هذا المقال ومؤلفه شيئان استثنائيان…فالمقال دراسة استقرائية أمينة، في غالبها، لقضية طالما أقضت مضاجع المنظمات الكنسية التبشيرية وجعلت رؤوسهمتدور من هولها ونفوسهم تكاد تزهق كمدا من جرائها: وأعني بها قضية انتقالالمسيحيين إلى الإسلام. وكاتب الدراسة ، «يوري فاليريفيتش مكسيموف»، شخصية بارزة في الكنيسة الروسية الأرثوذكسية: فهو من ناحية عالم لاهوتي أرثوذكسي، وأستاذ في أكاديمية موسكو الدينية، وهو من ناحية عضو في مجموعة عمل تابعة لمجلس السنودس لشئون التخطيط للحوار بين الأديان التابع للكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وله مشارك وحضور في عدد من المؤتمرات العالمية، كما له العديد من الدراسات والكتب التي تتناول المسيحية وعلاقتها بالإسلام ومؤلفات أخرى لاهوتية بعضها ترجم إلى لغات أوروبية عديدة.
نحن إذن أمام شخصية لها حجمها، ألقيت على كاهلها مسئولية البحث عن أسباب هجرة المسيحيين عن المسيحية، لا في أوروبا فحسب، بل وفي العالم أجمع. والرجل كما ذكرنا من قبل، يتسم بالأمانة النسبية في هذه الدراسة. وسبب قولنا بنسبية أمانته هو أنه لما يأتي إلى ذكر الأسباب هذا التحول من دينه لدين آخر كما استقرأها من حالات ثابتة، ينقل الأسباب بكل أمانة، لكن عند تعليقه يحاول التخفيف من وقعها على القارئ المسيحي عموما، والأرثوذكسي خصوصا. فتراه يزعم أن هذه الشكوى إنما تصدق على المذهب الكاثوليكي والبروتسانتي فحسب، أما كنيسته الأرثوذكسية، فتخلو ممارساتها من هذا العيب أو ذاك مما يجده المسلم الجديد سببا للطعن في المسيحية وحجة ينتقل بها إلى الإسلام . وهو يحاول بشتى السبل التقليل من شأن النجاح الكبير للإسلام، ولا أقول للدعوة الإسلامية، في اجتذاب الناس إليه، فنراه يحاول كثيرا التأثير على القارئ عن طريق نقل إحصائيات استقاها من مصادر شخصية أثناء حوارات مع مسئوليين كنسيين في ميدان النشاط التبشيري من أناس لا سبيل أمام القارئ من التأكد من صحة ما يذكرونه من إحصائيات عن عدد المتحولين من الإسلام إلى المسيحية. فهو يزعم أن الإسلام، نعم، يجتذب مسيحيين إليه، لكن عدد المسلمين الذين ينتقلون للمسيحية أضخم بكثير، فإذا حاولت أن تسأل عن المصدر لهذه المعلومة، وجدت إحالات إلى حوارات شخصية بينه وبين فلان المسئول في منظمة كذا التبشيرية أو علان المسئول في منظمة كذا…
وهو أحيانا يذكر السبب الذي يجعل الناس ينتقلون للإسلام، ثم يحاول الرد عليهم، وغالبا ،كما سيرى القارئ، تكون الردود من باب إثبات الوجود فحسب، فلا تجد ردا شافيا، بل ردود باردة لا حياة فيها ولا تشتمل على فكرة، بل مزاعم تحتاج إلى دليل.