منتديات كلمة سواء الدعوية للحوار الإسلامي المسيحي

منتديات كلمة سواء الدعوية للحوار الإسلامي المسيحي (https://www.kalemasawaa.com/vb/index.php)
-   المخطوطات و الدراسات النقدية (https://www.kalemasawaa.com/vb/forumdisplay.php?f=74)
-   -   تبسيط كتاب "التحريف الأرثوذكسي للكتب المقدسة" - تحدي العالم والتر باور (https://www.kalemasawaa.com/vb/showthread.php?t=22248)

Farouq Ezzedin 15.10.2013 22:18

تبسيط كتاب "التحريف الأرثوذكسي للكتب المقدسة" - تحدي العالم والتر باور
 
تبسيط كتاب
التحريف الأرثوذكسي للكتب المقدسة
المبحث الثاني: تحدي العالم والتر باور ’Walter Bauer‘


كما سبق وذكرنا في المبحث السابق، فإن العلماء والباحثين كانوا متأثرين بالصورة التي رسمها آباء الكنيسة عن الجماعات المسيحية المبكرة، وكيف أنه كان هناك كنيسة رسولية واحدة، كانت ولازالت تحتفظ بالتعليم السليم لتلاميذ المسيح وتمثل غالبية المؤمنين، وكيف كانت تحارب المبتدعة والهراطقة الذين كانوا عبارة عن أناس مسيَّرين من طرف الشيطان، خرجوا من السراط السوّيّ متأثرين بالوثنية والفلسفة واليهودية.
ظل الباحثون يتبنون هذا التصور إلى حدود سنة 1934م، السنة التي نشر فيها العالم والتر باور كتابه عن الهرطقة والأرثوذكسية "Rechtgläubigkeit und Ketzerei im ältesten Christentum" والذي كان تحدي للصورة الكلاسيكية للأرثوذكسية والهرطقة، وهو أهم كتاب في بابه في عصرنا الحديث، يدلل فيه والتر باور على أن النظرة التقليدية للمسيحية في القرنين الثاني والثالث نظرة خاطئة تماماً، ويأكد على أن في هذه الفترة لم يكن هناك شكل واحد للأرثوذكسية رائج ومتوسع ويمثل الأغلبية، انبثق منه عدد من الهرطقات والبدع ذات الأقلية، لكن، الحقيقة أنه كان هناك جماعات تتبنى أفكار، وتتصارع في ما بينها لتثبت صحة أفكارها ومعتقداتها، ولم يكن لأي واحدة من هذه الجماعات تفوق عددي، بحيث تكون ذات غلبة على باقي الجماعات، فإنه كانت هناك مناطق يعتنق أصحابها مذهباً سوف يتم جعله هرطوقياً فيما بعد من طرف الجماعة الغالبة على أمرها، بصيغة أخرى، قد تجد مناطق معينه لم يكن فيها سوى الفكر الغنوصي، هذا الفكر الذي سوف يتم جعله هرطوقياً فيما بعد، كذلك هناك مناطق كان فيها مذهبين أو أكثر يعيشون مع بعضهم البعض، فقد تجد مثلاً مناطق عاش فيها غنوصيون مع من يسمون أنفسهم اليوم كنائس رسولية (أرثوذكس وكاثوليك)، وطبعاً بعد أن تغلبت هذه الجماعة (أرثوذكس وكاثوليك بعد الانشقاق) على باقي الجماعات واحتكرت لقب أرثوذكسية (قبل الانشقاق) اتهمت كل الجماعات التي كانت تنافسها على لقب الأرثوذكسية بالهرطقة.
لقد اعتمد والتر باور في اثبات نظريته هذه على هدم المفهوم التقليدي للأرثوذكسية والهرطقة، واعادة بناء مفهوم جديد قائم على صراع بين جماعات منتسبة للمسيحية تحاول كل واحدة منها جاهدة فرض فهمها للمسيحية، وقد ابتعد والتر باور عن اعطاء أي تقيم يمكن أن يفهم منه أن جماعة كانت قبل الأخرى أو جماعة عدد أعضائها أكبر من الأخرى أو جماعة على حق وأخرى على باطل.
لتأكيد نظريته، اختار والتر باور مناطق جغرافية معينة مثل: إيديسا، مصر، أنطاكية، آسيا الصغرى، مقدونيا، وروما، وقام بمراجعة المصادر التاريخية التي حَوَت معلومات حول المسيحية في هذه المناطق، فخرج باستنتاج مفاده، أن أقدم أشكال المسيحية وأكثرها رواجاً في هذه المناطق هي في الحقيقة أشكال مسيحية سوف يتم وَسمُهَا فيما بعد بأنها هرطوقية، بصيغة أخرى، أن سكان هذه المناطق من المسيحيين كانوا يعتنقون مذاهب هرطوقية، أو بشكل أصح، سوف يتم اعتبارها هرطوقية فيما بعد من طرف الجماعة المنتصرة (أرثوذكس وكاثوليك بعد الانشقاق)، وطبعاً كان هناك وجود لهذه الجماعة المنتصرة (أرثوذكس وكاثوليك بعد الانشقاق) في هذه المناطق لكن كانت أقلية !!
وقد اعترف والتر باور أن أغلبية الكتابات التي احتفظت بتاريخ الخلاف بين الجماعات المنتسبة للمسيحية، تصور الأحداث بشكل تقليدي، كما يصورها يوسابيوس القيصري، ويُرجِعُ والتر باور هذا الأمر، لكون المنتصر دائماً ما يكتب التاريخ، لهذا، فقد حافظ المنتصرون (الأرثوذكس والكاثوليك بعد الانشقاق) على كتابات أسلافهم ونشروها وأكدوا على كونها تمثل الرأي العام المسيحي منذ عهد الرسل، فأصبح ما كتبوه بأيديهم هو التاريخ الرسمي للمسيحية، ومن المأكد لو كانت جماعة أخرى هي التي انتصرت لكانت فعلت مثل فعلهم.
لكن، كيف لنموذج واحد للمسيحية أن يأثر على باقي النماذج الأخرى منذ القرون الأولى، وإلى اليوم؟! كيف استطاع فكر مسيحي واحد أن يهيمن على الساحة ويضع مفهومة المسيحية كلها في جيبه، منذ البداية وإلى اليوم؟ في رأي والتر باور، فإن ذلك عائد لكون هذا النموذج المسيحي وهذا الفكر المسيحي، هو الذي كان متبنى في كنيسة روما، هذه الكنيسة التي عرفت ببراعتها الإدارية وهيمنتها المادية على باقي الجماعات الأخرى، فحسب والتر باور فإن كنيسة روما قد قامت على نظام هرمي، مكَّن من هو في أعلى الهرم (الأسقف) من أن يفرض فكر واحد على بقية أعضاء الكنيسة، كذلك، استعملت الكنيسة الرومانية مواردها لتحرير العبيد وشراء السجناء، فكانت تستعين بمواردها المادية لتقويت موقفها ولتكثير عدد المنتسبين إليها، تماماً كما يحصل في بلادنا الإسلامية من استعمال الأموال في التنصير.
استنتاجات والتر باور لم تكن صائبة مئة في المئة، وقد تعرضت بعض استنتاجاته للنقد كما تعرض منهجه للنقد كذلك، فهو كان مهاجماً للمصادر الأرثوذكسية (أرثوذكس وكاثوليك بعد الانشقاق) متحمساً كثيراً لفكرته، وهذا جعله يبالغ في كلامه عن كنيسة روما ويستهين بمدى شيوع المذهب الأرثوذكسي (أرثوذكس وكاثوليك بعد الانشقاق) في حوض البحر الأبيض المتوسط، وكان اعتماده الأساسي على دليل السكوت !! فعدم وجود آثار واضحة للمذهب الأرثوذكسي (أرثوذكس وكاثوليك بعد الانشقاق) في مناطق معينة لا يعني أنها لم تكن موجودة في تلك المناطق أو أنها كانت أقلية !! كذلك فبإعادة التدقيق في المناطق التي درسها نجد أنه لم يكن صائباً تماماً في أحكامه واستنتاجاته، لكن، رغم الهفوات المنهجية التي قام بها والتر باور ورغم بعض الاستنتاجات الخاطئة التي توصَّل إليها في دراسته، فإن هذا لا يعني أن العلماء صرفوا أنظارهم عن هذه النظرة الجديدة لتاريخ المسيحية في القرنين الثاني والثالث، لكن على العكس تماماً، فإن الرأي العام (المشترك) الذي أظهره كان محقاً في أن المسيحية المبكرة لم تكن ذات طابع واحد، وكانت غير مرتبة وغير واضحة المعالم، وما سوف يظهر فيما باعتباره الأرثوذكسية (أرثوذكس وكاثوليك بعد الانشقاق) ما هو إلاَّ تفسير للمسيحية كان يتصارع مع تفسيرات أخرى للمسيحية.
بقدر عودتنا لعصر العهد الجديد، بقدر ما تتنوع التعبيرات اللاهوتية المسيحية، ويظهر التنوع في العهد الجديد بشكل أوضح مع التنوع الذي شهده القرنين الثاني والثالث، عندما تبنت كل جماعة من الجماعات المتنافسة مجموعة من العقائد والأفكار اللاهوتية، التي تختلف عن تلك التي اعتنقتها الأخرى، ولم يكن هناك حدود تفصل بينها بشكل بيِّن.


جميع الأوقات حسب التوقيت الدولي +2. الساعة الآن 13:59.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.