
19.12.2009, 18:08
|
|
______________
|
|
الملف الشخصي
التسجيـــــل: |
20.11.2009 |
الجــــنـــــس: |
ذكر |
الــديــــانــة: |
الإسلام |
المشاركات: |
680 [ عرض ] |
آخــــر نــشــاط |
28.09.2012
(20:17) |
تم شكره 5 مرة في 5 مشاركة
|
|
|
|
|

(هيباتيا) ... الفيلسوفة الإغريقية التي أثارت شجون الأدب والفن في العصر الحديث
الاحد27-9-2009
بيانكا ماضيّة
إن رواية "عزازيل" للكاتب د. يوسف زيدان، هذه الرواية التاريخية الفلسفية التي تعد حقاً من روائع الأدب العربي، الرواية الممتعة التي تذوب فيها الخيوط الواهية بين الحقيقة والخيال، تعد عملاً روائياً ضخماً،
تنطلق من التأريخ والتوثيق لتخلق فضاء من الحكايات والأوهام والأخيلة، في سعي صاحبها إلى سرد التاريخ ومحاكمته وقراءته عبر رؤية نقدية معاصرة، وقد استغرق زيدان في العمل عليها أكثر من ثلاثين عاماً، حتى نال جائزة البوكر العربية للعام 2009 بعد أن أثارت من الجدل والحوار ما أثارته في مصر، وبعد أن دخلت مناطق شائكة في السياسة والدين والأخلاق، فالجدل الذي حازت عليه لم تحصل عليه أي رواية في العصر الحديث، وقد نفدت منها ست طبعات كاملة في إقبال غير مسبوق على فن الرواية في العالم العربي.
رواية "عزازيل" قسمها د. زيدان إلى ثلاثين رقّاً بحسب عدد اللفائف (الرقوق) التي اكتشفت في الخرائب الأثرية الواقعة إلى جهة الشمال الشمال الغربي من مدينة حلب (كما تقول مقدمة المترجم في الرواية).
بعد أن قرأت هذه الرواية، توقفت عند الرِّق التاسع وهو الذي عنونه زيدان بـ (شقيقة يسوع) لأتمعّن في قصة مقتل "هيباتيا" hypatia التي وردت في هذا الرِّق، وقد صوّر زيدان هذا المشهد على لسان الراهب هيبا بمنتهى التأثير، حيث القسوة والوحشية من الذين قتلوها وسحلوها على أرض شوارع الإسكندرية، ويقصد بطرس القارئ الذي خرج من كنيسة الإسكندرية بعد أن سمع عظة البابا كيرلس وهو يدعو إلى تطهير أرض الإسكندرية من أعداء الرب، مشيراً في ثنايا حديثه _ أي البابا كيرلس- إلى أن " أذيال الوثنيين الأنجاس، مازالت تثير غبار الفتن في ديارنا، إنهم يعيثون حولنا فساداً وهرطقة، يخوضون في أسرار كنيستنا مستهزئين، ويسخرون مما لايعرفون، ويلعبون في مواطن الجد ليشوهوا إيمانكم القويم" .
ذلك أن الرواية ترتكز على أحداث تاريخية حقيقية وموثقة عن فترة الصراعات المذهبية بين كنيسة الإسكندرية ككنيسة حافظت على الدوام على أسس العقيدة المسيحية وبين المنتمين إلى عقائد مسيحية أخرى كالنسطورية والآريوسية والذين تعدهم كنيسة الإسكندرية من المهرطقين المحرفين لأصول العقيدة المسيحية، فقد كان الخلاف بينها آنذاك قائماً على طبيعة السيد المسيح وطبيعة أمه السيدة العذراء.
وبغض النظر عن الخلافات التي سبقت وتوالت بعد فوز الرواية، من قبل الكنيسة القبطية في الإسكندرية، فإن مشهد مقتل هيباتيا الذي احتوى أيضاً مقتل "أوكتافيا" المرأة الوثنية التي أغوت الراهب "هيبا" وأحبّته، كان من أشد مشاهد الرواية تأثيراً في النفس، لما فيه من قسوة وبطش وتنكيل بجسد هذه الفيلسوفة، وقد استغرق هذا الوصف في الرواية ست صفحات منها.
يقول الراهب هيبا في "عزازيل" واصفاً هذا المشهد بالقول: "تجمعوا فوق هيباتيا، حين وقف بطرس ليلتقط أنفاسه. امتدت إلى يدها يد مازعة، ثم امتدت أياد أخرى إلى صدر ردائها الحريري الذي تهرّأ، واتسخ بالدماء والتراب.. أمسكوا بإطار الثوب المطرز وشدوا فلم ينخلع، وكاد بطرس يقع فوق هيباتيا من شدة الشدّة المباغتة، لكنه سرعان ماعاد واستعاد توازنه، ومضى يجر ذبيحته، ومن ورائه انحنى أتباعه محاولين اقتناص رداء هيباتيا .. هيباتيا .. أستاذة الزمان .. النقية .. المقدسة .. الربة التي عانت آلام الشهيد، وفاقت بعذابها كل عذاب" إلى أن يقول وهو يصور سماعه صرخة امرأة عجوز شمطاء بأن يسحلوها: "انهالت الأيدي على ثوب هيباتيا فمزّعته.. الرداء الحريري تنازعوه حتى انتزعوه عن جسمها، ومن بعده انتزعوا ماتحته من ملابس كانت تحيط بجسمها بإحكام. كانوا يلتذّون بنهش القطع الداخلية ويصرخون، وكانت العجوز تصرخ فيهم كالمهووس:اسحلوها!" ثم يصف لنا سحلها فوق شوارع الإسكندرية وتقشير جلدها بالأصداف، ومن ثم حرقها قائلاً: " كانت هناك كومة من أصداف البحر. لم أر أول من التقط منها واحدة، وجاء بها نحو هيباتيا، فالذين رأيتهم كانوا كثيرين. كلهم أمسكوا الصدف، وانهالوا على فريستهم.. قشروا بالأصداف جلدها عن لحمها.. علا صراخها حتى ترددت أصداؤه في سماء العاصمة التعيسة، عاصمة الله العظمى، عاصمة الملح والقسوة". إلى أن يقول "وجروا هيباتيا بعدما صارت قطعة، بل قطعاً من اللحم الأحمر المتهرئ. عند بوابة المعبد المهجور الذي بطرف الحي الملكي البرخيون ألقوها فوق كومة كبيرة من قطع الخشب، وبعدما صارت جثة هامدة .. ثم .. أشعلوا النار.. علا اللهب، وتطاير الشرر .. وسكتت صرخات هيباتيا بعدما بلغ نحيبها من فرط الألم عنان السماء".
إن هذا المشهد المؤثر الذي احتوته صفحات "عزازيل" وهذه الشخصية المرموقة لعالمة فيلسوفة انتهت نهاية مأساوية، كغيرها من العلماء والفلاسفة الذين كانت نظرياتهم وأفكارهم وتعاليمهم تخالف ماكان معتقداً في أزمانهم، جعلاني أبحث عما ورد عنها، فهي تلك الفيلسوفة الإسكندرانية الإغريقية التي كانت أول عالمة في التاريخ الإنساني، فـ "هيباتيا" نشأت وتثقفت في مصر، هي أستاذة الزمان (كما جاء في "عزازيل") وبعد مقتلها لم يظهر اسم عالم فرد في تاريخ العلم الإنساني طيلة خمسة قرون.
وُلدت في عام 370 بعد الميلاد، وعاشت إبان العهد الروماني مع بداية انتشار الدين المسيحي في العالم، وهي ابنة الفيلسوف الفيثاغوري ثيون الذي نشأ بدوره فى مصر وتعلم بها، وكان آخر زملاء متحف الإسكندرية "السيزاريوم" الذي كان إما ملاصقاً لمكتبة الإسكندرية أو بداخلها.
ازدادت شهرة "هيباتيا" في مجالات العلم والفلسفة، فقد كانت عالمة رياضيات ومنطق وفلك، عرفت بدفاعها عن "مبدأ العلم ضد الدين".
يقول عنها معاصرها المؤرخ المسيحي سقراط: "هي من الصفوة نشأة وثقافة وقد استثمرت مواهبها الخارقة في الاستزادة من العلم، فأحرزت في العلوم سبقاً فاقت به كل فلاسفة عصرها، وقد توج هذا السبق بشرف آخر، أنها كانت رئيسة جامعة الإسكندرية، وقد شغلت هذا المنصب عن جدارة، حتى اجتذبت شهرتها إليها عدداً لا يحصى من طلاب الحياة العقلية من مصر وخارج مصر، وبحكم منصبها كانت على صلة بكثير من الرجال، ولكن ذلك لم ينل في شيء من طهرها وعفتها، فظلت فوق الريبة والشك من أعدائها وأصدقائها على السواء، ولكنها كانت وثنية، فكان المتعصبون من المسيحيين يحنقون عليها ويرونها العقبة الكأداء فى سبيل انتشار المسيحية".
ويقول كارل ساجان صاحب كتاب الكون عن هيباتيا "إنها آخر بريق لشعاع علم بزخ من الإسكندرية".
بينما يقول عنها إدوارد جيبون.. أعظم المؤرخين الإنجليز : "هذه العذراء.. صاحبة الجمال الأسطوري كانت في منتهى التواضع على الرغم من جمالها، وعلمها، وشهرتها!".
فهي إذن صاحبة رصانة وجمال، وقد وصفها الراهب هيبا بطل رواية "عزازيل" وصفاً جميلاً بقوله : "هيباتيا .. أكاد إذ أكتب اسمها الآن، أراها أمامي وقد وقفت على منصة الصالة الفسيحة، وكأنها كائن سماوي هبط إلى الأرض من الخيال الإلهي، ليبشر بخبر رباني رحيم. كانت لهيباتيا تلك الهيئة التي تخيلتها دوماً ليسوع المسيح، جامعة بين الرقة والجلال.. في عينيها زرقة خفيفة ورمادية، وفيها شفافية. في جبهتها اتساع ونور سماوي، وفي ثوبها الهفهاف ووقفتها، وقار يماثل مايحف بالآلهة من بهاء".
وحول هذه الفيلسوفة العالمة قدم رائد الدراسات المقارنة الدكتور محمد غنيمي هلال رسالة بالفرنسية إلى جامعة السوربون سنة 1952 بعنوان (موضوع هيباتيا فى الأدبين الفرنسي والإنجليزي من القرن الثامن عشر إلى القرن العشرين) – حسبما أشار الدكتور أحمد درويش في موقع الشروق المصري - وفي هذه الرسالة إشارات إلى آراء قس مسيحي يدعى سيزنيوس، وكان تلميذاً لهيباتيا، ويعمل في ليبيا، واحتفظ التاريخ ببعض رسائله المليئة بالتقدير لهيباتيا، ومن الكتابات التاريخية القديمة التي كانت مصدراً لما أثاره كتاب عصر النهضة حول شخصية (هيباتيا) كتابات المؤرخ جاك باسناج (1623 - 1725) التي كانت مصدراً من مصادر كتابات فولتير عنها، إلا أن الكتابات الأوروبية الأدبية الخالصة عن هيباتيا بدأت في القرن الثامن عشر، إذ طبع الكاتب الإنجليزي جون تولاند (1620 - 1722) عام 1720 كتاباً عن تاريخ هيباتيا، ويقول فيه عنها: "حسب النساء اعتداداً بقيمتهن، أن تكون من بينهن امرأة مثلها في تلك الدرجة من الكمال.. ولديهن من بواعث الفخر والاعتداء بقيمتهن أكثر مما لدى الرجال من بواعث الخجل والعار أن يكون من بينهم متوحش لا يرق لمثل هذا الجمال وذلك الطهر، وذلك العلم الرحيب الآفاق".
وكذلك كتب موريس باور روايته (البطولة الفائقة) عن هيباتيا سنة 1852، ولم يهمل الإشارة إليها أي كاتب كتب عن الإسكندرية القديمة.
كما كتب القس البروتستانتي الإنجليزي "كنجسلي" رواية (هيباتيا) التي حاول فيها تبرئة البابا كيرلس من تهمة قتل هيباتيا لكنه في نفس الوقت يرسم صورة رائعة لهيباتيا، تعد من أجمل ما كتب عنها في أدبيات عصر النهضة – كما يقول الدكتور درويش – إذ يقول "كنجسلي" فيها:
" على كرسي صغير أمام منضدة فوقها مخطوطة، كانت تقرأ امرأة في حوالي الخامسة والعشرين من عمرها، كأنها الإلهة الوصية على هذا المعبد الصغير، ملابسها في انسجام تام من بساطة الحجرة، ومع أثاثها الكلاسيكي في ثوب قديم يوناني الطراز، أبيض كالثلج يتدلى حتى قدميها، ويصل حتى أعلى عنقها، ملابسها خالية من كل حلية سوى عصابتين أرجوانيتين دون الجبهة، وحذاء ذهبي مزركش في قدميها، وشبكة ذهبية تمسك بشعرها من الأمام والخلف.. وذلك الشعر الذي يشبه آلهة أثينا نفسها في لونه وغزارته وتموجه، ويبدو في عينيها الرماديتين حزن عميق، وعلى شفتيها الحادتين المقوستين، فيض من الوعي المقهور.. تدرس وتقرأ وتدون ملحوظاتها حتى ليحسها الرائي، إحدى صور الآثار القديمة البارزة".
وقد قرأت مؤخراً خبراً عن صدور رواية جديدة عن دار حرية الفكر العربي بمصر، بطلتها (هيباتيا) بعد النجاح الكبير لرواية يوسف زيدان "عزازيل" .
وكذلك احتفت السينما العالمية بقصة هذه الفيلسوفة، ففي مهرجان كان 2009 تم عرض فيلم (أغورا) للمخرج الإسباني اليخاندرو امينابار، معيدًا الالتفات إلى مصر في القرن الخامس بعد الميلاد بهذا الفيلم الذي تناول التطرف الديني ودعا إلى التسامح. حيث ركّز الفيلم الذي تجري أحداثه في الإسكندرية في أواخر أيام الإمبراطورية الرومانية على الصراع الدامي الذي دارت رحاه بين الوثنيين واليهود من جهة؛ والمسيحيين الذين تمكنوا من تولي السلطة تدريجيًّا في منطقة البحر المتوسط. وينطلق الفيلم مع مشهد تدمير المسيحيين واليهود لمكتبة الإسكندرية الثانية. أما مكتبة الإسكندرية الأولى فقد دمرها يوليوس قيصر.
ويتطرق امينابار إلى تلك الحقبة المتوترة حيث انتفى توازن القوى بين الطوائف الدينية من خلال سرد سيرة الفيلسوفة هيباتيا.
والمعروف أن هيباتيا عالمة فلك أيضا، وضعتها أبحاثها حول النظام الشمسي في مواجهة مع الكنيسة، قبل ألف سنة على اكتشافات غاليليوس. وتؤدي الممثلة البريطانية "ريتشل فايس" دور هيباتيا المرأة الوحيدة وسط عالم ذكوري، التي تتعرض للاضطهاد لأن أبحاثها العلمية تشكك في الإيمان المسيحي، حيث في تلك الفترة كانت المدينة غارقة في مواجهات دموية بين الطوائف الدينية وتشهد عمليات رجم ومذابح. وانتهى الأمر بانتصار المسيحيين الذين وضعوا حدًّا لإرث العصور القديمة الذي تدافع عنه هيباتيا.
كانت "هيباتيا" أولى شهيدات الحكمة والفلسفة، كما أنها ساهمت في تأليف شرح كتاب SYNTAXIS لبطليموس إلى جانب أبيها ثيون الذي أقر ذلك في كتابه هذا، إلا أنه لمن المؤسف أن لم يبق من مؤلفاتها شيء.
كانت عالمة رياضيات وفلك في الأصل، ثم انتقلت من الرياضيات إلى الفلسفة، وتعتبر أفلاطون أستاذها ومعلمها، وقد عينت أستاذة ومدرسة الفلسفة وهي لم تتعد الخامسة والعشرين من العمر، وبلغ من حبها للفلسفة أنها كانت تقف في الشوارع وتشرح لكل من يسألها النقاط الصعبة في كتب أفلاطون وأرسطو.
هذه الشخصية الفريدة في عصرها، شهيدة الحكمة والفلسفة، وهذا الحدث التاريخي في مصر، جعلا الكثيرين يفكرون في توظيفهما فنياً (روائياً وسينمائياً) على الرغم مما أثارته في القرن الخامس الميلادي أو في القرن الحادي والعشرين. ولكن ماهي دلالاته ولماذا تم توظيفه الآن؟ لاشك في أن للموضوع دلالة أعمق مما كتبه زيدان، فلم يكن يقصد زيدان بطرس القارئ بعينه أو البابا كيرلس بذاته في هذه الرواية، أو كل شخصية عنيفة في الرواية، وإنما هو قدم نماذج من طائفة ليشير إلى مفهوم التعصب والعنف الذي يتحول إلى إرهاب، ذلك أن المبدأ في خطاب العنف واحد في كل العصور والأزمنة، ونتائجه متشابهة في كل الديانات والعقائد، وما أصاب الكثيرين من قتل وحشي وتنكيل وتعذيب وقتل وذبح، إن في ذاك الزمان أو غيره، لا يختلف في جوهره، فآليات الخطاب واحدة، ومفرداته متشابهة متقاربة.
http://jamahir.alwehda.gov.sy/_View_...20090926200418
|