يكون ألهمه ذلك، ويؤيده ما تقدم في باب حمد العاطس[18] في الحديث الذي أخرجه ابن حبان من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه: ((إن آدم لما خلقه الله عطس فألهمه الله أن قال الحمد لله.. الحديث)) [19] فلعله ألهمه أيضا صفة السلام.[20]
قال القرطبي: هذا الكلام دليل على تأكد حكم السلام، فإنه مما شرع وكلف به آدم، ثم لم ينسخ في شريعة من الشرائع، فإنه تعالى أخبره أنها تحيته وتحية ذريته من بعده، ثم لم يزل ذلك معمولا به في الأمم على اختلاف شرائعها، إلى أن انتهى ذلك إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فأمر به وبإفشائه، وجعل سبباً للمحبة الدينية، ولدخول الجنة العلية.[21]
وقال المناوي: وهذا أول مشروعية السلام، وتخصيصه؛ لأنه فتح باب المودة، وتأليف لقلوب الإخوان المؤدي إلى استكمال الإيمان.[22]
لقد حضت السنة النبوية على إفشاء السلام كلما لقي المسلم فرداً أو جماعة؛ لما له من الأثر الكبير في توثيق عرى الألفةوالمودة والتقارب والتصافي، بل جعله صلى الله عليه وسلم سبب المحبة التي تفضي إلى الإيمان الموصل إلى الجنة.
• عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه، وقيل قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت في الناس لأنظر إليه، فلما استثبت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، وكان أول شيء تكلم به أن قال: ((أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا والناس نيام، تدخلون الجنة بسلام)) [23]
• وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم)) [24]
• عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير؟ قال: ((تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت وعلى من لم تعرف)). [25]
قال النووي: معنى قوله "تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" تسلم على من لقيته، ولا تخص ذلك بمن تعرف، وفي ذلك إخلاص العمل لله، واستعمال التواضع، وإفشاء السلام الذي هو شعار هذه الأمة.[26]
قال ابن حجر: وفيه من الفوائد: أنه لو ترك السلام على من لم يعرف احتمل أن يظهر أنه من معارفه، فقد يوقعه في الاستيحاش منه.[27]
ومن ثمَّ قال ابن بطال: في السلام لغير المعرفة استفتاح للخلطة وباب الأنس؛ ليكون المؤمنون كلهم إخوة، ولا يستوحش أحد من أحد، وترك السلام لغير المعرفة يشبه صدود المتصارمين المنهي عنه، فينبغي للمؤمن أن يجتنب مثل ذلك.[28]
قوله صلى الله عليه وسلم (ولا تؤمنوا حتى تحابوا) قال النووي: معناه: لا يكمل إيمانكم، ولا يصلح حالكم في الإيمان إلا بالتحابب.[29]
قال الطيبي: جعل إفشاء السلام سبباً للمحبة، والمحبة سبباً لكمال الإيمان؛ لأن إفشاء السلام سبب للتحابب والتوادد، أو هو سبب الألفة والجمعية بين المسلمين، المسبب لكمال الدين، وإعلاء كلمة الإسلام، وفي التهاجر والتقاطع التفرقة بين المسلمين، وهي سبب لانثلام الدين والوهن في الإسلام.[30]
وقال ابن العربي: من فوائد إفشاء السلام حصول المحبة بين المتسالمين، وكان ذلك لما فيه من ائتلاف الكلمة؛ فتعم المصلحة، وتقع المعاونة، وتظهر شعائر الدين، وتخزى زمرة الكافرين، فإنها كلمة إذا صدرت أخلصت القلوب الواعية لها عن النفرة إلى الإقبال على قائلها.[31]
وقال النووي: وفيه الحث العظيم على إفشاء السلام وبذله للمسلمين كلهم من عرفت ومن لم تعرف، والسلام أول أسباب التألف، ومفتاح استجلاب المودة، وفى إفشائه تمكن ألفة المسلمين بعضهم لبعض، وإظهار شعارهم المميز لهم من غيرهم من أهل الملل، مع ما فيه من رياضة النفس ولزوم التواضع وإعظام حرمات المسلمين. قال: وفيها لطيفة أخرى، وهى أنها تتضمن رفع التقاطع والتهاجر والشحناء وفساد ذات البين، التي هي الحالقة، وأن سلامه لله لا يتبع فيه هواه، ولا يخص أصحابه وأحبابه به، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.[32]
إن من حق المسلم على المسلم أن يسلم عليه إذا لقيه؛ لأنه إذا لم يسلم عليه فقد احتقره، واحتقاره احتقار لما خلق الله في أحسن تقويم وعظمه وشرفه، وذلك من أعظم الجرائم وأفدح الذنوب.
• عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن السلام اسم من أسماء الله، وضعه الله في الأرض، فأفشوه فيكم، فإن الرجل إذا سلم على القوم فردوا عليه كان له عليهم فضل درجة؛ لأنه ذكرهم، فإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم وأطيب)). [33]
• وعن عثمان بن طلحة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ثلاث يصفين لك ود أخيك: تسلم عليه إذا لقيته، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب أسمائه إليه)). [34]
* وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((حق المسلم على المسلم ست)). قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: ((إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فسمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه)). [35]
• وعنه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس)). [36]
والمراد بالحق في قوله (حق المسلم على المسلم) الوجوب الكفائي لا العيني. قال ابن حجر: وقد تبين أن معنى الحق هنا الوجوب، خلافا لقول ابن بطال المراد حق الحرمة والصحبة، قال: والظاهر أن المراد به هنا وجوب الكفاية.[37]
قال: وقال الجمهور: هي في الأصل ندب، وقد تصل إلى الوجوب في حق بعض دون بعض، وعن الطبري تتأكد في حق من ترجى بركته، وتسن فيمن يراعي حاله، وتباح فيما عدا ذلك. ونقل النووي الإجماع على عدم الوجوب يعني على الأعيان.[38]
وهذه الحقوق يشترك فيها كل المسلمين، برهم وفاجرهم، صغيرهم وكبيرهم. قال الطيبي: هذه كلها من حق الإسلام، يستوي فيها جميع المسلمين برهم وفاجرهم، غير أنه يخص البر بالبشاشة والمصافحة دون الفاجر المظهر للفجور.[39]
وقال ابن العربي: عليك في رعاية هذه الحقوق وغيرها بالمساواة بين المسلمين كما سوى في الإسلام بينهم في أعيانهم، ولا تقل هذا ذو سلطان وجاه ومال وهذا فقير وحقير ولا تحقر صغيرا، واجعل الإسلام كله كالشخص الواحد، والمسلمين كالأعضاء لذلك الشخص، فإن الإسلام لا وجود له إلا بالمسلمين، كما أن الإنسان لا وجود له إلا بأعضائه وجميع قواه الظاهرة والباطنة.[40]
وإفشاء السلام إحدى الوصايا السبع التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بها أصحابه، ليلتزموها في حياتهم، لما فيها من الأمن والأمان، والتواصل بين الإخوان.
• عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: ((أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع: بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، ونصر الضعيف، وعون المظلوم، وإفشاء السلام، وإبرار المقسم، ونهي عن الشرب في الفضة، ونهى عن تختم الذهب، وعن ركوب المياثر، وعن لبس الحرير والديباج والقسي والإستبرق)) [41]
إن الذي يبتدئ ملاقيه بالسلام إنما يشعره بالأمن وعدم الخوف، ذلك أن السلام أمان وإخاء والتزام، لهذا جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بالله في مرضاته ونعمه وخيراته، ومن أخصهم برحمته وغفرانه والقرب منه في جنانه من يبدأ الناس بالسلام.
• عن أبي أيوب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)).[42]
• وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام)). [43]
قال الطيبي: أي: أقرب الناس من المتلاقيين إلى رحمة الله من بدأ بالسلام.[44]
وقال المناوي: أي: أقربهم من الله بالطاعة من بدأ أخاه المسلم بالسلام عند ملاقاته؛ لأنه السابق إلى ذكر الله، والسلام تحية المسلمين وسنة المرسلين.[45]
قال النووي: فينبغي لكل واحد من المتلاقيين أن يحرص على أن يبتدئ بالسلام لهذا الحديث.[46]
قلت: وقد يعرض أحد المتخاصمين عن أخيه، فيترك أخوه إلقاء السلام عليه، ظاناً منه أنه بهذا ينجيه من إثم عدم الرد، وهذا ظن خاطئ؛لأن الواجب عليه أن يستمر في إلقاء السلام، ولا يجعل إعراض أخيه سبباً في تركه، فلعل قلبه يلين يوما ما.
قال النووي: وأما قول من لا تحقيق عنده أن ذلك يكون سبباً لتأثيم الآخر فهو غباوة؛ لأن المأمورات الشرعية لا تترك بمثل هذا، ولو أعملنا هذا لبطل إنكار كثير من المنكرات.قال:وينبغي لمن وقع له ذلك أن يقول له بعبارة لطيفة:رد السلام واجب، فينبغي أن ترد ليسقط عنك الفرض، وينبغي إذا تمادى على الترك أن يحلله من ذلك؛لأنه حق آدمي.
وقال ابن حجر: ويدخل فيه – أي: في إفشاء السلام - من مر على من ظن أنه إذا سلم عليه لا يرد عليه، فإنه يشرع له السلام، ولا يتركه لهذا الظن؛لأنه قد يخطىء.
قال: ورجح ابن دقيق العيد في شرح الإلمام المقالة التي زيفها النووي بأن مفسدة توريط المسلم في المعصية أشد من ترك مصلحة السلام عليه، ولاسيما وامتثال الإفشاء قد حصل مع غيره.[47]
وقد بلغ من محبة الصحابة الكرام لبذل السلام أنهم كانوا يبذلون أوقاتاً كثيرة يمشون في الطرقات والأماكن العامة؛من أجل إفشائه بين الناس.
• عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن الطفيل بن أبي بن كعب أخبره أنه كان يأتي عبد الله بن عمر رضي الله عنه فيغدو معه إلى السوق، قال: فإذا غدونا إلى السوق، لم يمر عبد الله بن عمر على سقاط ولا صاحب بيعة ولا مسكين ولا أحد إلا سلم عليه. قال الطفيل: فجئت عبد الله بن عمر يوما فاستتبعني إلى السوق، فقلت له: وما تصنع في السوق، وأنت لا تقف على البيع، ولا تسأل عن السلع، ولا تسوم بها، ولا تجلس في مجالس السوق؟ قال: وأقول اجلس بنا ها هنا نتحدث، قال: فقال لي عبد الله بن عمر يا أبا بطن، - وكان الطفيل ذا بطن - إنما نغدو من أجل السلام نسلم على من لقينا.[48]
• وقال ابن عمر رضي الله عنه: إني كنت لأخرج إلى السوق وما لي حاجة إلا أن أسلم ويسلم علي.[49]
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/41680/#ixzz2iLFqAwZW
|