ثانيا الأرض القرأنية والأرض الفلكية العلمية.
بالنسبةلمسالة حركة الارض هل هناك فى الاسلام وتحديدا فى القرأن الكريم ما يشير اليها؟ الاجابة على هذا السؤال تحتاج اولا الى توضيح:الحقيقة ان القرأن الكريم عندما يتحدث عن لفظة الارض فهو تماما كلفظة السماء: مصطلح عام يمكن ان يتم تخصيصه حسب السياق وكما ان هناك مصطلح غيبى هو السماوات السبع فهناك مصطلح هو الارضين السبع والحقيقة ان الباحثين فى مجال الاعجاز العلمى يتفقون ان الارضين السبع هى طبقات كوكب الارض والحقيقة ايضا اننى لا استطيع ان اقبل هذا الكلام مع التقدير لقائله ولمكانته لماذا؟لأن السلف رضى الله تعالى عنهم وقبلهم النبى صلى الله عليه واله وسلم لهم تفسير اخر للارضين السبع وسوف نتكلم عنه باذن الله جل وعلا فى بحث قريب ومن يريد ان يسبق الاحداث فليذهب الى تفسير الامام الطبرى للاية الثانية عشرة والاخيرة من سورة الطلاق ويقرء بتركيز.بالنسبة لأستخدام القرأن الكريم للفظة الارض بمعنى كوكب الارض فهذا ليس دائما مع العلم ان السلف لم يدركوا هذا التصور:كوكب الارض وبالتالى ان نطلب من الله عزوجل ان يشرح للسلف ان الارض كوكب وانه يدور فى مدار وانه يتحرك نوعين من الحركة حركة حول محوره وحركة حول الشمس فهذا تهريج ومعلوم ان منهج القرأن الكريم هو تخفيض درجة العداء مع اهل الكتاب الى اقل حد ممكن فكان القرأن المجيد شديد اللهجة جدا فى الخرافات العقائدية عند اهل الكتاب فى مسألة الذات الالهية وافعال الله عزوجل وكان القرأن المجيد هادىء اللهجة فى خرافات اهل الكتاب عن الانبياء فأكتفى بكلام عام عن عظمة الانبياء وعصمتهم ونفى الكفر والضلال عنهم وسكت القرأن الكريم عن الخرافات العلمية عند اهل الكتاب حتى لا يوسع دائرة الصدام فاليهود فى المدينة كانوا يتربصون لأى مقولة اسلامية لنفيها ولو صرح القرأن الكريم بمخالفة صريحة للتوراة فى مسائل علمية تخص الكون والحياة لكان قول اليهود برفض هذا الكلام والتشكيك فيه وكان الناس فى جزيرة العرب سيصدقون كلام اليهود والتوراة طبعا لأنهم يعرفون ان اصلها من الله تعالى والقرأن الكريم نفسه اقر بأن اصل التوراة من عند الله تعالى ولكنها تعرضت لتحريف فالقرأن المجيد بالنسبة للاخطاء العلمية التوراتية لم يُصدق عليها لأنها خرافات ولم يُصرح بمواجهتها وانما كان منهج القرأن تماما كما لو ان شخصا عالما محترمارأى جاهلا يخطب على المنبر ويكلم الناس بتخاريف واخطاء علمية فبعد ان انهى الجاهل تخاريفه صعد هذا الشخص على المنبر مكانه وتكلم فى نفس الموضوع بمعلومات علمية صحيحة دقيقة دون ان يشير بحرف الى كلام الجاهل وكأنه لم يصعد اصلا الى المنبر!فكسب هذا الرجل احترام الفاهمين العالمين ولم يخسر الجاهلين.لماذا هذا الكلام عن الارضين السبع وعدم اظهار القرأن الكريم اللهجة القاسية فى نقد الخرافات التوراتية؟الحقيقة ان هناك ايات صريحة وواضحة وثابتة فى ان الارض التى نعيش عليها ثابتة ولا تدور الا يوم القيامة وهى ايات كثيرة مثل:
إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)فاطر
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)البقرة
وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15)النحل
أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(61)النمل
وهنا يسئل المشكك فى الاسلام سؤال:هذا اعتراف واقرار منك بأن هناك خطأ علمى صريح فى القرأن الكريم اليس كذلك؟الاجابة لا ياعزيزى انا قلت بان القرأن يقول بثبات الارض واستقرارها فعلا ولكن هناك شرطين مهمين جدا لهذا المعنى:
اولا ان تفهم مقصود القرأن الكريم بالارض الثابتة لا ان تضع تفسيرا من مزاجك.
ثانيا الا تقوم بالتدليس وتنسى ان القرأن الكريم اختص الكائنات الحياة فقط بخاصية ثبات واستقرار الارض لهاواللفظ القرأنى دقيق جدا.
بالنسبة للنقطة الاولى وهى مقصود القرأن الكريم بالارض الثابتة فهذا يعود بنا الى مصطلح الارض فى القرأن و السؤال الهام الذى يتطلب التركيزهل مصطلح الارض الدينى القرأنى هو نفسه مصطلح كوكب الارض العلمى الفلكى؟الاجابة فى بعض الاحيان نعم واحيان كثيرة هى لا والف لا لماذا؟لأن مصطلح الارض فى القرأن ليس ثابتا والقرأن يعرف ما يريد الحديث عنه جيدا فمثلا الاية الكريمة" لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ"أنظر الى دقة التعبير لكم فى الارض مستقر وليس لكم الارض مستقر لماذا؟لأن جزءا من كوكب الارض فقط هو الذى نعيش فيه وهو القارات السبع وكونه مستقرا فهذا امر نسبى مخصوص لنا ولهذا اقول من يريد ان يتكلم عن مراد القرأن المجيد فلا يتسرع وليتدبر وليتفكر كما امر الله تبارك وتعالى!اما الارض ككوكب فلم يكن معروفا اصطلاحيا فى زمان البعثة وتم تعريفه فى الاحاديث النبوية التى تحدثت عن خلق الارض باسم التربة وسوف نتحدث عن ذلك فى بحث قريب باذن الله جل وعلا ولكن كوكب الارض كمصطلح ليس المقصود بالتأكيد الا اذا كان الكلام عن الارض كجنس لما تحويه كما فى بعض ايات الخلق وعلى سبيل المثال هذه الاية الكريمة: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فالدعوة هنا هى الارض وما عليها من جبال فهنا المقصود كوكب الارض وهذه الحالة التى يكون المراد القرأنى بالارض هو كوكب الارض فى نوعين من الايات:
اولا عند الحديث فى الايات القرأنية عن خلق السماء والارض او السماوات والارض فالخلق هو خلق الارض كلها فيكون المراد هو كوكب الارض كله بما عليه وبما بداخله ايضا. ثانيا عند الحديث عن السماء كجنس والارض كجنس فيكون المراد كوكب الارض دون اى محتوى اخر من محتوياتهما بمعنى دون ذكر للنجوم او الجبال .
فالايات التى نشعر من سياقها انها تتحدث عن كوكب الارض او عالم الارض يكون ذلك واضحا فى سياقها اما باقى الايات التى يكون الحديث فيها عن تفصيل الخلق ومكونات الارض فيتم الحديث عن الارض والجبال والشجر والدواب فيكون المقصود بالارض هنا هى الارضون السبع لماذا؟لأن الله جل وعلا قد قام بالتمييز بين مصطلح الارض ومصطلح الجبال وباقى مكونات كوكب الارض ايضا وهذا التمييز ليس مصادفة فهو يتكرر حتى فى السنة المطهرة
وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31)الرعد
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18) الحج
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)الاحزاب
وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37)الاسراء
تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90)مريم
أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20)الغاشية
والحديث عند الشيخين من رواية عبدالله بن مسعود رضى الله تبارك وتعالى عليه:
جاء رجلٌ من أهلِ الكتابِ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال : يا أبا القاسمِ ! إنَّ اللهَ يُمسِك السماواتِ على إِصبَعٍ . والأرضِينَ على إِصبَعٍ . والشجرَ والثَّرى على إصْبَعٍ . والخلائقَ على إِصبَعٍ . ثم يقولُ : أنا الملِكُ . أنا الملِكُ . قال فرأيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ضحك حتى بدت نواجذُه . ثم قرأ : وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ . وفي روايةٍ : والشجرَ على إصبعٍ . والثَّرى على إِصبَعٍ . وليس في حديثِ جريرٍ : والخلائقَ على إِصبَعٍ . ولكن في حديثِه : والجبالَ على إِصبَعٍ . وزاد في حديثِ جريرٍ : تصديقًا له تعجُّبًا لما قال .
وليس التمييز القرأنى بين المصطلحات هو السبب الوحيد فهناك سبب اخر مهم لنا كمسلمين فنحن نجد بأن القرأن المجيد يكرر دوما كما فى سورة النحل"وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"وهنا يبرز السؤال المهم هل الانهار تغوص فى كل كوكب الارض وهل الجبال تغوص فى كل طبقات الارض حتى النواة الصلبة؟اذا من كل ما سبق نخرج بنتيجة منطقية قلتها من قبل فكما ان السماء كمصطلح يتغير بسياق الايات فأن الارض كمصطلح يتغير ويتحدد بسياق الايات وهناك ايات كثيرة تتحدث عن الارض بأعتبارها القشرة الارضية التى تحوى الانهار والجبال وليس ابعد من ذلك قط.بل اننى اقول بوضوح وصراحة ان كثير من الايات التى تتحدث عن الارض وجبالها وانهارها ودوابها وزروعها تعنى مانسميه علميا بمصطلح اليابسة فمثلا صفات الارض فى قصة قوم نوح فالحديث ليس عن كوكب الارض وانما عن اليابسة كما فى سورة القمر"وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا "فالمراد من التعبير بالارض لايمكن تحديده الا بالنظر فى سياق الايات القرأنية فهل المقصود بالارض فى هذا السياق هو قطعة من الارض ام اليابسة ام القشرة الارضية ام الكوكب الارضى كله؟فمثلا هناك مصطلح معين فى السنة وله اشارة فى القرأن اسمه الارضين السبعة وهناك مفهومين للارضين السبعة:أولا مفهوم مُقتبس من الاسرائيليات ويتناقض مع العلم الحديث ولم يكن لدى السلف مشكلة علمية فى الاخذ به ومفهوم اخر فاذا قمنا بتفسير الايات والاحاديث التى تتكلم عن الارضين السبع فقط بالتوقف على ظاهر النص سنجد معنى مشهورومن عجائب القدر انه كما ان السماوات السبعة مصطلح غيبى لا يعرفه احد فان الارضين السبعة عكسها فهى مصطلح مشهور جدا ومعظم البشر يعرفون هذا المصطلح بل ويعرفون اسماء الارضين ايضا