جلست في زاوية الغرفة وأنا أتطلع لها , كان وجهها يحمل تعبيراً لا يمكن التكهن بماهيته ,
لا تستطيع أن تقول حزناً ولا أن تقول فرحاً وليس بمستطاعك النظر كما يقال عبر نافذة روحها وكاشفة مكنونها ( عيناها )
كانت ممسكة بكتاب بيدها اليمنى تغوص برأسها إلى الأسفل فيه تارةً وتطير رافعةً رأسها ترمقني تارةً
لم أشاهد تجعيدة أو قل خطاً من خطوط الدهر على جبينها أو حتى خدها ,
كانت جميلة ويبدو أنها مثقفة
تعبت جداً وأنا أقاوم همساتها الصامتة , كنت أكاد أسمعها تقول لي ” أقترب ” ” هيت لك ”
أعرف أنها لم تناديني ولكني أكاد أجيب النداء
رغم أعجميتها إلا أنني أسمع قصائد امرئ القيس تخرج من ثغرها الساكن
لم أطق تخاطب الأرواح هذا , وأردت كسر حاجز الروحانيات والتخيلات والدخول في الماديات والذبذبات
- مرحبا ( قلت لها )
- مرحبا ( وصاغتها بابتسامة من نال شيئاً وثق بنيله )
- ما هذا الكتاب الذي بين يديك ؟ ( سؤال يحمل كل معاني العنجهية العربية )
- كتاب !
- أليس لهذا الكتاب أسم ؟
- له أسم , لكنك لن تفهمه
- لماذا لن أفهمه
- هو كتاب يتحدث عن الحرية وكما أرى من هندامك يبدو أنك
متطرف وذو رأي وحيد
- إذن هكذا ( قلتها وأنا أبتسم )
ضحكت وقالت – هكذا
هممت بالرجوع لمكاني لكنها بادرتني وقالت :
- لماذا اقتربت مني ؟
( لم أكن أريد أن أكافئها بجوابي ولكني جداً لم أكن أريد الكذب )
قلت :
- لجمالك
( ضحكت وصمتت برهة ثم قلبت الكتاب ووضعته على المقعد وكأنها تعمدت أظهار عنوانه لي )
نظرت لاسم الكتاب
كان أسماً جذاباً وذو معنى سامي
- كم تظنين باقي لك من العمر ؟ ( سألتها )
قالت – أطول من الباقي لك على ما أظن
- أذكر قديماً أن أبي قال لي أن في أحد ليالي السمر على ضوء القمر أتى لنا فلاح بحشرة كانت تسمى ( أم 44 ) سميت بذلك لأنها
تحمل أربع وأربعين رجلاً

( ثم صمت قليلاً فأجابتني هي بكل حماسة )
- أكمل
- فسأل أحد الحضور ذاك الفلاح هل يمكن أن يخلق الله حشرة بخمس وأربعين رجلاً فأجابه الفلاح بالنفي وعلل بأنها – أي الحشرة ستموت -
( رمقتني الفتاة بنظرة ثم ألتقفت كتابها وغاصت به تقرأه )
سألتها بكل حدة
- لماذا تكرهيننا ؟
- لست اكره أحدا .
- هل أنت عذراء ؟
- نعم
- وستموتين عذراء
أجابت وعينيها في كتابها
- لن أموت
- كلنا سنموت سواء موت هادئ أو صاخب
- كل الموت هادئ ونهايته ساكنة
- ألا تجدين فرقاً بين موت الفراش الدافئ وبين موت قصف النار ؟
صمتت ولم تجب
- ألا تعرفين موت الكمّد ؟ والحسرة والقهر حين تفقدين أباً أو أماً أو أخاً أو أختاً أو ولداً أو بنتاً ؟
- بلى , لقد مات لي أبناء أمام عينّي .
- لماذا ماتوا ؟
- أنت تعرف لماذا .
- أقصد ما هو السبب الرئيسي لموتهم .
صمتت مرة أخرى وتجاهلت السؤال
- هل حقاً لم تكتفي ؟ أليس لهذا الحقد من نهاية ؟ أليس لهذا الدم من حقن ؟ هل حقاً تحبين العدل ؟ أعلم أن كثيراً قد اغتروا بك وبجمالك وبقيمك
وظنوا أن هذا الجمال يحمل قلباً لا يظلم وروحاً لا تحقد .
- ماذا تريد الآن ؟
- أنا لا أريد شيئاً لكني أعرف أن الرجل الخامسة والأربعين لن تخرج وأن الحشرة ستموت .
- تموت بيد من ؟
- بيدي أو بيد أبني أو بيد أبن أبني … لا يهم ,,, المهم أن الحشرة ستموت .
هزت رأسها بسخرية ولعقت شفتاها
فقلت – هل أنت عطشى ؟
قالت – دوماً
قمت من عندها وأنا أحمل في قلبي براكين من الغضب
وألتفت ورائي فإذا بها تضع تاجها فوق رأسها وتحمل كتابها بيدها وتنتصب كما اعتادت واعتدنا إلى حين

مشيت مبتعداً فإذا بصورة الرئيس باراك اوباما أمامي
فقلت : أهلا بك سيادة الرجْل رقم 44