بسم الله الرحمن الرحيم
المسيحية في عصر المجامع
(آباء مجمع نقية 325 وما بعدها)
هذه هي مرحلة نُضُوج المسيحية
و وُصُولها إلى العقيدة التي نعرفها في أيّامنا الحالية !
مرحلة تحرير الـمُصطلحات اللّاهوتيَّة
مرحلة شرح العقائد و وَضْع قوانين الإيمان !
مرحلة رفع المسيح عليه السلام إلى مرتبة مُساوية لخالق السموات والأرض
مرحلة إضافة إله ثالث بجانب الآب والابن ليصبحوا ثلاثة جنباً إلى جنب !
مرحلة وصول صِراعات الطَّوائف المسيحية إلى أعلى درجة !
إلى درجة المجامِع المسكونيَّة, وتدخُّل الإمبراطور الرُّماني لحلّ النِّزاعات
هذه المرحلة هي: عصر المجامع !
 |
اقتباس |
 |
|
|
|
|
على هامش الموضوع
أنصح بقراءة الكُتُب الآتية:
القُمُّص كيرلس الأنطوني: عصر المجامع, مكتبة المحبَّة
يوسابيوس القيصري: تاريخ الكنيسة, مكتبة المحبة
أندرو ميلر: مُختصر تاريخ الكنيسة, مكتبة الإخوة
الدكتور القس حنا جرجس الخضري: تاريخ الفكر المسيحي, دار الثقافة
للمزيد من المراجع المسيحية الـمُفيدة انظر الرابط الآتي:
مراجع مسيحية تحتوي على معلومات مُفيدة للرد على المسيحيين
|
|
|
 |
|
 |
|
يضع القُمُّص كيرلس الأنطوني شُرُوطاً مُحدَّدة
يجب توافرها في المجمع حتى نستطيع اعتباره مسكونيًّا !
1. أن تنعقد بسبب بدعة أو انشقاق.
2. أن تنعقد بدعوة من الإمبراطور المسيحي.
3. أن يحضرها غالبيَّة أساقفة الكنيسة - شرقاً وغرباً - لتتمثل فيها المسكونة.
4. تُقرِّر شيئاً جديداً لم يكن مُقرَّراً من قبل.
القُمُّص كيرلس الأنطوني:
عصر المجامع, مكتبة المحبَّة - صـ24.
أُنظر إلى الشَّرط الأخير مرة أخرى !
تُقرِّر شيئاً جديداً لم يكن مُقرَّراً من قبل
هل نستطيع أن نقول إذاً إنه عندما خرجت مجمع نقية 325م
بنتيجة: المسيح عليه السلام من نفس جوهر الله الآب
لذلك فهو مُساوٍ له في العظمة والقدرة والقوة والسلطان والعلم ... إلخ
هل كان هذا القرار شيئاً جديداً لم يكُن مُقرَّراً من قبل ؟!
قبل أن ندخل إلى مثل هذه الاستنتاجات المهولة
يجب علينا أن نُسلِّط قليلاً من الضوء على ...
بعد المُصطلحات المُهِمَّة في شرح العقائد المسيحيَّة
التثليث لم يكن موجوداً في عهد المسيح عليه السلام
ألوهية المسيح عليه السلام والتَّجسُّد لم يكونا موجودان أيضاً من البداية
كانت الألوهية الحقيقية محصورة فقط في الآب, بحسب يوحنا 17 / 3
ولكن عندما تطوَّرت العقائد المسيحية
وأصبح هُناك أكثر من مَعبود يحمل ألوهية حقيقيَّة ويستحقّ العِبادة
وجب على المسيحيين شرح هذه المعاني باستخدام ألفاظ خاصة
هذه الألفاظ استخدمها آباء عصر المجامع وقاموا بتوضيح معانيها في كتاباتهم
هذه الـمُصطلحات هي:
فُوسِيس (φυσις) طَبِيعَة
المسيحيون يقولون
إن المسيح عليه السلام له طبيعة إلهيَّة وطبيعة إنسانيَّة
ماذا تعني كلمة "طبيعة" في العبارة السّابِقة ؟
كلمة "طبيعة" تعني مجموعة الصِّفات التي يتصف بها كائن ما
فإذا كُنّا نتكلم عن إنسان
فإن الإنسان يحتاج إلى الطَّعام والشَّراب
والإنسان صاحب علم محدود يسبقه جهل
والإنسان ليس أزليًّا, فإنَّه يموت في النِّهاية
جميع هذه الصِّفات تُسمَّى "الطَّبيعة الإنسانيَّة"
وإذا كُنّا نتكلم عن الله عزَّ وجل
فإن الله عزَّ وجل هو الصَّمَد الذي لا يحتاج لشيء وكل شيء تحتاج إليه
وهو سُبحانه وتعالى صاحب العلم والكمال الـمُطلق
حيٌّ قيُّوم لا تأخذه سِنَة ولا نوم, له ما في السموات وما في الأرض
جميع هذه الصِّفات وغيرها تُسمَّى "الطَّبِيعة الإلهيَّة"
وكما نرى
فإن "
الطَّبيعة الإلهيَّة" تتناقض تماماً مع "
الطَّبيعة الإنسانيَّة"
فـ "
الطَّبيعة الإلهيَّة" كمال و "
الطَّبيعة الإنسانيَّة" فقر وحاجة وعَوَز
و "
الطَّبيعة الإلهيَّة" علم مُطلق و "
الطَّبيعة الإنسانيَّة" جهل
و "
الطَّبيعة الإلهيَّة" قُدرة مُطلقة و "
الطَّبيعة الإنسانيَّة" عجز وضعف
إلى آخر هذه الـمُقارنة التي لا تنتهي
لذلك يستحيل عقلاً أن تجتمع هذه النَّواقض معاً !
أُوسِيا (ουσια) جَوهَر
فلنفرض أن عندي تمثال من صلصال
هذا الصلصال كـ "مادَّة" لها خصائص وصفات
إذا قُمتُ بصناعة أي شيء من هذا الصِّلصال
فإن هذا الشيء سيكتسب جميع خصائص وصفات هذا الصِّلصال
وهذا هو الجوهر !
لابد أن نفهم أن هذه الألفاظ كلها يونانيَّة
وهذه الألفاظ تُستخدم في وصف الله عزَّ وجل عند المسيحين
عند الوثنيين وعند المسيحيين أيضاً لا يوجد معبود واحد فقط !
بل هُناك المئات عند الوثنيين وهُناك ثلاثة عند المسيحيين !
لماذا يُعبد هذا المعبود ؟!
يُعبد لأنَّه إله ! أو بكلمات أخرى يُعبد لألوهيَّته
فالألوهيَّة أصبحت "مادَّة" أو "جَوهَر" هذا الكائن
وبسببها يكون بالفعل إلهاً مُستحقاً للعبادة !
وبسببها تكون له جميع خصائص وصفات الألوهيَّة ! أي: الطَّبيعة الإلهيَّة !
تأمَّل قول الله عز وجل
لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ
[المائدة : 73]
أي لا يوجد من "جنس" الألوهية أو من "جوهر" الألوهية إلا واحد
قال الله عزَّ وجل هذا الكلام الـمُحكَم البَيِّن من أجل المسيحيين
فإنَّهم يقولون أن هُناك ثلاثة من "جنس" أو "جوهر" الألوهية
ذلك يعبدون الثلاثة جنباً إلى جنب !
هُوبُوسْتاسِيس (υποστασις) أُقْنُوم
إذن, "الطَّبيعة" تأتي من "الجوهر"
فإذا قُمتُ بتحديد كائن ما له "طبيعة" و "جوهر" ما
فإن هذا الكائن الـمُحدَّد يُدعى "أُقنُوم", أي: ذات مُحدَّدة بعينها
اقرأ كلام كيرلس الإسكندري, أحد آباء عصر المجامع
نحن الذين ننتسب للبشرية, نحن نرتبط أولاً ببعض ارتباطاً وثيقاً, وذلك برباط طبيعتنا الواحدة وفي نفس الوقت مرتبطون ومتحدون بطريقة أخرى, فكل منا له أقنومه الخاص, فالواحد بطرس والآخر يوحنا, وواحد توما والآخر متى, وقد صرنا أعضاءً في جسد المسيح, نتغذى على نفس الجسد, ومختومين في الوحدة بالروح القدس.
كيرلس الإسكندري:
حوار حول الثالوث, الجزء الأول, الحوار الأول,
المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, نصوص آبائية 127, طبعة ثانية مُنقحة - صـ57, 58.
إذن, عندما نقول "بشريَّة" فهذا تصنيف عام يُبِّر عن الطَّبيعة
ولكن عندما أقول "بطرس" أو "يوحنا" فإني أقوم بتحديد "أُقنُوم" بعينه
هذا "الأُقنُوم" سواء كان بطرس أو يوحنا من "الطَّبيعة البشريَّة"
تأمَّل أيضاً المزيد من الشَّرح
نحن نُعرِّف الإنسان بأنه حيّ وناطق وفاني, وهذا هو المفهوم المناسب له, ونحن نقول إن هذا يُعبِّر عن جوهره. وهذا التعريف ينطبق على كل الأفراد فرداً فرداً, وهنا يجد توما ومرقس وبطرس وبولس مكانهم الصحيح حسب اعتقادي, وهكذا نحدد الجوهر لا نحدد بعد ماهية الأشخاص الذين نتكلَّم عنهم بشكل دقيق. فحينما نقول "إنسان" بشكل عام فهو ليس بطرس ولا بولس, وحينما نقول توما وبطرس فنحن نخرج من حدود ما نسميه بالجوهر الواحد, وهذا لا يُقلِّل من كل منهم "كإنسان", فقد أظهرناه موجوداً بأقنومه الخاص. إذن, الجوهر هو لكل إنسان دليل على النوع, أما الأقنوم فهو يُطلق على كل واحد في ذاته, دون أن ننسى أنه يُشير أيضاً إلى شركة الجوهر ولكن دون أن نخلط بين العام والخاص.
كيرلس الإسكندري:
حوار حول الثالوث, الجزء الأول, الحوار الأول
المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, نصوص آبائية 127, طبعة ثانية مُنقحة - صـ59, 60.
أعتقد أن هذا الكلام لا يحتاج إلى شرح !
هُومُوأُوسِيوس (ομοουσιος) جَوهَر واحِد
لماذا يعبد المسيحيون هؤلاء الثلاثة: الآب والابن والرُّوح القُدُس
لأن هؤلاء الثلاثة "هُومُوأُوسِيوس" أي من "جَوهَر واحد"
وهو "جَوهَر الألوهيَّة", فكل من كان من "جَوهَر الألوهيَّة" استحقّ أن يُعبَد !
المسيحيون يقولون إن "الآب" هو الأصل أو المصدر
وُلِد منه "الابن" ولادةً حقيقيًّة بكَيفيَّة غير معلومة
ولكن بسبب ولادة "الابن" من "الآب"
أخذ "الابن" من "أبيه" أو وَرِث منه "طبيعته وجوهره الإلهيّ" !
فـ "الابن" إلهٌ حقٌ (للدلالة على الجنس أو الجوهر)
من إلهٍ حقٍ (للدلالة على الجنس أو الجوهر) ألا وهو "الآب"
لهذا يستحقّ "الابن" العبادة كما يستحق "الآب" العبادة !
وكما كان يُطلق على "الآب" لفظ الجلالة "الله" (الله الآب) !
أصبح يُطلق على "الابن" أيضاً لفظ الجلالة "الله" (الله الابن) !
والمسيحيون يقولون أيضاً إن "الرُّوح القُدُس" مُنبثق أو خارج من "الآب"
وبسبب أنه مُنبثق من "الآب" أخذ منه "طبيعته وجوهره الإلهيّ"
وبسبب أن "الرُّوح القُدُس" من "جَوهَر الألوهيَّة" المأخوذ من "الآب"
استحقّ "الرُّوح القُدُس" العبادة كما يستحقَّهما "الآب" و "الابن" !
وكما كان يُطلق على "الآب" لفظ الجلالة "الله" (الله الآب) !
أصبح يُطلق على "الرُّوح القُدُس" أيضاً لفظ الجلالة "الله" (الله الرُّوح القُدُس) !
لذلك أصبح هناك ثلاثة يُعبدون بسبب أنهم
"هُومُوأُوسِيوس" أي من "جَوهَر واحد" ألا وهو "جَوهَر الألوهيَّة" !
ويُطلق على هؤلاء الثلاثة لفظ الجلالة "الله"
لذلك قال الله عز وجل في كتابه الكريم:
لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ
[المائدة : 73]
أي: إن "الله" أي واحد من هؤلاء الثلاثة
فهؤلاء الثلاثة يُعبدون ويُطلق عليهم لفظ الجلالة "الله"
برُوسُّوبُون (προσωπον) الحُلَّة أو المَظْهَر الخارِجِيّ
هل هؤلاء الثلاثة: الآب والابن والرُّوح القُدُس
نُسخة واحدة من بعضها البعض ؟
بمعنى: ألا نستطيع التَّفريق بينهم ؟ بالطبع نستطيع !
كيف نستطيع: عن طريق الـ "برُوسُّوبُون" الخاص بكل "أُقنُوم"
فـ "أُقنُوم الابن" ليس نُسخة طبق الأصل من "أُقنُوم الآب"
و "أُقنُوم الرُّوح القُدُس" ليس نُسخة طبق الأصل من "أُقنُوم الآب"
ولكن لكل "أُقنُوم" من هذه الأقانيم الثلاثة حُلَّته أو مظهره الخاص !
سارْكُوثِينْتا (σαρκωθέντα) تجسَّد
لماذا يُعبد المسيح عليه السلام الذي عاش على الأرض ؟
من أين جاءت عقيدة "ألوهيَّة المسيح" عليه السلام ؟
جاءت عن طريق "التَّجسُّد" !
"التَّجسُّد" ليس ظهوراً أو تجليًّا
وإنَّما هو اتِّحادٌ "الألوهيَّة" بالـ "الإنسانيَّة"
كيف هذا ؟!
"أُقنُوم الابن" مولود من "أُقنُوم الآب"
و "أُقنُوم الرُّوح القُدُس" مُنبث من "أُقنُوم الآب"
إذن, أصبح لدينا ثلاثة أقانيم إلهيَّة !
هذه الأقانيم الثلاثة ليس فيهم من "الطَّبيعة الإنسانيَّة" البتَّة !
فجميعهم أقانيم "إلهيَّة" خالصة, ليس فيهم إلا "جَوهَر الألوهيَّة" !
أُقنُوم واحد من هذه الأقانيم الثلاثة
نزل من السَّماء وأصبح إنساناً وعاش بين النّاس على الأرض !
هذا الأُقنُوم هو "أُقنُوم الابن" (الله الابن)
عن طريق "التَّجسُّد" اكتسب هذا الأُقنُوم الإلهيّ: الابن
خصائص وصفات "الطَّبيعة الإنسانيَّة"
عن طريق اتِّحاد "الجَوهَر الإلهيّ" (الله الابن)
بـ "الجَوهَر الإنسانيّ" (جسد المسيح عليه السلام المخلوق) !
فأصبح لدينا الله (الابن) الـمُتجسِّد !
والذي بسبب تجسُّده اكتسب خصائص وصفات الإنسان
بالإضافة إلى ألوهيَّته التي جاءت من ولادته من الآب !
بهذه العقيدة, المسيحيون يقولون صراحة
{إِنَّ اللّهَ} (الابن) نزل من السَّماء وأصبح {هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} عليه السلام
الذي عاش على الأرض واكل وشرب ... إلخ
والله عز وجل يقول في كتابه الكريم:
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ
[المائدة : 72 و 73]
لماذا تُعتبر هذه العقيدة كُفر ؟!
لأن الاتِّحاد بين "الألوهيَّة" و "الإنسانيَّة" مُستحيل تماماً
إنانْثرُوبِيسانْتا (ἐνανθρωπήσαντα) تأنَّس
بعد الاتِّحاد بين "الألوهيَّة" و "الإنسانيَّة" بحسب العقيدة المسيحية
هذا الكيان الـمُكوَّن من "الألوهيَّة" و "الإنسانيَّة" أصبح إنساناً
وهذا ما يُسمَّى عند المسيحيين بـ "التّأنُّس"
فبعد أن "تجسَّد" الله (الابن), أي: اتَّحد بـ "جَوهَر الإنسانيَّة"
"تأنَّس", أي: أصبح إنساناً مثلنا تماماً في الهيئة والشكل
مع البقاء على جميع صفات وخصائص "طبيعته الإلهيَّة"
فأصبح الله (الابن)
بعد "التَّجسُّد" و "التّانُّس"
هو المسيح ابن مريم عليه السلام !
والآن, وقبل أن نأتي إلى ما حدث في مجمع نقية 325م
يجب علينا أن نُسلِّط قليلاً من الضوء على ...
عقائد الفِّرَق المسيحيَّة الـمُختلفة
مُنذ فجر المسيحية وهُناك فرق مسيحية كثيرة جداً ومُختلفة
هذه الفرق المسيحية كانت تختلف لاختلاف مُعتقدها في المسيح عليه السلام
بمعنى
هُناك فرق كانت تؤمن بأن ..
1. المسيح عليه السلام إنسان فقط (الإبيونِيّون)
2. أو أن المسيح عليه السلام إنسان وإله في الوقت نفسه (أتباع أثناسيوس الرسولي)
3. أو أن المسيح عليه السلام إله أو روح فقط (بعض الغُنُوصِيّين والدُّويستِيَّة)
وكانت هُناك اختلافات بين الفرق المسيحي بخصوص
الإله الـمُستحق للعبادة, هل هو واحد أم أكثر ... إلخ
فهُناك فرق كانت تؤمن بـ ..
1. إله واحد فقط وهو إله العهد القديم ونفي الألوهية عن أي كائن آخر (الإبيونِيّون)
2. إله للخير وإله للشر يُصارِعان ويُحارِبان بعضهما البعض (ماركيون, الدُّويستِيَّة)
3. إله كبير عظيم وكائنات إلهية كثيرة جداً لا تُعَد ولا تُحصى (فرق غُنُوصِيَّة)
والآن, بعد أن شرحنا القليل عن العقائد المسيحية الرئيسيَّة الـمُختلفة
يجب علينا أن نُسلِّط قليلاً من الضوء على ...
الظُّرُوف التي أدَّت إلى مجمع نقية 325م
كانت هُناك صراعات ضخمة جداً بين طرفين
الطَّرَف الأول: آريوس وأتباعه
آريوس كان من أصل ليبيّ, وُلِدَ عام 270م
درس الكثير من العلوم والمعارف ثم التحق بمدرسة الإسكندرية اللاهوتية
تنحصر تعاليمه في إنكار ألوهيَّة المسيح عليه السلام وادعائه أنه مخلوق
وكان يقول بأن "الابن" و "الآب" ليسا من "جَوهر واحد"
بل الابن مخلوق والآب هو الخالق !
الطَّرَف الثاني: أثناسيوس وأتباعه
أثناسيوس الإسكندري, وُلِد عام 287م من أبوين وثنيَّين !
مات والده وهو ما زال صغيراً, فقامته أمُّه الوثنيَّة بتربيته !
أثناسيوس عارَض تعاليم آريوس
وقال إن "الابن" ليس مخلوقاً, بل هو مولود من "الآب"
وقال إن "الآب" و "الابن" من "جَوهَر واحد"
من الواضح جداً أن أتباع آريوس كانوا الأغلبية
كان الأمر يبدوا وكأن العالم كله ضدّ أثناسيوس وكان هو ضدّ العالم !
هذان الطَّرفان كانا يتصارعان دائماً
حتى كاد الأمر يصل إلى فوضى عارمة وفتنة
حينئذ أمر الإمبراطور الرُّوماني الوثني "قُسطنطين"
بإقامة مجمع عالمي لفض هذه النِّزاعات وتوحيد صفوف الإمبراطوريَّة
الدِّيانة الرَّسميَّة للإمبراطوريَّة الرُّمانيَّة
الأحداث التي جَرَت في مجمع نقية 325م يُحيطها بعض الغُمُوض !
فالجلسة الأولى للمجمع لم تصل إلى نتيجة ما !
في نهاية المجمع تم وضع الجزء الأول من قانون الإيمان المسيحي الذي يقول:
نؤمن بإله واحد, الله الآب, ضابط الكل, خالق السماء والأرض, ما يرى و ما لا يرى. نؤمن برب واحد يسوع المسيح, ابن الله الوحيد, المولود من الآب قبل كل الدهور, نور من نور, إلهٌ حق من إلهٍ حق, مولود غير مخلوق, واحد مع للآب في الجوهر, الذى به كان كل شيء. هذا الذي من أجلنا نحن البشر, ومن أجل خلاصنا, نزل من السماء وتجسَّد من الروح القدس ومن مريم العذراء. تأنَّس وصُلِب عنّا على عهد بيلاطس البنطي. تألم وقُبِرَ وقام من بين الأموات في اليوم الثالث كما في الكتب, وصعد إلى السموات, وجلس عن يمين أبيه, وأيضاً يأتي في مجده ليدين الأحياء والأموات, الذي ليس لملكه انقضاء.
يقول القُمُّص كيرلس الأنطوني:
ولقد وقَّع على قانون الإيمان هذا أكثر من 300 أسقف, ولما امتنع أريوس وأنصاره عن التَّوقيع حرمهم المجمع. كما قرر نفي آريوس وحرق كتبه.
القُمُّص كيرلس الأنطوني:
عصر المجامع, مكتبة المحبَّة - صـ108.
لاحظ عدم ذكر أعداد الـمُخالفين لهذا القانون !
وبداية اضطهاد الـمُخالفين لعقيدة أثناسيوس !
وهكذا انتشرت عقيدة أثناسيوس بعد أن كان هو ضدّ العالم !
بعثة النَّبي محمد صلى الله عليه وسلم
بعد مجمع نقية 325م والمجامع المسكونيَّة الأخرى
ساد الكفرُ العالم بأسره, ولم يبقَ على الإيمان الصحيح إلا القليل
فكل من كان يُخالف الدِّيانة الرسميَّة للإمبراطوريَّة الرُّومانيَّة كان يُحارب
ودخل الوثنيون في دين الكفر أفواجاً
وكما جاء في الحديث المذكور في صحيح مسلم 7386
«
إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلاَّ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ »
بقايا من الفرق المسيحية التي كانت مُتمسِّكة بالحق الذي معها !
فجاء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى العالم الذي ساده الكفر والظَّلام
جاء نوراً إلى العالم, يهدي به اللهُ أولئك الذين كانوا جالسين في الظُّلمة !
قال الله عزَّ وجل في كتابه الكريم:
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
[الآيات: 15 و 16 من سورة المائدة]
بهذا أكون قد أنهيت حديثي عن
تاريخ المسيحية
آسف جداً على الإطالة
شاكر جداً لاستضافتكم الكريمة
أراكم مرة أخرى قريباً عندما نتحدَّث عن
نقد العهد الجديد
... الحمد لله الذي بنعمته تتم الصّالحات ...