
01.03.2012, 11:18
|
|
______________
|
|
الملف الشخصي
التسجيـــــل: |
08.05.2010 |
الجــــنـــــس: |
ذكر |
الــديــــانــة: |
الإسلام |
المشاركات: |
3.061 [ عرض ] |
آخــــر نــشــاط |
22.03.2021
(13:42) |
تم شكره 303 مرة في 228 مشاركة
|
|
|
|
|
17 - العدل
ويقول الشيخ الشعراوى رحمه الله فى فضيلة العدل
كل انسان منا لو أدى ما في ذمته من حق للغير لما وجد التشاحن، ولما وجدت الخصومة، لذلك لا توجد في مثل تلك الحالة ضرورة للمحاكم ومجالس فض النزاعات، ولكن الحق الذي خلق الخلق، يعلم أن الانسان من الأغيار. لذا فمنهم من يغفل عن هذه القضية، قضية أداء الحقوق فينشأ عنها الفساد في الأرض، لذلك قضى الحق سبحانه وتعالى بشيء آخر اسمه العدل فلو أن الانسان قد أدى حقوق الغير كاملة لما احتجنا الى المحاكم، لأنه لا يوجد خلاف أصلا.
لكن الحق سبحانه وتعالى وهو أعلم بمن خلق، ومن علمه أن خلقه سيطغى بعضهم على بعض، لذلك أوجد العدل للقصاص ممن يبغي على غيره، واعطاء كل ذي حق حقه قال تعالى:{ واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} النساء 58.
والحق لم يقل اذا ائتمنتم فأدوا.. ولكنه سبحانه وتعالى قال:{ ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الى أهلها} النساء 58.
فاذا حدثت الغفلة عن أداء الأمانة فالذي ينصر أداء الأمانة خلال الغفلة هو العدل؛ فما هو العدل؟
اننا نعرف الأمانة وهو أن تؤدي حقا أو متعلق حق في ذمتك للغير، ولكن العدل غير ذلك فهو تأدية للغير، وذلك يكون عن طريق الحكم، وهنا لا يكون هناك شيء متعلق للغير بذمتك ولكنه بشيء مكتوب أو مشهود عليه. **
مطلوبات الأمانة..
ومطلوبات العدل
كما أن أداء الأمانة عامة فلا بدّ أن تكون آية العدل عامة أيضا فقوله سبحانه وتعالى:{ واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} لا تخص هذه الآية الحاكم وحده ولكنها تخص كل واحد من البشر المكلفين، فلو كنت محكما من طرف قوم، ورضي الناس بك حكما بينهم في خصومة ما فعليك أن تحكم بالعدل، وقد تكون لا ولاية لك على هؤلاء الناس، ولكن أصحاب المظلمة أو المشكلة حكموك فيها فعليك أن تحكم بين الناس بالعدل.
اذن فلا بد أن تتمثل بمنهج الله تعالى:{واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} وذلك يكون في أي أمر من الأمور حتى ولو كان الأمر يتعلق بحق من حقوق التكريم والموهبة، وليس من الضروري أن يكون الحكم بالعدل في الأمور المادية،
فها هو ذا الامام علي رضي الله عنه يرى غلامين يحتكمان الى ابنه الحسن ليحكم بينهما في أمر هو: أي الخطين أجمل من الآخر، خط الأول أم خط الثاني؟ وهذا أمر قد ينظر الناس اليه على أنه أمر لا قيمة له، فما الذي يستفيده واحد منهما باعلان تفوقه على الآخر في كتابة الخط، لكن الامام عليا رضي الله عنه رأى في المسألة أمرا مهما، لأنها شغلت الطفلين، وصار كل واحد منهما يطلب معرفة ما يميزه عن الآخر في كتابة الخط فقال الامام علي لابنه الحسن رضي الله تعلى عنه: يا بني انظر كيف تقضي في هذا الحكم، والله تعالى سائلك عنه يوم القيامة.
وفي العصر الحديث نرى أنه قد وضع قواعد محكمة للحكام الذين يقفون قضاة حتى ولو في المباريات الرياضية المختلفة سواء كرة القدم أو الملاكمة أو غيرها فلكل لعبة قوانين يترتب عليها قياس المهارات المختلفة بين البشر، وما دام الواحد منا قبل أن يكون قاضيا حتى ولو كان في اللعب فعليه أن يعرف كيف يحكم بالعدل، ولذلك نرى نحن غضب المتفرجين اذا تغاضى الحكم عن ضربة جزاء لصالح فرقة من الفرق، ونتعجب عندما نرى أن المجتمع يصمت عند حدوث خلل في الأمور الجادة في الحياة، ففي اللعب نتمسك بقوانين الجد، ولكن نحن تركنا الجد بعد أن جردناه من قانون خالقه جل وعلا، فلو اعتنينا بالجد كاعتنائنا باللعب لصارت أمورنا الى خير عميم.
اذن فالعدل هو حق في ذمة الغير للغير، ونحن أمناء عليه وعلينا أن نتحرى الصواب قدر الاستطاعة لقول الله تعالى:{ ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الى اهلها واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل، ان الله نعمّا يعظكم به، ان الله كان سميعا بصيرا} النساء 58.
وقوله تعالى:{ نعمّا} هي أنه لا يوجد أفضل من هذه العظة فهي نعمة تستقيم بها حركة الحياة، وهي نعمة أداء الأمانة والحكم بالعدل بين الناس، فاذا أدى الناس الأمانة فلا نزاع، ولا خلاف، واذا قاموا بالحكم وظهر أنه خلاف للعدل، فالعدل ينهيه، واذا كان المجتمع عدل يحرس حقوق الناس عند الناس فلن يجرؤ ظالم على الظلم.
فالدقة في العدل تورث ميزة الأمانة ان غفل الناس عنها، فالذي يغري الناس بالظلم هو أن بعض الأحكام الدنيوية لا تأتي بالعدل، فيقال: ان فلانا كان له سابقة وفعل مثلها ولم ينتبه أحد، وبذلك يتم الاغراء بالظلم، لكن لو أننا في كل صغيرة وكبيرة وجدنا الحكم يردع الظالم ويرد الحق لصاحبه لانتشر العدل والأمانة، فذلك قول الحق سبحانه وتعالى:{ ان الله نعمّا يعظكم به} وقد سميت هذه المسألة عظة، والوعظ هو ترقيق القلب للميل الى الحكم، لأن الله في أمره ونهيه لا حاجة له في أن يفعل الناس أو لا يفعلوا ولكنها مصلحة البشر مع البشر.
ومعلوم أن أحسن ألوان الأمر ما لا يعود على الآمر بفائدة، لأن في عودة الفائدة على الآمر قد يشكك في الأمر، وقد يوجد انسان يأمر ولا يكون لأمره منفعة لنفسه ولكنه لا يكون واسع العلم، ولا واسع الحكمة، لكن الحق سبحانه وتعالى ليس له مصلحة في الأمر، وهو سبحانه واسع العلم والحكمة، لذلك فالعظة منه هي العظة العظمى وهو سبحانه لا ينتفع بأمره.
ان قوله:{ ان الله نعمّا يعظكم به} أي: من نعم ما يعظكم به الله هو أن تؤدي الأمانات الى أهلها وأن تحكموا بين الناس بالعدل.
وهنا نجد ملحظا في الأداء البياني في القرآن الكريم فقول الحق:{ أن تؤدوا} هو أمر للجماعة، وهذا يعني أن كل واحد من الجماعة المسلمة مطالب بأن يؤدي هذا الحكم أولا، وليس الأمر متوقفا عند ذلك الحد ولكن المهمة تتعدى الى الآخرين، فالمهمة لا تقتصر على حفظ حقوق الجماعة المؤمنة فقط ولكن الجماعة المؤمنة مكلفة بأن تصون الحقوق بين الناس جميعا مؤمنهم وكافرهم فالحق سبحانه قال:{ واذا حكمتم بين الناس} فهذا يقتضي حماية حتى لمن لا يؤمن بدين الاسلام, ولا توجد حماية لمن لا يؤمن بدين الاسلام أكثر من هذا، وأنه سبحانه يريد منا أن نؤدي الأمانة الى كل الناس سواء كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين.
ان كلمة {الناس} في أمر الحق سبحانه وتعالى تدل على عدالة الأمر من الله تعالى وهو رب الناس، كل الناس مؤمنهم وكافرهم، فما دام الله هو الذي استدعى الانسان الى الدنيا ومنهم المؤمن والكافر فلا أحد يخرج عن نطاق الربوبية لله، انه سبحانه وتعالى تكفل برزق الجميع، ولذلك أمر الله الكون أن يعطي من أخذ بالأسباب أن يصل الى الغاية بالمسببات سواء كان مؤمنا أم كان كافرا، انه عطاء الربوبية.
الله سبحانه وتعالى لم يسخر الكون للمؤمن فقط وانما سخره للمؤمن والكافر، ولذلك طلب الحق منا أن نعدل بين المؤمن والكافر ولذلك تكون الأمانة فيه مطلوبة للمؤمن والكافر، وهي مطلوبة للبار والفاجر، كذلك صلة الرحم مطلوبة للبار والفاجر وذلك يدل على سعة رحمة الدين، ولذلك يترك الحق سبحانه وتعالى بعض الأقضية لتنشأ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأتي أشياء لتبين لنا بالتطبيق أن هناك فرقا بين أن يكون الأمر نظريا، ولكنه سبحانه يريد الأمر مطبقا عمليا.
والله سبحانه وتعالى خلق الخلق جميعا ويعرف عواطفهم، وأن هذه العواطف عند المؤمنين في بعض الأحيان قد تحابي المؤمن على حساب غيره، لذلك يشاء الله سبحانه وتعالى أن يجعل في تاريخ محمد صلى الله عليه وسلم أشياء تحدث معه هو ثم ينزل الله التشريع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون الرسول صلى الله عليه وسلم أول المكلفين به ليدلنا على أن التشريع في المسألة الانسانية العامة تشريع لا يخص المؤمنين فقط ولكن المؤمنين والكافرين ويكون ذلك اما دافعا لهم على الدخول في هذا الدين، واما حسرة في نفوسهم لما يروا ما يتمتع به المسلمون من سمو ايماني وعدالة وانتصار للحق، ولكن لو ظلم المسلمون، لقال الكافرون ان المسلمين ظلمونا ولوجدوا في ذلك مبررا للكفر.
وتروي كتب الحديث والتفسير قصة طعمة بن أبيريق الذي سرق درعا من زيد بن رفاعة عم قتادة بن النعمان وكلاهما مسلم والدرع كما نعرف هو اللباس الذي يحمي من طعنة العدو، ووضع طعمة الدرع المسروق في جوال كان به دقيق، وغفل طعمة عن وجود بعض آثار الدقيق بين أنسجة الجوال فلما حمل طعمة الدرع في الجوال تناثر الدقيق، وترك علامات في الطريق وهو يسير من بيت النعمان الى بيته، وعندما وصل طعمة الى بيته جاءه هاجس هو أن الناس قد تنتبه الى وجود الدرع عنده فذهب بالدرع داخل الجوال الى بيت يهودي هو زيد السمين فترك الدرع عنده، فلما فطن قتادة بن النعان الى ضياع الدرع خرج معلنا سرقة الدرع، وسار هو وبعض أصحابه ليتتبعوا الأثر فوجدوه يقودهم الى بيت طعمة بن أبيرق فقال طعمة: أنا لم أسرق.
وتتبعوا الأثر ثانية فوجدوا الدرع عند زيد السمين اليهودي، ولما رفع الأمر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان طعمة بن أبيرق من قبيلة بني ظفر، وجاء أعوان القبيلة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا للرسول تفاصيلها وقالوا: لو أنصفنا زيد بن السمين فانه ستتم مؤاخذة طعمة بن ابيريق، وهذه سبة لنا وللمسلمين وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامهم وهو أحرص الناس على ألا توجد سبة للمسلمين، ولا أن يوجد بينهم لص، وسكت صلى الله عليه وسلم حتى يأتيه الوحي من ربه في هذه القضية واذا بالأمين جبريل ينزل بقوله تعالى:{ انّا أنزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله، ولا تكن للخائنين خصيما واستغفر الله، ان الله كان غفورا رحيما ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم، ان الله لا يحب من كان خوّانا أثيما} النساء 105ـ107.
اذن فالحق سبحانه أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم أن صاحب الحق أولى ولو كان غير مسلم، وقال له: استغفر الله ان كان جال بخاطرك أن ترفع رأس مسلم خان على يهودي لم يخن.
ان استحياء بني ظفر من فضيحة طعمة بن أبيريق بين الناس لا يجب أن يلهيهم عن الفضيحة الأكبر وهي الفضيحة عند الله تعالى فلا براءة لطعمة عند الله اذ يقول الحق سبحانه:{ ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة} النساء 109.
اذن فقول الحق سبحانه وتعالى:{ واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} النساء 58، هذا القول يقتضي أن يكون الحكم والأمانة أمرا شائعا بين كل الناس فلا يخص المؤمنين فقط ولكن يخص المؤمنين والكافرين طالما ارتضوا أن يعيشوا في دولة الاسلام.
ولذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقضي بين الناس أن يسوي بين الخصمين فلا ينظر لواحد دون الآخر أي: لا يكرم واحدا دون الآخر، وذلك حتى يشعر الطرفان بالمساواة أمام القاضي فلا ينظر القاضي الى طرف بحنان وعطف، وينظر الى الآخر بجفاء، ان النظرة يجب أن تكون متساوية، ولذا نجد الامام عليا رضي الله تعالى عنه قد ردّ القاضي لأنه قال له: يا أبا الحسن! فقال علي رضي الله عنه:أنت لا تصلح لأن تقضي بيني وبين خصمي لأنك كنّيتني دون أن تكنّيه، فالتكنية دليل المودة والتعظيم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقول للقاضي:" سوّ بينهم في لحظك ولفظك" وذلك حتى يعرف القاضي أن فوقه الها بصيرا بالعباد.
|