۩ نفحــــــة يوم الجمعة ۩
الشيخ / على القرنى
هاهوعمر بن عبد العزيز -عليه رحمات رب جليل- يعود يومًا بعد صلاة العشاء إلى داره وهو خليفة المسلمين، مقدرات الأمة بين يديه- يلمح بناته الصغار، فيسلم عليهن كعادته ، وكنّ يسارعن إلى تقبيله ، لكنهن هَرَبْنَ هذه المرة ، وهنَّ يغطين أفواههن ، فقال لزوجه : ما شأنهن ؟ قالت: لم يكن لديهن ما يتعشين به سوى عدس وبصل ، فكرهن أن تشم من أفواههن رائحة البصل ، فبكى وأجهش بالبكاء وهو يئن تحت وطأة المسؤولية ، ميزانية الأمَّة تحت يديه، يقول: يا بنياتي أينفعكن أن تتعشين أطيب الطعام والشراب ؟ ، وتكتسين أجمل الثياب من مال الأمة ، ثم يُأمر بأبيكن إلى النار ؟ قلن: لا ، لا ، ثم اندفعن يبكين .
فلا والله لا تسمع في البيت إلا الحنين والأنين . لما حلَّت به سكرات الموت –عليه رحمة الله- دخل عليه [مسلمة] وقال : لقد تركت أبناءك فقراء جوعى فأوصِ بهم إلىَّ أو إلى أحد من أهل بيتك ، وكان مُضَّجعًا قال: أسندوني ، ثم صرخ ، والله ما منعت أبنائي حقًا لهم ، والله لن أعطيهم ما ليس لهم ، أما أن أوصي بهم إليك أو إلى غيرك فلا ، إن وصيَّ وولِيَّ فيهم الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ، إن بنىَّ أحد رجلين ؛ إما رجل يتقي الله فسيجعل الله له مخرجًا ، ويرزقه من حيث لا يحتسب ، وإما رجل مكبٌّ على المعاصي فوالله لم أكن لأقويه على معصية الله ، ثم طلب جميع أولاده وهم بضعة عشر فاجتمعوا ، فنظر إليهم ، ثم ذرفت عيناه دموعًا حرَّى ، وقال: أفديكم بنفسي أيها الفتية الذين تركتهم فقراء لا شيء لهم .
يا بني إن أباكم خُيِّر بين أن تستغنوا ويدخل النار، أو تفتقروا ويدخل الجنة ، فكان أن تفتقروا ويدخل الجنة أحب إليه من أن تستغنوا ويدخل النار، إن وليَّي فيكم الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ، ثم تلا قوله تعالي:
( تِلْكَ الدَّارُ الآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا للذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوا فِي الأرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ )
عباد الله كلنا في امتحان ، فبين راسب وناجح ، والمادة هي لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، بين عامل بمقتضاها قائم بأركانها وشروطها وواجباتها ، قالها موقنا محبًا منقادًا مستسلمًا ، صدَّقها قلبه ، وعملت جوارحه بها ، فهو الناجح ، وأي نجاح ! . وآخر قالها بلسانه وما صدقها بالعمل ، فهو الراسب المنافق . وآخر لم ينطقها ، فإلى جهنم وبئس القرار .
لا يأس يسكننا فإن كبر الأسى
وبغي فإن يقين قلبي أكبر
في منهج الرحمن أمن مخاوفي
وإليه في ليل الشدائد نجأر
أستودعكم الله الذى لا تضيع ودائعه ... إلى أن نلتقى فى الجمعة القادمة إن قدر الله ذلك
( شذى الإسلام )