اهلية التلاميذ
ونتساءل هل كان كل هؤلاء التلاميذ على مستوى تلك المسئولية من قوة الفهم وثبات الإيمان والإخلاص لمعلمهم وتعاليمه؟
إن الأناجيل تروى لنا أن السيد المسيح كان دائم التوبيخ لهؤلاء التلاميذ لسوء فهمهم وقلة إدراكهم وضعف إيمانهم وتشككهم الدائم فيه ، رغم أنهم أقرب الناس إليه. ]تأملات في الأناجيل والعقيدة – الدكتور بهاء النحال من ص4 الى ص 9 [.
يقول إنجيل مرقس: "فقال لهم المسيح أفأنتم أيضا هكذا غير فاهمين"
صح7: 18 فى إصحاح آخر (فقال لهم كيف لا تفهمون)
صح 8 : 21 وفى إصحاح ثالث "لأنهم لم يفهموا إذ كانت قلوبهم غليظة" صح 6 : 52
كذلك يخبرنا إنجيل متي أن المسيح قال لتلاميذه "أحتى الآن لا تفهمون" صح 16 : 8 وفى إصحاح آخر "فقال يسوع هل أنتم ايضا حتى الآن غير فاهمين" صح 15 : 16 كما يخبرنا انجيل لوقا ما يؤكد ما سبق "وأما هم فلم يفهموا من ذلك شيئا" لوقا 18 : 34.
وعندما تكلم عن ايليا النبي[12] فهم التلاميذ خطأ أن يوحنا المعمدان[13] هو ايليا وقد عاد ثانية إلى الأرض "حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان" متي 17 : 11 على الرغم أن يوحنا المعمدان أعلنها صريحة فى بداية رسالته (لست المسيح ولا إيليا ولا النبي) انجيل يوحنا : 2.
كذلك كان سوء فهمهم لملكوت السموات الذي كان يبشر بقدومه السيد المسيح ، فرغم بلوغ دعوة المسيح ختامها فقد أدرك التلاميذ خطأ أن المسيح سيأتي بملكوت أرضي وبدولة بني اسرائيل وقد أملوا فى أن يبوأوا عروشا فى هذا الملكوت القادم[اهداف المسيح وتلاميذه – هرمان رايماروس] ونتج عن هذا التوبيخ المستمر لتلاميذه خوف هؤلاء التلاميذ من سؤال السيد المسيح واستيضاح ما لم يدركوه بعقولهم "وأما هم فلم يفهموا القول وخافوا أن يسألوه" مرقس 9 : 32 وقد بلغ هذا التوبيخ الذروة فى قول المسيح "ألا تشعرون بعد ولا تفهمون ، أحتي الآن قلوبكم غليظة ، ألكم أعين ولا تبصرون ولكم آذان ولا تسمعون ولا تذكرون" مرقس 8 : 17.
أما عن إيمان هؤلاء التلاميذ فدعنا نستعرض أقوال المسيح عن ذلك ، يقول إنجيل متي (ثم تقدم التلاميذ إلى يسوع على انفراد وقالوا لماذا لم نقدر نحن أن نخرجه – شيطان فى جسد غلام – فال لهم يسوع لعدم إيمانكم) 17 : 19.
وفى مناسبة أخرى "فقال لهم ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان" متي 16 : 8 ووبخ المسيح تلاميذه قائلا "أيها الجيل غير المؤمن الملتوى ، إلى متى أكون معكم ، إلى متى احتملكم" متى 17 : 14 وكذلك (كيف لا إيمان لكم) مرقس صح 4 : 40 كما أن المسيح انتهر بطرس أحد هؤلاء التلاميذ قائلا له (اذهب عني يا شيطان لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس) مرقس 8: 33.
ووبخه قائلا (يا قليل الإيمان لماذا شككت) متى 14: 31 وتذكر الأناجيل أن هذا البطرس قد تنكر لمعلمه السيد المسيح وأنكر معرفته ثلاث مرات. (فتفرست فيه وقالت وهذا كان معه فأنكره قائلا لست أعرفه يا امرأة) لوقا 22 : 56-57 وفى الليلة التي أراد فيها اليهود القاء القبض على المسيح وكان الحزن والاكتئاب والخوف يسيطرون عليه ، لم يشاركه التلاميذ أحزانه ولم يخففوا من حالته النفسية ، بل تركوه وحيدا يصلي داعيا الله أن يعبر به تلك الأزمة وينقذه من أيدي أعدائه ، وراحوا هم فى سبات عميق (ثم جاء إلي التلاميذ فوجدهم نياما فقال لبطرس أهكذا ما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة) متى 26 : 40 ورغم هذا التنبيه والتوبيخ لم يعروه التفاتا واستمروا فى نومهم (ثم جاء فوجدهم أيضا نياما) متى 26 : 43.
وعندما أقبل اليهود والجنود الرومانيون للإمساك بالمسيح (حينئذ تركه التلاميذ كلهم وهربوا) متى 46 : 56 حتى أن أحد التلاميذ عندما أمسكه الجنود من ردائه تركه لهم وهرب عاريا (فتركه الجميع وهربوا وتبعه شاب لابسا ازارا على عريه فأمسكه الشبان فترك الإزار وهرب منهم عريانا) مرقس 14 : 50.
هكذا تخلى التلاميذ عن معلمهم وفروا مذعورين كل يحاول النجاة بنفسه فصدق فيهم قوله:
(لماذا تفكرون فى أنفسكم يا قليلى الإيمان) متى 16 : 8.
وبالطبع لا أحد ينسى خيانة يهوذا الأسخريوطي أحد هؤلاء التلاميذ للمسيح مقابل القليل من الفضة (حينئذ ذهب واحد من الاثني عشر الذي يدعى يهوذا الاسخريوطي الى رؤساء الكهنة وقال ماذا تريدون أن تعطوني وأنا أسلمه إليكم: فجعلوا له ثلاثين من الفضة) متى 26 : 14 – 15.
إذا كان تلاميذ المسيح الاثني عشر هم حاملي التراث أو الإنجيل الشفهي ، فهكذا كان فهمهم وهكذا كان إيمانهم.
ننتقل إلى عامل آخر من العوامل التي أثرت على هذا التراث الشفهي سلبيا ألا وهو اضظهاد التلاميذ ومطاردتهم من قبل اليهود والرومان.فلا ريب ان تعرض التلاميذ والمسيحيين الأوائل الى السجن والتعذيب قد اثر على الذاكرة كما وكيفا.ان الاعتماد على الذاكرة وحدها لمدة 32عاما على الأقل فى حفظ الإنجيل الشفهي بالإضافة الى سوء فهم التلاميذ و ضعف إيمانهم والاضطهاد وعدم الاستقرار وتدخل وجهات النظر المختلفة لكتاب الاناجيل كل دلك تضافر ليؤدى الى وجود متناقضات فى نصوص الاناجيل وامور غير معقولة ودعاوى معاكسة لامور تم التحقق منها.ويؤكد وجود المتناقضات القمص ميخائيل مينا وينسب اليها تعدد المداهب المسيحيه. ]تأملات في الأناجيل والعقيدة – الدكتور بهاء النحال [.
يقول الدكتور حسين كفافى : كانت اساليب اضطهاد اليهود للمسيحين تتمثل فى ثلاثة اساليب :
اولا : الاسلوب المباشر بالتعذيب والانتقام .
ثانيا : اسلوب الوشاية لدى السلطات الرومانية لخلق الوقيعة بينهم وبين المسيحين .
ثالثا : اسلوب الخداع لتحريف الفكر السليم .
وتمثلت فى محاولات دؤوبة لتحريف الاناجيل وخلق المذاهب المغرضة العديدة حتى تضرب من الداخل بعضها البعض بالنزاع والتشاجر بين اتباعها حيث اخذ اليهود يشككون فى اقوال الرسل ويؤكدون على نقاط الاختلاف فى اقوال الدعاة والتلاميذ والحواريون وتعميقها لخلق عوامل الفرقة وتاكيد عوامل الخلاف فتحدث عرقلة للدعوة والكرازة العالمية مثلما حدث فى صدر الاسلام عندما وضعوا بذور التشيح مما ادى الى خروج العديد من النحل والمذاهب التى تخرج عن الاسلام بدرجات متفاوته مثل البهائية والقاديانية والعلوية والاثنى عشرية وايضا مذاهب جديدة لتكفير المسلمين وبعد ذلك استطاع اليهود ان يزيدوا الفرقة المسيحية بخلق مذاهب غريبة مثل شهود يهوه والسبتين .. والماسونية والالحاد . ]المسيحية والاسلام فى مصر – الدكتور حسين كفافى ص 26 , 37 , 38 مكتبة الاسرة [
ومما هو جدير بالذكر أن المسيحيين فى القرن الأول الميلادي تداولوا عشرات النسخ من الأناجيل ثم اعتمد آباء الكنيسة أربع نسخ منها فقط وذلك فى مجمع هيبو عهام 393م وفى مجمع قرطاجنة عام 397م وتم استبعاد ورفض أى أناجيل أخرى ، ويتساءل فولتير[قصة الحضارة - ول ديورانت] فى مقال بعنوان المتناقضات: من خول الكنيسة سلطة الحكم بأن أربعة فقط من الخمسين إنجيلا التي دونت فى القرن الأول هى وحدها – أى الأربعة المعتمدة – موحي بها من عند الله؟
(من الأناجيل المستبعدة: إنجيل بطرس – إنجيل اندراوس – إنجيل فيلبس – إنجيل برتولماوس – إنجيل توما – إنجيل يعقوب – إنجيل ماتياس – إنجيل المصريين –– إنجيل برنابا – انجيل العبريين – انجيل نيقوديموس – انجيل الطفولة[combridge Encyclopedia page 511 [.. . إلخ.
ملحوظة:
ذكرنا هنا أن السيد المسيح قد عاش ثلاثة وثلاثين عاما وهذا العمر طبقا لما جاء فى إنجيل يوحنا ، ولكن إجماع متى ومرقس على أن دعوة المسيح استغرقت عاما فقط يؤدي إلى أن عمر المسيح كان واحد وثلاثين عاما[Encyclopedia judaica vol 6 page 10].
يتبع بعون الله تعالى