الكفار والمشركين
يقول الدكتور "عبد الودود مقبول حنيف" فى كتابه "مصدر القرآن الكريم" : "الأسلوب الأدبي للقرآن الكريم أسلوب رفيع عال يفوق أي أسلوبٍ من الأساليب العربية الأخرى، سواءٌ أكانت قصيدةً أم نثراً مسجوعاً أم غير مسجوع، أو شعراً، فلغة النبي صلى الله عليه وسلم تدل على رصانةِ ألفاظه وقوة فصاحتِه وبلاغته، فقد أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم، وهو ما بدا واضحاً في سنته عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك كله لا يمكن أن يصل لمستوى القرآنِ الكريم فهو معجزٌ، عجزت الإنس والجن عن أن يأتوا بمثله ولن يستطيع أحدٌ الإتيانَ بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيراً، بعكس الحديث النبوي فإن أعجز عامة الناس الإتيان بالأسلوب البشري فلا يعجز بعض خاصتهم الإتيان بأسطرٍ منه، وبالمقارنة بين القرآنِ والسنة يتضحُ الفرق بين الأسلوب الإلهي الذي يدل على روعة النظمِ القرآني وبين الأسلوب البشري"، قال ابن عطية : ((لو نُزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب في أن يوجدَ أحسن منها لم يوجد))( تفسير ابن عطية 1/52.) وقال الزرقاني في البيان والتوضيح بين الأسلوبين: ((حتى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلم، وأشرقت نفسه بنور النبوة والوحي، وصِيغَ على أكمل ما خلق الله، فإنه مع تحليقه في سماءِ البيان وسُمُوِّه على كل إنسان لا يزالُ هناك بَونٌ بينه وبين القرآن)) "مناهل العرفان 2/ 298"
و"إسلام لبيد بن ربيعة وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما المعروفين بالفصاحة والبيان ما هو إلا شاهد ودليلٌ واضحٌ على الأسلوب البلاغي الراقي الذي انفرد به القرآنُ الكريم عن غيره من الأساليب، فقد كانت هناك قصيدةٌ شعرية للبيد تُعَدُّ من أعظم ما قيل من الروائع في عهد محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يجرؤ أحدٌ من الشعراء على منافستها حتى علقت بجانبها بعض آياتٍ من القرآنِ الكريم، فأسلم لبيد في الحال وقال قولته: ((إن كلاماً كهذا ليس من قول البشر، وإنه لا شك وحيٌ إلهي)) (انظر الاستشراق والقرآن العظيم د. محمد خليفة ص 52)
و"عمر بن الخطاب كان فصيحاً لا نظير له، وكان يعادي الإسلام والقرآن حتى وجد عند أخته صحيفةً بها بعض القرآن فطلبها فامتنعت فقرأها، فلما تمكن من قراءتها ملأت الآيات القليلة قلبه إعجاباً ورهبة، ومنذ تلك اللحظة أصبح عمر بن الخطاب واحداً من رموز قادة الإسلام "(انظر الاستشراق والقرآن العظيم د. محمد خليفة ص 53)
ومن قبل كانت شهادة الوليد بن المغيرة كافية فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن الوليد بن المغيرة (الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم أبو عبد شمس، من قضاة العرب في الجاهلية ومن زعماء قريش ومن زنادقتها توفي سنة 1 ه، الكامل 2/26، الأعلام 8/122.) جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن فكأنه رق له فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال له: يا عم، إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً، قال: لِمَ ؟ قال: ليعطوكه، فإنك أتيت محمداً لتتعرض لما قبله، قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالاً، قال: فقل فيه قولاً يبلغ من قومك أنك منكر له وكاره، قال: وماذا أقول؟ فوالله ما فيكم رجل ألم بالشعر مني، لا برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، ووالله إن لقوله الذي يقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته، قال: والله ما يرضى قومك حتى تقول فيه، قال: فدعني حتى أفكر، فلما فكر قال: هذا سحر يؤثر، يأثره عن غيره، فنَزلت : " ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُّ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً * سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ "
(الايات من سورة المدثر
والحديث أخرجه الحاكم، كتاب التفسير، باب تفسير سورة المدثر 2/506، وقال عقبه: هذا حديثٌ صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجاه.)