منتديات كلمة سواء الدعوية للحوار الإسلامي المسيحي

منتديات كلمة سواء الدعوية للحوار الإسلامي المسيحي (https://www.kalemasawaa.com/vb/index.php)
-   القسم الإسلامي العام (https://www.kalemasawaa.com/vb/forumdisplay.php?f=14)
-   -   فقه النصيحة واخطاء الناصحين (https://www.kalemasawaa.com/vb/showthread.php?t=19568)

لبيك إسلامنا 06.09.2012 20:07

فقه النصيحة واخطاء الناصحين
 
:bismillah2:



مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:


هِيَ أَسَاسُ الدِّينِ وَقِوَامُهُ، بَلْ هِيَ الدِّينُ كُلُّهُ، بِهَا يَصْلُحُ الْمُجْتَمَعُ، وَيَشْتَدُّ بُنْيَانُهُ وَتَدُومُ أُلْفَتُهُ، بِهَا تَحَلَّى الأَنْبِيَاءُ وَتَخَلَّقَ الْمُؤْمِنُونَ الأَتْقِيَاءُ، مَنْ جَعَلَهَا سَجِيَّةً لَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ؛ (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)
خَبَرُهَا سَاقَهُ لَنَا الصَّحَابِيُّ تَمْيمٌ الدَّارِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ"، قِيلَ: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟! قَالَ: "للهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ"
إِنَّهَا النَّصِيحَةُ، تِلْكَ الطَّاعَةُ التَّيِ خَفَتْ فِي مُجْتَمَعَاتِ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي، تَرَى الرَّجُلَ يَرَى أَلْوَانًا مِنَ الأَخْطَاءِ وَالْمُخَالَفَاتِ فَلا يُحَرِّكُ سَاكِنًا، وَلا يُقَوِّمُ مُعْوَجًّا، وَلِسَانُ حَالِهِ: كَأَنَّكَ لَمْ تَسْمَعْ وَلَمْ يُقَلْ!!
إِنَّ غِيَابَ هَذِهِ الْقِيمَةِ الْجَلِيلَةِ يُؤَدِّي إِلَى ظَاهِرَةٍ سَلْبِيَّةٍ نُعَانِي مِنْهَا هِيَ الأَنَفَةُ مِنَ النَّصِيحَةِ، فَالْمُعَلِّمُ يَأْنَفُ أَنْ يُصَحِّحَ لَهُ الطَّالِبُ خَطَأَهُ، وَالأَبُ يَعِيبُ عَلَى ابْنِهِ إِنْ قَوَّمَهُ فِي قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَالْكَبِيرُ يَسْتَثْقِلُ أَنْ يُصَوِّبَهُ مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي الْعُمْرِ، وَالْمَسْؤُولُ يَرَى أَنَّ مُنَاصَحَتَهُ نَوْعٌ مِنَ التَّعَدِّي عَلَى مَكَانَتِهِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ.
وَرَضِيَ اللهُ عَنْ عُمَرَ حِينَ قَالَ: (أَخْطَأَ عُمَرُ ، وَأَصَابَتِ امْرَأَةٌ )
إِخْوَةَ الْإِيمَانِ:
إِحْيَاءُ ثَقَافَةِ النَّصِيحَةِ كُلُّهُ خَيْرٌ، خَيْرٌ لِلْفَرْدِ وَلِلْأُسْرَةِ وَلِلْمُجْتَمَعِ كُلِّهِ، النَّصِيحَةُ -يَا أَهْلَ النَّصِيحَةِ- عَمَلٌ صَالِحٌ مُؤْذِنٌ بِتَقْلِيلِ الْأَخْطَاءِ، وَتَقْوِيمِ الْمُعْوَجِّ، وَإِشَاعَةِ رُوحِ الْمَحَبَّةِ، وَبَابٌ عَظِيمٌ مِنْ أَبْوَابِ الإِصْلاحِ. وَقَبْلَ ذَلِكَ كُلِّهِ هُوَ جُزْءٌ مِنَ الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ الَّذِي وَصَفَ اللهُ أَهْلَهُ بِالْفَلاحِ.
قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: ( مَا أَدْرَكَ عِنْدَنَا مَنْ أَدْرَكَ بِكَثْرَةِ الصَّلاةِ فِي الْقِيَامِ؛ وَإِنَّمَا أَدْرَكَ عِنْدَنَا بِسَخَاءِ الأَنْفُسِ، وَسَلامَةِ الصُّدُورِ، وَالنُّصْحِ لِلأُمَّةِ)
وَأَنْصَحُ النَّاسِ لَكَ مَنْ خَافَ اللهَ فِيكَ، كُلُّ بَنِي أُنْثَي بِحَاجَةٍ لِلنَّصِيحَةِ طَالَ عُمْرُهُ أَمْ قَصُرَ، كَثُرَ عِلْمُهُ أَمْ قَلَّ، عَظُمَتْ قَامَتُهُ أَمْ قَلَّتْ مَكَانَتُهُ، كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ.
فَلَيْسَ الشَّأْنُ إِذًا فِي دَاءِ الْخَطَّاءِ؛ وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِي عَمَلِيَّةِ عِلاجِ الْخَطَأِ وَهُوَ النَّصِيحَةُ؛ فَالنَّصِيحَةُ إِذًا لَمْ تَأْتِ فِي قَالَبِهَا الصَّحِيحِ رُبَّمَا أَدَّتْ إِلَى نِهَايَاتٍ مُؤْسِفَةٍ بَيْنَ النَّاصِحِ وَالْمَنْصُوحِ، وَأَحْدَثَتْ جُرْحًا غَائِرًا بَيْنَ الاثْنَيْنِ يَصْعُبُ الْتِئَامُهُ.
وَلِذَا كَانَ مِنَ الأَهَمِّيَّةِ بِمَكَانٍ فِقْهُ آدَابِ النَّصِيحَةِ وَتَحَسُّسُ طُرُقِهَا السَّلِيمَةِ. وَإِنَّ مِنْ فِقْهِ النَّصِيحَةِ -عِبَادَ اللهِ- أَنْ نَقِفَ عَلَى الأَسَالِيبِ الْخَاطِئَةِ الَّتِي تَقَعُ فِيهَا حِينَ الْمُنَاصَحَةِ.
فَيَا كُلَّ أَبٍ، وَيَا كُلَّ مُوَجِّهٍ وَمُرَبٍّ، وَيَا كُلَّ أَخٍ نَاصِحٍ وَمُشْفِقٍ: أَرْعِ لَنَا السَّمْعَ وَاسْتَجْمِعْ مَعَنَا الْقَلْبَ إِلَى هَذِهِ الأَخْطَاءِ، وَكُلُّنَا ذَاكَ الْخَطَّاءُ ، إِلَى لاءَاتٍ سَبْعٍ نَتَعَرَّفُهَا لِنَحْذَرَهَا وَنَتَّقِيَهَا.
ـ الـ"لا" الأُولَى: أَخِي النَّاصِحَ: لا تَبْتَغِ حَظًّا غَيْرَ وَجْهِ اللهِ، فَالنُّصْحُ عِبَادَةٌ، وَتَبْصِيرُ الْمُقَصِّرِينَ دَعْوَةٌ، وَهَذَا مِنَ الْقَوْلِ الْحَسَنِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ وَيُجَازِي عَلَيْهِ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا)
فَلاحِظْ أَخِي مُؤَشِّرَ الإِخْلَاصِ فِي قَلْبِكَ قَبْلَ النَّصِيحَةِ؛ فَإِنْ كَانَتْ لِدُنْيا عَاجِلَة مِنْ تَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ أَوْ كَسْبِ حَظْوَةٍ فَقِفْ وَتَمَهَّلْ، وَتَذَكَّرْ أَنَّ هَذَا عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ، وَأَنَّ رَبَّكَ -تَعَالَى- لا يَقْبَلُ إِلَّا مَا كَانَ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِه وَجْهَهُ الْكَرِيمَ.
وَإِذَا صَلُحَتْ نِيَّةُ الْعَبْدِ خَرَجَتِ النَّصِيحَةُ مِنْ قَلْبٍ صَادِقٍ، وَكَانَ لِلْكَلِمَاتِ وَقْعُهَا وَأَثَرُهَا فِي نَفْسِ الْمَنْصُوحِ.
ـ الـ"لا" الثَّانِيَةُ: لا تَبْدَأْ بِالْفَرْعِ قَبْلَ الأَصْلِ: إِذَا تَجَمَّعَتِ الأَخْطَاءُ فِي مُجْتَمَعٍ مَا ، أَوْ شَخْصٍ مَا فَلا تَبْدَأْ بِتَقْوِيمِ الأَصْغَرِ قَبْلَ الأَكْبَرِ، لا تُصَحِّحِ الصَّغَائِرَ وَقَدْ وَجَدْتَ الْكَبَائِرَ.
ابْدَأْ بِالأَهَمِّ فَقَوِّمْهُ؛ فَإِنِ اسْتَقَامَ ثنِّي عَلَى الْمُهِمِّ، هَذَا التَّدَرُّجُ فِي الإِصْلَاحِ مَبْدَأٌ قَرَّرَتْهُ النُّصُوصُ الشَّرْعِيَّةُ، وَأُسْلُوبٌ تَقْبَلُهُ الطَّبَائِعُ الْبَشَرِيَّةُ.
فَهَذَا نَبِيُّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أَرْسَلَ مُعَاذًا إِلَى مُجْتَمَعٍ يَعُجُّ بِالانْحِرَافَاتِ قَرَّرَ لَهُ هَذَا التَّدَرُّجَ فِي الإِصْلاحِ، فَقَالَ لَهُ: (إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ"
ـ الـ"لا" الثَّالِثَةُ: لا تُجَاهِرْ بِالْمُنَاصَحَةِ؛ فَكُلُّ إِنْسَانٍ مَهْمَا بَلَغَ وَكَانَ، يَكْرَهُ أَنْ تُبْرَزَ عُيُوبُهُ أَمَامَ الآخَرِينَ؛ فَجَمِّلْ نَصَائِحَكَ بِالْإِسْرَارِ، وَزَيِّنْهَا بِالْهَمْسِ، فَهَذَا أَدْعَى لِقَبُولِهَا وَالِاسْتِجَابَةِ لَهَا، وَرَحِمَ اللهُ الشَّافِعِيَّ حِينَ قَالَ:
تَعَمَّدْنِي بِنُصْحِكَ فِي انْفِرَادٍ *** وَجَنِّبْنِي النَّصِيحَةَ فِي الْجَمَاعَهْ
فَإِنَّ النُّصْحَ بَيْنَ النَّاسِ نَوْعٌ *** مِنَ التَّوْبِيـخِ لا أَرْضَى اسْتِمَاعَهْ
فَإِنْ خَالَفْتَنِي وَعَصَيْتَ أَمْرِي *** فَـلا تَجْزَعْ إِذَا لَمْ تَلْقَ طَاعَهْ
نَاهِيكَ أَنَّ إِظْهَارَ مَعَايِبِ الآخَرِينَ أَمَامَ الْمَلأِ يُخْشَى أَنْ يَكُونَ مِنْ إِشَاعَةِ الْمُنْكَرِ، وَهَذَا مِمَّا حَرَّمَهُ اللهُ وَتَوَعَّدَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) وقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: (الْمُؤْمِنُ يَسْتُرُ وَيَنْصَحُ، وَالْفَاجِرُ يَهْتِكُ وَيُعَيِّرُ)
ـ الـ"لا" الرَّابِعَةُ: لا تُجَرِّحْ ، أَخِي النَّاصِحَ: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُكَ، وَيُسْتَجَابَ نُصْحُكَ، فَاكْسُ أَلْفَاظَكَ أَحْسَنَهَا، وَانْتَقِ أَطَايِبَ الْكَلِمِ عِنْدَ النَّصِيحَةِ: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)،(وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) ، فَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ تَفْتَحُ مَغَالِيقَ الْقُلُوبِ، وَتَجْمَعُ الشَّمْلَ، وَتَزْرَعُ الْمَحَبَّةَ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ قَالَهَا الْحَبِيبُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
تَذَكَّرْ -أَخِي النَّاصِحَ الْمُبَارَكَ- أَنَّ كَلِمَةَ النُّصْحِ الْمُعَبَّأَةَ بِالْحِدَّةِ وَالْقَسْوَةِ وَاللَّجَاجَةِ لَهَا مَا يُرَادِفُها مِنْ كَلِمَاتِ اللِّينِ وَالْعَطْفِ ما يُؤَدِّي الْمَعْنَى نَفْسَهُ، فَمَا أَجْمَلَ أَنْ تَسْتَفْتِحَ النَّصِيحَةَ بِالثَّنَاءِ، وَأَنْ تُنَادِيَ أَهْلَهَا بِأَحَبِّ الأَسْمَاءِ، وَأَنْ تَجْعَلَ مِسْكَ خِتَامِهَا الدُّعَاءَ، وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الأَدَبِ إِظْهَارُ التَّقْدِيرِ وَالِاحْتِرَامِ، وَإِبْدَاءُ الْمَحَاسِنِ، وَفِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ: (وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ).
ـ الـ"لا" الْخَامِسَةُ: لا تَكُنْ يَتِيمَ الْمُنَاصَحَةِ ، تَذَكَّرْ -أَخِي النَّاصِحَ- أَنَّ الْخَلْقَ مُتَفَاوِتُونَ فِي عُقُولِهِمْ وَعِلْمِهِمْ، مُتَبَايِنُونَ فِي شُعُورِهِمْ وَطَبَائِعِهِمْ وَأَمْزِجَتِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ تَكْفِيهِ الإِشَارَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إِلَى الْمُشَافَهَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَصْلُحُ لَهُ الْمُكَاتَبَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إِلَى التَّصْرِيحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْفِيهِ التَّعْرِيضُ، مِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إِلَى مَوْعِظَةٍ وَتَذْكِيرٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إِلَى مُجَادَلَةٍ وَبَيَانٍ.
لَيْسَتِ النَّصِيحَةُ الَّتِي تُسْدَى إِلَى الشَّابِّ الأَغَرِّ تَصْلُحُ لأَنْ يُوَجَّهَ بِهَا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ.
تَوْجِيهُ الصِّغَارِ وَالأَطْفَالِ لَهُ أُسْلُوبُهُ وَطَرِيقَتُهُ الَّتِي يَأْنَفُ مِنْهَا الشَّابُّ الْمُرَاهِقُ؛ فَنَوِّعْ أُسْلُوبَكَ وَلَوِّنْ مُعَامَلَتَكَ بِمَا يُنَاسِبُ كُلَّ حَالٍ وَمَقَامٍ، وَخَاطِبِ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ؛ فَقَدْ كَانَ إِمَامُ النَّاصِحِينَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُنَوِّعُ أَسَالِيبَهُ فِي التَّوْجِيهِ بِمَا يُنَاسِبُ حَالَ الْمَنْصُوحِ.
ـ الـ"لا" السَّادِسَةُ: لا تُكْثِرِ الْمُلاوَمَةَ وَالْعَتْبَ ، تَذَكَّرْ -أَخِي النَّاصِحَ- أَنَّكَ تَتَعَامَلُ مَعَ رَجُلٍ مِنْ لَحْمٍ وَدَمٍ، يَغْضَبُ وَيَنْفِرُ، يَكْرَهُ وَيَتَأَلَّمُ؛ فَلا تُخْرِجِ النَّصِيحَةَ مَخْرَجَ الْعِتَابِ وَالْمَلامَةِ؛ حَتَّى لا تَبْنِيَ جِسْرًا مِنَ النُّفُورِ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَنْ تُنَاصِحُ.
اُنْظُرْ إِلَى أَخِيكَ الْمُخْطِئِ بِعَيْنِ الرَّحْمَةِ وَالْعَطْفِ، لَا تُعَاتِبْهُ عَلَى مَا مَضَى وَكَانَ، وَإِنَّمَا افْتَحْ لَهُ آفَاقَ الْمُسْتَقْبَلِ بِالتَّوْجِيهِ الصَّحِيحِ.
وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تُثَرَّبَ الْأَمَةُ الزَّانِيَةُ مَعَ أَمْرِهِ بِجَلْدِهَا: ( إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ، وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا )
تَذَكَّرْ -أَخِي الْمُبَارَكَ- أَنَّ كَلِمَةَ النُّصْحِ تَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهَا الْخَيْرَ وَالْإِصْلَاحَ؛ فَأَوْصِلْهَا بِقَالِبِ الرِّفْقِ؛ فَـمَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَمَا نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ
وَمِنَ الرِّفْقِ أَنْ تَرْسُمَ الْبَسْمَةَ عَلَى مُحَيَّاكَ، وَأَنْ تُظْهِرَ حُبَّكَ لِأَخِيكَ؛ فَهَذَا لَيْسَ بِعَيْبٍ وَلَا اسْتِضْعَافٍ، وَتَأَمَّلْ مَعِي هَذَا الْمَوْقِفَ النَّبَوِيَّ فِي نُصْحِ وَتَوْجِيهِ الْآخَرِينَ:
يَقُولُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى يَدِي فَقَالَ: "يَا مُعَاذُ: وَاللهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ، وَاللهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ، فَأُوصِيكَ -يَا مُعَاذُ- لا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ". وَلَا تَسَلْ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ أَثَرِ هَذِهِ النَّصِيحَةِ فِي قَلْبِ مُعَاذٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
ـ الـ"لا" السَّابِعَةُ: لا تَسْتَعْجِلِ النَّتَائِجَ الْفَوْرِيَّةَ ، الْبَعْضُ حِينَ يُوَجِّهُ وَيَنْصَحُ يُرِيدُ الِاسْتِجَابَةَ الْحَالِيَّةَ وَالتَّغَيُّرَ الْآنِيَ، وَهَذَا مِنَ الْجَهْلِ بِطَبِيعَةِ الْبَشَرِ، فَأَمْرُ الِاسْتِجَابَةِ لَيْسَ لَكَ وَإِنَّمَا هُوَ للهِ، وَالنَّصِيحَةُ لَا تَنْفَعُ إِلَّا بِإِذْنِ رَبِّهَا؛ قَالَ ذَلِكَ نَبِيُّ اللهِ نُوحٌ: (وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
وَاللهُ -تَعَالَى- قَالَ لِرَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ).
وَمِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَنْ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ؛ يَعْنِي لَمْ يَسْتَجِبْ لِنَصَائِحِهِ أَحَدٌ، وَالْحَمْدُ للهِ أَنَّ اللهَ -تَعَالَى- قَدْ قَدَّرَ الْأَجْرَ وَالثَّوَابَ عَلَى التَّبْلِيغِ لَا عَلَى الِاسْتِجَابَةِ.
فَقَدِّمْ -أَخِي النَّاصِحَ- نَصِيحَتَكَ وَلَا تَنْتَظِرْ نَتِيجَتَهَا، فَدَعْهَا للهِ -تَعَالَى-، وَكَمْ مِنْ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ وَنَصِيحَةٍ مُشْفِقَةٍ لَمْ تُؤْتِ أُكُلَهَا إِلا بَعْدَ حِينٍ.
وَأَخِيرًا -أَخِي النَّاصِحَ- لَا تَنْسَ تَحَمُّلَ أَعْبَاءِ النَّصِيحَةِ، وَالصَّبْرَ عَلَى الْأَذَى فِي سَبِيلِ إِيصَالِهَا، وَمَا قَدْ تُلَاقِيهِ مِنْ صُوَرِ الشَّمَاتَةِ وَالِاسْتِهْزَاءِ وَالِاسْتِنْكَافِ؛ فَهَذَا سَبِيلُ مَنْ سَبَقَكَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُصْلِحِينَ.
تِلْكَ -عِبَادَ اللهِ- شَيْءٌ مِنْ فِقْهِ النَّصِيحَةِ وَطُرُقٌ مِنْ آدَابِهَا، نَفَعَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ بِكِتَابِهِ، وَجَعَلَنَا مِنْ خَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ، قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ.



الْخُطْبَةُ الثانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ وَكَفَى، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى عَبْدِهِ الْمُصْطَفَى، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اجْتَبَى ، أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ مِنْ عَلَامَاتِ الْخَيْرِ وَطِيبِ السِّيرَةِ وَنَقَاءِ السَّرِيرَةِ أَلَّا يَسْتَثْقِلَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ النَّصِيحَةَ، وَلَا يَتَبَرَّمَ مِنْهَا، وَلَا يَسْتَعْلِي عَلَيْهَا؛ فَالْكِبْرُ كُلُّ الْكِبْرِ هُوَ فِي "بَطَر الْحَقِّ وَغَمْط النَّاسِ".
فَيَا أَخِي الْمَنْصُوحَ -وَكُلُّنَا ذَاكَ الرَّجُلُ-: افْتَحْ قَلْبَكَ لِنَاصِحِيكَ، وَتَقَبَّلْ نَقْدَهُمْ بِصَدْرٍ رَحْبٍ وَنَفْسٍ طَيِّبَةٍ، تَذَكَّرْ أَنَّ النَّصِيحَةَ قَدْ تَسُدُّ عَنْكَ عَيْبًا مَفْتُوحًا، وَتَسْتُرُ خُلُقًا رَدِيئًا، فَوَطِّنْ نَفْسَكَ عَلَى أَخْلَاقِ الْكِبَارِ، وَعَمِّقْ بِدَاخِلِكَ أَنَّكَ خَطَّاءٌ، وَأَنَّكَ بِحَاجَةٍ لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّصْوِيبِ؛ لِيَسْهُلَ عَلَيْكَ حِينَهَا الإِصْغَاءُ لِنَصِيحَةِ النَّاصِحِينَ.
تَذَكَّرْ -أَخِي الْمُبَارَكَ- أَنَّ مَنْ نَاصَحَكَ فَهُوَ حَرِيصٌ عَلَى صَلاحِكَ وَنَجَاتِكَ، فَحَقُّهُ أَنْ يُشْكَرَ وَيُحَبَّ، حَقُّهُ أَنْ يُخَصَّ بِدَعْوَةٍ صَادِقَةٍ مِنْكَ.
أَخِي الْمَنْصُوحَ: إِنَّ اسْتِنْكَافَ الْمَرْءِ عَنْ سَمَاعِ النَّصِيحَةِ هُوَ هُبُوطٌ أَخْلاقِيٌّ ، وَتَسَافُلٌ سُلُوكِيٌّ، خَلَلٌ مَنْهَجِيٌّ أَنْ يُنْظَرَ لِلنَّصِيحَةِ عَلَى أَنَّهَا اتِّهَامٌ، فَسَادٌ فِكْرِيٌّ أَنْ تُصَنَّفَ النَّصِيحَةُ بِأَنَّهَا تَدَخُّلٌ فِي شُؤُونِ الْغَيْرِ.
لِنَتَذَكَّرْ جَمِيعًا -إِخْوَةَ الإِيمَانِ- أَنَّ النُّفُورَ مِنَ النَّصِيحَةِ هُوَ مِنْ صِفَاتِ أَعْدَاءِ الأَنْبِيَاءِ، قَالَ الله تَعَالَى عَنْ نَبِيِّ اللهِ صَالِحٍ: (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) .
وَمَنْ أَنِفَ النَّصِيحَةَ وَالنَّصَائِحَ فَقَدْ أَدَّعَى لِنَفْسِهِ الْعِصْمَةَ وَالْكَمَالَ، وَهَذَا -وَرَبِّي- مِنَ الْمُحَالِ، فَنَحْنُ لَسْنَا أَصْوَبَ رَأْيًا وَلَا أَهْدَى فِكْرًا مِنْ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي كَانَ يَقُولُ لِصَحَابَتِهِ: "["ِإنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي".
وَأَخِيرًا وَلَيْسَ آخِرًا؛ لِيَكُنْ شِعَارُنَا فِي الْحَيَاةِ هَذَا الْمَعْنَى الْجَمِيلَ الَّذِي جَعَلَهُ الله عَلَى لِسَانِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: (رَحِمَ اللهُ مَنْ أَهْدَى إِلَيَّ عُيُوبِي)
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ.

زهراء 06.09.2012 21:55

جزاكِ الله خيراً يا غالية..
نفع الله بكِ وهدى بكِ...

لبيك إسلامنا 06.09.2012 22:16

اللهم آمين و لك بالمثل أختي الحبيبة
مرورك الطيب أسعدني جدا أسعدك ربي في الدارين

فارس التوحيد 23.09.2012 13:44

رائع يا أختي
جزاك الله خيراً و نفع بك و بعلمك

بن الإسلام 25.09.2012 14:55

جزاكم الله خيراً

النبى صلى الله عليه وسلم أوتى جوامع الكلم

( الدين النصيحة )

رزقنا الله واياكم أدب التناصح كما علمنا سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم


لبيك إسلامنا 02.10.2012 09:06

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخوتي الأفاضل شكرا على المرور الكريم


جميع الأوقات حسب التوقيت الدولي +2. الساعة الآن 16:34.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.