السادس عشر : التمييز بين الصادق من الكاذب فيم دون دعوى النبوة فكيف بدعوى النبوة ؟!
لاشك أن التميز بين الصادق من الكاذب له طرق كثيرة في غير دعوى النبوة ، فكيف بدعوى النبوة التي هي أشرف العلوم وأشرف الأعمال ، لذلك استدلّ النجاشي ملك الحبشة على صحة نبوة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآمن به بعد أن سألهم عما يخبر به، واستقرأهم القرآن فقرؤوه عليه ، فقال : " إِنَّ هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ ".
ان سيرته صلى الله عليه وسلم هي من أعظم الدلائل على صدقه ، فمن يقرأها متجرداً عن الهوى سيعرف أنها ليست سيرة كاهن ولا شاعر ولا كذاب ولا مجنون ولا سيرة ملك من طلاب الدنيا.
كان عليه الصلاة والسلام أبعد ما يكون عن سيرة الملوك وعيشة الملوك وحياة الملوك، كان يعيش على البساطة والتواضع وحينما دخل عليه رجل فارتعد هيبة له صلى الله عليه وسلم فقال له عليه الصلاة والسلام : " هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ ".
ما كان ملكاً، كان يأكل ما تيسر له ويلبس ما تيسر له وقالت زوجه عائشة : " إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلالِ ثُمَّ الْهِلالِ ثَلاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَارٌ. فقال لها ابن أختها عروة : يَا خَالَةُ مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ قَالَتْ الأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ ".
وقال أصحابه : " مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلُهُ ثَلاثًا تِبَاعًا مِنْ خُبْزِ الْبُرِّ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا ".
تقول عائشة : " كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَنَامُ عَلَيْهِ أَدَمًا - جلد - حَشْوُهُ لِيفٌ ".
ودخل عليه ذات مرة عمر بن الخطاب وهو على حصير قد أثر في جنبه الشريف فقال له عمر : يا نبي الله لو اتخذت فراشاً أَوْثَرَ من هذا فقال صلى الله عليه وسلم : " مَا لِي وَلِلدُّنْيَا مَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا إِلا كَرَاكِبٍ سَارَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا."
نعم - أخي القارىء - الدنيا ليست دار مقر وإنما هي دار مفر، الارتحال عنها ضروري وسريع وقريب.
توقيع د/مسلمة |
اللهم اغفر لنا
|