أما بالنسبة لأوجه الخلاف بين لهجة قريش وتميم فيمكن ردها إلى أربعة مستويات ، ألا وهي مستويات دراسة اللغة :
- المستوى الصوتي.
- المستوى الصرفي.
- المستوى النحوي.
- المستوى الدلالي.
أ . المستوى الصوتي :
سيظهر الكثير من الخلاف على المستوى الصوتي بين لهجتي قريش وتميم سواءً في هذا القسم أو حين نتحدث عن القراءات . الثاء عند تميم تقابلها الفاء عند أهل الحجاز . فاللثام وثم عند التميميين هي اللفام وفُمّ عند الحجازيين . وقد جاء أن العرب تبدل الفاء ثاءً فيقولون جدف و جدث القبر ، ووقع قي عافور شر وعاثور شر . ونلاحظ أن القرآن استخدم ثمَّ ولم يستخدم فُمّ . ومن الخلاف ايضاً إلحاق تميم القاف باللهاة حتى تغلظ كثيرا ، فيقولون للقوم : الكوم فتأتي بين الكاف والقاف ، وهذه لهجة معروفة في بني تميم " 3 ". من ذلك أيضا اختلاف لهجتي الحجاز وتميم في ( ض ، ظ ) فأولهما صوت شديد نسب إلى تميم ، والثاني رخو نسب إلى الحجاز .
وقد ورد في لسان العرب: فاضت نفسه تفيض فيضا : خرجت ، وهي لغة تميم. وحكى المازني عن أبي زيد قال : كل العرب تقول فاظت نفسه إلا بني ضبة فإنهم يقولون فاضت نفسه بالضاد ، وأهل الحجاز وطيء يقولون فاظت نفسه . وقضاعة وتميم وقيس يقولون فاضت نفسه مثل فاضت عينه . " 4 "
ومن الجدير ذكره أن الخلاف حول صوتي الضاد والظاء شغل النحويين قديما إلى درجة أنهم ألفوا فيه ، ومن ذلك كتاب ابن مالك " الاعتضاد في معرفة الظاء والضاد ".
ومن الخلاف أيضا إبدال التميميين التاء طاءً ، وفي هذا يقول ابن سيدة في المخصص " وقد أبدلت الطاء من التاء في فعلت إذا كانت بعد حرف من حروف الإطباق . وهي لغة تميم قالوا : فحصط برجلك وهم يريدون فحصت " " 5 " . وكذلك إبدالهم التاء دالاً ، فقالوا فزدُ مكان فزتُ . فالدال والتاء من الحروف النطعية غير ا الأول مجهور والثاني مهموس ففضلوا الأول على الثاني . ولاحظ هنا ميل تميم إلى شديد الألفاظ وهذا ما ينسجم مع بداوتها .
ومن أوجه الاختلاف أيضا ما عرف بظاهرة الاتباع ، والاتباع هو أن تتبع حركة الفاء ( أول الكلمة ) حركة العين كما في شِهيق بالكسر ، وبِعير ، وهي لهجة تميم وقيس وأسد . الحجازيون يفكون إدغام المثلين في الماضي عند إسناده إلى ضمير الرفع نحو : شددتُ وظللتُ في حين تقول تميم : ظَلْتُ . الحجازيون يفكون إدغام المضارع فيقولون : لم يحلل ، أما تميم فتقول : لم يحل. الحجازيون يفكون الإدغام في الأمر في جميع أحواله ، فيقولون : اعدد و أعدده . أما التميميون فيبقون الادغام فيقولون : أعدَّ و شُدَّ.
وفي هذا يقول جرير وهو من تميم معيراً الراعي النميري :
فغضَّ الطرف إنك من نمير
فلا كعبا بلغت ولا كلابا
وقد نزل القرآن بلهجة قريش في هذه النقطة ، حيث يقول ربنا تعالى :
( اشدد به ازري ) 6
( ومن يحلل عليه غضبي ) 7
( ولا تمنن تستكثر ) 8
ب . المستويان الصرفي والنحوي :
1 . في التذكير والتأنيث :
تقول قريش : هي التمر والبر والشعير والذهب بينما تذكَّر تميم هذا كله “ 9 “ ، فتقول هذا التمر والبر .
إن أهل الحجاز أنثوا أعضاء الجسم كالعنق والعضد بينما جعلها التميميون من المذكر فيقولون هذا عنق. أنَّث أهل الحجاز أسماء الأماكن كالطريق والسبيل والسوق والصراط ، بينما أجرتها تميم مجرى المذكر أيضاً فتقول : هذا طريق ، وهذا سوق .
2 . في العدد :
إنَّ " اثنتين " في لهجة الحجاز تصبح " ثنتين " في لهجة تميم بدون ألف . وإن " عشرة " إذا كان مركبا مختوما بالتاء نحو : ( فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً ) " 10 " . تُسكّن شينه عند الحجازيين أما بنو تميم فيكسرونها .
3 . في الموصول :
يشدد التميميون النون في الأسماء الموصولة وأسماء الإشارة حين تكون بصيغة المثنى : اللذانِّ ، اللتانِّ ، وهذانَّ ، هاتانِّ . في حيف يخفف الحجازيون وسائر العرب هذه النون " 11 "
4 . في أسماء الاشارة:
إنّ الحجازيين يقولون ( ذلك و تلك ) بينما يقول التميميون ( ذاك و تيك ). إنَّ الحجازيين يمدون اسم الاشارة " أولاء " أما التميميون فيقصرونه ويقولون " أولى ". إن قريشا تقول " هذهِ " وصلا ووقفاً ، أما بنو تميم فيقولون " هذه " في الوقف و " هذي " في الوصل نحو : هذي ورقة .
5 . في المصدر بعد " أما " :
إن التميميين يرجحون نصب المصدر النكرة بعد أما نحو : أما علماً فعالمٌ ، ويجيزون الرفع نحو اما علمٌ فعالمٌ ، غير أنهم يوجبون رفع المصدر إذا كان معرفة وليس للنصب إليه سبيل نحو : أما العلمُ فعالمٌ . أما الحجازيون فينصبون مطلقا في المصدر النكرة ، ويرجحون رفع المصدر المعرفة .
6 . في اسم العلمِ على وزن فِعال :
إن التميميين يمنعون من الصرف ما جاء على وزن فِعال من أسماء العلم وهي بالمناسبة أسماء مؤنثة نحو : حذامِ ، قطامِ ، رقاشِ . أما إن خُتم بالراء نحو : ظفار وهو اسم بلدة في اليمن ، أو وبار وهو اسم قبيلة من العرب البائدة ، فإن غالبية تميم تبنيه على الكسر مطلقا ، وأقلهم يمنعونه من الصرف ، وقد اجتمعت اللهجتان في قول الأعشى :
ومرَّ دهرٌ على وبارِ
فهلكتْ جهرةٌ وبارُ
أما قريش فتبني هذا كله _ ما ختم بالراء وما لم يختم بها _ على الكسر " 12" كقول لجيم بن صعب في امرأته وكان اسمها حذام :
إذا قالت حذامِ فصدقوها
فإنّ القولَ ما قالت حذامِ .
7 . في اسم الفعل :
ان التميميين يصرفون اسم فعل الأمر " هلمَّ " فيقولون هلما ، هلموا ، وهلمي ، وهلما أما الحجازيون فلا يتصرفون فيه : قال تعالى : " هلمَّ شهداءكم الذين يشهدون " " 13 " وتصريفه ليس بالفصيح عند أغلب العرب . أن اسم الفعل الماضي " هيهات " عند التميميين هو " ايهات " عند الحجازيين " .
8 . في تمييز كم الخبرية:
إن التميميين يجيزون نصب تمييز كم الخبرية إذا كان الخبر مفردا ، بينما قياس النحو جره كقول الفرزدق:
كم عمةٍ لك يا جرير وخالة ٍ
فدعاء قد حلبت عليَّ عشاري
9 . في صيغ الأسماء :
- إن الصيغة الدالة على أسماء الزراعة في " فِعال " عند الحجازيين بكسر الفاء ، بينماهي فعال عند التميميين بفتحها. فقريش تقول : حِصاد ، قِطاف . بينما تقول تميم : حَصاد و قَطاف . بينما نزل القرآن بلهجة تميم بفتح أسماء الزراعة حيث يقول ربنا تعالى في محكم التنزيل : ( وءاتوا حقَّه يوم حَصاده ) " 14 "
- إن الحجازيين قالوا مِرية بالكسر ، بينما قالت تميم مُرية بالضم .
- الحجازيون يقولون : كراهة ، و تميم تقول : كراهية .
- فال الحجازيون : قلنسية ، وقالت تميم : قلنسوة .
- قالت قريش : الهديْ مخففا كالرمي ، وقالت تميم : الهديّ مشددا كالعشي ّ . " 15 "
10 . في الاستثناء :
إن الحجازيين يوجبون نصب المستثنى إذا وقع في كلام تام غير موجب " 16" وكان الاستثناء منقطعا " 17" كأن نقول : ما نزل من السفينةِ إلا البضائعَ ، وما اقتربت من الصيادين إلا الكلابَ ، نحو قول ربنا تعالى : ( ما لهم به من علمٍ إلا اتباع الظن ) " 18 " .
أما التميميون فيختارون النصب في هذا الموقع ولكنهم يجيزون الاتباع كقول شاعرهم :
وبلدةٍ ليس بها أنيس
إلا اليعافيرُ وإلا العيسُ
أما إذا كان الاستثناء ب " غير " فالحكم هة الاتباع مطلقاٌ فيقولون : ما قام أحدٌ غيرُ ناقة ، اما البقية فيقولون غيرَ بالنصب .
11 . في صيغ الفعل :
- إن التميميين يميلون غالبا إلى كسر عين الماضي المفتوحة عند الحجازيين . فيقول الحجازيون : زهَد و حقَد ، بينما تقول تميم : زهِد و حقِد .
- تقول قريش : برأتُ من المرض وتقول تميم : برئتُ .
وتقول قريش في هذا الباب أنا منك براء . بينما تقول تميم وسارئر العرب : أنا بريء منك . واللهجتان في القرآن " 19 "
- تقول قريش : قلوتُ البُرَّ . بينما تقول تميم : قليتُ.
- قريش تقول " لاته " أي نقصه حقه ، بينما تقولها تميم " الاته " واللهجتان في القرآن ، حيث يقول ربنا تعالى : ( لا يلتكم من اعمالكم شيئا "20" ، ويقول تعالى ايضاً ( وما ألتناهم من عملهم من شيء ) " 21 "
- تقول قريش أوصدت الباب . بينما تقول تميم آصدت الباب .
- الواو الواقعة فاء للفعل الماضي في لهجة الحجازيين تقلب همزة في لهجة تميم ، فيقول الحجازيون : وكَّد . ويقول التميميون : أكَّد .
12 . في النواسخ :
- إن التميميين يرفعون خبر ليس إذا اقترن بعدها بإلا نحو : " ليس الفاتك إلا الاسدُ " حملا على ما في الإهمال عند انتقاض النفي ، كما حمل أهل الحجاز ما على ليس في الأعمال عند استيفاء شروطها " 22 "
- إن الحجازيين يعملون ما عمل ليس بشروط أربعة هي :
* أن لا يتقدم خبرها على اسمها.
* ألا يتقدم معمول خبرها على اسمها.
* ألا تقع بعدها أن الزائدة.
* ألّا ينتقض نفي خبرها بإلا .
ومن أعمالها بهذه الشروط قوله تعالى في محكم التنزيل ( ما هذا بشراَ ) " 23 ". وقوله جل وعلا : ( ما هنَّ امهاتهم ) " 24 " . أما تميم فتهملها لذلك تسمى العاملة ما الحجازية " 25 "
- إن حذف خبر لا النافية للجنس غالب في لهجة الحجازيين ، دائم في لهجة تميم فلم يلفظوا به أصلا نحو: لا ضير، ونحو: لا ضرر ولا ضرار .
ج . المستوى الدلالي :
سبق أن أشرنا _ حين تحدثنا عن اللغة واللهجة _ أن اللهجات لا بد أن تشترك فيما بينها بقدر كبير من المفردات والدلالات وصيغ الافعال وأنواع الجموع وأداة التعريف وقواعد النحو ، وإن لم يتوفر هذا الكم الكبير من الاشتراك تحولت إلى لغات لا إلى لهجات تنتمي إلى لغة واحدة . لذلك من البديهي أن لا نجد في هذا الباب كثيرا لنذكره إذ المقارنة بين لهجتين لا بين لغتين ، ولكن على هذا الصعيد نذكر :
أولا بالنسبة لتميم :
- تقول تميم " الأعفك " أي الأعسر.
- وقالت تميم : " بِع لي تمرا " أي اشترِ لي.
- قالوا " الجبي " وهو ما حول البئر.
- وقالوا : " جبذ " وهم يريدون بها جذب فأبدلوا مكان الحرفين.
- وقالت تميم أيضا : " جل الشيء " أي معظمه.
- وتستخدم تميم البغي بمعنى الحسد ، وبهذا المعنى وردت في محكم التنزيل : " بغياً بينهم " " 26 " أي حسدا.
- الأمة عند تميم تعني النسيان ، وقد وردت بهذا المعنى في القرآن الكريم أيضا ، حيث يقول ربنا تعالى : " وادَّكر بعد أُمة " 27"
- تستخدم تميم " خشع " بمعنى اقشعر ، ومنها قوله تعالى : " ومن آياته انّكَ ترى الأرضَ خاشعة " " 28"
- خرص بمعنى كذب لهجة تميم ، وقد وافق القرآن لسانها حيث يقول الله تعالى في محكم التنزيل : " إن هم إلا يخرصون " " 29 ".
ثانيا بالنسبة لقريش :
- قالت قريش : الفرسك وتريد به ثمر الخوخ.
- وقالت : الدجر وهو عندها اللوبياء.
- سموا الأسد السرحان.
- قالت قريش : المسطح وهو المكان الذي ينشر فيه التمر.
- قالوا : الضال الأشكل ، أي السدر الجبلي .
- وقالوا : أرخصه أي اغسله.
—————————
1 . جمهرة انساب العرب : ص 207
2 . السيوطي : المزهر : ج 1 ص 211
3 . ابن دريد : جمهرة اللغة : ص 42
4 . ابن منظور : لسان العرب : فيض 7 / 211
5 . ابن سيدة : المخصص : 13 / 270
6 . القرآن الكريم : سورة طه : الآية 31
7 . القرآن الكريم : سورة طه : الآية 81
8 . القرآن الكريم : سورة المدثر : الآية 6
9 . المزهر : ج 2 ص 277
10 . القرآن الكريم : سورة البقرة : الآية 60
11 . شرح التصريح : ج1 ص 132
12 . شرح التصريح : ج 2 ص 225
13 . القرآن الكريم : سورة الانعام : الآية 150
14 . القرآن الكريم : سورة الأنعام : الآية 181
15 . د. النادري : فقه اللغة : ص 222
16 . المزهر : ج 2 ص 276
17 . ابن منظور : لسان العرب : منذ : ج 3 ص 509
18 . القرآن الكريم : سورة النساء : الآية 157
19 . المزهر : ج 2 ص 276
20 . القرآن الكريم : سورة الحجرات : الآية 14
21 . القرآن الكريم : سورة الطور : الآية 21
22 . د. النادري : فقه اللغة : ص 216
23 . القرآن الكريم : سورة يوسف : الآية 31
24 . القرآن الكريم : سورة المجادلة : الآية 2
25 . نحو اللغة العربية : ص 390
26 . القرآن الكريم : سورة البقرة : الآية 213
27 . القرآن الكريم : سورة يوسف : الآية 45
28 . القرآن الكريم : سورة فصلت : الآية 39
29 . القرآن الكريم : سورة الزخرف : الآية 20