لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ:
هذه الآية تشير أن للإنسان شأنًا عند الله، ووزنًا في نظام هذا الوجود، وتتجلى هذه العناية في خلقه وتركيبه على هذا النحو الفائق, سواء في تكوينه الجسماني البالغ الدقة والتعقيد أو في تكوينه العقلي الفريد، أو في تكوينه الروحي العجيب.
وحين تتولى اليد الكريمة الإلهية هذه الصفة فأي جمال تكون عليه ؟
وأي بهاء تلبسه ؟ وأي صورة تكون عليها ؟ لقد كانت صورتك أيها الإنسان بهية كل البهاء وحسنة كل الحسن،
وكانت وما زالت
جميلة أيما جمال أي صورة هذه التي جعلت وجه الإنسان بهذا القبول الآسر ؟
وهذا الاتساق الباهر ؟
فالعينان مثلاً معجزة الجمال في الشكل والحجم واللون وحتى المكان أكان مقبولاً لو وضعت مكان الأنف أو الفم فهبطتا، أو مكان الجبهة أو الناصية فصعدتا, أو تدحرجتا يمنة أو يسرة.. أو تلاصقتا أو تباعدتا, أو خلق الله لك واحدة ؟ أو لم يجعل لهما حاجبين.. أو غارتا أو برزتا, أكنت مقبولاً آنئذ أم كنت خلقًا آخر؟
إنه المكان الوحيد المناسب، وإنها الهيئة الفريدة التي لا بديل لها، وقس على ذلك بقية الحواس,
ثم تأمل هذا الوجه وما حفل به من تناسق محكم واتساق بديع وتأمل معي قوله تعالى: {وَصَوَّرَكُـمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُـمْ} [غافر: 64] فكانت هذه الصورة السوية التي اختارها الله قد صنعها بيده وركبها بقدرته فكانت
جميلة فاتنة،
والله قصد الجمال والحسن في كل شيء خلقه وخاصة صورة الإنسان يقول تعالى: {
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} [السجدة: 7].
لقد خرجت صورة الإنسان في أحسن تقويم، وهذا اللفظ معجز والمعنى عميق،
فكانت الصورة في أحسن وأجمل هيئة، فليس بعد هذه الصورة الجميلة جمال،
وليس بعد هذا الشكل المبدع إبداع لقد كانت الصورة في أحسن تقويم فلا تقدر قوى البشر جميعًا على تغييرها،
فإن حاولت كما تحاول الآن بعمليات التجميل فتقوم بتصغير هذا العضو أو تكبير ذاك الآخر،
فإن الصورة مهما بدت متناسقة ستكون ممسوخة باهتة, وستفقد تقويمها الأول,
وحينها سيذهب الجمال, هذا الجمال لا تدرك كنهه أحيانًا،
ولا نقدر معرفة أسراره أحايين أخرى.
جمال مزيف:
تنظر الفتاة الآن بعين مبهورة للفتاة المعروضة على الشاشة، على أنها رمز الجمال والأناقة والرشاقة وهذه هي الجميلة حقًا..
ونسيت المخدوعة المسكينة أن هذا الجمال المشاهد هو جمال مزيف مغشوش جمال تجاري مصنوع؛
فالفتاة التي تظهر على الشاشة عارضة أزياء أو ممثلة أو عارضة لمنتج تظل ساعات طويلة أمام المرآة قد تصل إلى 12 ساعة لتبدو بهذا الشكل,
وماذا يفيد هذا الشكل الجميل الممسوخ إن لم يكن لجمال الروح وجمال الخلق والدين وجود ؟! يقول الشاعر:
جمال الوجه مع قبح النفوس *** كقنديل على قبر المجوس
ونحن لسنا ضد الجمال الشكلي, فجمال الشكل مرغوب كما ذكره لنا الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف عند اختيار الزوجة: 'تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها, فاظفر بذات الدين تربت يداك'. متفق عليه.
ولكن أن نجعل جمال الشكل يأخذ كل اهتمامنا وننسى جمال النفس والروح والخلق والدين فهذا هو المرفوض يقول الشاعر:
ليس الجمال بأثواب تزيننا *** إن الجمال جمال العلم والأدب