من ثمار هذه التّربية
باللَّهِ عليكِ سيِّدتي الفاضلة , ماذا تَتوَقَّعين من إنسانٍ تربَّى على الشُّعور الدَّائم بمراقبة اللَّه له , وتربَّى على حُبِّ اللَّه والثِّقة به والتَّوكُّل عليه , وعلى إخلاص العمل له وحده ؟
طبعًا , سيُصبح من الصَّعب عليه جدًّا أن يتهاون في دراسته أو يعُقَّ والديه أو يؤذي غيره أو يسرق أو يتعاطى المخدّرات , لأنَّه يعلَم أنَّ كلَّ ذلك يُغضِبُ ربَّه . وسيتوَلَّدُ في داخله مُحَرِّكٌ قويٌّ يدفعُه دائمًا لِفعل الخير واجتناب الشَّرّ .
وعند ذلك , لن يستغرب مِن تَوْجيه النَّبيِّ محمَّد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم , في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده عن أَنَس بن مالك رضي اللّه عنه , قال : قال رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : إن قامَت السَّاعةُ وبِيَدِ أحَدِكُم فَسِيلةٌ , فإن استَطاع أن لا يقُومَ حتَّى يَغْرِسها فَلْيَفْعلْ ! (مسند الإمام أحمد بن حنبل – الجزء 3 – ص 191 – رقم الحديث 13004) .
نعم , لن يستغربَ مِن هذا التَّوجيه لأنَّه إن كان سَيَغرسُ الفَسِيلة ابتغاء مرضاة اللَّه وطمعًا في ثوابه , فلِمَ لا يفعلُ ذلك , حتَّى ولو قامَت السَّاعةُ وعلِم أنَّه سيموتُ في تلك اللَّحظة ؟!
وعندما تَربَّى المسلمون الأوائل على القواعد الثَّلاث التي ذكَرناها سابقًا , كانت النَّتيجةُ أن بلغتْ دعوةُ الإسلام نصف الكرة الأرضيَّة في حوالي نصف قَرْنٍ من الزَّمان , ودخلَ النَّاسُ من مختلف الجنسيَّات أفواجًا في دِين اللَّه بسبب أخلاق المسلمين العالية ! نعم , فهم رأوا فيهم أمانةً في التِّجارة , وصدْقًا في الحديث , وعدْلاً في الحكْم لَم يَعْهدُوه مِن قبلُ تحت حُكْم الملُوك الجبابرة من الرُّوم والفُرس .
وكانت النَّتيجةُ , كما ذكَر الواسطي في كتابه تاريخ واسط , أنَّ الرَّجُلَ يُخْرجُ زكاة مالِه في زَمَن الخليفة العادل عُمر بن عبد العزيز , فلا يجدُ أحدًا يَقْبَلُها ! نعم , فاضَ المالُ في الدَّولة الإسلاميَّة , فلم يعُد هناك فُقَراء لِأَخذ الصَّدقة , ولم يَطْمع أحدٌ في الزِّيَادة !
هذا سيِّدتي الكريمة ما أنْتَجه الإسلام . فماذَا أنتجَت الأنظِمَةُ الأخرى ؟
لقد أنتجتْ إنسانًا مادِّيًّا , خالٍ من القِيَم والأخلاق , ليس له من مُحرِّك داخلي سِوَى حُبّ المال أو الشُّهرة أو المنصب أو الجنس . فكانت النَّتيجةُ أن غَرقت المجتمعاتُ التي أفْرَزتْها هذه الأنظمة في مشاكل لا نهاية لها , من كثرة السَّرقات وحوادث الاغتصاب وتعاطي المخدّرات , والفساد الإداري والسِّياسي والأخلاقي , وجُور المسؤولين .
ذلك أنَّ الإنسان في هذه المجتمعات اسْتَكْبر أن يكونَ عبدًا للَّه , فسقَط دون أن يَشعر في عبادة شهواته الجارفة , لا يستطيع منها خلاصًا ! وأصبح عبْدُ المال يَرْتَشي ويَغشُّ ويسرق لِيَزداد ثَرَاءً , وصار عَبْدُ الجاه يَدُوس غَيْرَه ويَكِيدُ له لِيَصل إلى الكُرْسي , وطَغَت الشَّهوةُ على عَبْد الجِنْس فلَم تَسْلَم من وَحْشِيَّته ابنَته ولا زَوْجة جاره !
________________________________
التالى
هكذا يحفظُ الإسلامُ الفردَ المسلم من الانهيار
أمام الأزمات9