منتديات كلمة سواء الدعوية للحوار الإسلامي المسيحي

منتديات كلمة سواء الدعوية للحوار الإسلامي المسيحي (https://www.kalemasawaa.com/vb/index.php)
-   الرد على الإلحاد و الأديان الوثنية (https://www.kalemasawaa.com/vb/forumdisplay.php?f=109)
-   -   قضية الشر فى العالم (https://www.kalemasawaa.com/vb/showthread.php?t=24433)

ابن النعمان 05.09.2014 11:16

قضية الشر فى العالم
 
قضية الشر فى العالم

ينكر البعض المكاره والمصائب التى تصيب الناس فيقال :

ان كان للعالم خلاق رؤوف رحيم فلم تحدث فيه هذه الامور المكروهة ؟

والقائل بهذا القول يذهب الى انه ينبغي ان يكون عيش الإنسان فى هذه الدنيا صافيها من كل كدر , ولو كان هذا هكذا لقد كان الإنسان سيخرج من الشر والعتو الى ما لا يصلح له معه دين ولا دنيا كالذى ترى كثيرا من الأمراء والمترفين , ومن نشأ فى الجدة والأمن يمرحون حتى ان احدهم ينسى انه بشر مربوب , وان ضيرا يمسه او مكروها ينزل به , وانه عليه ان يرحم ضعيفا او يواسى فقيرا , او يرثى لمبتلى او يتعطف على مكروب , فإذا عضته المكاره , ووجد مضضها اتعظ وأبصر كثيرا مما قد كان غافلا عنه , ورجع الى كثير مما قد كان غافلا عنه ..

والمنكرون لهذه الأمور المؤذية بمنزلة الصبيان الذين يذمون الأدوية المرة البشعة , ويتسخطون المنع من الأطعمة الضارة , ويتكرهون الأدب والعمل , ويحبون ان يفرغوا للهو والبطالة ويباحوا كل مطعم ومشرب , ولا يعرفون ما تؤديهم اليه البطالة وما تعقبهم الاطعمة الضارة من الأدواء والأسقام , وما لهم فى الأدب من الصلاح وفى الأدوية البشعة من المنفعة , وان شاب ذلك بعض الكراهة .

فان قالوا :

لم لم يكم الإنسان معصوما حتى لا يحتاج إلى تلديغه بهذه المكاره , نقول إذا كان لا يكون محمودا على حسنة يأتيها غير مستح للثواب عليها , فان قالوا وما يضر ان يكون محمودا على الحسنات مستحقا للثواب بعد ان صار الى غاية النعيم واللذة , قلنا اعرضوا على امرىء صحيح العقل والجسم ان يجلس منعما , ويكفى كل ما يحتاجه بلا سعى واستحقاق ثم انظروا هل تقبل نفسه ذلك لا بل ستجدونه بالقليل مما يناله بالسعي والحركة اشد سرورا واغتباطا منه بالكثير مما بلا استحقاق , وكذلك نعيم الآخرة إنما يكون لأهله بأن ينالوه بالسعي والاستحقاق .

فان قالوا :
او ليس من الناس من يركن الى ما نال من خير دون استحقاق فما الحجة فى منع ذلك من رضي ان ينال نعيم الآخرة على هذه الجهة ؟

قلنا :

لو فتح للناس هذا الباب لخرجوا إلى غاية الكلب والضراوة على الفواحش , وانتهاك المحارم ..

فمن كان يكف نفسه عن فاحشة او يتحمل مشقة فى باب من ابواب الخير وهو واثق انه انه صائر الى النعيم لا محالة ؟

ومن كان يأمن على نفسه واهله وماله لو امن الناس الحساب والعقاب ؟

مما لا شك فيه ان ضرر هذا الباب سينال الناس فى الدنيا قبل الاخرة , ثم كان يستوى الابرار والفجار فى الدنيا والاخرة فيكون فى ذلك تعطيلا للعدل والحكمة معا , وموضعا للطعن على التدبير بخلاف الصواب ووضع الامور فى غير مواضعها .
يتبع بعون الله

ابن النعمان 05.09.2014 14:09

(2)
وقد يتعلق هؤلاء بالآفات التى تصيب الناس البر والفاجر أيضا ويبتلى البر ويسلم الفاجر فيقلون :
كيف يجوز هذا في تدبير الحكيم وما الحجة فى ذلك ؟
نقول :
إن الآفات , وان كانت تنال الصالح والطالح جميعا بلا تمييز فان لله تعالى يجعل فى ذلك صلاحا للصنفين كليهما ..
أما الصالحون فلان هذا يذكرهم بنعم الله عليهم فيحدوهم ذلك على الشكر والصبر .
وأما الطالحون فانا هذا اذا نالهم كسر شرهم , ووزعهم عن المعاصي , وعن الفواحش ..
وكذلك يجعل لمن سلم من الصنفين صلاحا فى ذلك .
فأما الأبرار فإنهم يغتبطون بما هم عليه من البر والصلاح ..
وأما الفجار فإنهم يعرفون رحمة ربهم وتطوله عليهم بالسلامة من غير استحقاق فيحضهم ذلك على الرأفة بالناس والصفح عمن أساء إليهم ..

لعلك تقول : اترك الآفات التي تصيب الناس فى أموالهم , ارايت ما يبتلون به فى أبدانهم فيكون فيه تلفهم , كمثل الحريق , والسيل , والخسف ما الحجة فى ذلك ؟
نقول : ان الله تعالى يجعل في هذا صلاحا للصنفين جميعا ..
أما الأبرار فلما لهم من مفارقة هذه الدار والراحة من تكاليفها والنجاة من مكارهها .
وأما الفجار فلما لهم في ذلك من تمحيص أوزارهم وحسمهم من الازدياد منها .

وجملة القول ان الله تعالى يصرف الأمور كلها إلى الخير والمنفعة فكما انه اذا قلعت الريح شجرة , أو قصفت نخلة أخذها الصانع الرفيق فاستعملها الى ضروب المنافع كذلك يفعل المدبر الحكيم في الآفات التي تنزل بالناس في أبدانهم وأموالهم فيصرفها اجمع إلى الخير والمنفعة .
فان قلت :
ولما يحدث على الناس مثل هذه الأحداث ؟
قلنا : لكيلا يركنوا إلى طول السلامة فيغلو الفاجر فى الركون إلى المعاصي , ويفتر الصالح عن الاجتهاد في البر , فان هذين الأمرين جميعا يغلبان على الناس فى حالة الخفض والدعة , وهذه الحوادث التي تجرى عليهم تذعنهم , وتنبههم على ما فيه رشدهم , ولو خلوا منعا لغلوا فى الطغيان والمعصية كما غلوا فى أول الزمان حتى وجب عليهم البوار بالطوفان , وتطهير الأرض منهم .

ابن النعمان 01.10.2014 07:59


(3)

ومما ينقمه الجاحون للتدبير فى الموت والفناء ذهابهم الى انه ينبغى ان يكون الناس مخلدين فى هذه الدنيا من الافات , فقد ينبغى ان نسوق هذا القول الى غايته فننظر ما محصوله .
افرايت لو كان كل رجل يدخل الى العالم يبقى بلا موت , الم تكن الارض ستضيق بهم حتى تعوزهم المساكن والمزارع والمعايش ؟ فتنشب بينهم الحروب وتسفك الدماء , هذا الى ما كان سيغلب عليهم من الحرص والشره , وقساوة القلب , فانهم لو وثقوا بانهم لا يموتون لما قنع احد بشىء ناله ولا فرح بشىء سيناله ثم كانوا سيملون الحياة الى ان ينتهى بهم الامر الى تمنى الموت , والراحة من الدنيا .


فان قالوا :

انه كان ينبغى ان ترفع عنهم المضار والاوصاب حتى لا يتمنوا الموت فلا يتوقوا اليه فقد وصفنا ما كان هذا مخرجهم اليه من العتو والاشر الحامل لهم على ما فيه فساد الدين والدنيا .

فان قالوا :

انه كان ينبغى ان لا يتوالدوا , كى لا تضيق عليهم المساكم والمعايش ..

قلنا : اذا كان يحرم اكثر الخلق دخول العالم , والاستمتاع بنعم الله ومواهبه فى الدارين جميعا اذا لم يدخل العالم الا قرن واحد لا يتناسلون ولا يتوالدون .

فان قالوا :

كان يخلق فى ذلك القرن الواحد من الناس مثل ما خلق , ويخلق الى انقضاء العالم رجع الامر الى ما ذكرنا من ضيق المساكن , والمعاش عنهم , ثم لو كانوا لا يتوالدون ولا يتناسلون ذهب موضع الانسان بالقرابات , وذوى الارحام والانتصار بهم فى الشدائد , وموضع تربية الاولاد والسرور بهم ففى هذا دليل على ان ما تذهب اليه الاوهام سوى ما جرى به التدبير خطأ وسفال من الرأى والقول .

ابن النعمان 08.10.2014 10:20


(4)
ولعل طاعنا يطعن فى التدبير من جهة اخرى , فيقول :
كيف يكون ههنا تدبير ونحن نرى الناس فى هذه الدنيا من عزيز وضعيف فالقوى يظلم ويغصب والضعيف يظلم ويغتصب حقه , والصالح فقير مكبتلى , والفاسق معافى موسع عليه فمن ركب فاحشه , وانتهك محرما لم يعاجل بالعقوبة فلو كان فى هذا العالم تدبير لجرت الامور على القياس القائم وكان الصالح هو المرزوق , والطالح هو المحروم , وكان القوى يمنع من ظلم الضعيف , والمنتهك للمحارم يعاجل .
فنقول في جواب ذلك :
ان هذا لو كان هكذا لذهب موضع الاختبار والتجربة التى فضل بها الإنسان وحمل النفس على البر والعمل الصالح احتسابا للثواب وثقة بما وعد الله منه , ولصار الناس بمنزلة الدواب التي تساس بالعصا , والعلف ويلمع لها لكل واحد منها ساعة فساعة تستقيم على ذلك , وساعة تحيد , ولم يكن احد يعمل على يقين من بثواب او عقاب حتى كان يخرجهم من حد الإنسية إلى حد البهائم التي لا تعرف ما غاب , ولا تعمل الا على الحاضر , وكان يحدث منها أيضا ان يكون الصالح انما يعمل الصالحات للرزق والسعة فى هذه الدنيا , ويكن الممتنع عن الظلم والفواحش ,إنما يعفو عن ذلك لترقب عقوبة نازلة به فى حاله حتى تكون أفعال الناس كلها تجرى على الأمر الحاضر لا يشوبها شيء من اليقين بما عند الله , ولا تستحق ثواب الآخرة , والنعيم الدائم فيها مع ان هذه الأمور التى ذكرها الغنا والفقر , والعافية والبلاء ليست بجارية على أفعال القياس ابدا , بل تجرى احيانا على القياس , والأمر مفهوم فقد نرى كثيرا من الناس الصالحين يرزقون المال لضرب من التقدير ولكن لا يسبق الى قلوب الناس ان الفساق هم المرزقون , والابرار هم المحرمون فيؤثرون الفسق على الصلاح , ونرى كثيرا من الفساق يعاجلون بالعقوبة اذا تفاقم طغيانهم , وعظم ضررهم على الناس وعلى انفسهم كما عوجل فرعون بالغرق , وبنو اسرائيل بالتيه , وبختنصر بالقتل .
وان عجل بعض الاشرار بالعقوبة , واخر بعض الأخيار بالثواب الى الدار الآخرة لاسباب تخفى على العباد لم يكن هذا مما يبطل التدبير فان مثل هذا قد يكون من ملوك الارض ايضا فلا يبطل تدبيرهم بل يكون تأخيرهم ما اخروا وتعجيلهم ما عجلوا داخلا فى صواب الرأى والتدبير .


جميع الأوقات حسب التوقيت الدولي +2. الساعة الآن 08:42.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.