أضرار الزنا :
للزنا أضرار عديدة وكثيرة جداً ولكن سنقتصر هنا على بعض منها :
1- الزنا يجلب الفقر : وذلك لما يقوم به الزاني من صرف أمواله فيما يُغضب الله ، وواقع كثير من الشباب هذا اليوم أن أحدهم إذا أخذ راتبه الشهري انطلق به إلى تلك البلاد ليفعل تلك الفاحشة الدنيئة ، والمعصية الشنيعة ، ونسي أولاده وأهله ، ونسي والداه اللذان سهرا وتعبا ليالٍ طويلة من أجله وأجل راحته ، وهما بحاجته بعد أن كبرا ، وحاجة أن يعطيهما بعضاً من ماله فكم كانا ينتظران هذا اليوم الذي يأتي ذلك الولد ليعطيهما جزئاً من الدين الذي عليه لوالديه ، ولكنه آثر وفضّل العاهرات والزانيات عليهما ، نسي ذلك المسكين أنه سيُحاسب على هذا المال من أين اكتسبه وفيما أنفقه ؟ فماذا سيكون الجواب في ذلك اليوم الرهيب ؟
2- ظُلمة في وجه الزاني : هذه الظلمة والسواد في وجه الزاني سببها الرئيسي بعده عن الله ووجوده دائماً في الظلام متخفياً عن الناس فهو في ظلام دائم ، حتى اكتسى وجهه ظلمة وسواداً ، وهذا واقع ملموس قد لا يخفى على الكثير من الناس .
3- الزنا يوقع فيما هو أكبر منه : فقد يوقع صاحبه في كبائر الذنوب الأخرى ، فقد يقع صاحب الزنا في شرب الخمور ، فيؤدي به ذلك إلى ارتكاب جرائم أخرى كالقتل ، فيقتل من فعل بها الفاحشة ، فيورد نفسه المهالك ويقع في حد آخر من حدود الله ، كما قد يوقع صاحبه في السرقة من أجل الحصول على المال الذي سيساعده على ارتكاب المحرم .
4- نزع الإيمان من قلب الزناة : قال صلى اله عليه وسلم : [ لايزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ] ( متفق عليه ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : [ من زنى وشرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه ] ( الحاكم والذهبي والمنذري ) ، فما فائدة الحياة بلا إيمان ، إن الحياة البهيمية أفضل من حياة لا إيمان فيها ، لأن الغاية التي من أجلها خلق الإنسان أغفلها أهل البغي والشر ، قال تعالى : { أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا } ( الفرقان 44 ) .
5- ضعف الوازع الديني لدى الزناة : وهذا واضح معلوم فلو كان هناك إيمان وخوف من الخالق سبحانه وتعالى لما حصل ما حصل من الوقوع في هذه الفاحشة المشينة فبما أن دين الزناة في الحضيض الأسفل فقد يرضى بأن تُفعل الفاحشة بأهله وهو لايبالي بذلك وهذا من ضعف الإيمان والدين ، فهو بذلك ديوث لرضاه بفعل الفاحشة بأهله ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : [ لا يدخل الجنة ديوث ] .
6- غضب الرب سبحانه وتعالى : فالله جل وعلا يغضب إذا انتهكت محارمه ، فالله عزوجل يغار وغيرته أن تنتهك محارمه ، فمن انتهك محارم الله فقد باء بغضب من الله ، ومن مات وهذه حاله ، وربه ساخط وغضبان عليه من جراء صنيعه القبيح ، وفعله المشين فيالحرمانه ، ويالخسارته التي لا تقدر بثمن من سوء ما قدم ، ويالها من كارثة وأي كارثة .
7- ذهاب حرمة فاعل الزنا وسقوطه من عين ربه ، ثم من أعين الناس ، فإذا عرف من يمارس الزنا لم يعد هناك من يحترمه بل يحتقره الجميع ، ولايقام له وزن عند الناس ، بل يُشار إليه بالسوء والقبح ، ويحذره الناس على محارمهم فلايُؤمن ، بل قال بعضهم أن من يُمارس الزنا لايمكن أن يُؤتمن على أولاده وبناته ـ نعوذ بالله من ذلك الشر ـ فيوصف صاحب الزنا بأسماء قبيحة مثل : الزاني والفاجر والفاسق والخائن وغيرها من الأسماء التي لا تليق بالمسلم .
8- ضيق القلب ووحشته : تجده ضيق الصدر لبعده عن الله وعن أوامر الله عزوجل ، ويحس بوحشة الذنب والمعصية كلما خلا بنفسه ، لأن نفسه تُحاسبه فيخاف العقوبة في الدنيا والآخرة .
9- فقد الحسنات يوم القيامة : ففعل الفواحش والمعاصي يذهب الحسنات .
10- انتشار الأمراض الفتاكة : وهذا ما يلاحظ على أهل الزنا ، فهم في هذا الزمان السبب الرئيسي لنقل جميع الأمراض الفتاكة والخطيرة والمهلكة ، فالزنا سبب لأمراض كثيرة منها : السيلان والزهري وهما مرضان خطيران يفتكان بصاحبهما ، وهاهو مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) مرض العصر ، وسببه المباشر والرئيسي هو العلاقات الجنسية المحرمة ، وهذا المرض لم يجد له الأطباء علاجاً حتى الآن ، فليحذر أولئك العصاة المارقون أن يختم الله عليهم بمثل هذا المرض فتكون النهاية وخيمة والخاتمة سيئة والعاقبة أليمة .
11- تفكك المجتمعات : فكم نسمع من الويلات والنكبات التي تحصل لكثير من الدول التي استباحت هذه الفاحشة العظيمة لما في ذلك من مخالفة لأوامر الله تعالى ، وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم ، فأنت تلك المجتمعات وعلت فيها الصيحات مما حل بها من عذاب الله تعالى ، فتفككت تلك المجتمعات ، وخاف بعضها بعضاً ، وانعدم الحياء ، وقتلت العفة هناك ، فأصبحوا كالبهائم بل هم أضل سبيلا ، ومع فقد البهائم للعقل والتفكير فهي والله لا ترضى بما رضي به أولئك المجرمون المنحلون من فعل الفواحش والرذائل .
12- الوحدة الفردية : فيعيش أهل الزنا بمعزل عن الناس ، لمقت الناس لهم واحتقارهم إياهم ، والخوف من أن لصق عار هذه الفضية بمن يخالطهم ويجالسهم ، فلا يرغب في نكاحهم أحد ، ولا يريد صداقتهم أحد ، فهم في عزلة عن الناس كالمرض المعدي ، يرغب الجميع بترهم عن المجتمع لإفسادهم له .
وأضرار الزنا كثيرة جداً ولكن فيما ذكرنا كفاية لمن أراد العبرة والعظة ، وهذا قليل من كثير ، فليرتدع أولئك عن فعل هذه الفاحشة المشينة وليعودوا إلى الله قابل التائبين وليعرفوا السبب الحقيقي لوجودهم على هذه الأرض ، وليعلموا أن الله لم يخلقهم عبثاً ولم يتركهم هملاً ، بل لا بد من الرجوع إلى الحي القيوم للجزاء والحساب ، من أجل فعل مثل هذه الفواحش .
طرق الوقاية من الزنا :
1- منع التبرج والاختلاط لأي سبب كان : فهاهم دعاة السوء وأصحاب الحضارة الزائفة هاهم يئنون ويصرخون من جراء خطر التبرج والسفور ودارت عليهم الدوائر ، فباءوا بتبعات ذلك كله .
2- تسهيل المهور : فإذا أتى الإنسان من يرضى دينه وأمانته وخلقه فعليه أن يزوجه ، وإذا لم يفعل الناس ذلك فستكون فتنة في الأرض وفساد كبير ، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم لنا فيهم أسوة حسنة في تسهيل المهور ، وينبغي نصح أولئك الأولياء الذين لاهمّ لهم إلا جمع الأموال من وراء تزويج بناتهم ، ومن لم يرتدع منهم فلابد من رفع أمره إلى ولاة الأمر .
3- ردع السفهاء عن التعدي على النساء في الأماكن التي يرتادها النساء .
4- عدم خروج المرأة من بيتها إلا لحاجة ماسة جداً وشديدة ، ويكون الخروج مع محرمها .
5- عدم خروج المرأة مع السائق بأي حال من الأحوال .
6- منع الخلوة بين الرجال والخادمات في المنازل .
7- الحذر من الوسائل المعينة على الزنا ، وهي ما ذكرناها في أسباب الزنا .
8- التحذير من عواقب الزنا الوخيمة .
9- اجتناب النظر إلى النساء سواءً في الأجهزة المرئية أو المقروءة أو غيرها .
10- نشر مبادئ الفضيلة والأخلاق الحميدة بين الناس .
11- عدم خلوة المرأة بأي رجل أجنبي إلا ومعها محرمها .
12- طاعة الله ورسوله ، وذلك باتباع أوامرهما واجتناب نواهيهما ، قال تعالى : { تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم * ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذابٌ مهين } ( النساء13/14 ) .
13- اختيار الجليس الصالح : فاحذر أصدقاء السوء وعليك بالنصح لهم وإرشادهم إلى طريق الحق والصواب ، وعليك بمجالسة أهل الخير والصلاح فهم القوم لا يشقى بهم جليسهم .
14- المداومة على قراءة القرآن : فالقرآن فيه تخويف ووعد ووعيد وتهديد لمن يفعل الفواحش مما قد يردع الإنسان عن فعلها .
15- أداء الصلوات جماعة في المساجد : فالصلاة ناهية عن فعل الفواحش بإذن الله تعالى :{ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } ( العنكبوت45 ) .
16- تذكر عذاب الله عزوجل وعقابه لمن يفعل هذه الفاحشة وغيرها من المعاصي .
17- الغيرة على المحارم . فالله جل وعلا يغار وغيرته سبحانه أن تنتهك محارمه ، فكيف لا تغار أنت أيها الإنسان على عرضك وشرفك . فبالغيرة يصعب وقوع الزنا بإذن الله تعالى .
18- كثرة الصيام .
19- الزهد في الدنيا والإقبال على الآخرة .
20- قراءة الكتب النافعة والمواضيع المفيدة التي تخص الزنا والتحذير منه .
21- التفريق بين الأبناء في المضاجع : وهذا أمْرٌ أمَرَ به النبي صلى الله عليه وسلم ، محذراً من عواقب الخلطة بين الذكور والإناث في مكان واحد أثناء المبيت ولذلك جاء التحذير من الرحمة المهداة ، والنعمة المسداة في التفريق بين الأبناء في المضاجع ، فقال صلوات ربي وسلامه عليه : [ مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليه لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع ] ، وفي مستدرك الحاكم قال صلى الله عليه وسلم : [ إذا بلغ أولادكم سبع سنين ففرقوا بين فرشهم ، وإذا بلغوا عشر سنين فاضربوهم على الصلاة ] ( قال صحيح على شرط مسلم ) .
قصص وعبر :
***** قيل أن راهباً يُسمى برصيصاً كان يعبد الله ستين سنة ، وأن الشيطان أراد أن يغويه فما استطاع ، فعمد الشيطان إلى امرأة فأجنها وكان لها أخوة فقال الشيطان : لإخوتها عليكم بهذا القُس ، فيداويها ، فجاءوا بها إليه فداواها وكانت عنده ، فبينما هو يوماً عندها إذ أعجبته فأتاها فحملت ، فعمد إليها فقتلها ، فجاء إخوتها فطلبوها ، فقال الشيطان للراهب أنا من عمل بك هذا لأنك أتعبتني ، فأطعني أنقذك منهم ، فاسجد لي سجدة ، فلما سجد له ، قال : إني برئ منك ، إني أخاف الله . ( رواها بن جرير في تفسيره ) .
***** وفي واقعنا وفي زماننا هذا كثيرٌ من مآسي الزناة والزواني ، يحكى أن شاباً سافر إلى بلاد الكفر والفجور والفسق والسفور ، من أجل الزنا وشرب الخمور ، سافر هذا الشاب إلى تلك البلاد ، وفي يوم من الأيام وبينما هو في غرفته ينتظر تلك العاهرة أن تأتيه ، إذا بها قد تأخرت عن موعدها ، وعندما أتت ودخلت عليه غرفته ، شهق شهقة عالية وسجد لها ، فكانت هذه السجدة هي السجدة الأولى والأخيرة في حياته ، لكن لمن كانت هذه السجدة ؟ وما سببها ؟ وما نتائجها ؟
أخي الحبيب : إنه سوء الخاتمة ، أعاذنا الله من ذلك .
***** وقيل أن عابداً من بني إسرائيل عبد الله في صومعته ستين عاماً ، فأمطرت الأرض فاخضرت ، فنظر من صومعته ومعه رغيفان من الخبز فقال : لو نزلت فأذكر الله فأزداد من الخير ، فلما نزل لقيته امرأة فأخذ يكلمها وتكلمه حتى وقع ( زنا ) بها ، فأغمي عليه من شدة ما فعل ، فنزل الغدير ليستحم ووضع الرغيفان ، فمر سائل فأعطاه الرغيفان ، ثم مات ذلك العابد ، فعندما وزنت عبادة ستين سنة بتلك الزنية ، رجحت
الزنية بحسناته فخسر خُسراناً مبيناً ، إلا أن الله تغمده برحمته فوضع الرغيفان ، في ميزانه فرجحت حسناته .
أخي المسلم وأختي المسلمة : إن باب التوبة مفتوح فمن تاب تاب الله عليه وقد يُختم له بخاتمة حسنة ، ونتابع معاً بقية القصص ، قصص التائبين والعائد ين إلى الله .
***** وفي قصة الثلاثة الذين سدت عليهم الصخرة باب الغار ، قال أحدهم : إنه كانت لي بنت عم فدعاها إلى الزنا فأبت وفي يوم من الأيام حصلت لها حاجة ماسة إلى المال فأتته تستقرضه فأبى إلا أن تُخلي بينه وبينها ، فرضيت نظراً لحاجتها الشديدة للمال ، فعندما جلس منها كما يجلس الرجل من أهله قالت له : لايحل لك أن تَفَضَ الخاتم إلا بحقه ، فتذكر قدرة الله عليه وأن الله سبحانه يراه ، قام عنها وأعطاها المال لوجه الله ، فقال : اللهم إن كنت فعلت ذلك لوجهك فافرج عنا ما نحن به ، فانفرجت الصخرة فخرجوا جميعاً .
***** وفي زماننا هذا ذهب شاب إلى إحدى الدول المجاورة للنزهة والتمتع ولم يخطر بباله الزنا نهائياً ، وفي يوم من الأيام إذا به يقع فيما لم يكن في الحسبان فوقع في الزنا ، وكانت تلك هي المرة الأولى التي يقع فيها في الزنا ، فندم ندماً شديداً ، وحزن حزناً كبيراً ، وعاهد الله على التوبة ، وعاد إلى بلده والحزن يملأ قلبه ، والندم يملأ جوارحه وعاد إلى الله وبدأ الصلاة ، واخذ يُكثر من النوافل لعلّ الله أن يغفر له ، وفي يوم من الأيام وهو ساجد لله عزوجل أتاه الزائر الذي لاتقف له الأبواب والأقفال ، أتاه هادم اللذات ومفرق الجماعات ، أتاه ملك الموت ، وهو على أحسن حال وهو ساجد لله تعالى ، فانظر كيف ختم الله له بهذه الخاتمة الحسنة .
***** وذكر أن قصاباً ولع بجارية لبعض جيرانه ، فأرسلها أهلها في حاجة لهم إلى قرية أخرى فتبعها فراودها عن نفسها ، فقالت : لا تفعل ، لأنا أشد حباً منك لي ، ولكني أخاف الله . قال : فأنت تخافين الله وأنا لا أخافه ؟ فرجع تائباً .
إن الله جل وعلا يقبل توبة المذنب مالم تغرغر الروح ، أو تطلع الشمس من مغربها . فبادروا بالتوبة النصوح لعل الله أن يتوب عليكم .
***** وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لاظل إلا ظله ، وذكر منهم النبي صلى الله عليه وسلم : [ ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها ، فقال : إني أخاف الله تعالى ] ( البخاري ) .
***** وقال بن الجوزي في كتابه ذم الهوى قال : [ كانت امرأة جميلة بمكة ، وكان لها زوج ، فنظرت يوماً إلى وجهها في المرآة ، فقالت لزوجها : أترى أحداً يرى هذا الوجه لا يفتن به ؟ قال : نعم . قالت : من ؟ قال : عبيد بن عمير . قالت : فائذن لي فيه فلأفتننه . قال : قد أذنت لك . قال : فأتته كالمستفتية ، فخلا معها ( ابتعد بها قليلاً ) في ناحية المسجد الحرام ( أي حتى لا يسمع من حوله سؤالها ) ، قال : فأسفرت عن مثل فلقة القمر ، فقال لها : يا أمة الله ! قالت : إني قد فتنت بك فانظر في أمري ، قال : إني سائلك عن شيء فإن أنت صدقتيني نظرت في أمرك ، قالت : لا تسألني عن شيء إلا صدقتك . قال : أخبريني لو أن ملك الموت أتاك لقبض روحك ، أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة ؟ قالت : اللهم لا . قال : صدقت .
قال : فلو أدخلت في قبرك وأجلست للمساءلة ، أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة . قالت : اللهم لا . قال : صدقت .
قال : فلو أن الناس أعطوا كتبهم ولا تدرين تأخذين كتابك بيمينك أم بشمالك ، أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة ؟ قالت : اللهم لا . قال : صدقت . قال : فلو جيء بالموازين وجيء بك لا تدرين تخفين أم تثقلين أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة ؟ قالت : اللهم لا . قال : صدقت
قال : فلو وقفت بين يدي الله للمساءلة أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة ؟ قالت : اللهم لا . قال : صدقت . قال : اتقي الله يا أمة الله ، فقد أنعم الله عليك وأحسن إليك .
قال : فرجعت إلى زوجها فقال : ما صنعت ؟ قالت : أنت بطال ونحن بطالون ! فأقبلت على الصلاة والصوم والعبادة ، قال : فكان زوجها يقول : ما لي ولعبيد بي عمير ، أفسد علي امرأتي ، كانت كل ليلة عروساً فصيرها راهبة .
هنيئاً لها تلك التوبة النصوح ، قبل مداهمة ملك الموت لقبض الروح ، وهنيئاً لها تلك التوبة التي تجب ما قبلها وتمحو ما سلف من الذنوب والمعاصي . وأصلح الله من كان على شاكلة زوجها من الضياع ، وألهمه رشده وصوابه قبل أن يُقتلع من فوق الأرض اقتلاع .
***** وقال بن الجوزي أيضاً : [ أن رجلاً أحب امرأة فأحبته ، فاجتمعا ، فراودته المرأة عن نفسه ، فقال : إن أجلي ليس بيدي ، وإن أجلك ليس بيدك ، فربما كان الأجل قد دنا ، فنلقى الله عاصيين ؟ فقالت : صدقت . فتابا وحسنت حالتهما .
***** حدث أبو محمد الشيباني ، قال : كان رجل بالبصرة له أكّار ( أي رجل يحرث له الأرض ) وكانت للأكار امرأة جميلة حسناء كثيرة اللحم ، فوقعت في نفس الرجل الغني ( أي أحبها ) ، ، فركب قاربه إلى قصره ، وقال للأكار : القط لنا من الرطب وصيره في الدواخل . ثم قال له : إيت به فلاناً وفلاناً ، فذهب به ، فلما مضى ، قال لامرأة الأكار : أغلقي باب القصر ، فأغلقته . ثم قال لها : أغلقي كل باب ، ففعلت ، فقال لها : هل بقي باب لم تغلقينه ؟ قالت : نعم باب واحد لم أغلقه . قال : وأي باب هو ؟ قالت : الباب الذي بيننا وبين الله عزوجل . فبكى ثم قام عرقاً وانصرف ولم يواقع الخطيئة .
فأين أولئك الذين لا يهناؤون ، ولا يهدأ لهم بال ، ولا يقر لهم حال إذا لم يرتكبوا الفاحشة ، أين أولئك الذين يمسون ويصبحون على الفواحش ليلاً ونهاراً ، أين أولئك من أولئك الرجال الذين ملأ الإيمان بالله والخوف منه سبحانه ملأ قلوبهم وجوارحهم ، وأين أولئك النساء عن تلكم اللاتي منعهن تقوى الله والحياء منه ، وخوفهن من عذاب القبر وشدة الحساب وعظمة الوقوف بين يديه الله سبحانه ، كل ذلك منعهن من فعل الفاحشة أو حتى التعرض لها .
ثم أين أولئك عن نبي الله يوسف عليه السلام ، عندما دعته امرأة العزيز إلى نفسها ، وهيأت له جميع الوسائل المعينة على هذا الفعل ، وكانت على قدر من المال والجمال ، ولكن عندما وقر الخوف من الله سكنات القلب والجوارح فسيكون الجواب : ( معاذ الله ) ، كان هذا هو جواب يوسف عليه السلام ، جاء كالصاعقة ، لتلك المرأة ، لم تتوقع أن يكون الرفض هو الجواب ، لكنه الإيمان بالله واليوم الآخر ، وأن الإنسان لابد وأن يعود إلى خالقه ليجازيه على ما قدم في دنياه ، والخوف من عذاب الله ، ومن النار وعذابها وحميمها وزقومها .
فأين الخائفون من عذاب الله وسخطه ومقته وعقابه ، إذ كيف يُنعم الله على هؤلاء بشتى النعم ، من مأكل ومشرب وملبس ، وغير ذلك من النعم التي لا تُعد ولا تُحصى ، ثم يستغلون هذه النعم في معصية الخالق المنعم تعالى وتقدس ، فبدل أن يقابلوا هذه النعم وهذا الإحسان بالشكر والعرفان لله جل وعلا ، قابلوا ذلك كله بالكفر والعصيان وارتكاب المعاصي والآثام ، بدلوا نعمت الله كفراً وأحلوا أنفسهم دار البوار . أهكذا يكون جزاء هذا الإحسان ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
أقوال في التحذير من الذنوب :
* قال محارب بن دثار : إن الرجل ليذنب الذنب فيجد له في قلبه وهناً .
* سئل بن المسيب عن العبادة قال : التفكير في أمر الله والورع عما حرم الله عزوجل .
* وروي عن الحسن البصري أن كان إذا ذكر أهل المعاصي يقول : هانوا على الله فعصوه ، ولو عزوا عليه لعصمهم .
* وقال محمد بن كعب القرظي : ما عبد الله بشيء قط أحب إليه من ترك المعاصي .
* وقال بشر : إن العبد لذنب الذنب فيحرم به من قيام الليل .
* قال أبو الحسن المزين : الذنب بعد الذنب عقوبة الذنب ، والحسنة بعد
الحسنة ثواب الحسنة .
* وقال أبي المعتمر بن سليمان : إن الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مذلته .
* وقال الحسن : ما عصى الله عبد إلا أذله الله تبارك وتعالى .
* وقال الحسن : يا بن آدم ترك المعصية أيسر من طلب التوبة .
* وقال القائل : لا تنظر في صغر المعصية ، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت .
* وقال سفيان الثوري :
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها *** من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عوقب سوء في مغبتها *** لا خير في لذة من بعدها النار
* وقال حسين بن مطير :
ونفسك أكرم عن أشايا كثيرة **** فما لك نفس بعدها تسعيرها
ولا تقرب الأمر الحرام فإنه *** حلاوته تفنى ويبقى مريرها
* فتفكر ، رعاك الله ، في أن الذنوب تنقضي لذتها وتبقى تبعتها .
أمور يجب الحذر منها :
وهناك ثمة أمور وجب الحذر منها وتحذير الغافلين عنها ، وهي أمور داعية ومعينة على فعل الفواحش ، وقد تكون من الأسباب المباشرة إلى ارتكاب فاحشة الزنا ـ والعياذ بالله ـ فهي وسائل قد يتوصل منها إلى ما هو أكبر منها ، ومن هذه الأمور ما يلي :
1- ترك المرأة تسافر بدون محرم : والمرأة هنا يقصد بها : الأم والأخت والبنت والزوجة والعمة والخالة وغيرهم من المحارم ، فيحرم سفر المرأة بدون محرم لأن ذلك يفضي إلى مفاسد عظيمة ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله : [ لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ] ( متفق عليه ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : [ لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما ] ( احمد وغيره ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : [ لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يومين إلا مع ذي محرم ] .
فترى المرأة تخاطب السائق والخياط وحتى صاحب الصيدلية والبائع وزوجها كالكيس لا يحرك ساكناً ، ولا يقول قولاً ، فلا غرو أن يحصل بذلك مفاسد عظيمة في المجتمع نحن في غنىً عنها .
2- الحرية في لبس الملابس : فلا مانع لدى كثير من أولياء أمور النساء ترك من تحت ولا يتهم أن يلبسن ما يصف البشرة ويكشف السوءة ، من البناطيل والمكشوف من اللباس ، وذلك بدعوى التقدم الحضاري والطفرة المادية ، وإذا أردنا الحقيقة فهي من أمور الجاهلية ولكن ما عساك تقول لمن أشربت نفسه حب التقليد الماجن المصادم للفطرة البشرية . أما الغيرة فلا مكان لها في قلوب أولئك الأولياء ، قال صلى الله عليه وسلم : [ لا شيء أغير من الله ] ( البخاري وغيره ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : [ إن الله يغار ، وإن المؤمن يغار ، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله ] ( البخاري ومسلم وغيرهما ) .
3- الأماكن العامة : فقد يخرج بعض الأولياء بمحارمهم إلى الأماكن العامة التي تكون المرأة فيها عرضة للنظر ، كما تطلق هي الأخرى نظرها هنا وهناك ، فيحدث الأمر والخطب الجلل .
وهناك أمور أكثر مما ذكرت ، ولعلي نهبت على أكثرها أهمية ، والله المستعان وعليه التكلان .
أطلق أسرك من نار جهنم ، بابتعادك عما حرم الله تعالى وحرم نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأقبل على جنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدها الله لعباده المتقين الخائفين الوجلين ، المنتهين عن محارم الله ، المتبعين لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
همسة :
همسة أهمسها في أذنك يا أخية ، محذراً إياك من الذئاب البشرية ، راقبي ربك عالم الخفية ، واحذري من كل رذيلة ورزية .
انتبهي أن تهتكي عرضك وعرض أهلك فهي المصيبة العظمى والطامة الكبرى فالمرأة لا عز لها بعد إيمانها إلا شرفها وحياؤها ، فإذا خلعت ذلك الحياء والشرف أصبحت فريسة في أيدي العابثين بالأعراض ، وأصبح يخشاك ويبتعد عنك أهل العفة والحياء ، فتصبحين منبوذة مبغوضة ، محتقرة منقوصة ، لا يَرغب بك أحد ، ولا يُلتفت إليك أبد ، بل تصبحين سلعة للذئاب البشرية لقضاء الوطر واللذة المحرمة ثم يبغضك كل الناس ، لأنك مبغوضة مرفوضة عند ربك ، ولو عرضت نفسك للزواج لما قبل بك إنسان ذا عفة ودين ، بل يهرب عنك الجميع ، لأنك دنست شرفك بالوحل والطين ، ولطخت نفسك وأهلك بثوب العار والفضيحة .
أما تخافين الله ؟ احذري أن تكوني عقبة في زواج أخواتك بفعلك للزنا ، بل كوني قدوة صالحة ومثلا يُحتذى به في أخلاقك وتمسكك بدينك وشرفك وعفتك وحياءك ، وانتبهي من كل ما يدعوا إلى الفاحشة والرذيلة من أفلام خليعة ساقطة وهابطة ، واحذري التليفون والمعاكسات الفاشلة ، وحذار من المجلات المسمومة الموجهة المرسومة ، وكفي عن الموضة الأجنبية ، وإياك والتشبه بنساء الكفرة والفجور ، دعاة التبرج والسفور ، ودعي عنك مصاحبة صاحبات السوء والفساد ، والداعيات إلى قتل العفة لدى العباد .
أما تطمعين في مغفرة الرب الغفور ، إذاً اعملي لحياة القبور ، ويوم البعث والنشور ، ذلك اليوم الذي يشيب فيه المولود ولا يعرف فيه أحد أحداً ، تحتاجين إلى حسنة فلا تعطين فاتقي الله يا من تؤمنين بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد عليه الصلاة والسلام نبياً ورسولاً .
ثم عليك أيتها الأخت الكريمة أن تصاحبي الخيرات والطيبات من الصديقات والجارات والصالحات ، والزمي كتاب الله تعالى ففيه النور المبين الذي تمشين به في هذه الحياة الدنيا حتى تكوني على بينة وبصيرة بأمور دينك ودنياك . وأسأل الله سبحانه أن يثبتنا وإياك على صراطه المستقيم إنه سميع مجيب .
وهمسة أخرى :
أهمسها في أذنك أنت ، نعم أنت أيها الزاني فاتق الله في نفسك ، ارحم ضعفك من نار تلظى ، أعدها الله لمن أذنب وزنى ، فجسدك على النار لا يقوى ، فويل لك من عذاب لا تموت فيه ولا تحيى ، فالبدار البدار بالتوبة والتقوى ، والفرار إلى عالم الجهر والنجوى ، صاحب الجزاء الأوفى ، الله العلي الأعلى .
أيها الزاني ! اتق الله في أعراض المسلمين ، فوالله كما تدين تدان ، والجزاء من جنس العمل . يا من بليت نفسك بالزنا ! هل ترضى الزنا لأمك أو لابنتك أو لأختك أو لعمتك أو لخالتك أو لقريبتك ؟ لا أظنك إلا ستقول : لا ! إذاً كيف ترضاه لنساء المسلمين ؟ فكما أنك لا ترضاه لأهلك ، فكذلك كل إنسان لا يرضاه لأهله ، فكُفَ عن هذا الفعل المشين ، والعمل الخسيس القبيح قبل أن يداهمك هادم اللذات والشهوات ، ومفرق الجماعات والزناة ، ثم حين ذاك لا تنفع الحسرات والآهات ، ولا الصرخات والويلات . فيا من ظلمت نفسك وغيرك من المسلمين بالزنا والفعل المشين ، يقول ربك تعالى : { يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار } ( غافر52 ) ، أين أنت يا مسكين عندما يُنادى المؤمنون المتقون إلى جنات النعيم ، ثم تساق أنت ومن على شاكلتك إلى الجحيم والحميم ، فرحماك يا عليم يا حليم .
تب إلى الله قابل التائبين ، والعافي عن المذنبين ، أنسيت الموت وسكرته والقبر وظلمته والصراط وزلته والحساب وشدته ، أنسيت قول الله تعالى : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون } ( النور 30 ) . أنسيت قول الله تعالى لك ولغيرك : { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً } ( الإسراء 32 ) ، أنسيت قول الله تعالى : { النار يعرضون عليها غدواً وعشياً } ( غافر 46 ) . إذا نسيت أنت ، فربك لاينسى : { وما كان ربك نسياً } ( مريم 64 ) وقال تبارك وتعالى : { في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى } ( طه 52 )
يا قاطعاً سبل الرجال وهاتكاً *** سبل المودة عشت غير مكرم
من يزني في قوم بألفي درهم *** في أهلـه يزنى بغير الدراهم
إن الزنا دين إذا استقرضـته *** كان الوفاء من أهل بيتك فاعلم
لو كنت حراً من سلالة مسلم *** ما كـنت هاتكاً لحـرمة مسلم
وسيتبع هذا الموضوع ، الموضوع الآخر ، وهو فاحشة اللواط بإذن الله تعالى .
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .