العقلية الاستهلاكية ومستقبل الأمة
http://www6.0zz0.com/2012/05/27/05/911264648.gif العقلية الاستهلاكية ومستقبل الأمة من المحاور المُلِحّة التي يجب أن تأخذ حقَّها في طاحونة التغيُّر الذي نأمُله للأمة محورُ تغيّر العقلية الاستهلاكية عند الكثيرين من أبناء أمتنا. ويبقى أيضا إعادةُ تكوين العقلية المنتجة عندأبناء هذه الأمة هدفًا كبيرًا نجاهد جميعا من أجله, أو بالأحرى من أجل أن تبقى رؤوسُنا طافية فوق الماء. فكل الدلائل تنبئ بنتائج كارثية إن سارت الأمةُ وهي تحمل لواء الفكر الاستهلاكي,أو تصر على إنتاج ما لا تحتاج, واستهلاك ما لا تنتج. وشل إرادة الإنتاج, وقتل الإبداع في الدول الفقيرة. وعمَدت إلى أن يتحقق ذلك جنباً إلى جنبفمنذ ظهور العولمة سنة 1990م وهي تهدف إلى نشر ثقافة الاستهلاك وتصدير ثقافة السوق, مع إجبار هذه الشعوب على إنتاج ما لا تحتاج, واستهلاك ما لا تنتج. وجاء ذلك بالتوازي أيضا مع إغراق كل المجتمعات التي تغزوها العولمة بالقيم المادية, وتحطم القيم الأخلاقية التي تميزها.ويبقى الهدف الكبير من وراء كل ذلك محصورا في كلمة واحدة: تحقيق المزيد من فرص الكسب والثراء على حساب شعوب العالم الفقيرة!ومن أجل تهيئة عقول شعوب العالم لقبول الفكر الاستهلاكي بسرعة وبغير إهدار للوقت, عمد منظّرو العولمة إلى السيطرة على وسائل الإعلام, وتطويرها بُغيةَ غزو عقول الشعوب,وخلق العقلية الاستهلاكية النهمة وتهيئتها لقبول ثقافة العولمة الاستهلاكية بسرعة وبغير إهدار للوقت. فهم يؤمنون بأن (التشابه في الأفكار يولّد حتمًا تماثلا في السلوك)، ولعل الكم الهائلمن الإعلانات التجارية التي تصدعنا بها وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة في كل حين يؤكد لك هذا البعد. ويؤكد لك أن هذا أحد الأسباب التي ساعدت إلى حد كبير على خلقالعقلية الاستهلاكية في مجتمعاتنا. والعقلية الاستهلاكية: هي تلك العقلية التي تُقبل على الاستهلاك متجاوزة درجة إشباع الحاجات الطبيعية الضروريّة للعيش إلى إشباع الحاجات الثانوية غير الضرورية والتي يمكن أن يستغنيعنها أصحاب الإرادات القوية أو أولئك الذين يدركون أبعاد المخطط وخطورة المؤامرة. ولعل ذلك يعطينا تفسيرًا لأسباب إغراق أسواقنا بجليل منتجات الغرب من: الهامبورجر, والبيتزا,والكولا, والأيس كريم, والفياجرا, وأفلام هوليود, وموسيقى الجاز و(الروك آند رول) ومنتجات الجينز وقبعات الكاوبوي، والمخدرات بكل أصنافها, وأفلام الجنس والعنف والإثارة والرذيلةبكل أنواعها، وكلها مما يغذي العقلية الاستهلاكية، ولعل ذلك أيضا يفسر أسباب إلحاحهم الدءوب على عقول الشعوب في تتابع عجيب.كان من نتائج هذا الإلحاح أن انتشرت العقلية الاستهلاكية النهمة عند أبناء أمتنا بنسبة كبيرة، فلم يكن الأمر مستغربا حينما طالعتنا الأنباء بأننا ننفق مئات الملايين من الدولارات على الذهبوالمجوهرات، ومكالمات الجوال، ورناته الخليعة, والأيس كريم المستورد، والعطور، ومستحضرات التجميل, والبخور, والمكسرات، ولعب الأطفال، والتدخين.وما هذه النماذج التي ذكرناها -على سيبل المثال لا الحصر- إلا إحدى الدلائل القوية على أن العقلية الاستهلاكية في مجتمعاتنا بدأت تبيض وتفقس.ودعني أعود بك إلى ما قبل ميلاد العولمة بـ1300سنة تقريبا، وبالتحديد إلى الليلة التي اشترى فيها أبو الأسود الدؤلي -القاضي المشهور, والتابعي المعروف, والشاعر المجيد- حصانا. فيتلك الليلة استيقظ أبو الأسود على صوت غريب, ولما تحسس الأمر وسأل قالوا له: أن من يسلم نفسه, وماله, وموارده للعقلية الاستهلاكية إنما يسلم مصيره للإخفاق والهلاك. وهذا ماإنه صوت الحصان يقضم شعيره طوال الليل. فقال أبو الأسود الدؤلي مقولته الحكيمة: والله لا أترك في مالي من أنام وهو يمحقه ويتلفه، والله لا أترك في مالي إلا ما يزيده وينميه. وفي الصباح باع الحصان، واشترى بقيمته أرضا للزراعة. إن حكمة أبي الأسود جعلته يرفض الإذعان للعقلية الاستهلاكية منذ اليوم الأول، كان الرجل يؤمن لم تقبله عقلية أبي الأسود وما لا تقبله عقليات كل الأسوياء على مر الزمان. إن حكمة الرجل جعلته يفضل اقتناء مصدر إنتاجي (أرض للزراعة) بدلا من الحصان (كمصدر استهلاكي).لقد آن الأوان أن ندفع شعوبنا دفعا للبعد عن ثقافة الاستهلاك، وتثقيفهم بثقافة الإنتاج, والبعد بالتبعية، تربط السعادة دائما بالقدرة على اقتناء كل ما تشتهيه النفس. هدفها الأساسي في الحياةعن المظهرية, وحب الظهور, والرغبة في التميز والاختلاف, وحب التملك, والتباهي. إذ يُجمع المتخصصون على أن العقلية الاستهلاكية عقلية سطحية بدائية، تميل إلى حب الظهور والتقليد هو تحصيل الملذات مهما كانت الوسائل، وهذا يفتح المجال عند أصحاب العقليات الاستهلاكية إلى طلب المزيد. هذا المزيد يفتح المجال أمام مزيد آخر هو (مزيد المال). وفي رحلة البحث عن هذا(المزيد) غالبا ما تتولد الكوارث. وتعُدْ سريعا إلى (الفلسفة الدُّؤَلية) فلسفة الإنتاج والبعد عن كل ما من شأنه إهدار ثرواتنا ومواردناإن استشراف المستقبل ينبئ بنتائج كارثية جمة إذا لم تتخلَّ مجتمعاتنا عن العقلية الاستهلاكية, دون مردود إيجابي حقيقي. فلابد من العودة السريعة إلى إعداد الفرد المنتج, والبيت المنتج, والقرية المنتجة, والمجتمع المنتج، لابد من إنتاج ما نحتاج إليه. لابد من العودة إلى المشروعات الإنتاجيةالصغيرة, بدلا من التباهي بالعقلية الاستهلاكية المقيتة التي ليست سوى واحدة من الحراب التي رشقتها العولمة في قلب الأمة, وهي تعلم أنها الحربة التي ستصيب الأمة في مقتل.فهل نطلق هذه العقلية قبل فوات الأوان, وقبل أن تغوص رؤوسنا في الماء؟! المصدر: الألوكة |
جميع الأوقات حسب التوقيت الدولي +2. الساعة الآن 15:15. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.