منتديات كلمة سواء الدعوية للحوار الإسلامي المسيحي

منتديات كلمة سواء الدعوية للحوار الإسلامي المسيحي (https://www.kalemasawaa.com/vb/index.php)
-   القسم النصراني العام (https://www.kalemasawaa.com/vb/forumdisplay.php?f=17)
-   -   الى كل مسيحى : صور جمالية ... تأمل (https://www.kalemasawaa.com/vb/showthread.php?t=5143)

بن الإسلام 13.05.2010 09:08

الى كل مسيحى : صور جمالية ... تأمل
 
موضوع رائع


للتأمل وزيادة الايمان





أرجو تثبيت الموضوع لأهميته

أبو حفص الأيوبي 13.05.2010 14:33

اقتباس:

أرجو تثبيت الموضوع لأهميته
أين الموضوع أخى الفاضل ؟

بن الإسلام 13.05.2010 14:36



{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)} سورة آل عمران


{وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)} سورة الرعد


يحثنا مطلع هذه الآيات الكريمات على التفكر في خلق الله ... الأنهار ... الجبال ... الثمار التي تأكلها والناتجة عن تلقيح الزهرة المذكرة للمؤنثة في الحالات الطبيعية .... وسواد الليل على النهار وتلبيس إياه ثوب الظلمة ....

هل تأملت أن في الأرض الواحدة منها الصالح للإنبات ومنها غير الصالح ؟ وقد يكن متجاورات برغم ذلك !

والجنات البديعة التي خلقها الله تعالى من الأعناب والنخيل والزروع المختلفة فقد ترى نخلة وحيدة منفردة وقد ترى عدة نخلات مجتمعات من أصل واحد ..... وسبحان الله العظيم فبرغم تعدد الأنواع والألوان والأجناس والمذاق .... إلا أنه ماء واحد الذي يسقى به .... ولم يتحدث هنا الخلاق العليم أنه غذاء واحد يتغذى به النبات إذ أن الإحتياجات الغذائية تختلف من نبات لآخر .... فسبحان الله البديع ... ما أن تقرأ كلماته حتى تُستحضَر الصورة الحية أمامك لما ذكر .... سبحانه خلق الكون من حولنا لنتأمل ونتفكر فيه .... فسبحانه بديع السماوات والأرض .. خالق كل شئ ومليكه ...!


يتبع بإذن الله تعالى .

بن الإسلام 13.05.2010 14:36



{أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17)} سورة الرعد
وهنا يضرب الله لنا مثلًا جميلًا ... حيث أنه عندما تهطل الأمطار والسيول في الأودية فإن كل واد مقدر له كم معين من الماء فعند اختلاطه بالتربة فإنه يحمل معه زبدًا يذهب في جنبات الأودية أو يضمحل ويفنى حاله كحال الزبد الذي ينتج عن صهر المعادن فلا ينفع ولا ينتفع به كذلك هو حال القلوب فمنها من يتسع قلبه للإيمان الحق كحال الوادي بالنسبة للماء ومنها مالا يتسع وكل على قدره ..... فأما الذي يبقى وينتفع به الناس فهو الإيمان الحق وأما الزبد فهو الباطل يهلك ويفنى إذا جاءه الحق بينما يبقى موجودًا في حالة غياب الحق والإيمان ... فإذا نظرت وتحدث إليك رجلين أحدها على حق والآخر على باطل فإن صاحب الحق فقط هو الذي يطغى أثره ويمكث كلامه في قلبك ... وأما الآخر فمهما زين من الحديث وجمله لك وغلف لك الباطل فإن الحق هو الذي سيبقى ويطغى .... وهو في النهاية صاحب الأثر الأقوى عليك مهما حاولت إخفاء ذلك ومهما حاول صاحب الباطل بكل السبل معك .... فالحق المنتصر والنافذ إلى قلبك في النهاية حتى وإن لم تعترف به ..

http://www.qurancomplex.org/b2.gifوَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ http://www.qurancomplex.org/b1.gif سورة الأنعام
تخيل .... هناك من يسرق في الخفاء ويخشى أعين الناس وهناك من يقتل في الخفاء ويخشى أن يعرف الناس وهناك من يكذب ويخشى أن يكشفه الناس ... ولكن كيف خفي عنه أن من يراه أقوى من الناس جميعًا ؟!
الله عز وجل هو العليم الخبير يعلم ما تخفي نفسك وما تجهر به ويعلم خائنة الأعين وعنده مفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا هو كبأي أرض سنموت نحن ؟ ومتى قيام الساعة ؟ وماذا سنكسب غدًا ؟
والذي يستمر من الأجنة في الأرحام من الهالك ؟ ووقت مجئ المطر بالتحديد ؟
ويعلم ما هو في البحار من أنواع وكائنات وأحياء وعوالم مختلفة ... وما على البر من كائنات ودواب وجماد وخير وشر حتى وإن سقطت ورقة شجر من مكانها في الغابات أو الصحاري في المدينة أو القرية فإن الله عليم خبير بها ... فمابالك بأوراق أشجار الكرة الأرضية كلها ؟! حتى الحبة الموجودة على أعماق سحيقة من سطح الأرض فإنه عنده علم بها فما بالك بكل الحبوب التي في ظلمات الأرض ..... كذلك ما من رطب ولا يابس إلا عنده في كتاب معلوم .... !!
http://farm4.static.flickr.com/3133/...e286e7ed40.jpg
فكيف بعد إحاطة علمه بك وبكل ما هو حولك تجترأ نفسك على الوقوع في المعصية .... ؟!
وإذا كان كل شئ عنده في كتاب معلوم فهل تستبعد أن تكون خطاياك أيضًا بمواعيد حدوثها وفي أوقاتها مدونة عنده أيضًا في كتاب معلوم ؟!
فهل تتوقع أن يراك تسرق ويكون سعيدًا بك ؟؟!!
هل تتوقع أن يراك تكذب ويكون سعيدًا بك ؟!!
هل تتوقع أن يراك تسخر من الناس وتسبهم ويكون سعيدًا بك ؟؟!!!
قد يكون يحبك ..... ولكن هل من يحب شخص يساعده على الخطأ بسكوته أم أنه يحاسبه عليه لأنه يريد أن يدفعه للأمام ويسمو بأخلاقه ؟!!!
فكر بمبدأ تحمل كل إنسان لخطأه .... فكر في مبدأ الثواب والعقاب ..... فكر في مبدأ اقرارك بذنبك أنت تجاه خالقك وفكر بمغفرته لك ورحمته لك من ذنبك أنت .... !!
فحتمًا سيدفعك ذلك إلى الأفضل .. تأمل !
يتبع بإذن الله ..

بن الإسلام 13.05.2010 14:37


إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً [ سورة الإنسان - الآية 3 ]

وحدات الوراثة الحاملة للصفات المميزة لجنس الإنسان أولا ولصفات الجنين العائلية أخيرا وإليها يعزى سير النطفة الإنسانية في رحلتها لتكوين جنين إنسان لا جنين أي حيوان آخر كما تعزى إليها وراثة الصفات الخاصة في الأسرة ولعلها هي هذه الأمشاج المختلطة من وراثات شتى خلقته يد القدرة هكذا من نطفة أمشاج لا عبثا ولا جزافا ولا تسلية ولكنه خلق ليبتلي ويمتحن ويختبر والله سبحانه يعلم ما هو وما اختباره وما ثمرة اختباره ولكن المراد أن يظهر ذلك على مسرح الوجود وأن تترتب عليه آثاره المقدرة في كيان الوجود وأن تتبعه آثاره المقدرة ويجزى وفق ما يظهر من نتائج ابتلائه ومن ثم جعله سميعا بصيرا أي زوده بوسائل الإدراك ليستطيع التلقي والاستجابة وليدرك الأشياء والقيم ويحكم عليها ويختار ويجتاز الابتلاء وفق ما يختار وإذن فإن إرادة الله في امتداد هذا الجنس وتكرر أفراده بالوسيلة التي قدرها وهي خلقته من نطفة أمشاج كانت وراءها حكمة وكان وراءها قصد ولم تكن فلتة كان وراءها ابتلاء هذا الكائن واختباره ومن ثم وهب الاستعداد للتلقي والاستجابة والمعرفة والاختبار وكان كل شيء في خلقه وتزويده بالمدارك وابتلائه في الحياة بمقدار ثم زوده إلى جانب المعرفة بالقدرة على اختيار الطريق وبين له الطريق الواصل ثم تركه ليختاره أو ليضل ويشرد فيما وراءه من طرق لا تؤدي إلى الله إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا وعبر عن الهدى بالشكر لأن الشكر أقرب خاطر يرد على قلب المهتدي بعد إذ يعلم أنه لم يكن شيئا مذكورا فأراد ربه له أن يكون شيئا مذكورا ووهب له السمع والبصر وزوده بالقدرة على المعرفة ثم هداه السبيل وتركه يختار الشكر هو الخاطر الأول الذي يرد على القلب المؤمن في هذه المناسبة فإذا لم يشكر فهو الكفور بهذه الصيغة الموغلة في الدلالة على الكفران ويشعر الإنسان بجدية الأمر ودقته بعد هذه اللمسات الثلاث ويدرك أنه مخلوق لغاية وانه مشدود إلى محور وأنه مزود بالمعرفة فمحاسب عليها وأنه هنا ليبتلى ويجتاز الابتلاء فهو في فترة امتحان يقضيها على الأرض لا في فترة لعب ولهو وإهمال ويخرج من هذه الآيات الثلاث القصار بذلك الرصيد من التأملات الرفيقة العميقة كما يخرج منها مثقل الظهر بالتبعة والجد والوقار في تصور هذه الحياة وفي الشعور بما وراءها من نتائج الابتلاء وتغير هذه الآيات الثلاث القصار من نظرته إلى غاية وجوده ومن شعوره بحقيقة وجوده ومن أخذه للحياة وقيمها بوجه عام الدرس الثاني من صفات الأبرار وصور من نعيم الجنة لهم ومن ثم يأخذ في عرض ما ينتظر الإنسان بعد الابتلاء واختياره طريق الشكر أو طريق الكفران فأما ما ينتظر الكافرين فيجمله إجمالا لأن ظل السورة هو ظل الرخاء الظاهر في الصورة والإيقاع وظل الهتاف المغري بالنعيم المريح فأما العذاب فيشير إليه في إجمال إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا سلاسل للأقدام وأغلالا للأيدي ونارا تتسعر يلقى فيها بالمسلسلين المغلولين ثم يسارع السياق إلى رخاء النعيم


في ظلال القرآن_الإمام سيد قطب

بن الإسلام 13.05.2010 14:38



{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)} سورة النحل




عند التمعن فى هاتين الآيتين الكريمتين يتضح تطابق كل كلمة فيهما، بل كل حرف، مع المعلومات التى لم تعرف عن النحل إلا حديثا.


( وأوحى ربك إلى النحل ) :
لم يذكر فى القرآن الكريم وحى الله منسوبا إلى ربك إلا مـرتين فقط :
(1) إلى الأرض يوم القيامة (بأن ربك أوحى لها)
(2) إلى النحل فى هذه الآية التى يفهم منها أن فيها مقارنة معنوية دقيقة بين العقل الذى خلقه الله للإنسان وبين الفطرة التى خلق النحل عليها لتأدية الأعمال التى كلفة بها،
إذ أن النحل هو الكائن الوحيد (بعد الإنسان) الذى يمكنه أن يحيط مجتمعه علما بالأماكن البعيدة مثل مواقع السكن الذى يبحث عنه، أو الغذاء الذى يجمعه بدون أن يصحب آيا من أفراد أسرته ( كما تفعل سائر الحيوانات الأخرى)، وليس عن طريق الكلام كما يفعل الإنسان، ولكن بلغة حركية ذات قدرة فائقة على تحديد المسافات والاتجاهات يؤديها بطريقة تلقائية روتينية فطرية موروثة (أى بناء على وحى الله له) بدقة لا تقارن إلا بتقنيات أحدث الأجهزة التى اخترعها الإنسان، مثل الأجهزة الإلكترونية والحاسبات الآلية والرادار والأجهزة الموجهة للقذائف والأجهزة الفلكية وأجهزة الموجات فوق الصوتية... وربما غيرها مما سيخترع فى المستقبل القريب أو البعيد.



( أن اتخذى من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ) :
جاء وحى الله للنحل أن يبنى بيوته فى مواقع لا تصلح لسكنى أى كائن آخر، فهو إما أن يبنى أقراصه الشمعية فى العراء معلقة تحت صخور الجبال أو فروع الأشجار... أو فى جحور واسعة ناتجة عن العوامل الطبيعية ومداخلها صغيرة ضيقة لا يمكن أن يراها بعيونه ولكنه يتمكن من تمييزها بواسطة الموجات فوق الصوتية التى تصدر منها، وهى قدرة لا تتوفر للإنسان إلا باستخدام أجهزة خاصة.
وجاء عند اختيار المسكن حرف "من" التى تعنى التبعيض أوالتحديد، إذ أن من النحل نوعين يتخذان البيوت داخل الجحور ذات المواصفات المذكورة ونوعين آخرين تكون بيوتها معلقة فى أماكن خاصة مناسبة لحياتها فى العراء.
وجاء تسلسل الاختيار بدءا بالجبال التى هى الأكبر حجما والأسبق فى الوجود وتليها الأشجار التى ظهرت بعد ذلك ثم ما يعرش الإنسان سواء كان مصنوعا من أحجار وطمى الجبال أو من أخشاب الأشجار.
وقد جاء الكلام عن النحل مؤنثا فى هذه الجملة وما بعدها لأن ما يقوم بجميع هذه الأعمال فى طائفة النحل هى الشغالات (وهى إناث عقيمة)، فهى التى تختار المسكن عند التطريد، وهى التى تجمع الغذاء وهى التى تخرج من بطونها المواد الشافية للناس، بل هى التى تقوم بجميع الأعمال داخل الخلية وخارجها، وهذه الحقيقة لم تعرف إلا حديثا، أما الذكور والملكات فلا تقوم إلا بالتكاثر.




( ثم كلى من كل الثمرات ) :
إن بدء هذه الجملة بحرف العطف (ثم) يعنى الترتيب مع التراخى، أى الترتيب مع التأجيل وهذا ينطبق تماما مع ما يحدث فعلا وما لم يعرف إلا منذ زمن قصير، إذ أن النحل حين يخرج من مسكنه قاصدا عشا جديدا (فيما يسعى بظاهرة التطريد) يكون مالئا بطنه بكمية كبيرة من العسل، قد تفوق وزن جسمه استعدادا للرحلة المجهولة، وبعد عثوره على المسكن لايمكنه أن يأكل و أن يبحث عن الغذاء إذ يكون متخما بالعسل، ولا يستطيع التخلص من هذا العسل إلا بعد أن يحول جزءا منه إلى شمع يبنى به أقراصه ذات العيون السداسية، فيفرغ فيها ما يبقى فى جوفه من عسل وبعد ذلك يبدأ فى البحث عن الغذاء، ولذلك لم يعبر عنها بأى من حر فى العطف الآخرين "الواو" أو " الفاء"، فسبحان الله القادر العليم.
وعند التعمق فى جملة "ثم كلى من كل الثمرات، يتضح أنها تتضمن مصدر المادة العلاجية الفعالة فيما يخرج من بطون النحل، إذ أن النحل، لا يأكل من كل الثمرات حلوها ومرها لتتحول فى أجوافه إلى عسل حلو كما كان الاعتقاد سائدا فى التفسيرات المعروفة، فالنحل لا يقترب من الثمار المرة أو الصلدة، بل لا يتمكن من أن يأكل من الثمار الحلوة إذا كانت سليمة صحيحة لأنه لا يستطيع أن يصيبها مهما كانت سليمة صحيحة لأنه لا يستطيع أن يصيبها مهما كانت ضعيفة أو قشورها رقيقة ولكنه قد يتناول عصارة الثمار الحلوة إذا كانت مجروحة بفعل إحدى الحشرات الضارة أو مفتوحة بسبب زيادة نضجها، وفى هذه الحالة ينتج عسلا غير مستساغ الطعم.
أما الغذاء الطبيعى للنحل فيتكون من رحيق الأزهار وحبوب لقاحها، فالرحيق يتحول إلى عسل وهو مصدر الطاقة لما يحتويه من مواد سكرية، أما حبوب اللقاح فهى مصدر المكونات الحيوية الأخرى من بروتينات وأحماض أمينية وفيتامينات وعناصر معدنية.
ويبدو أن الرحيق وحده غير مقصود بهذه الجملة لأنه لا يوجد فى كل النباتات، إذ تخلو منه معظم الأزهار التى تلقح بفعل الرياح، وكذ لك بعض الأزهار التى تلقح بواسطة الحشرات أما حبوب اللقاح فيبحث النحل عنها ويجمعها سواء من الازهار التى تلقح بواسطة الحشرات أو بواسطة الرياح، وحيث أن ثمرات جميع أنواع النباتات تتكون نتيجة اندماج حبات اللقاح فى مبايض الازهار، فإن حبوب اللقاح تدخل فى تركيب جميع أنواع الثمرات وعلى ذلك فيبدو أن حبوب اللقاح هى المقصودة فى هذه الآية بالتعبير الوارد فيها ( ثم كلى من كل الثمرات) لأنها من مكونات كل أنواع الثمرات، حيث يأكل النحل منها ولا يسبب أى نقص فيها بل يساعد على إثمارها وزيادة إنتاجها.
والآية رقم من سورة الرعد تؤكد نفس التفسير بأن حبوب اللقاح هى المقصودة بتعبير " كل الثمرات " بقوله سبحانه وتعالى: (..... ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين…) (الرعد: 3)
أى أن الثمرات التى تنتجها جميع أنواع النباتات يدخل فى تكوينها خلايا ذكرية وأخرى أنثوية، فالخلية الذكرية هى حبة اللقاح والخلية الأنثوية هى بويضة الزهرة... ومن دقة التعبير القرآنى المحكم فى آية النحل وفى هذه الآية كذلك- حتى لا تدعا مجالا للشك من أنهما من عند الله العليم الخبير- إن سبق (كل الثمرات) فيهما حرف "من " الذى يعنى الاستثناء لأن بعض أصناف الثمار لا تحتوى على خلايا ذكرية مثل الموز والبرتقال بسره والعنب البناتى وغيرها من الثمار عديمة البذور، وهى أصناف ظهرت كطفرات من الأنواع النباتية البذرية، تتكون ثمارها بكريا بنمو مبيض الزهرة وحده، وهذه المعلومات لم تعرف إلا فى العصر الحديث، ومع ذلك فقد وردت فى القرآن الكريم بأسلوب فيه إعجاز وإيجار ..
وقد تأكد أن حبوب اللقاح التى تبقى بكميات ضئيلة فى العسل بعد تصفيته هى المصدر الرئيسى للمواد الفعالة فيه، علاوة على أن الغذاء الملكى وسم النحل بما لهما من قيمة علاجية عالية لا يستطيع النحل إفرازهما بدون التغذية على حبوب اللقاح، والغدد التى تحول المواد السكرية إلى شمع لا تستطيع أن تفرزه إلا بعد أكل حبوب اللقاح، علاوة على أن الأنزيمات اللازمة لتكوين كل المنتجات الشافية فى النحل نابعة من حبوب اللقاح.


( فاسلكى سبل ربك ذللا ) :
وجود هذه الجملة فاصلة بين تغذية النحل على الثمرات وبين اخراجه للسوائل التى تشفى الناس، جعلت معناها بعيدا عن التفسير الدارج بأن تسلك سبل الله بالطيران فى جو السماء ولكنها أقرب إلى كونها سبلا ممهدة لإخراج السوائل الشافية من بين النحل لاسيما وأنها تضمنت تعبير (سبل ربك) أى سبيل الذى خلق النحل، وذلك فيه تحديد بأن هذا السبل مخصصة للنحل فقط ،لا يوجد مثلها فى كائن سواه وهذا السبل يمكن أن تفسر بأحد معنيين المعنى الأول هو الطرق أى الممرات التى تصل بين معدة النحل وبين الغدد المختلفة التى تقوم بتحويل الغذاء إلى السوائل الشافية المتعددة والمعنى الثانى هو الطرق (جمع طريقة) أى التقنينات التى علمها الله للنحل وذللها له وغرسها في فطرته، وأدخلها فى غريزته لكى يحول غذاءه إلى أى من السوائل المختلفة الشافية للناس.
ومما يؤكد صحة هذا التفسير أن الجملة التالية جاء ت بدون حرف عطف مما يعنى أن الحدث الذى يتم فيها يكون ناتجا عن الفعل فى الجملة السابقة، أى أن الشراب الخارج من بطون النحل يكون ناتجا عن سلوك سبل ربه.


( يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس ) :
لم يذكر صراحة أن العسل- هو الذى يخرج من بطون النحل أو أنه هو الذى فيه شفاء للناس ، لأن الله يخرج من بطون النحل سوائل أخرى مختلفة الألوان وفيها شفاء للناس ولكنها لم تكن معروفة حين نزل القرآن علي سيد المرسلين فكأن هذه الجملة الموجزة تتضمن المعنى الذى كان معروفا فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم عن القيمة العلاجية للعسل والمعنى الذى لم يعرف إلا فى القرن العشرين عن القيم العلاجية لكل من سم النحل والغذاء الملكى والشمع وحبوب اللقاح والبروبوليس، وازدياد معرفة القيم الطبية للعسل يوما بعد يوم .
والمادتان الأخيرتان (حبوب اللقاح والبروبوليس) لا تخرجان طبعا من بطون النحل إذ يجمعهما من النباتات ويضيف إليهما بعضا من العسل أو الشمع ممزوجا باللعاب، فتصبحان شافيتين للناس من بعض الأمراض، ولذلك لم يذكر أن ما يخرج من بطون النحل شاف للناس بصفة عامة، إذ- قد لا يكون شافيا من أحد الأمراض إلا بإضافته إلى مواد اخرى، مثل حبوب اللقاح أو الصموغ ( التى تسمى بعد ذلك بروبوليس) فى الحالة المذكورة أو إلى المواد الطبية الأخرى مثل الحبة السوداء. أو زيت الزيتون أو عصير البصل وغيرها فى حالات أخرى متعددة.
وكلمة شراب التى جاءت فى هذه الآية مفسرة فى الكتب الدينية على أن العسل يشرب، ولكننى أعتقد أن المقصود بها سوائل صالحة للشرب سواء كانت تشرب مباشرة وهى سائلة أو بعد إسالتها أو إذابتها إذا كانت متجمدة كما يتجمد العسل فى فصل الشتاء.. فلا يصلح حينئذ للشرب إلا بعد تعريضه للحرارة أو إذابته فى الماء أو فى أحد المشروبات الأخرى وهذا ينطبق كذلك على منتجات النحل الأخرى كله مثل الغذاء الملكى والشمع والسم.
وكما أن العسل حين استعماله للتداوى (سواء فى عصر الرسول صلى الله عليه وسلم أو قبل ذلك أثناء الحضارات البشرية القديمة ) لم يستعمل فى هيئة شراب فقط، فقد اكتحل به ودهنت به الجروح، واستخدم فى عمل العصائر وغيرها، وهذا ينطبق أيضا على منتجات النحل الأخرى .


( إن فى ذلك لآية لقوم يتفكرون ) :
ختمت آية النحل بأن إعجازها لن يظـهر إلا بالتعمق والتروى فى التفكير،إذ أنـها تبـدو سهـلة وبسيطة إذا قرأناها قراءة سطحية، وتبدر ركيكة غير متناسقة وغير واقعية إذا تمعنا فى تركيبها بنفس الفكرة الأولية التى كانت معروفة عن النحل منذ بدء الخـليقة، ولكنها تتطابق تماما مـع المعلومات التى عرفت حديثا عن النحل ولم تكن معروفة حين نزول القرآن على سيد المرسلين ، ويتضح من ذلك أن فى هذه. الآية معجزة تدل على أنها من عند الله العليم بالإضافة إلى الإلهام الذى وهبه سبحانه وتعالى للنحل لينتج لنا سوائل متعددة فيها شفاء للناس .

http://www.insectidentification.org/.../honey-bee.jpg

http://www.islamic-council.com/conf_au/8/29.asp

بن الإسلام 13.05.2010 14:39


{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)} سورة الحديد


والآية الكريمة التي نحن بصددها تؤكد أن الحديد قد أنزل إنزالا كما أنزلت جميع صور الوحي السماوي‏,‏ وأنه يمتاز ببأسه الشديد‏,‏ وبمنافعه العديدة للناس‏,‏ وهو من الأمور التي لم يصل العلم الإنساني إلي إدراكها إلا في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين‏.‏
وهنا يبرز التساؤل‏:‏ كيف أنزل الحديد؟ وما هو وجه المقارنة بين إنزال وحي السماء وإنزال الحديد؟ ما هو بأسه الشديد؟ وما هي منافعه للناس؟ وقبل الإجابة علي تلك الأسئلة لابد من استعراض سريع للدلالات اللغوية لبعض ألفاظ الآية الكريمة‏,‏ وكذلك للمواضع التي ورد فيها ذكر‏(‏ الحديد‏)‏ في كتاب الله‏(‏ تعالي‏).






الدلالات اللغوية لبعض ألفاظ الآية الكريمة :


‏(‏النزول‏)‏ في الأصل هو هبوط من علو‏,‏ يقال في اللغة‏ : ‏ (نزل‏),(‏ ينزل‏)(‏ نزولا‏),‏ و‏(‏منزلا‏)‏ بمعني حل‏,‏ يحل‏,‏ حلولا‏;‏ والمنزل بفتح الميم والزاي هو‏(‏ النزول‏)‏ وهو الحلول‏,‏ و‏(‏نزل‏)‏ عن دابته بمعني هبط من عليها‏,‏ و‏(‏نزل‏)‏ في مكان كذا أي حط رحله فيه‏,‏ و‏(‏النزيل‏)‏ هو الضيف‏.‏
ويقال‏:‏ (أنزله‏)‏ غيره بمعني أضافه أو هبط به‏;‏ و‏(‏استنزله‏)‏ بمعني‏(‏ نزله تنزيلا‏),‏ و‏(‏التنزيل‏)‏ ايضا هو القرآن الكريم‏,‏ وهو‏(‏ الإنزال المفرق‏),‏ وهو الترتيب‏;‏ وعلي ذلك فإن الإنزال أعم من التنزيل‏;‏ و‏(‏التنزل‏)‏ هو‏(‏ النزول في مهلة‏),‏ و‏(‏النزل‏)‏ هو ما يهيأ‏(‏ للنزيل‏)‏ أي مايعد‏(‏ للنازل‏)‏ من المكان‏,‏ والفراش‏,‏ والزاد‏,‏ والجمع‏(‏ انزال‏);‏ وهو أيضا الحظ والريع‏,‏و‏(‏النزل‏)‏ بفتحتىن‏,‏ و‏(‏المنزل‏)‏ الدار والمنهل‏(‏ أي المورد الذي ينتهل منه لأن به‏(‏ ماء‏)‏ أو هو عين ماء ترده الإبل في المراعي‏,‏ وتسمي المنازل التي في المفاوز علي طرق‏(‏ السفار‏);‏ و‏(‏المنزلة‏)‏ مثله‏,‏ أو هي الرتبة أو المرتبة‏;‏ و‏(‏المنزلة‏)‏ لاتجمع‏.‏
ويقال استنزل فلان‏(‏ بضم التاء وكسر الزاي‏)‏ أي حط عن مرتبته‏,‏ و‏(‏المنزل‏)‏ بضم الميم وفتح الزاي‏(‏ الإنزال‏),‏ نقول‏:'‏ رب أنزلني‏(‏ منزلا‏)‏ مباركا‏,‏ وأنت خير‏(‏ المنزلين‏)*';‏ و‏(‏إنزال‏)‏ الله‏(‏ تعالي‏)‏ نعمه ونقمه علي الخلق هو إعطاؤهم إياها‏,‏ وقال المفسرون في قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏): (‏ ولقد رآه نزلة أخري‏)‏ إن‏(‏ نزلة‏)‏ هنا تعني مرة أخري‏.‏
وفي قوله‏(‏ تعالي‏)'‏ جنات الفردوس نزلا‏'‏ قال الأخفش‏:‏ هو من‏(‏ نزول‏)‏ الناس بعضهم علي بعض‏,‏ يقال‏:‏ ماوجدنا عندك نزلا‏;‏ و‏(‏النازلة‏):‏ الشديدة من شدائد الدهر تنزل بالناس‏,‏ وجمعها‏(‏ نوازل‏);‏ و‏(‏النزال‏)‏ في الحرب‏(‏ المنازلة‏);‏ و‏(‏النزلة هي الزكمة من الزكام‏,‏ يقال به‏(‏ نزلة‏),‏ وقد نزل بضم النون‏.‏





الحديد في القرآن الكريم :

ورد ذكر الحديد في كتاب الله‏(‏ تعالي‏)‏ في ست آيات متفرقات علي النحو التالي‏:‏
‏(1)‏ قل كونوا حجارة أو حديدا‏*‏ ‏(‏ الإسراء‏:50)‏
‏(2)‏ آتوني زبر الحديد‏.....*(‏ الكهف‏:96)‏
‏(3)‏ ولهم مقامع من حديد‏*(‏ الحج‏:21)‏
‏(4):..‏ وألنا له الحديد‏*(‏ سبأ‏:10)‏
‏(5)‏ لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد‏*.(‏ ق‏:22)‏
‏(6)..‏وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس‏..*(‏ الحديد‏:25)‏
وكلها تشير إلي عنصرالحديد ماعدا آية سورة ق والتي جاءت لفظة‏(‏ حديد‏)‏ فيها في مقام التشبيه للبصر بمعني أنه نافذ قوي يبصر به ما كان خفيا عنه في الدنيا‏.‏





شروح المفسرين للآية الكريمة :

ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ في تفسير قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس‏*.‏
أي وجعلنا الحديد رادعا لمن أبي الحق وعانده بعد قيام الحجة عليه‏,‏ ولهذا أقام رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة توحي إليه السور المكية‏,‏ وكلها جدال مع المشركين‏,‏ وبيان وإيضاح للتوحيد‏,‏ وبيناته ودلالاته‏,‏ فلما قامت الحجة علي من خالف‏,‏ شرع الله الهجرة‏,‏ وأمرهم بالقتال بالسيوف وضرب الرقاب‏,‏ وقد روي الإمام أحمد‏,‏ عن ابن عمر قال‏..‏ قال رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له‏,‏ وجعل رزقي تحت ظل رمحي‏,‏ وجعل الذلة والصغار علي من خالف أمري‏,‏ ومن تشبه بقوم فهو منهم‏)‏ ولهذا قال تعالي:‏ (‏ فيه بأس شديد‏)‏ يعني السلاح كالسيوف والحراب والسنان ونحوها‏(‏ ومنافع للناس‏)‏ أي في معايشهم كالسكة والفأس والمنشار والآلات التي يستعان بها في الحراثة والحياكة والطبخ وغير ذلك‏..‏ وقوله تعالي‏(‏ وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب‏)‏ أي من نيته في حمل السلاح نصرة لله ورسوله‏(‏ إن الله قوي عزيز‏)‏ أي هو قوي عزيز ينصر من نصره من غير احتىاج منه إلي الناس‏,‏ وإنما شرع الجهاد ليبلو بعضكم ببعض‏.‏
وذكر صاحبا تفسير الجلالين‏(‏ رحمهما الله‏)‏ في تفسير هذه الآية الكريمة مانصه‏:‏ لقد أرسلنا رسلنا الملائكة إلي الأنبياء‏(‏ بالبينات‏)‏ بالحجج القواطع‏(‏ وأنزلنا معهم الكتاب‏)‏ بمعني الكتب ـو‏(‏الميزان‏)‏ العدل‏,(‏ ليقوم الناس بالقسط‏(‏ وأنزلنا الحديد‏)‏ أي أنشأناه‏,‏ وخلقناه‏,‏ لقوله تعالي‏(‏ وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج‏)‏ أي خلق‏,‏ وقيل‏:‏ أخرجناه من المعادن‏,(‏ فيه بأس شديد‏)‏ يعني السلاح‏,‏ يقاتل به من أبي الحق وعانده بعد قيام الحجة عليه‏,(‏ ومنافع للناس‏)‏ في معايشهم كالفأس والمنشار وسائر الأدوات والآلات‏,(‏ وليعلم الله‏)‏ علم مشاهدة‏,‏ معطوف علي‏(‏ ليقوم الناس‏)(‏ من ينصره‏)‏ بأن ينصر دينه بآلات الحرب من الحديد وغيره‏(‏ ورسله بالغيب‏)‏ حال من هاء‏(‏ ينصره‏)‏ أي غائبا عنهم في الدنيا‏,‏ قال ابن عباس‏:‏ ينصرونه ولايبصرونه‏(‏ إن الله قوي عزيز‏)‏ لاحاجة له إلي النصرة لكنها تنفع من يأتي بها‏.‏
وذكر صاحب الظلال‏(‏ رحمه الله رحمة واسعة‏):‏ وفي النهاية يجيء المقطع الأخير في السورة‏,‏ يعرض باختصار خط سير الرسالة‏,‏ وتاريخ هذه العقيدة من لدن نوح وإبراهيم‏,‏ مقررا حقيقتها وغايتها في دنيا الناس‏,‏ ملما بحال أهل الكتاب‏,‏ وأتباع عيسي ـ عليه السلام ـ بصفة خاصة‏..‏ فالرسالة واحدة في جوهرها‏,‏ جاء بها الرسل ومعهم البينات عليها‏,‏ ومعظمهم جاء بالبينات الخوارق‏..‏ والنص يقول‏:‏ (وأنزلنا معهم الكتاب‏)‏ بوصفهم وحدة‏,‏ وبوصف الكتاب وحدة كذلك‏,‏ إشارة إلي وحدة الرسالة في جوهرها‏.‏
‏(‏والميزان‏)..‏ مع الكتاب‏,‏ فكل الرسالات جاءت لتقر في الأرض‏,‏ وفي حياة الناس ميزانا ثابتا ترجع إليه البشرية‏..‏ ميزانا لايحابي أحدا لأنه يزن بالحق الإلهي للجميع‏,‏ ولايحيف علي أحد لأن الله رب الجميع‏.‏
فلابد من ميزان ثابت يثوب إليه البشر‏..(‏ ليقوم الناس بالقسط‏)!‏
‏(‏ وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس‏,‏ وليعلم الله من ينصره‏,‏ ورسله بالغيب‏)‏ والتعبير بـ‏(‏ أنزلنا الحديد‏)‏ كالتعبير في موضع آخر بقوله تعالي‏(‏ وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج‏)‏ كلاهما يشير إلي إرادة الله وتقديره في خلق الأشياء والأحداث‏...‏ أنزل الله الحديد‏(‏ فيه بأس شديد‏)‏ وهو قوة الحرب والسلم‏(‏ ومنافع للناس‏)‏ وتكاد حضارة البشر القائمة الآن تقوم علي الحديد‏(‏ وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب‏)‏ وهي إشارة إلي الجهاد بالسلاح‏,‏ تجيء في موضعها من السورة التي تتحدث عن بذل النفس والمال‏.‏
ولما تحدث عن الذين ينصرون الله ورسله بالغيب‏,‏ عقب علي هذا بإيضاح معني نصرهم لله ورسله‏,‏ فهو نصر لمنهجه ودعوته‏,‏ أما الله سبحانه فلا يحتاج منهم إلي نصر‏:‏ إن الله قوي عزيز‏..‏
وذكر صاحب ـ‏(‏صفوة البيان لمعاني القرآن‏):..‏ و‏(‏أنزلنا الحديد‏)‏ أي خلقناه لكم‏,‏ كقوله تعالي‏(‏ وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج‏)‏ أي هيأناه لكم‏,‏ وأنعمنا به عليكم‏,‏ وعلمناكم استخراجه من الأرض وصنعته بإلهامنا‏,(‏ فيه بأس شديد‏)‏ أي فيه قوة وشدة‏,‏ فمنه جنة وسلاح‏,‏ وآلات للحرب وغيرها‏,‏ وفي الآية إشارة إلي احتىاج الكتاب والميزان إلي القائم بالسيف‏,‏ ليحصل القيام بالقسط‏,(‏ ومنافع للناس‏)‏ في معاشهم ومصالحهم‏,‏ وما من صنعة إلا والحديد آلتها‏,‏ كما هو مشاهد‏,‏ فالمنة به عظمي‏...‏
وقال صاحب‏(‏ صفوة التفاسير‏)‏ (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد)‏ أي وخلقنا وأوجدنا الحديد فيه باس شديد‏,‏ لأن آلات الحرب تتخذ منه‏,‏ كالدروع والرماح والتروس والدبابات وغير ذلك ومنافع للناس أي وفيه منافع كثيرة للناس كسكك الحراثة والسكين والفأس وغير ذلك‏,‏ وما من صناعة إلا والحديد آلة فيها‏,‏ قال أبوحيان‏:‏ وعبر تعالي عن إيجاده بالإنزال كما قال‏ :‏ (وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج‏)‏ لأن الأوامر وجميع القضايا والأحكام لما كانت تلقي من السماء جعل الكل نزولا منها‏,‏ وأراد بالحديد جنسه من المعادن قاله الجمهور‏.‏
وذكر أصحاب‏(‏ المنتخب في تفسير القرآن الكريم‏)‏ مانصه‏:‏ لقد أرسلنا رسلنا الذين اصطفيناهم بالمعجزات القاطعة‏,‏ وأنزلنا معهم الكتب المتضمنة للأحكام وشرائع الدين والميزان الذي يحقق الإنصاف في التعامل‏,‏ ليتعامل الناس فيما بينهم بالعدل‏,‏ وخلقنا الحديد فيه عذاب شديد في الحرب‏,‏ ومنافع للناس في السلم‏,‏ يستغلونه في التصنيع‏,‏ لينتفعوا به في مصالحهم ومعايشهم‏,‏ وليعلم الله من ينصر دينه‏,‏ وينصر رسله غائبا عنهم إن الله قادربذاته‏,‏ لايفتقر إلي عون أحد‏.‏
وجاءوا في الهامش ببعض من صفات الحديد وفوائده‏.‏




حديد الأرض في العلوم الكونية:

بينما لاتتعدي نسبة الحديد في شمسنا‏0.0037%‏ فإن نسبته في التركيب الكيميائي لأرضنا تصل إلي‏35,9%‏ من مجموع كتلة الأرض المقدرة بحوالي ستة آلاف مليون مليون مليون طن‏,‏ وعلي ذلك فإن كمية الحديد في الأرض تقدر بأكثر من ألفي مليون مليون مليون طنا‏,‏ ويتركز الحديد في قلب الأرض‏,‏ أو مايعرف باسم لب الأرض‏,‏ وتصل نسبة الحديد فيه إلي‏90%‏ ونسبة النيكل‏(‏ وهو من مجموعة الحديد‏)‏ إلي‏9%‏ وتتناقص نسبة الحديد من لب الأرض إلي الخارج باستمرار حتى تصل إلي‏5,6%‏ في قشرة الأرض‏.‏
وإلي أواخر الخمسينيات من القرن العشرين لم يكن لأحد من العلماء إمكانية التصور‏(‏ ولو من قبيل التخيل‏)‏ أن هذا القدر الهائل من الحديد قد أنزل إلي الأرض من السماء إنزالا حقيقيا‏!!‏
كيف أنزل؟ وكيف تسني له اختراق الغلاف الصخري للأرض بهذه الكميات المذهلة؟ وكيف أمكنه الاستمرار في التحرك بداخل الأرض حتى وصل إلي لبها؟ وكيف شكل كلا من لب الأرض الصلب ولبها السائل علي هيئة كرة ضخمة من الحديد والنيكل يحيط بها وشاح منصهر من نفس التركيب‏,‏ ثم أخذت نسبته في التناقص باستمرار في اتجاه قشرة الأرض الصلبة؟
لذلك لجأ كل المفسرين للآية الكريمة التي نحن بصددها إلي تفسير‏(‏ وأنزلنا الحديد‏)‏ بمعني الخلق والإيجاد والتقدير والتسخير‏,‏ لأنه لما كانت أوامر الله تعالي وأحكامه تلقي من السماء إلي الأرض جعل الكل نزولا منها‏,‏ وهو صحيح‏,‏ ولكن في أواخر القرن العشرين ثبت لعلماء الفلك والفيزياء‏,‏ الفلكية أن الحديد لايتكون في الجزء المدرك من الكون إلا في مراحل محددة من حياة النجوم تسمي بالعماليق الحمر‏,‏ والعماليق العظام‏,‏ والتي بعد أن يتحول لبها بالكامل إلي حديد تنفجر علي هيئة المستعرات العظام‏,‏ وبانفجارها تتناثر مكوناتها بما فيها الحديد في صفحة الكون فيدخل هذا الحديد بتقدير من الله في مجال جاذبية أجرام سماوية تحتاج إليه مثل أرضنا الابتدائية التي وصلها الحديد الكوني‏,‏ وهي كومة من الرماد فاندفع إلي قلب تلك الكومة بحكم كثافته العالية وسرعته المندفع بها فانصهر بحرارة الاستقرار في قلب الأرض وصهرها‏,‏ ومايزها إلي سبع أرضين‏!!‏ وبهذا ثبت أن الحديد في أرضنا‏,‏ بل في مجموعتنا الشمسية بالكامل قد أنزل إليها إنزالا حقيقيا‏.‏




أولا‏:‏ إنزال الحديد من السماء :

في دراسة لتوزيع العناصر المختلفة في الجزء المدرك من الكون لوحظ أن غاز الإيدروجين هو أكثر العناصر شيوعا إذ يكون أكثر من‏74%‏ من مادة الكون المنظور‏,‏ ويليه في الكثرة غاز الهيليوم الذي يكون حوالي‏24%‏ من مادة الكون المنظور‏,‏ وأن هذين الغازين وهما يمثلان أخف العناصر وأبسطها بناء يكونان معا أكثر من‏98%‏ من مادة الجزء المدرك من الكون‏,‏ بينما باقي العناصر المعروفة لنا وهي‏(103)‏ عناصر تكون مجتمعة أقل من‏2%‏ من مادة الكون المنظور‏,‏وقد أدت هذه الملاحظة إلي الاستنتاج المنطقي أن أنوية غاز الإيدروجين هي لبنات بناء جميع العناصر المعروفة لنا وأنها جميعا قد تخلقت باندماج أنوية هذا الغاز البسيط مع بعضها البعض في داخل النجوم بعملية تعرف باسم عملية الاندماج النووي تنطلق منها كميات هائلة من الحرارة‏,.‏ وتتم بتسلسل من أخف العناصر إلي أعلاها وزنا ذريا وتعقيدا في البناء‏.‏
فشمسنا تتكون أساسا من غاز الإيدروجين الذي تندمج أنويته مع بعضها البعض لتكون غاز الهيليوم وتنطلق طاقة هائلة تبلغ عشرة ملايين درجة مئوية‏,‏ ويتحكم في هذا التفاعل‏(‏ بقدرة الخالق العظيم‏)‏ عاملان هما زيادة نسبة غاز الهيليوم المتخلق بالتدريج‏,‏ وتمدد الشمس بالارتفاع المطرد في درجة حرارة لبها‏,‏ وباستمرار هذه العملية تزداد درجة الحرارة في داخل الشمس تدريجيا‏,‏ وبازديادها ينتقل التفاعل إلي المرحلة التالية التي تندمج فيها نوي ذرات الهيليوم مع بعضها البعض منتجة نوي ذرات الكربون‏12,‏ ثم الأوكسجين‏16‏ ثم النيون‏20,‏ وهكذا‏.‏
وفي نجم عادي مثل شمسنا التي تقدر درجة حرارة سطحها بحوالي ستة آلاف درجة مئوية‏,‏ وتزداد هذه الحرارة تدريجيا في اتجاه مركز الشمس حتى تصل إلي حوالي‏15‏ مليون درجة مئوية‏,‏ يقدر علماء الفيزياء الفلكية أنه بتحول نصف كمية الإيدروجين الشمسي تقريبا إلي الهيليوم فإن درجة الحرارة في لب الشمس ستصل إلي مائة مليون درجة مئوية‏,‏ مما يدفع بنوي ذرات الهيليوم المتخلقة إلي الاندماج في المراحل التالية من عملية الاندماج النووي مكونة عناصر أعلي في وزنها الذري مثل الكربون ومطلقة كما أعلي من الطاقة‏,‏ ويقدر العلماء أنه عندما تصل درجة حرارة لب الشمس إلي ستمائة مليون درجة مئوية يتحول الكربون إلي صوديوم ومغنيسيوم ونيون‏,‏ ثم تنتج عمليات الاندماج النووي التالية عناصر الألومنيوم‏,‏ والسيليكون‏,‏ والكبريت والفوسفور‏,‏ والكلور‏,‏ والأرجون‏,‏ والبوتاسيوم‏,‏ والكالسيوم علي التوالي‏,‏ مع ارتفاع مطرد في درجة الحرارة حتى تصل إلي ألفي مليون درجة مئوية حين يتحول لب النجم إلي مجموعات التيتانيوم‏,‏ والفاناديوم‏,‏ والكروم‏,‏ والمنجنيز والحديد‏(‏ الحديد والكوبالت والنيكل‏)‏ ولما كان تخليق هذه العناصر يحتاج إلي درجات حرارة مرتفعة جدا لاتتوافر إلا في مراحل خاصة من مراحل حياة النجوم تعرف باسم العماليق الحمر والعماليق العظام وهي مراحل توهج شديد في حياة النجوم‏,‏ فإنها لاتتم في كل نجم من نجوم السماء‏,‏ ولكن حين يتحول لب النجم إلي الحديد فانه يستهلك طاقة النجم بدلا من إضافة مزيد من الطاقة إليه‏,‏ وذلك لأن نواة ذرة الحديد هي أشد نوي العناصر تماسكا‏,‏ وهنا ينفجر النجم علي هيئة مايسمي باسم المستعر الأعظم من النمط الأول أو الثاني حسب الكتلة الابتدائية للنجم‏,‏ وتتناثر أشلاء النجم المنفجر في صفحة السماء لتدخل في نطاق جاذبية أجرام سماوية تحتاج إلي هذا الحديد‏,‏ تماما كما تصل النيازك الحديدية إلي أرضنا بملايين الأطنان في كل عام‏.‏
ولما كانت نسبة الحديد في شمسنا لاتتعدي‏0.0037%‏ من كتلتها وهي أقل بكثير من نسبة الحديد في كل من الأرض والنيازك الحديدية التي تصل إليها من فسحة الكون‏,‏ ولما كانت درجة حرارة لب الشمس لم تصل بعد إلي الحد الذي يمكنها من انتاج السيليكون‏,‏ أو المغنيسيوم‏,‏ فضلا عن الحديد‏,‏ كان من البديهي استنتاج أن كلا من الأرض والشمس قد استمد ما به من حديد من مصدر خارجي عنه في فسحة الكون‏,‏ وأن أرضنا حينما انفصلت عن الشمس لم تكن سوي كومة من الرماد المكون من العناصر الخفيفة‏,‏ ثم رجمت هذه الكومة بوابل من النيازك الحديدية التي انطلقت إليها من السماء فاستقرت في لبها بفضل كثافتها العالية وسرعاتها الكونية فانصهرت بحرارة الاستقرار‏,‏ وصهرت كومة الرماد ومايزنها إلي سبع أرضين‏:‏ لب صلب علي هيئة كرة ضخمة من الحديد‏(90%)‏ والنيكل‏(9%)‏ وبعض العناصر الخفيفة من مثل الكبريت‏,‏ والفوسفور‏,‏ والكربون‏(1%)‏ يليه إلي الخارج‏,‏ لب سائل له نفس التركيب الكيميائي تقريبا‏,‏ ويكون لب الأرض الصلب والسائل معا حوالي‏31%‏ من مجموع كتلة الأرض‏,‏ ويلي لب الأرض إلي الخارج وشاح الأرض المكون من ثلاثة نطق‏,‏ ثم الغلاف الصخري للأرض‏,‏ وهو مكون من نطاقين‏,‏ وتتناقص نسبة الحديد من لب الأرض إلي الخارج باستمرار حتى تصل إلي‏5,6%‏ في قشرة الأرض وهي النطاق الخارجي من غلاف الأرض الصخري‏.‏
من هنا ساد الاعتقاد بأن الحديد الموجود في الأرض والذي يشكل‏35,9%‏ من كتلتها لابد وأنه قد تكون في داخل عدد من النجوم المستعرة من مثل العماليق الحمر‏,‏ والعماليق العظام والتي انفجرت علي هيئة المستعرات العظام فتناثرت أشلاؤها في صفحة الكون ونزلت إلي الأرض علي هيئة وابل من النيازك الحديدية‏,‏ وبذلك أصبح من الثابت علميا أن حديد الأرض قد أنزل إليها من السماء‏,‏ وأن الحديد في مجموعتنا الشمسية كلها قد أنزل كذلك إليها من السماء‏,‏ وهي حقيقة لم يتوصل العلماء إلي فهمها إلا في أواخر الخمسينيات‏,‏ من القرن العشرين‏,‏ وقد جاء ذكرها في سورة الحديد‏,‏ ولايمكن لعاقل أن يتصور ورودها في القرآن الكريم الذي أنزل منذ أكثر من أربعة عشر قرنا علي نبي أمي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ وفي أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين‏,‏ يمكن أن يكون له من مصدر غير الله الخالق الذي أنزل هذا القرآن بعلمه‏,‏ وأورد فيه مثل هذه الحقائق الكونية لتكون شاهدة إلي قيام الساعة بأن القرآن الكريم كلام الله الخالق‏,‏ وأن سيدنا محمدا‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ما كان ينطق عن الهوي‏(‏ إن هو إلا وحي يوحي‏*‏ علمه شديد القوي‏.‏




ثانيا‏:‏ البأس الشديد للحديد :

الحديد عنصر فلزي عرفه القدماء‏,‏ فيما عرفوا من الفلزات من مثل الذهب‏,‏ والفضة‏,‏ والنحاس‏,‏ والرصاص‏,‏ والقصدير والزئبق‏,‏ وهو أكثر العناصر انتشارا في الأرض‏(35,9%)‏ ويوجد أساسا في هيئة مركبات الحديد من مثل أكاسيد‏,‏ وكربونات‏,‏ وكبر يتيدات‏,‏ وكبريتات وسيليكات ذلك العنصر‏,‏ ولايوجد علي هيئة الحديد النقي إلا في النيازك الحديدية وفي جوف الأرض‏.‏
والحديد عنصر فلزي شديد البأس‏,‏ وهو أكثر العناصر ثباتا وذلك لشدة تماسك مكونات النواة في ذرته التي تتكون من ستة وعشرين بروتونا‏,‏ وثلاثين نيوترونا‏,‏ وستة وعشرين إليكترونا‏,‏ ولذلك تمتلك نواة ذرة الحديد أعلي قدر من طاقة التماسك بين جميع نوي العناصر الأخرى‏,‏ ولذا فهي تحتاج إلي كميات هائلة من الطاقة لتفتيتها أو للإضافة إليها‏.‏
ويتميز الحديد وسبائكه المختلفة بين جميع العناصر والسبائك المعروفة بأعلي قدر من الخصائص المغناطيسية‏,‏ والمرونة‏(‏ القابلية للطرق والسحب وللتشكل‏)‏ والمقاومة للحرارة ولعوامل التعرية الجوية‏,‏ فالحديد لاينصهر قبل درجة‏1536‏ مئوية‏,‏ ويغلي عند درجة‏3023‏ درجة مئوية تحت الضغط الجوي العادي عند سطح البحر‏,‏ وتبلغ كثافة الحديد‏7,874‏ جرام للسنتيمتر المكعب عند درجة حرارة الصفر المطلق‏.‏




ثالثا‏:‏ منافع الحديد للناس :

للحديد منافع جمة وفوائد أساسية لجعل الأرض صالحة للعمران بتقدير من الله‏,‏ ولبناء اللبنات الأساسية للحياة التي خلقها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ فكمية الحديد الهائلة في كل من لب الأرض الصلب‏,‏ ولبها السائل تلعب دورا مهما في توليد المجال المغناطيسي للأرض‏,‏ وهذا المجال هو الذي يمسك بكل من الغلاف الغازي والمائي والحيوي للأرض‏,‏ وغلاف الأرض الغازي يحميها من الأشعة والجسيمات الكونية ومن العديد من أشعات الشمس الضارة‏,‏ ومن ملايين الأطنان من النيازك‏,‏ ويساعد علي ضبط العديد من العمليات الأرضية المهمة من مثل دورة كل من الماء‏,‏ والأوكسجين‏,‏ وثاني أكسيد الكربون‏,‏ والأوزون وغيرها من العمليات اللازمة لجعل الأرض كوكبا صالحا للعمران‏.‏
والحديد لازمة من لوازم بناء الخلية الحية في كل من النبات والحيوان والانسان إذ تدخل مركبات الحديد في تكوين المادة الخضراء في النباتات‏(‏ الكلوروفيل‏)‏ وهو المكون الأساسي للبلاستيدات الخضراء التي تقوم بعملية التمثيل الضوئي اللازمة لنمو النباتات‏,‏ ولانتاج الأنسجة النباتية المختلفة من مثل الأوراق والأزهار‏,‏ والبذور والثمار والتي عن طريقها يدخل الحديد إلي أنسجة ودماء كل من الانسان والحيوان‏,‏ وعملية التمثيل الضوئي هي الوسيلة الوحيدة لتحويل طاقة الشمس إلي روابط كيميائية تختزن في أجساد جميع الكائنات الحية‏,‏ وتكون مصدرا لنشاطها أثناء حياتها‏,‏ وبعد تحلل أجساد تلك الكائنات بمعزل عن الهواء تتحول إلي مختلف صور الطاقة المعروفة‏(‏ القش‏,‏ والحطب‏,‏ والفحم النباتي‏,‏ والفحم الحجري‏,‏ والغاز الفحمي والنفط‏,‏ والغاز الطبيعي وغيرها‏),‏ والحديد يدخل في تركيب بروتينات نواة الخلية الحية الموجودة في المادة الحاملة للشفرة الوراثية للخلية‏(‏ الصبغيات‏)‏ كما يوجد في سوائل الجسم المختلفة‏,‏ وهو أحد مكونات الهيموجلوبين وهي المادة الأساسية في كرات الدم الحمراء‏,‏ ويقوم الحديد بدور مهم في عملية الاحتراق الداخلي للأنسجة والتمثيل الحيوي بها‏.‏ ويوجد في كل من الكبد‏,‏ والطحال والكلي‏,‏ والعضلات والنخاع الأحمر‏,‏ ويحتاج الكائن الحي إلي قدر محدد من الحديد إذا نقص تعرض للكثير من الأمراض التي أوضحها فقر الدم والحديد عصب الصناعات المدنية والعسكرية فلا تكاد صناعة معدنية أن تقوم في غيبة الحديد‏.‏

العلاقة بين رقم سورة الحديد في المصحف الشريف ورقم الآية في السورة بكل من الوزن الذري والعدد الذري للحديد علي التوالي

للحديد ثلاثة نظائر يقدر وزنها الذري بحوالي‏57,56,54‏ ولكن أكثرها انتشارا هو النظير الذي يحمل الوزن الذري‏56(55,847).‏
ومن الغريب أن رقم سورة الحديد في المصحف الشريف هو‏57,‏ وهو يتفق مع الوزن الذري لأحد نظائر الحديد‏,‏ ولكن القرآن الكريم يخاطب المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في سورة الحجر بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم‏(‏ الحجر‏:87)‏
وواضح من هذه الآية الكريمة أن القرآن الكريم بنصه يفصل فاتحة الكتاب عن بقية القرآن الكريم‏,‏ وبذلك يصبح رقم سورة الحديد‏(56)‏ وهو الوزن الذري لأكثر نظائر الحديد شيوعا في الأرض‏,‏ كذلك وصف سورة الفاتحة بالسبع المثاني وآياتها ست يؤكد أن البسملة آية منها‏(‏ ومن كل سورة من سور القرآن الكريم ذكرت في مقدمتها‏,‏ وقد ذكرت في مقدمة كل سور القرآن الكريم ماعدا سورة‏(‏ التوبة‏)‏ وعلي ذلك فإذا أضفنا البسملة في مطلع سورة الحديد إلي رقم آية الحديد وهو‏(25)‏ أصبح رقم الآية‏(26)‏ وهو نفس العدد الذري للحديد‏,‏ ولايمكن أن يكون هذا التوافق الدقيق قد جاء بمحض المصادفة لأنها لايمكن أن تؤدي إلي هذا التوافق المبهر في دقته‏,‏ وصدق الله العظيم الذي قال في وصفه للقرآن الكريم‏.‏
لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفي بالله شهيدا‏*‏ ‏(‏النساء‏:166)‏
وقوله تعالي (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا )‏(‏النساء‏82 )


بقلم : د. زغلول النجار



ملحوظة : أتذكر أنه كانت هناك جملة مكتوبة في كتاب الكيمياء الخاص بي أثناء المرحلة الثانوية مكتوبة بالنص "ولا يوجد الحديد بصورة نقية إلا في النيازك القادمة من السماء" .... وأعتقد أنه من كان يذاكر ومتفوق في الكيمياء سيتذكر ذلك النص http://www.horras.net/vb/images/smilies/smile.gifhttp://www.horras.net/vb/images/smilies/smile.gifhttp://www.horras.net/vb/images/smilies/smile.gif


بن الإسلام 13.05.2010 14:39



{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283) } سورة البقرة







إنها آية "الدَّيْن" أطول آية في القرآن الكريم تحدث فيها المولى تبارك وتعالى عن القوانين التي تنظم العمليات التجارية بين الناس بشكل مذهل، وهذا سبق قرآني مهم في علم القانون ....

يتميز كتاب الله عز وجل بأنه كتاب صالح لكل زمان ومكان، ولذلك فهو شامل لكل العلوم التي يحتاجها الإنسان في حياته، ومنها علم القانون والقضاء، وربما نعجب إذا علمنا أن معظم القوانين الوضعية التي يفتخر رجال القانون باكتشافها ووضعها، معظمها موجود في كتاب الله تعالى، ومن هذه القوانين ما ينظم شؤون الدين والعقود والبيع والشراء، أو ما يسمى بنظام الكاتب بالعدل.
وإذا ما تأملنا اليوم هذا النظام نرى بأنه يتضمن العديد من القوانين وجميعها موجود في القرآن ولكن بصورة أكثر بلاغة ووضوحاً. وسوف نعدد بعضاً من الأنظمة التي وضعها رجال القانون في فرنسا منذ أكثر من قرنين، وأخذتها معظم الدول العربية فيما بعد على أنها نتاج الحضارة الغربية "المتقدمة" ثم تبيّن بعد ذلك أن هذه القوانين هي ذاتها في كتاب الله تبارك وتعالى!
والذي يثير العجب أن الله تعالى جمع كل هذه المعاملات في آية واحدة من القرآن وهي آية الدَّين وهي أطول آية في كتاب الله تبارك وتعالى، لنتأمل هذه المعجزات التشريعية الرائعة.





1- نظام التوثيق :
في القرن السابع الميلادي لم يكن مألوفاً لدى العرب أو لدى الأمم من حولهم عملية توثيق البيع والشراء. فقد كانت العمليات التجارية تتم عشوائياً من دون أي تنظيم، إلا في حدود ضيقة جداً. وبقي الوضع على ما هو عليه حتى جاء الإسلام عندما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتوثيق العمليات التجارية بين الناس.
وبالطبع لم يأت النبي بهذا النظام من تلقاء نفسه، بل بأمر إلهي في قوله تعالى:(إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) [البقرة: 282]، ولذلك يمكن القول بأن أول تنظيم للعمليات التجارية تم في العهد الإسلامي. وفي العصر الحديث جاءت الثورة الفرنسية، وبدأت بعدها صياغة مجموعة من القوانين التي تنظم العمليات التجارية، والعجيب أن هذه القوانين ذاتها موجودة في القرآن العظيم!






2- نظام الكاتب بالعدل :
هذا النظام لم يكن معروفاً في الدول المتقدمة إلا حديثاً، ثم أخذته الدول العربية منها، ونسينا بأن هذا النظام موجود في القرآن الكريم قبل أربعة عشر قرناً في قوله تعالى: (وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ)، ولذلك يجب القول بأن نظام الكاتب بالعدل والذي يهدف لتوثيق عمليات البيع والشراء بين الناس، هو نظام قرآني وليس نظاماً غربياً!
ثم إن القرآن أمر بكتابة كافة التفاصيل في العَقد، وكتابة العقود فنّ قائم بذاته، لأن كلمة واحدة قد تغير مضمون العقد بشكل كامل، ولذلك فإن القوانين الحديثة تقول بأنه ينبغي كتابة كل التفاصيل صغيرة أو كبيرة، وهذا ما أشار إليه القرآن بقول تعالى: (وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ)، انظروا معي كيف تحدد هذه الآية الأجل أو المدة في العقد، ويقول خبراء القانون، إن أهم ركن من أركان العقد هو الأجل أو مدة العقد أو زمن تسديد الدين!
القوانين الحديثة تقول بأنه ينبغي على الكاتب بالعدل أن يكتب الحقيقة كاملة ولا يتواطأ مع أحد الفريقين على حساب الآخر، وهذا ما أكده القرآن ولم يغفل عنه بقوله تعالى: (وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ).
كذلك تقول القوانين الحديثة إنه يجب الإقرار من قبل كلا الطرفين وبخاصة الطرف الدائن أو البائع أو صاحب السلعة، وأن يكون الإقرار واضحاً لا لبس فيه، والعجيب أن القرآن ذكر هذا الأمر أيضاً، يقول تعالى: (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ) "يملل" أي يردد العبارات التي تفيد بأنه موافق على عملية الدين أو البيع.







3- نظام الوليّ والوكالة :
هناك أشخاص ليس لديهم القدرة على البيع والشراء وليسوا مؤهلين قانونياً لمثل هذه العمليات، ومنهم الأطفال والمصابين بأمراض عقلية وهؤلاء أجاز لهم القانون اتخاذ ولي أو وكيل لهم ينوب عنهم في العقد. والقرآن أيضاً لم ينسَ ذلك وقد ذكر هذا الأمر بقوله تعالى: (فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْل)، وتأملوا معي التأكيد القرآني على العدل دائماً (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْل) لأن العدل أساس النظام القضائي الناجح.
بالنسبة لقوانين الوكالات في البلاد العربية فإن هذا النظام مأخوذ بالكامل من القوانين الفرنسية والغربية، حيث أن الناس اليوم ليس لديهم خبرة في أمور القانون فيلجأون إلى محامٍ ينوب عنهم في متابعة القضية التجارية أو غيرها، مع العلم أن القرآن قد طرح هذا التشريع قبل 1400 سنة، وذلك من خلال قوله تعالى: (أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ)، فالولي أو الوكيل هو الشخص الذي ينوب عن صاحب العلاقة الأصلي، وهو ما نسميه بالوكالة.







4- نظام الشهود :
نظام الشهادة مهم جداً لحل أي نزاع قانوني ينشأ بين المتخاصمين، وقد تم تطوير هذا النظام عبر السنين حيث تم وضع ضوابط تنظم عمل الشهود والعجيب أن القرآن طرح هذا التشريع بل وأمر به وهو أن يكون هناك شهود على أي عملية تجارية، ونظام الشهود معروف في القوانين الغربية، ويعتبرونه من إنجازاتهم، مع العلم أن القرآن قد سبقهم إلى هذا الأمر قبل ذلك بزمن طويل. يقول تعالى: (وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ)، ثم يقول بعد ذلك محدداً عدد الشهود اللازم، ولضمان عدم كذب الشاهد: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ).
وهنا تجدر الإشارة إلى أن القرآن ميز بين الرجل والمرأة، فالشهادة عملية دقيقة وحساسة ويتوقف عليها مصالح الناس، وبالتالي فإن شهادة المرأة الواحدة لا تكفي لا بد من امرأتين،
(فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) لماذا؟ ببساطة دماغ المرأة أصغر من دماغ الرجل بنسبة 10 % على الأقل، وكفاءة دماغ المرأة في عمليات التذكر واستحضار المعلومات وسرعة معالجتها أقل من الرجل، وهذه حقيقة علمية سبق القرآن إليها! ولذلك قال تعالى: (أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى).
كذلك فإن القوانين الحديثة تؤكد على ضرورة امتثال الشاهد للشهادة أمام القاضي، ولا يجوز له أن يتخلف عنها، ويؤكدون أن ذلك ضروري من أجل نجاح القضاء وتحقيق العدالة. العجيب يا أحبتي أن القرآن لم يغفل ذلك!! يقول تعالى: (وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا).
كذلك حدد القرآن نوعية الشهود وأن يكونوا صادقين: (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ)، وهذا ما تقول به القوانين الحديثة، حيث يطلب القاضي أن يكون الشاهد عدلاً صادقاً، ولا تُقبل شهادة الكاذب أو الذي اشتهر بالكذب.







5- نظام التجارة الحاضرة :
يقول خبراء القانون: ليس ضرورياً كتابة كل شيء في العمليات التجارية الجارية، حيث يتعذر على التاجر أن يكتب العمليات التي تتم بالبيع نقداً دون أجل، وبالتالي فإن ذلك يسهل الكثير من العمليات التجارية الجارية، والعجيب أن القرآن قد أشار إلى ذلك ولم يغفل عنه، يقول تعالى: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ)، فمثل هذا النوع من أنواع البيع والشراء ليس ضرورياً أن يكتب أو يوثق، قال تعالى بعد ذلك: (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا)، ولذلك فإن القرآن وضع أساساً للعمليات التجارية.
والقرآن يؤكد دائماً على نقطة لا نجدها في القوانين الوضعية، وهي أن الله تعالى يعلم كل شيء، ويعلم ما في النفوس، ولذلك قال: (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، وهذا أسلوب نفسي رائع لضمان تطبيق هذه القوانين وعدم التلاعب فيها، أو التحايل على القانون كما نراه اليوم. فعندما تدرك أيها البائع أو أيها المشتري أن الله يعلم ما تفكر به، ويعلم نيَّتك وسوف يحاسبك عليها، والعقوبة ستكون نار جهنم، عندها لابد أن تنضبط وتطبق ما أمرك الله تعالى به، وهنا تتجلى روعة هذه القوانين الإلهية.







6- نظام الرهن :
هناك نظام مهم في العمليات التجارية هو الرهن، وربما نتذكر الأزمة المالية العالمية وأحد أسبابها إساءة هذا النظام، وعقد صفقات وهمية مع البنوك، مما أدى إلى انهيار النظام المالي العالمي. هذا الرهن تحدث عنه القرآن ونظّمه بقول تعالى: (فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ)، ولذلك فإن القرآن سبق القانونيين في الغرب إلى مثل هذا النظام، ولم يكتف بذلك (كما تفعل البنوك اليوم) بل أمر بأداء الأمانة بقوله تعالى: (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ)، وسبحان الله! لو تأملنا معظم الدعاوى والشكاوى في المحاكم وجدناها تحت بند "إساءة الأمانة"، ولو أن الناس طبقوا هذه الآية لزالت كل المشاكل والقضايا التي تساهم في دمار الاقتصاد العالمي.







7- نظام حماية الشهود وعقوبة الشهادة الكاذبة :
يؤكد المشرعون حديثاً على ضرورة الاهتمام بموضوع حماية الشهود، وهذا الموضوع أخذ مساحة كبيرة من المؤتمرات والمناقشات بهدف تحسين حماية الشهود، حتى إن بعض القانونيين يعتبرون أن النظام القضائي لن يكون ناجحاً من دون تأمين الحماية الكافية للشهود، وعدم خوفهم من بطش أحد الفريقين المتخاصمين.
ربما نعجب أن هذه الآية العظيمة لم تغفل هذا الجانب المهم، بل أضافت له جانباً مهماً وهو حماية الكاتب بالعدل أيضاً، ولذلك قال تعالى: (وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ)، وحذر من خطورة الإضرار بالشهود أو بالكاتب، فقال: (وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ). ومثل هذه التعاليم تجد صدى كبيراً في النفس البشرية. ولكن الشاهد أحياناً لا يقول الحقيقة كاملة، وهذا يحدث كثيراً في المحاكم، فهل نسي القرآن هذا الأمر المهم؟
بالطبع الله لا ينسى أي شيء، كيف ينسى وهو خالق كل شيء عز وجل، ولذلك قال: (وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ)، فهذا أمر صريح بضرورة قول الحقيقة كاملة، وانظروا كيف أن الله تعالى أمر باتخاذ الشهود، ونظم عملهم وأمر بحمايتهم وأمرهم بقول الحقيقة، وهذا ما نجده في القوانين الحديثة.







أطول آية في القرآن :
والآن نأتي إلى النص الكريم الذي ينظم هذه العلاقات ويعطي كل ذي حق حقه، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [البقرة: 282-283].
هناك شيء ملفت للانتباه في هذه الآية العظيمة، وهي موضوع التقوى الذي تكرر ثلاث مرات: في قوله تعالى: (وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا) : أمر إلهي بالتقوى وأن الله يراك ويرقبك، ولذلك إياك أيها المشتري أن تأخذ ما ليس لك، أو تنقص من قيمة البضاعة بل أعط صاحبها حقه كاملاً. وقوله (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ) : وهنا أمر إليه بالتقوى للجميع (الكاتب والشهود والبائع والمشتري). وقوله (وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ) : أمر بالتقوى وعدم كتمان الشهادة. ولكن ماذا يعني ذلك؟
إن مشكلة القوانين الوضعية أنه عند غياب الرقيب، فلا توجد وسيلة فعالة تمنع الإنسان من الخطأ أو الغش أو إساءة الأمانة، ولكن القرآن جعلك تشعر بمراقبة الله لك في كل لحظة، وهنا ضمن التطبيق العملي للقوانين حتى أثناء غياب الرقابة عليه، وهذه هي عظمة التشريعات الإلهية.
كذلك يؤكد خبراء القانون أن وضع القانون لا يكفي إنما ينبغي وضع الآلية التي تضمن تطبيق القوانين، مثل دراسة جدوى هذه القوانين وفائدتها وانعكاساتها على المجتمع، والعجيب أن القرآن لم يغفل هذه الناحية الهامة، ولم يضع القوانين من دون هدف وحكمة وتوجيه، بل وضع التوجيهات اللازمة والتي تضمن تطبيق هذه القوانين، ولذلك فقد وضع لنا الله ثلاثة أهداف من هذه القوانين وهي في قوله تعالى: (ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا) :



1- ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ: انظروا معي كيف يضع القرآن دائماً وفي مقدمة الأهداف، التوجه إلى الله تعالى، فقبل كل شيء، يجب أن تشعر بمراقبة الله لك، وعندما تحقق ذلك فإنه يستحيل أن تخون الأمانة أو تغش أو تبخس الآخرين حقوقهم، وهذا ما لم تحققه القوانين الوضعية التي "تهمل" وجود خالق عظيم يتصرف بهذا الكون، ولذلك نرى بأن تطبيق القوانين الوضعية يكون ضعيفاً، وغالباً ما تخضع لتعديلات وإضافات مستمرة، على عكس القوانين الإلهية الثابتة.
2- وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ: هذا الهدف يحدد الطريقة المثالية للتعامل من خلال توضيح الشهادة، حيث أن معظم النزاعات التجارية التي نراها اليوم، تحدث نتيجة غموض العقد والتباس ذلك على الشهود، ولكن القرآن كان حريصاً على التدقيق على هذه النقطة، أي ضرورة إحكام الشهادة ووضوحها وتوثيقها، وضمان عدم الالتباس والابتعاد عن الأخطاء.
3- وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا:هذا الهدف مهم جداً لدفع أية شبهة أو خطأ أو ارتياب. ويقول القانونيون والمشرعون، من الضروري جداً أن تتم كتابة العقد بوضوح كامل مراعية كل التفاصيل، وأن يتم دفع أي ارتياب يمكن أن يحدث. ونقول أليس هذا ما أمر به القرآن؟
النظام القرآني للعمليات التجارية يتميز بأنه صادر من الله تعالى، ولذلك فإنه يمثل أمراً إلهياً من تركه فقد أثم، ومن فعله أخذ الأجر والثواب، وهذا لا نجده في القوانين الوضعية التي جاءت فقط لحماية الحقوق.
قد يقول قائل كيف يمكن بكلمات قليلة أن نختصر كتب القانون التي تملأ المكتبات والجامعات؟ ونقول إن المسلمين بفضل هذه التعليمات القليلة بكلماتها ولكنها عظيمة بأثرها، استطاعوا أن يفتحوا العالم وأن يحقوا العدل بشكل لم يحققه أحد على مر العصور!! وهذا يدل على أثر تعاليم القرآن على الناس، ولكننا عندما ابتعدنا عن هذا الكتاب وعن تعاليم الخالق عز وجل، ركبتنا الهموم وأصبحنا أكثر الأمم تخلفاً: غثاء كغثاء السيل!!
وقد يقول آخر: هناك العديد من القوانين في شريعة حمورابي والقوانين الرومانية والقوانين التي كانت سائدة في حضارة الصين والهند وغيرها قبل الإسلام، ونقول: إن هذه القوانين كانت مزيجاً من الصواب والخطأ، بل هذه القوانين كانت تعطي الحصانة المطلقة للملك أو الإمبراطور، والذي فعله الإسلام أنه صحح القوانين الخاطئة، وأبقى على القوانين الصحيحة، وهذا لم يكن باستطاعة بشر يعيش في ذلك الزمن، ولذلك فإن هذه الآية من آيات الإعجاز التشريعي والتي تشهد على صدق القرآن وأنه كتاب صالح لكل زمان ومكان.
ونقول بالله عليكم: هل يمكن لإنسان يتهمونه بالتخلف والإرهاب، أن يأتي بمثل هذه التشريعات التي تعمل بها اليوم كبرى الدول في العالم؟ إنه دليل صادق على أنه رسول من عند الله عز وجل، وأنه كما وصفه ربه بقوله: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 188]. ولابد من السؤال: من أين جاء هذا النبي بتشريعات دقيقة كهذه، واختصرها في آية واحدة، لو لم يكن رسولاً من عند الله؟!

بقلم : م/عبد الدايم الكحيل .


http://thumbs.bc.jncdn.com/9e2375ec4...6b7b67d_lm.jpg



http://1.bp.blogspot.com/_D_-QmZJHij.../writing-2.png


بن الإسلام 13.05.2010 14:40



{ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) } سورة النحل


كثير منا يحب أن يطيل النظر إلى البحر لفترات طويلة لرقة وبديع منظره .... فترتاح للنظر إليه وتريح نظرك وتهدأ بالًا لروعة الألوان الهادئة بين السماء والأرض وسحر الطبيعة فيما بينهما ...


http://www.world-travel-photos.com/p...bique/3055.jpg


ولكن ..

هل جربت أن تنظر للبحر بنظرة مغايرة ....هل نظرت للبحر ذات مرة وأيقنت أنه سخر لأجلك أنت .. كإنسان ؟
وهل بذلت أي مجهود في معرفة ذلك وتفكرك فيه ..؟؟
عندما تقف على شاطي البحر قد ترى السفن وهي تشق الموج مع اتجاه الريح مقبلة ومدبرة دون غوصها في القاع ... قد يتوغل إلى عقلك السبب العلمي لطفو السفينة من وضع مركز ثقلها وقوانين أرشميدس للطفو.... ولكن هل سألت نفسك من الذي صنع الظاهرة التي سُطرت لها هذه القوانين ؟!!

أنظر إلى البحر مرة أخرى .. هل أدركت ما في أعماقه من كائنات وأحياء بديعة تشكل لك أنت حياة كاملة : لحومًا طرية : أسماك وكائنات بحرية لتأكلها , أو تستخرج منها الزيت كالحيتان .... أو البيض كغذاء (الكافيار) ... وهذه الأنواع مصادر غنية للفيتامينات والأملاح المعدنية الهامة للجسم كالكبريت واليود والكالسيوم والفوسفور والصوديوم ... كذلك قإن بيض السمك عالي جدًا من ناحية قيمته الغذائية ... كما أن الدهون الموجودة في السمك ذات أحماض غير مشبعة مفيدة لمرضى القلب وتصلب الشرايين ... كما أن الدهون الموجودة في الأسماك سهلة الهضم إذا ما قورنت بدهون اللحوم الحمراء ... وسبحان الله العظيم كل هذه الفوائد في لحوم الأسماك ...!! هذا بالإضافة إلى الحلي التي تستخرج من البحار كاللؤلؤ والمرجان ...

تأمل ... كل هذه الحياة في عالم البحر فقط من قاعه إلى سطحه ... إعجاز ونعم لا تحصى ولا تعد .... فسبحان الذي "سخر" لنا البحر بكل ما فيه .. لنتأمل .. ونقول سبحان الله العظيم .. خالق كل شئ !




http://forum.asr1r.com/imgcache2/25832.gif

http://www.aawsat.com/2007/07/14/ima...ly1.428011.jpg


http://www.crystal-cure.com/pics/necklace-picoral.jpg

بن الإسلام 13.05.2010 14:41



{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) } سورة يس






هل الشمس تدور أم تجري؟
لنتأمل هذه النفحة الإعجازية من كلام الحق تبارك وتعالى، وهي رد على من يشكك في هذا القرآن، لنستخدم لغة الحقائق والصور العلمية لنثبت أن القرآن هو الحق....



أحبتي في الله! لن أطيل عليكم في هذه المقالة، فقط أحببت أن أبث إليكم هذه النفحة الإعجازية الرائعة، فالمؤمن الذي يحب القرآن يحب دائماً أن يحدث الآخرين عما يحب: عن عجائبه وأسراره والأشياء المذهلة فيه، وإذا ما تحدث عنه أحد بسوء تجده يغار على حبيبه ويدافع عنه وهذا ما يدعوني دائماً للاستمرار في هذه المقالات.
فالمشككون لم يتركوا كلمة في كتاب الله إلا وانتقدوها بغير حق، لم يتركوا حقيقة علمية إلا وحاولوا أن يثبتوا خطأها، ولكن هيهات أن يفعلوا ذلك، ومن الأشياء التي خرجوا بها علينا أن القرآن قد أخطأ علمياً في استخدام كلمة (يجري) بالنسبة للشمس والقمر، والأدق علمياً كما يقولون أن يستخدم كلمة (يدور) لأن القمر يدور حول الأرض والشمس تدور حول مركز المجرة...


لنتأمل أولاً كيف عبر القرآن عن حركة الشمس، يقول تعالى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [يس: 38]. والآن لنذهب إلى علماء الغرب أنفسهم والذين لم يؤمنوا بالقرآن، ماذا يقولون؟ إن ظاهرة حركة الشمس لفتت انتباه أحد العلماء ففكر أن يدرس المسار الحقيقي للشمس فيما لو نظرنا إليه من خارج المجرة، وبالطبع الشمس هي نجم في مجرتنا التي تحوي أكثر من 100000000000 نجم!!


هذه صورة لمجرة تشبه مجرتنا، وتحوي هذه المجرة أكثر من مئة ألف مليون نجم، وكل نجم يمكن أن يكون أصغر من الشمس أو أكبر منها أو بحجمها، وأريد أن أخبركم أن الكون يحوي أكثر من مئة ألف مليون مجرة كهذه!!! فهل تدركون معي عظمة هذا الكون وعظمة خلق السماوات والأرض؟ إذا اقرأوا قوله تعالى: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [غافر: 57]. المصدر NASA .






إن حركة الشمس كانت لغزاً محيراً لآلاف السنين، فطالما نظر الناس إلى الأرض على أنها ثابتة وأن الشمس تدور حولها، ولكن تبين فيما بعد أن هذا الاعتقاد خاطئ، والسبب في ذلك هو ببساطة أن كتلة الشمس أكبر من كتلة الأرض بأكثر من مليون مرة، وبالتالي لا يمكن للأرض أن تجذب الشمس إليها بل العكس هو الصحيح.
فالشمس وبسبب كتلتها الكبيرة تجذب جميع الكواكب إليها تماماً كما تجذب الأرض القمر الذي هو أصغر من الأرض بكثير، ولذلك أيقن العلماء أن الشمس ثابتة والأرض تدور حولها! ولكن هل هذه هي الحقيقة كاملة؟
لقد اكتشفوا بعد ذلك أن هذه الشمس تنجذب باتجاه مركز مجرتنا (درب التبانة)، بل وتدور حوله بشكل دقيق ومحسوب تتراوح سرعة الشمس في دورانها حول مركز المجرة 200-250 كيلو متر في الثانية. فقالوا إن الشمس تدور حول مركز المجرة، وأخيراً وجدوا أن للشمس حركة أخرى صعوداً وهبوطاً، لقد أصبح الأمر أكثر تعقيداً.
لقد قام العلماء بدراسة حركة الشمس (المجموعة الشمسية) لمعرفة المسار الدقيق الذي ترسمه الشمس أثناء دورانها حول مركز المجرة. وقد وجدوا أن الشمس لا تدور دوراناً بل تجري جرياناً حقيقياً!! وأن جريانها يشبه جريان الخيل في حلبة السباق!

هذه صورة للشمس بالأشعة السينية، إنها تمتد لأكثر من مليون كيلو متر وتظهر وكأنها فرن نووي ملتهب، إنها تزن أكثر من 99 % من وزن المجموعة الشمسية، لذلك فهي تجذب الكواكب إليها وتجعلها تدور حولها، وتتحرك الشمس وتسبح مع كواكبها ومنها الأرض والقمر. وتبلغ درجة الحرارة على سطحها 6000 درجة مئوية، وهي تبث من الطاقة في ثانية واحدة ما يكفي العالم بأكمله لمدة مئة ألف سنة!! المصدر NASA .





لقد وجد العلماء أن للشمس حركتين داخل المجرة: الأولى حركة دورانية حول مركز المجرة، والثانية حركة اهتزازية للأعلى وللأسفل، ولذلك فإن الشمس تبدو وكأنها تصعد وتنزل وتتقدم للأمام! وتتم الشمس دورة كاملة حول مركز المجرة خلال 250 مليون سنة! ويستغرق صعود الشمس وهبوطها بحدود 60 مليون سنة، وهكذا تصعد وتهبط وتتقدم مثل إنسان يجري.
أيها الأحبة لقد قمتُ بدراسة حركة جريان الخيول في السباق بهدف رؤية المسار الحقيقي لجريان هذه الخيول وقد وجدتُ أن المنحني الذي يرسمه الحصان في جريانه يتطابق مع ذلك المنحني الذي ترسمه الشمس في جريانها! هل هذه مصادفة!

نرى في هذه الصورة على اليمين المسار الذي ترسمه الشمس خلال حركتها في المجرة، فهي تتم دورة كاملة كل 250 مليون سنة، وتتم هزة كاملة للأعلى والأسفل كل 60 مليون سنة تقريباً. على اليسار نرى المسار الذي ترسمه الخيول أثناء جريانها، ونلاحظ أنه يشبه إلى حد بعيد مسار الشمس، ولذلك فإن كلمة (تجري) دقيقة جداً من الناحية العلمية. المصدر (Nature).







الجريان باتجاه المستقر :
لقد وجد العلماء بعد دراسات معمقة أن الشمس تجري باتجاه محدد أسموه مستقر الشمس أو solar apex ويعرفه الفلكيون كما يلي:
A point toward which the solar system is moving; it is about 10° southwest of the star Vega.
أي هو النقطة التي تتحرك الشمس (مع كواكبها) باتجاهها أي بزاوية تميل 10 درجات جنوب غرب نجم النسر بسرعة تقدر بحدود 19.4 كيلو متر في الثانية. المهم أن القرآن قد أشار إلى وجود مستقر ما للشمس في قوله تعالى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [يس: 38].
جريان النجوم
من عجائب المقالات التي قرأتها مقالة بعنوان Star Streaming أي "جريان النجوم"، فقد وجد العلماء بعد دراسات طويلة أن النجوم بما فيها الشمس جميعها تتدفق بما يشبه النهر أو الجدول، ووجدتهم يستخدمون كلمة (يجري) أو Stream للتعبير عن حركة الشمس والنجوم، وهي الكلمة القرآنية ذاتها!!! ووجدتهم يستخدمون كلمة Rest أي المستقر وهي نفس الكلمة القرآنية أيضاً!!


نرى في هذا الرسم كيف يعبر علماء الغرب عن حركة الشمس والنجوم، ويرسمونها ضمن مجرى يشبه مجرى النهر، ووجدوا أن حركة الشمس في هذا المجرى تشبه حركة الأمواج صعوداً وهبوطاً ولذلك يعبرون عن هذه الحركة بكلمة Stream أي تجري! وتأملوا معي كيف يعبر العلماء عن حركة هذه النجوم بالتدفق مثل الماء الذي يجري في النهر، وكيف أن القرآ، سبقهم إلى هذا التهبير بشكل أدق، يقول تعالى: (وكل في فلك يسبحون) فسبحان الله! المصدر Star Streaming, www.astrology.com





المجرات تجري :
ولذلك فإن علماء الغرب اليوم وفي أحدث الأبحاث العلمية يشبهون حركة المجرات أيضاً بحركة الماء داخل مجرى النهر، بل إنهم عندما رسموا خريطة للكون وجدوا أن الكون عبارة عن "شبكة طرق" تتدفق خلالها المجرات بشكل بديع يشهد على عظمة الخالق عز وجل! ويصف أحد علماء ألمانيا وهو الدكتور ميلر حركة المجرات بأنها أشبه بسائل يتدفق Flow ويجري ضمن قنوات محددة، أليس القرآن يصف هذا المشهد بشكل أدق في قوله تعالى: (وكل في فلك يسبحون) [يس: 40]؟؟


تأملوا معي هذه الشبكة من المصابيح المضيئة، إن كل نقطة مضيئة هي عبارة عن مجرة تجري وتتدفق بنظام مذهل، ويقول العلماء إن المجرات تتشكل وتتدفق وتجري على طول هذه الخيوط الكونية. وتأملوا معي "العقدة" المضيئة في الوسط (وهي تجمع لآلاف المرجيات) وكأنها تربط بين هذه الخيوط في نسيج محكم لا يعلم مداه إلى الله تعالى! المصدر مختبرات ماكس بلانك – ألمانيا.








جريان القمر :
يقول تعالى: (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) [الرعد: 2]. هذه الآية تؤكد بأن القمر يجري أيضاً، ولو تأملنا حركة القمر نلاحظ أنه يرسم مساراً متعرجاً يشبه مسار الشمس في دورانها حول مركز المجرة.

تتحرك الشمس مع الكواكب التابعة لها (مع الشمس والقمر) وتجري جميعها جرياناً حقيقياً حول مركز المجرة، ولذلك فقد عبَّر القرآن عن هذه الحركة بقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [لقمان: 29].








ونلاحظ من خلال الشكل أن الكواكب تدور حول الشمس وتنجرف أيضاً بحركة ثانية ضمن حركة الشمس الاهتزازية حول مركز المجرة، وبالتالي يمكننا القول إن القمر أيضاً يجري والأرض تجري والكواكب تجري، وكذلك النجوم تجري...
جريان السفينة
لقد عبَّر القرآن عن حركة الفُلك في البحر بكلمة (تجري) وهي الكلمة ذاتها التي استعملها القرآن من أجل التعبير عن حركة الشمس، يقول تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ) [إبراهيم: 32]. فهذه السفن والبواخر التي نراها في البحر هي من نعمة الله تعالى، وهي مسخرة بأمره، سخر الرياح وسخر الماء وسخر وسائل صناعة هذه السفن للإنسان من أجل السفر والتنقل وحمل المتاع.
وهنا نلاحظ أيضاً وجهاً إعجازياً يتجلى في كلمة (لِتَجْرِيَ) فلو تأملنا حركة السفن في البحر نلاحظ أنها تأخذ شكل الأمواج صعوداً وهبوطاً، ولكن هذه الحركة قد لا تظهر لنا مباشرة، إنما تظهر خلال المسافات الطويلة التي تقطعها السفينة في البحر. وهنا نجد أن التعبير القرآني دقيق علمياً.


لو تأملنا حركة السفن في البحر نجد أنها أيضاً تشكل مساراً اهتزازياً صعوداً وهبوطاً، طبعاً قمنا بتكبير المسار المبين في الشكل باللون الأصفر بهدف إيضاح الحركة فقط.





ولذلك فليس غريباً أن يعبر القرآن عن حركة الشمس بكلمة (تجري) لأن الله تعالى يحدثنا عن الحقائق وهو يراها من أعلى! وليس غريباً كذلك أن نجد بعض الملحدين يحاولون التشكيك في صحة هذا القرآن، فهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنه الحق، وهذا ما صوَّره لنا القرآن عندما أنكر فرعون آيات الله ومعجزاته وهم يعلمون أنها الحق، فكيف كانت عاقبتهم؟ تأملوا معي قول الحق تبارك وتعالى: (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) [النمل: 13-14].
وأقول يا أحبتي إن القرآن فعلاً كتاب رائع، إنك تجد فيه ما تريد، وتجد فيه الرد المناسب للمعترضين عليه، إذا أردت أن تزداد إيماناً فمعجزات القرآن كفيلة بزيادة إيمانك، وإذا أردت أن تكون سعيداً في هذه الدنيا فالقرآن يضمن لك السعادة في الدنيا والآخرة، فما أجمل هذا القرآن وما أعظم كلماته، في كل كلمة تجد معجزة تستحق الوقوف طويلاً، اللهم انفعنا بهذه الحقائق، واجعلها حجة لنا في ظلمات هذا العصر!
ــــــــــــــــ



بقلم عبد الدائم الكحيل



بعض المراجع
1- Galactic Drift and Mass Extinction, Astrophysical Journa.

2- Rohde and Muller, “Cycles in fossil diversity,” Nature 434 (10 March 2005), pp. 208-210

3- The Galactic Environment of the Sun, American Scientist, 1-2, 2000.

4- The Sun. NASA.

5- Michael Erlewine, The Astrology of Space, www.astrology.com







بن الإسلام 13.05.2010 14:43


{وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)} سورة فصلت






القرآن الكريم المعجزة الخاتمة لا تنقضي عجائبه ولا يخلق عن كثرة الرد ولا تشبع منه العلماء ، يتحدى العلماء في عصر التجريب والتدقيق العلمي ، فيأتينا كل يوم بالجديد.

وفي الصفحات التالية سوف نعيش مع آية من آيات القرآن الكريم أنبأنا الله سبحانه وتعالى فيها أن الماء إذا نزل على الأرض الهامدة والخاشعة اهتزت وربت لنرى أن ترتيب الكلمتين معجز، وإذا عكس وضع الكلمتين اختل المعنى العملي تماماً للآية .


قال تعالى : (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيج)[1].


وقال تعالى http://www.imanway.com/akhawat/images/smilies/frown.gifوَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[2].






قال المفسرون : في معاني الكلمات :
هامدة : ميتة قاحلة .
خاشعة : يابسة متطامنة جدبة .
ربت : ازدادت وانتفخت



هذه الآيات الكريمات قمة العظمة الإلهية ، وقمة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم وحتى نفهم الأساس العلمي لكلمتي اهتزت وربت ونتعرف الإعجاز النباتي في الآيات سنطعي صورة للأرض قبل نزول الماء عليها وهي هامدة وخاشعة وصورة الأرض بعد نزول المطر عليها مباشرة وصورة للأرض بعد نزول المطر عليها بمدة طويلة .
http://www.55a.net/firas/photo/6957838.jpg






الأول : صورة الأرض قبل نزول المطر عليها مباشرة :
في هذه الصورة ترى أن :
حبيبات التربة وجزيئاتها تأخذ أقل حيزاً لها ، والأرض قاحلة يابسة جدبة وهنا تكون الأرض هامدة خاشعة كما صورها القرآن الكريم في أبلغ صورة وأوجز عبارة حيث قال تعالى : (وترى الأرض هامدة ) وقال سبحانه : ( ومن آياته أنك نرى الأرض خاشعة ) وفيها نرى أن :
جميع الكائنات الحية الدقيقة (بكتريا ـ فطريات ـ اكتينوميسيتات ـ وغيرها ) في حالة سكون تام، وانعدام حركة ، مع شغلها أقل حيز في حياتها ومعظمها في حالة تجرثم، أو تكون حوافظ جرثومية تعمل كالدرع الواقي للكائن الحي من الظروف الخارجية القاسية وأهمها غياب الماء .
البيضات والبُييضات الخاصة ببعض الكائنات الحية الأولية الأخرى في حالة كمون وسكون تام مع وجود أغلفة حامية لها من الظروف الخارجية القاسية .
البصلات والبصيلات والكورمات والريزومات والدرنات ، والبذور والحبوب في أقل صورة من النشاط الحيوي لها حفاظاً على حياتها وبقاءً لأجيالها القادمة .
الجذور النباتية والمجموعة الخضرية الخاصة بالنباتات في حالة سكون وهدوء عجيب وقد أغلقت منافذها وتكون عليها شمعية وحراشيف شديدة التحمل للجفاف .





ثانياً : حالة الأرض بعد نزول المطر عليها بمدة قصيرة :
وقت أن ينزل المطر على الأرض تحدث العمليات الفيزيائية والكيميائية والحيوية التالية:


1. العمليات الفيزيائية الكيميائية :
ينزل المطر على الأرض فتتغير طاقة الوضع وطاقة الحركة لكل من المطر والأرض فتهتز الأرض وتتحرك لانتقال الطاقة إليها من الماء .
يزداد تأين مكونات التربة غير العضوية في وجود الماء ويزداد حجمها .
تتشرب المكونات العضوية غير القابلة للتأين الماء ، وتنتفخ وتتباعد أجزائها عن بعضها البعض ، ويزداد حجمها نتيجة لعمليات التشرب.
النتيجة النهائية للعمليات السابقة هو اهتزاز التربة وتحركها مع غياب التشقق عنها.




2. في نفس الوقت تحدث العمليات الحيوية التالية :
تخرج الكائنات الحية الدقيقة من سكونها وتهتز وتتحرك
تنشط البصلات والبصيلات والريزومات والكورمات وتهتز وتتحرك .
تفقس البيضات والبييضات وتهتز وتتحرك.


تنشط الديدان والحشرات في التربة وتهتز وتتحرك.
تنشط الجذور والسيقان ويزداد معدل امتصاص التربة وتهتز جزيئاتها وتتحرك .
المحصلة النهائية للعمليات السابقة هي أن الأرض تهتز وتتحرك.






ثالثاً : صورة الأرض بعد نزول المطر عليها بمدة طويلة :
بعد نزول المطر على الأرض بمدة طويلة، تتوالى العمليات الفيزيائية والكيمائية والحيوية وتصبح صورة الأرض كما يلي :
تبدأ الكائنات الحية الدقيقة في النمو والتكاثر فتزداد في الحجم والوزن ويزداد المحتوى العضوي للتربة .
تبدأ الديدان والحشرات في النمو والتكاثر وتعمل أنفاقاً في الأرض فتنتفش التربة.
تبدأ البصلات والبصيلات والكورمات والريزومات والجذور في النمو مع زيادة في الحجم والوزن.
تنشط الجذور ويتدرن بعضها ويخزن فيه الغذاء المدخر الناتج عن عملية البناء الضوئي والتغذية.
المحصلة النهائية للعملية السابقة هي زيادة الحجم والوزن .




رابعاً : الصور السابقة مجمعة :
1. الأرض هامدة قاحلة ميتة بسبب غياب الماء وسكون الكائنات الحية بها .
2. ينزل الماء على الأرض فتهتز ويزداد تأينها وتشربها، وتخرج الكائنات الحية من سكونها ومكامنها، فتهتز الأرض وتتحرك.
3. بعد مدة يزداد النشاط الحيوي والنمو وتموج الأرض بالحياة وتحيا وتربو.
وقد أوجز الله سبحانه وتعالى العليم الخبير كل هذه العمليات في كلمتي اهتزت وربت .
فهل كان أحد في الجزيرة العربية وقت نزول القرآن عالماً بعلم البيئة الزراعية وعلوم التربة والكيمياء والأحياء وباقي فروع العلم المتصلة بالعمليات السابقة حتى يصف العمليات السابقة في كلمتي اهتزت وربت ؟
ولولا الاهتزاز ولولا الربو ما حيت الأرض ولا أنبتت الزرع ولا أخرجت الحب . فهل بعد ذلك إعجاز ؟
وماذا يحدث لو قالت الآية ربت واهتزت ، هنا تصبح الآية معاكسة للعلم الحديث والعلم التجريبي لأن الأرض تهتز أولاً ، ثم تنمو كائناتها الحية فتربو وتزداد في الحجم .
ومن هنا كانت العظمة في ترتيب الكلمتين القرآنيتين اهتزت وربت .
إن هذه الآية من الآيات القرآنية الكافيات التي تصلح منهج حياة علمية ، ودليل على أن القرآن ليس من عند البشر بل هو من عند رب البشر خالق الأرض وقوانينها والبشر وعقولها فهل من مدَّكر؟



بقلم الدكتور نظمي خليل أبو العطا موسى

أستاذ علوم النبات في جامعة عين شمس
ومدير مركز ابن النفيس للخدمات الفنية في البحرين



بن الإسلام 13.05.2010 14:44



{أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ }ق6

[IMG]http://morewes.***********/13.jpg[/IMG]

قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى في تفسيره لمعنى البناء: "وقوله عز وجل: ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا﴾ يقول تعالى ذكره: أفلم ينظر هؤلاء المكذبون بالبعث بعد الموت المنكرون قدرتننا على إحيائهم بعد بلائهم، ﴿إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا﴾ فسوَّيناها سقفاً محفوظاً، وزيَّناها بالنجوم؟ ﴿وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ﴾ يعني : وما لها من صدوع وفتوق".

وقال الإمام القرطبي
في قوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ﴾ "أي نظر اعتبار وتفكر وأن القادر على إيجادها قادر على الإعادة ﴿كَيْفَ بَنَيْنَاهَا﴾ فرفعناها بلا عمد ﴿وَزَيَّنَّاهَا﴾ بالنجوم ﴿وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ﴾ جمع فرج وهو الشقّ. وقال الكسائي ليس فيها تفاوت ولا اختلاف ولا فتوق".

وفي تفسير الطبري رحمه الله تعالى نجده يقول: "القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَالسَّمَاءَ بِنَاءً﴾، قال أبو جعفر: وإنما سميت السماء سماءً لعلوِّها على الأرض وعلى سكانها من خلقه، وكل شيء كان فوق شيء آخر فهو لما تحته سماة. ولذلك قيل لسقف البيت: سماوة، لأنه فوقه مرتفع عليه. فكذلك السماء سميت للأرض سماء، لعلوِّها وإشرافها عليها. وعن قتادة في قول الله: ﴿وَالسَّمَاءَ بِنَاءً﴾ قال: جعل السماء سقفاً لك".

ونتساءل الآن: أليس ما فهمه المفسرون رحمهم الله تعالى من هذه الآيات، هو ما يكتشفه العلماء اليوم؟ أليست المادة تملأ الكون؟ أليست النجوم والمجرات كالزينة في السَّماء؟ أليست هذه السماء خالية من أي فروج أو شقوق أو فراغات؟ وهذا يؤكد وضوح وبيان النص القرآني وأن كل من يقرأ كتاب الله تعالى، يدرك هذه الحقائق كلٌّ حسب اختصاصه وحسب معلومات عصره.



http://www.kaheel7.com/userimages/s1.earth.spacef.JPG
الألماس في الفضاء
اكتشف العلماء وجود كميات كبيرة من الألماس تزين السماء ولكن حبات الألماس هذه صغيرة جداً وغير مرئية بالنسبة لنا ... لنقرأ ونسبح الخالق عز وجل....



في مقالة بعنوان Diamonds in Space وجد العلماء أن الألماس موجود في الفضاء بكميات كبيرة جداً، وهو يتشكل على الأرض في درجات الحرارة والضغوط العالية. ولكنه يتشكل في الفضاء تحت ظروف مختلفة، حيث درجات الحرارة منخفضة جداً (240 درجة تحت الصفر) والضغط شبه معدوم! طبعاً الألماس ببساطة هو نفسه عنصر الفحم الذي نعرفه، ولكنه يختلف عن الفحم العادي أن ذراته تتوضع بطريقة خاصة لتمنحه الصلابة والبريق.


في هذه الصورة التخيلية نرى حبيبات الألماس الصغيرة جداً تسبح بالقرب من أحد النجوم. وسبحان الله حتى السماء لم يتركها الخالق تبارك وتعالى، فزينها بالنجوم وزينها بالألماس!! وهنا أتذكر قوله تعالى مخاطباً المشككين: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ) [ق: 6]، ومعظم حبات الألماس توجد بالقرب من النجوم الحارة وكأنها تزينها.
وفي هذه الآية يتجلى معنى جديد لكلمة (وَزَيَّنَّاهَا) التي تعبر تعبيراً دقيقاً عن حقيقة هذه السماء، فكما أن الألماس هو زينة للنساء، كذلك هو زينة للسماء، والله أعلم!
ــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل
www.kaheel7.com
http://geology.com/nasa/diamonds-in-space.shtml

بن الإسلام 13.05.2010 14:45



{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) } سورة القصص

يَقُول تَعَالَى مُمْتَنًّا عَلَى عِبَاده بِمَا سَخَّرَ لَهُمْ مِنْ اللَّيْل وَالنَّهَار اللَّذَيْنِ لَا قِوَام لَهُمْ دُونهمَا وَبَيَّنَ أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ اللَّيْل دَائِمًا عَلَيْهِمْ سَرْمَدًا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَأَضَرَّ ذَلِكَ بِهِمْ وَلَسَئِمَتْهُ النُّفُوس وَانْحَصَرَتْ مِنْهُ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : " مَنْ إِلَه غَيْر اللَّه يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ " أَيْ تُبْصِرُونَ بِهِ وَتَسْتَأْنِسُونَ بِسَبَبِهِ " أَفَلَا تَسْمَعُونَ " .

كما أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ النَّهَار سَرْمَدًا أَيْ دَائِمًا مُسْتَمِرًّا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَأَضَرَّ ذَلِكَ بِهِمْ وَلَتَعِبَتْ الْأَبْدَانِ وَكَلَّتْ مِنْ كَثْرَة الْحَرَكَات وَالْأَشْغَال وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى :" مَنْ إِلَه غَيْر اللَّه يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ " أَيْ تَسْتَرِيحُونَ مِنْ حَرَكَاتكُمْ وَأَشْغَالكُمْ " أَفَلَا تُبْصِرُونَ" .

وَمِنْ رَحْمَته " أَيْ بِكُمْ " جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْل وَالنَّهَار " أَيْ خَلَقَ هَذَا وَهَذَا " لِتَسْكُنُوا فِيهِ " أَيْ فِي اللَّيْل " وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْله " أَيْ فِي النَّهَار بِالْأَسْفَارِ وَالتَّرْحَال وَالْحَرَكَات وَالْأَشْغَال وَهَذَا مِنْ بَاب اللَّفّ وَالنَّشْر . وَقَوْله : " وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " أَيْ تَشْكُرُونَ اللَّه بِأَنْوَاعِ الْعِبَادَات فِي اللَّيْل وَالنَّهَار وَمَنْ فَاتَهُ شَيْء بِاللَّيْلِ اِسْتَدْرَكَهُ بِالنَّهَارِ أَوْ بِالنَّهَارِ اِسْتَدْرَكَهُ بِاللَّيْلِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : " وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْل وَالنَّهَار خِلْفَة لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّر أَوْ أَرَادَ شُكُورًا " وَالْآيَات فِي هَذَا كَثِيرَة .


إنها معجزات قرآنية تشهد على أن القرآن يحوي إعجازاً تصويرياً مبهراً يصور لنا حقائق الأمور قبل أن نراها. فالله تبارك وتعالى حدثنا عن ظاهرة أخرى أيضاً تتعلق بالليل والنهار وهي آيات تشير إلى معجزات علمية يقول تبارك وتعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ، قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) [القصص: 71-72]. وهنا يعجب الإنسان من دقة هذا الوصف لليل والنهار في زمن نزول القرآن، كيف يمكن لليل أن يكون سرمداً دائماً خالداً إلى يوم القيامة، وكيف يمكن للنهار أن يكون كذلك؟
والله تبارك وتعالى وضع على الأرض إشارة ليذكرنا بهذه النعمة، ففي منطقة القطب الشمالي حيث يستمر الليل في هذه المنطقة ستة أشهر ثم يستمر فيها النهار ستة أشهر أيضاً، فهذه إشارات إلى أن الله تبارك وتعالى عندما يحدثنا عن أشياء علمية فإنما يحدثنا عن حقائق من الممكن أن تحدث، أي أن القرآن لم يذكر أي حقيقة كونية إلا وهنالك إمكانية لتحقيقها، عندما قال: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) فهذا الأمر ممكن التحقيق ولا يترتب عليه أي خلل في نظام دوران الأرض، وكذلك عندما قال: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) كذلك أيضاً كان من الممكن أن تكون الأرض مثلاً ثابتة في مواجهة الشمس ويبقى النهار دائماً إلى يوم القيامة.
لماذا يذكر الله تبارك وتعالى هذه الآيات في كتابه ما هي العبرة؟
إنها معجزات تشهد على صدق القرآن وتزيدنا إيماناً وتعلقاً ولكن هنالك أشياء أخرى أيضاً. هنالك أهداف ينبغي أن نتأملها عندما يقول تبارك وتعالى: (أَفَلَا تَسْمَعُونَ) ويقول أيضاً: (أَفَلَا تُبْصِرُونَ) فالمطلوب منا أن نسمع ونبصر ونذكر نعمة الله تبارك وتعالى علينا، فالله عز وجل عندما خاطب كل واحد منا بقوله: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [النحل: 18]، عندما خاطبنا بهذه الآية إنما خاطبنا لنذكر هذه النعم ونؤدي شكر الله تبارك وتعالى أنه جعل هذا الليل وهذا النهار نعمة لنسكن في الليل ونبتغي من فضل الله تبارك وتعالى في النهار.
ودائماً أقول عندما أتدبر هذا القرآن أحاول أن أفهم هذا القرآن، عندما يقول تبارك وتعالى: (سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) أتخيل كيف سيكون حالي وحال الكائنات على وجه الأرض إذا كان هنالك ليل دائم أو نهار دائم، وبالتالي هذه الآيات تدعوني لأن أقول كما علمنا رب العزة تبارك وتعالى: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)

http://4photos.net/photo/www_4photos...4409860910.jpg



http://www.penick.net/digging/images...on%20light.JPG


المصادر :

تفسير القرآن الكريم لإبن كثير

بن الإسلام 13.05.2010 14:46


{أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)} سورة النور


{وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53)} سورة الفرقان



{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21)} سورة الرحمن


{وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6)} سورة الطور





قال الله تعالى: ( مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان )(سورة الرحمن). وبداية لابد أن أذكر علماءنا السابقين الذين اجتهدوا في وضع شروح مفصلة لكل آيات القرآن العلمية التي تتحدث عن الكون والأرض والجبال والبحار، وكذلك عن الإنسان والحيوان والنبات، ويجب أن نذكر لهم بوفاء ما قدموه من علم شكّل لبنة قوية في صرح العلم الحديث. ومن أهم من يجب أن نذكرهم علماء التفسير كالطبري والزمخشري وفخر الدين الرازي وابن كثير، ونذكر من غير علماء التفسير محمد موسى الخوارزمي، عبد الملك الأصمعي، ابن إسحاق الكندي، ابن سينا، أبو بكر الرازي، والمسعودي..
والذين ظلوا منارة للعلم والعلماء في أوربا حتى أوائل القرن العشرين الميلادي.
ولقد أدى علماؤنا السابقون بآراء، في تفسير آيات الله الكونية كانت مدخلاً جديداً لتفسيرها في العصر الحديث، هذا العصر الذي امتلك أهله أدوات صناعية ساعدتهم على الاكتشاف والاختراع.. ومع كل هذا بقي البحر مسلكاً غامضاً لكل العلماء السابقين والمحدثين إلى فترة قريبة جداً، بعكس اليابسة لأن اكتشاف مجال البر اليابس كان يعتمد على النظر المباشر في بداية العلوم... ثم لما تقدم العلم في العصر استطاع العلماء الدخول في مجاهل البحار بما لديهم من أدوات حديثة متطورة واكتشفوا بعض أسرارها.
وكان مما اكتشفه العلماء هذا الاكتشاف البحري المدهش الذي ساعدنا في معركة سر هاتين الآيتين الكريمتين من (سورة الرحمن) وهذه بعض مفرداتهما: المرج: ذهاب وإياب واضطراب المياه أي بحرين متجاورين، وقال ابن عباس: " مرج البحرين " : أي ارسلهما. البحران هما : المالحان المتجاوران، مثل البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي.
يلتقيان: يتقاربان دون اصطدام أو احتكاك. بينهما: ظرفية مكانية، أي المنطقة الفاصلة للالتقاء. برزخ: حاجز من قدرة الله. لا يبغيان: هما البحران المالحان المتجاوران. لا تستطيع مياه أحدهما أن تدخل مياه الآخر، لوجود الحاجز (البرزخ) بأمر من الله (فبأي آلاء ربكما تكذبان ) : فبأي البراهين والحجج تكذبون ربكم وتكفرون به، وهو الذي مرج البحرين ووضع بينهما حاجزاً يمنع اختلاطهما (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) : يخرج من البحرين المالحين معادة وجواهر، مثل اللؤلؤ والمرجان، تستخدمونها حلية وزينة.



قول الله تعالى: ( مرج البحرين يلتقيان) يمثل إحدى آيات الله المعجزات، وهو يحتوي إشارة مؤكدة، وإن لم يتوسع القرآن في بيانها أو إيضاحها، بل ترك اكتشافها وبيانها للأجيال القادمة. وأول ما يجب قوله في هذه الآية أن البحرين هما بحران مالحان، وليس كما يظن البعض أن الآية تتحدث عن لقاء النهر العذب بالبحر ، فهذا الفهم خاطئ لسببين، أولهما : أن الله قال بعد (مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان ) : (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان)، واللؤلؤ والمرجان لا يخرجان إلا من البحار المالحة، والضمير في قوله تعالى(منهما) عائد على البحرين في الآية الأولى، وأما الثانية: إن الله لما قصد الحديث عن التقاء البحرين المالح والعذب ذكر في آية أخرى قوله (هو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً)[الفرقان]، فهذه آية تتحدث عن التقاء البحرين العذب والمالح بوضوح تام، ومما يذكر أن هذا كان واضحاً لكثير من العلماء السابقين(أي الفرق بين البحرين في سورة الرحمن، والبحرين في سورة الفرقان). إن تفسير هذه الآية لم يشكل صعوبة بالنسبة لعلماء اللغة ومفسري القرآن، لأن الكلام في تحديد هذا الحاجز، والشعور به شعوراً مادياً، وهو الأمر الذي كان مستحيلاً لهم.



كما أن هذه الآية الكريمة تختلف عن آية البحر في (سورة النور) التي يقول الله تعالى فيها: (أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب)[النور]. لم يستطع علماؤنا السابقون ـ رحمهم الله ـ بيان هذه الآية من سورة النور بياناً واضحاً، لغوياً أو علمياً، لأنهم كانوا يعلمون بحسب ما تراه أعينهم بوجود موج واحد على سطح البحر، ولكن الله سبحانه هنا يقول : (موج من فوقه موج)، أي بوجود موجين أحدهما فوق الآخر في بحر واحد.
تذكر الكتب والمراجع قيام سفينة فضائية بتصوير نقطة التقاء البحرين عند جبل طارق ما بين إسبانيا والمغرب، وما بين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، وصورت أيضاً نقطة التقاء البحر الأحمر بالمحيط الهادي عند باب المندب بين اليمن وأثيوبيا.
وأرسلت تلك السفينة الفضائية الصور إلى العلماء على سطح الأرض ليدرسوها، فوجدوا أن هذه الصور تشير إشارة واضحة إلى وجود حاجز يقع ما بين البحرين، ومن قبل كانت الدراسة تشير إلى وجود بعض الاختلافات المائية في المنطقة الفاصلة بين البحرين، وحياة سمكية مختلفة أيضاً، ولم يتوصلوا إلى كل هذا إلا بعد حصولهم على الصور التي التقطها سفن الفضاء.
http://www.55a.net/firas/ar_photo/7/wave/3.jpg
صورة صورت بالأقمار الصناعية لمضيق جبل طارق نلاحظ أن المياه الفاصلة بين المحيط الأطلسي والبحر المتوسطة لونها فاتح وتختلف عن لون المحيط الأزرق الغامق وعن لون البحر المتوسط الأزرق.




حضرت البعثات العلمية إلى نقطة التقاء البحرين وحددت المنطقة الفاصلة ما بين البحرين، بحسب الصور المرسلة من السفن الفضائية، فوجدوا عرض المنطقة الفاصلة بين البحرين هو خمسة عشر كيلومتراً.. ووجدوها تحتوي نوع ثالث من المياه، لا هي مياه البحر المتوسط ولا هي مياه المحيط الأطلسي. ووجدوا أن درجة حرارة المياه في المنطقة الفاصلة تختلف عن درجة حرارة البحرين المتجاورين، وخصوصاً نسب الأملاح والمعادن.. كما وجد العلماء اختلافاً في بعض الحيوانات المائية التي تعيش في كل من البحرين.. من أين جاء محمد صلى الله عليه وسلم بهذا العلم، فقد عاش في عصر لا علم فيه ولا حضارة ؟ إنه جاء من عند العليم الخبير، لا من عند نفسه، نقله إلينا من عند الله.. وتدل هذه الاكتشافات العلمية وتؤكد صدق الرسول فيما أبلغ عن ربه وتثبت بما لا يدع مجالاً للشكل أن القرآن كتاب الله أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
(أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور)[النور].أو : حرف عطف. كظلمات: الكاف للتشبيه، ظلمات: شدة السواد المعتم الحالك، وهنا تشبيه للظلمات التي يعيش الكافرون بظلمات البحر. في بحر: المقصود بالبحر هنا البحر المالح الممتد الأطراف. لجي: عميق، وهذا لا يكون إلا في أواسط البحار. يغشاه : يعلوه. موج : ومعنى موج : الحركة الدائمة لمياه البحار التي منشؤها التيارات الهوائية والمائية بالبحار، وهو الموج الأول في الأعماق، من فوقه: من أعلاه.
موج : موج آخر، والمقصود بالموج الثاني هو الموج الذي على سطح البحار، والتي تراه العين المجردة، بخلاف الموج الأول الذي يغشى ويعلوا البحر الأول من الداخل، وسيأتي تفصيله. من فوقه السحاب: أي فوقه الموج الثاني الذي هو على السطح، والسحاب هو الغيوم التي تنزل المطر.ظلمات بعضها فوق بعض: وهنا كناية عن شدة الظلمات الحالكة السواد، وكأنك في ليل انكدرت نجومه. إذا أخرج يده لم يكد يراها: أي الذي يقف عند هذه الظلمات في ذلك البحر اللجي وأخرج يده ليراها فإنه لا يراها، وهذا أيضاً كناية في التعبير عن شدة الظلمة الحالكة السواد.



_(أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج)[النور]:تعاقبت على شرحها وبيانها الأجيال، ومع ذلك لم يصل أحد إلى وضع شرح مفصل واقعي حقيقي لها. وأما جيلنا هذا، جيل القرن العشرين وأوائل القرن الواحد والعشرين، فقد تهيأت له أسباب عظيمة في اكتشاف أمور علمية طال انتظارها لعلمائنا البررة الذين لم يملوا ولم يكلوا سعياً وراء المعرفة والاكتشاف. وأما ما توصل إليه العلم في عصرنا بخصوص هذه الآية القرآنية فإنه يوجد في كل بحر مناطق يكون فيها البحر عميقاً ولجياً[1]، أي تزيد مياهه في ارتفاعها عن القاع 1000م، أي حوالي كيلومتر واحد، وقد يصل إلى 2000م، وهذه هي المنطقة التي وصفها القرآن بهذه الآية، وكل منطقة أخرى من البحر لا علاقة لهذه الآية بها. وأول المكتشفين لهذه المنطقة العميقة من البحر يقولون: إنهم كانوا البحارة الاسكندنافيين، وقد اعتبروها مفخرة لهم فأخذوا يباهون بهذا الاكتشاف. إذا فالبحر اللجي عميق، ويزيد عمقه عن 1000م أو 2000م. يقول العلماء: إنه في هذا البحر العميق، وعلى عمق 200ـ 500م، يوجد موج داخلي، وكأنك على سطح البحر، تماماً.. كان هذا هو الاكتشاف الأول وقد وجد هذا الموج واكتشفه البحارة القدامى الاسكندنافيون، وتتابعت الاكتشافات العلمية والدراسات البرية والبحرية والكونية.



والمهم في الآية القرآنية هو أن الله يشبه ظلمة البحر الكثيفة هذه بظلمات يعيشها الكفار، فكيف تم هذا التشبيه الإلهي؟ ومن أين أتت أولاً هذه الظلمات الكثيفة لهذا البحر الذي يشبهه الله بالظلمات المتراكمة فوق بعضها بظلمات الكفر؟ فالله سبحانه حينما يقول : (ظلمات بعضها فوق بعض)، جمع وليس مثنى أو مفرداً، إذاً هي :
1.ظلام البحر اللجي الكامل المطلق.
2.ظلام البحر السطحي شبه الكامل.
3.ظلام البحر الواقع بين السحاب وسطح البحر الثاني الذي هو على السطح.
فأنت أمام ثلاث ظلمات شديدة حالكة تختلف في النسبة والدرجة، ولكنها ثلاث ظلمات بعضها فوق بعض، كما وصف القرآن الكريم بمنتهى الدقة..
وأنت أيها الإنسان إن كنت في وسط هذه الظلمات وأردت إخراج يدك ورفعها لتقترب من وجهك، فإنك لا تراها أو تكاد تراها، وفي هذا تعبير رائع عن شدة الظلام والحلكة القاتمة السواد، وهذا تشبيه تمثيلي رائع كما أن في التعبير كناية عن شدة الظلمة.
http://www.55a.net/firas/ar_photo/7/wave/1.jpg
http://www.55a.net/firas/ar_photo/7/wave/6.gif
صور حقيقة ألتقطت بالأقمار الصناعية للأمواج العميقة التي تكون تحت عمق ألف متر تحت سطح المحيط.






http://www.55a.net/firas/ar_photo/7/wave/4.gif
صورة توضح توضع طبقات الأمواج التي تحدث في المحيطات وذلك وفق درجة حرارتها فكما زاد العمق أصبحت الأمواج أبرد.





والتعبير الإلهي الرائع " إذا أخرج يده لم يكد يراها " يغنيك عن التكرار لكلمة السواد في ظلمة البحر. ونحن بذلك أمام اكتشاف علمي في عالم البحار أصبح معروفاً لدى أهل العلم والكثير من المتعلمين والباحثين، ونوجزه فيما يأتي:
1.هناك في أواسط البحار مناطق عميقة لجية.
2.معظم البحار دائماً مغطاة بسحب، وتكثر هذه السحب عند نقطة البحار العميقة.
3.العلم أقر بوجود موج أول داخل البحار العميقة، وهو نقطة فاصلة ما بين البحار العميقة والسطحية.
4.الحياة السمكية ودرجة الكثافة والحرارة تختلف في البحر اللجي عنها في البحر العلوي السطحي.
5.العلم اعترف بوجود موجين، أول وثاني، في البحار العميقة.
6.أثبت العلم أن منطقة البحر اللجي ظلام في ظلام، وتبدأ من الأعلى، ويزداد الظلام كلما تعمقنا في البحر اللجي. ووصفوا هذا الظلام بأنه ظلام حالك دامس.
7.أثبت العلم أن البحر اللجي معزول عن البحر العلوي ومختلف عنه في كل شيء، فلا نور فيه، بل ظلام، حيوانات عمياء دون إبصار، وهو مختلف عن العلوي ولا علاقة له به، وكأنك تعيش في بحر آخر.. من دخله وليس بيده ضوء وليس مربوطاً بحبل قوي يشده عن الخطر لإخراجه، فقد الأمل في العودة إلى الحياة، تماماً وكأنك وسط صحراء، في ليل بهيم انكدرت نجومه. وإذا وافق العلم ما جاء به القرآن الكريم، أو إذا أثبت القرآن الكريم صحة ما اكتشفه العلماء، فإننا نؤكد لكافة الناس في العالم ـ بهذا ـ أن ماء به القرآن هو الحق والصدق وأنه من عند الإله الأعظم الله.
إننا نحن المؤمنون نستبشر بهذه الآيات العلمية العظيمة لأن كثيراً من الجهلة يدّعون أن دين الإسلام متخلف لا أثر فيه لحضارة أو علم، وكيف ذلك وكثير من آيات الله في القرآن الكريم يتحدث فيها الله عن خلقه أشياء ويتحدث فيها عن البحر والأرض والفضاء الكوني وعن نشأة الإنسان وخلق الكون، ويطلب منا أن نتعلم ونعلم، وقد فرق بين المتعلم والجاهل بقول الله تعالى: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)[سورة الزمر].
(والطور وكتاب مسطور* في رق منشور* والبيت المعمور* والسقف المرفوع * والبحر المسجور)[الطور:1ـ6]،الطور: جبل موسى وهو موجود. وكتاب مسطور: القرآن الكريم، وهو موجود. والبيت المعمور: بيت تحج الملائكة في السماء، وهو موجود. والسقف المرفوع: والسماء وهي موجودة. والبحر المسجور: البحر المشتعل ناراً، وهو موجود ولكن أين ؟ وكأنه سبحانه وتعالى يقول : وأقسم بالبحر المشتعل ناراً، وهو موجود ولكن أين ؟ وكأنه سبحانه وتعالى يقول : وأقسم بالبحر المشتعل ناراً(إن عذاب ربك لواقع). وتفسير هذه الآية المعجزة في زمن البعثة المحمدية أمر مستحيل، فلا العقول وقتها مستعدة لفهم هذه المعجزات، ولا العلم موجود لبيان معاني بعض الآيات القرآنية.
والبحر المسجور:
لما أراد الله سبحانه وتعالى أن يتحقق وعده( بأنه سيري الظالمين قدرته وعلمه الذي لا يحيطون بشيء منه إلا بما يريد ويشاء)، وحينما أراد الله أن يضع الحجة أمام المليارات من الناس، أراد أن يهيئ لهم أدوات يحسنون صنعها ليكتشفوا أو يعلموا قدرة الله سبحانه وتعالى، وتكون عليهم الدليل والحجة يقفون أمام الله الخالق البارئ العليم القادر، يوم القيامة. وجاء الوعد الإلهي ووصلت البشرية بفضل الله إلى العلوم التي تؤهلها لكشف تلك الآيات العظيمة.
وجدوا أن كثيراً من البحار توجد فيها أخاديد وشقوق تخرج من البحار، تم تصويرها تصويراً دقيقاً على شرائط الفيديو، وتمت دراستها دراسة مستفيضة.
ماذا تستفيد البشرية من هذه الظاهرة العلمية؟ وما علاقة تلك الأخاديد بباطن الأرض وخروج الحمم والبراكين حتى يتم المحافظة على استقرار الأرض الخ..
للإجابة، هناك عدد من النظريات العلمية الحديثة، ومنها ما قام به العالمان الروسيان (أناتول سجابفتش) عالم الجيولوجيا(يوري بجدانوف) عالم أحياء وجيولوجيا . بالاشتراك مع العالم الأمريكي المعروف (رونا كلنت) فقد غاصوا جميعاً وهم على متن الغواصة الحديثة (ميرا) ووصلوا على نقطة الهدف على بعد(1750)كم من الشاطئ ميامي، وغاصوا على عمق ميلين من سطح البحر فوصلوا إلى الجحيم المائي ولم يكن يفصلهم عنه سوى كوة من الأكريلك، وكانت الحرارة (231مْ)،وذلك في واد على حافة جرف صخري، وكانت تتفجر من تحتهم الينابيع الملتهبة، حيث توجد الشروخ الأرضية في قاع المحيط، وقد لاحظوا أن المياه العلوية السطحية الباردة تندفع نحو الأسفل بعمق ميل واحد فتقترب من الحمم البركانية الملتهبة والمنصهرة فتسخن ثم تندفع محملة بالقاذورات والمعادن الملتهبة، وكان العلماء الثلاثة يعتقدون أن ظاهرة الحمم البركانية الملتهبة والشقوق الأرضية ظاهرة طبيعية في المحيط الهادي والبحر الأحمر، إلا أنهم تأكدوا أخيراً (وبعد غوصهم) أن هذه الظاهرة موجودة في كل البحار والمحيطات، وتكثر في مكان وتقل في مكان ..!!
والذين اكتشفوا تلك الأخاديد التي تخرج من قاع البحر ورأوها وصوروها لا يعلمون شيئاً عن القرآن الكريم، ولا يعلمون أن الله سبحانه وتعالى أقسم بالبحر المسجور في كتابه الكريم منذ (1415)سنة، أي البحر الذي تخرج من قاعه الحمم، والقسم في هذه الآية تأكيد مطلق من الله سبحانه وتعالى على وجود البحر المسجور، الذي تخرج من قاعه أخاديد النار، وهذا القسم بوجود البحر المسجور الذي يعلم الله أن البشرية ستكتشفه في يوم من الأيام هو حجة قوية وقاطعة على المستكشفين للدلالة على عظمة وقدرة الله سبحانه وتعالى والدلالة على صحة القرآن الكريم كي يؤمنوا به ويصدقوه، وإن لم يفعلوا فقد بين الله لهم أنه الحق، وأن كتابه حق وأن رسوله صلى الله عليه وسلم حق.
كان مفسروا القرآن (كالزمخشري والفخر الرازي والسيوطي) إذا مروا على مثل هذه الآيات حاولوا تفسيرها قدر استطاعتهم، وعلى حسب ما توفر لديهم من علوم ومعارف، وليس هذا عجز منهم، وإنما هو عجز المعرفة في أزمانهم، كما شاءت الإرادة الإلهية أن يتأخر الكشف عن مخبوءات هذه الآيات إلى حين ينضج الفكر البشري ويرتقي علم الإنسان. وكان المفسرون السابقون يعتمدون في تفسيرهم لهذه الآيات على المعاني اللغوية.. .فقال بعضهم : البحر المسجور: البحر الذي يشتعل ناراً، وقال بعضهم هو البحر الممتلئ بالماء، وقال آخرون بل هو بحر في السماء!! والبحر المسجور الذي اقسم الله به لأهميته موجود فعلاً، لأن الله لا يقسم بشيء غير موجود، ولا يقسم إلا بعظيم. والأخاديد وفتحات النار وتسجير البحر رأيناه رأي العين، وعرض على أجهزة التلفيزيون في كثير من دول العالم.






بقلم / الأستاذ ماهر أحمد صوفي
http://www.55a.net/firas/arabic/prin...how_det&id=787




المراجع العلمية:









البرزخ بين البحرين في مضيق جبل طارق








الموجات الداخلية






الأمواج الداخلية العميقة في المحيطات


صور متعددة للموجات الداخلية المتعددة











[1]لقد نجح فريق الغواصين المؤلف من ديفيد دوبلتيس، أشرجال، هوارد روزتشين، في الدخول إلى أعماق البحر اللجي غرب المحيط الهندي، وقد كانوا على ظهر السفينة (كنوز) ذات التجهيزات العلمية الراقية. ولقد وجدوا أسراب السمك والحيوانات المائية في صفوف منتظمة تهيم فوق الموج الأول للبحر اللجي، وهي تحاول الدخول في أعماقه ولكنها لا تستطيع، ووجدوا أن حياة البحر اللجي مختلفة عن حياة البحر السطحي. فأسماكها بلا أبصار ووجدوا حمما وأخاديد وشقوق بركانية في قاع هذا البحر المظلم. العدد (229) من مجلة العلم التي تصدرها أكاديمية البحث العلمي بجمهورية مصر العربية.





بن الإسلام 13.05.2010 14:48



{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43)}
سورة النور




يقول الأستاذ الدكتور كارم غنيم رئيس جمعية الإعجاز العلمي للقرآن في القاهرة :
يقول الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ)[سورة النور: 34].

ورد في (غريب القرآن ) أن قول الله تعالى http://www.imanway.com/akhawat/images/smilies/frown.gifيزجي سحاباً) يعني يسوقه بالرياح، (ثم يؤلفه بينه) : يعني يجمع قطع السحاب، فيجعلها سحاباً واحداً متراكماً ساداً للأفق .
(الودق) يعني : المطر أو القطر، (يخرج من خلاله) يعني: من فتوقه (من جبال فيها من برد) يعني : كما أن الجبال جمع جبل، من جبال في السماء. وقال عامة المفسرين: إن في السماء جبالاً من برد خلقها الله فيها كما خلق في الأرض جبالاً من حجر.
وقال أهل المعنى: السماء ههنا الغيم(السحاب) المرتفع فوق رؤوس الناس، والمراد بالجبال كثرتها.. وقبل أن ندخل في جولة بين التفاسير المشهورة، وهي عديدة، لنتعرف على السحاب، وكيف يتكون، وما أنواعه ..
ومحاولات علماء الفيزياء و الأرصاد الجوية لاستزراع السحب.


ما هو السحاب؟
يعرف العلماء السحاب ( Cloud) بأنه بخار الماء متكاثف يتألف من جسيمات (Particales) متكون من قطيرات (Droplets) صغيرة الحجم من الماء السائل، أو بلورات ( Crystals) صغيرة من الثلج، قطر الواحد منها لا يتجاوز عشرة أجزاء من الألف من المليمتر، ولو صُف ألف جسيم منها لم يتعد طوله 1.5 سنتمتر. يقوم الهواء بحمل هذه الجسيمات الدقيقة، فتظل متعلقة في الجو، ويمدها غالباً بتيارات صاعدة(مندفعة في الأسفل إلى الأعلى ).
ويحتوي الهواء مواد عديدة كالبكتيريا، وأملاح البحار، والأتربة والدخان، والهباب، والغبار، وحتى حبوب لقاح الأزهار، وهي ما يطلق عليها العلماء اسم [ نوى التكاثف Condensation nuclei] وهي مواد يتوفر وجودها في طبقات الجو السفلى، وتتكثف عليها قطرات الماء الصغيرة جداً في السحب، فتزداد أحجامها، ويتألف منها المطر بعد أن تصعد الرياح الحارة المشبعة ببخار الماء إلى طبقات الجو العليا وتتكون منها السحب.
http://www.55a.net/images/cloud/c1.jpg
صورة توضح كيفية تكاثف قطرات الماء الصغيرة حول نوى التكاثف


وأما المصدر الطبيعي للملح في الجو، فإن الرياح حيت تلطم سطح البحر صباح مساء تحمل رذاذه المحمل بجزيئات الملح إلى الجو، وترتفع في طبقاته، وتعمل كنوى تكاثف في السحب، إضافة إلى الشوائب الأخرى التي أشرنا إلى أهمها من قبل. ومما يذكر في هذا المقام أن جميع السحب التي تغطي سطح الأرض في وقت واحد، لا تحتوي سوى واحد بالألف من ماء الكرة الأرضية.. !!


كيف يتكون السحاب .. وكيف يتساقط منه البرد ؟؟؟
لقد أفاض القرآن العظيم في وصف العوامل والأسباب التي تتدخل في تكوين السحب، وهطول المطر، وذلك قبل أن يتوصل العلماء حالياً إلى معرفتها. وأوضح القرآن أن الرياح هي التي تثير السحب وتوزع حملها من الأمطار : (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ {48} وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ)[سورة الروم].

كما فرق القرآن بين أنواع السحب، وأوضح كيف يخرج الودق [أي المطر ] من خلال هذا الركام (الذي يشبه الجبال)، وكيف ينهمر البرد من هذا الركام (الذي يشبه الجبال)، وكيف ينهمر البرد من هذا النوع فقط من السحب :(وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء)[سورة النور:43].
وكيف يحدث البرق والرعد ؟ وكيف تقوم الرياح بتلقيح السحب؟ : ( وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ {22} )[سورة الحجر].
وأصبح من المعلوم الآن أن السحب تتكون حينما يبرد الهواء، ويصل إلى نقطة الندى( Dew Point)، أو درجة التشبع (Saturation)، فتقل قدرته على حمل بخار الماء (water vapour) فيتحول إلى نقطة ماء، أو إلى بلورات ثلج، حسب درجة حرارة تلك المنطقة من الجو هذا وقد أشرنا إلى أن القطيرات المائية، التي تتصاعد محمولة على متن الريح الصاعدة، صغيرة جداً بحيث لا ترى إلا بالمجهر [ الميكروسكوب]، وخفيفة جداً لدرجة أنها تصعد مع أهدأ تيار هوائي.. وتزداد أحجام هذه القطيرات شيئاً فشيئاً ـ كما أوضحنا من قبل ـ فتكون السحابة في النهاية مشكلة من قطيرات ماء وهواء، ويمثل الهواء النقي أكثر من 99% من مكونات أية سحابة.
وينزل الماء الطهور العذب بهطول السحابة وهو ما أشار إليه القرآن العظيم في قول الله تعالى : ( وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا) [سورة الفرقان: 48].

(وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاء فُرَاتًا)[سورة المرسلات:27].
نعم وذلك لأن أشعة الشمس بما فيها من أشعة فوق بنفسجية (Ultraviolet) وأشعة تحت حمراء ( infrared) وغاز الأوزون ( Ozon) ولأن البرق، ولأن المركبات الكيميائية المختلفة الموجودة في طبقات الجو العليا، تقوم هذه وتلك بقتل الميكروبات، وإعدام الأحياء الدقيقة الضارة التي تحملها الرياح عادة وتدخل بها في السحب، وبالتالي ينزل المطر بماء طاهر نظيف خال من الجراثيم والميكروبات، وهي الكائنات التي لم يعرفها الإنسان إلا بعد أن أكتشفها العالم الفرنسي " باستير" في القرن التاسع عشر الميلادي ( أي بعد نزول القرآن بنحو أثني عشر قرناً ميلادياً) .
وماء المطر عذب " فرات"، فبالرغم من أن ما صعدت به الرياح وكونت به السحب، إنما هو ماء مالح من البحار والمحيطات ، فإن الله سبحانه هيأ الأسباب لإزالة ملوحته أثناء عملية البخر الطبيعي !!! أليس هذا إعجاز للكتاب في وصف السحاب ؟ ! بل إنه كذلك، وسوف نزيد ذوي الألباب من الكثير في هذا الباب .
لدينا أربعة نصوص قرآنية تشرح ـ بالتفصيل ـ جوانب مهمة في السحب والمطر هي :

(1)(ألَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ)[سورة النور:43].

(2)(اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ {48} وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ)[سورة الروم].
(3) ( أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ {68} أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ {69} لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ{70} أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ )[سورة الواقعة:68_70].
(4)(إنَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِوالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ ِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَامن كل ِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[سورة البقرة:164].


هذه نصوص قرآنية سنرجع إليها كثيراً، لذلك أثبتناها هنا، وفيما يلي نعرض ما نريد أن نوضح به جوانب فيها كل الناس (حتى القرن السابع عشر الميلادي) يعتقدون بأن السحب عبارة عن هواء بارد سميك، إلى أن ظهر " ديكارت" وقال بأن الهواء وبخار الماء شيئان مختلفان، ولكن القرآن العظيم حين نزل (في القرن السابع الميلادي) فرق بين الرياح والسحب، وبين الدور الذي تقوم به الرياح في تكوين السحب وإنزال المطر والبرد منها.
وكلما اكتشف العلماء حقيقة علمية أو توصلوا إلى معرفة أسرار حدث كوني أو أمر طبيعي، ثم طالعنا آيات القرآن العظيم، وجدناها قد أشارت إليه، أو ذكرته، أو شرحته، مباشرة أو بطريقة غير مباشرة. وهكذا يظهر القرآن على غيره مما يحاول الحاقدون أن يتشبثوا به ... وهكذا يظل هذا الكتاب المجيد متجدداً ومستمر العطاء ودائم الإبهار لجميع الدراسين له..
ومنذ مدة لا تزيد على 200سنة فقط، قام " لوك هوارد " بوضع تقسيم السحب، ولا يزال يعمل به المتخصصون إلى الآن، وذلك حسب الشكل والسمك والارتفاع، ويتضمن ثلاثة أنواع:
[1] السحب العالية:يتراوح ارتفاعها بين 8 ـ 14 كيلومتر، حيث الجو شديد البرودة، ويسمى السحاب الموجود على هذه الارتفاعات (سمحاق) وتقابله اللفظة الأجنبية " سيرس Cirrus" أي : ريشية الشكل، كذيول الخيل.
http://www.55a.net/images/cloud/c2.jpg
ويظهر السحاب في السماء كالشعر الأبيض في مساحات واسعة، ويظهر مع الشمس في شكل هالة، ويتألف من بلورات ثلج صغيرة منفصلة عن بعضها البعض، ولونه أبيض نهاراً وردي صباحاً وعند الغسق (Dusk)، ويعقبه حدوث تقلبات جوية وأعاصير، ومنه سمحاق طبقي، وسمحاق ركامي.
[2] السحب المتوسطة :يترواح ارتفاعها بين 2_5 كيلومترات، وتسمى (السحب الركامية)، وهي تقابل اللفظة الأجنبية " كيوميولس Cumulus "ويبدأ تكون هذه السحب في فترة الضحى أو قبيل العصر، ويزداد نموها رأسياً مع اقتراب المساء، وترتفع حتى يصل سمكها إلى 5 كيلومترات .
http://www.55a.net/images/cloud/c3.jpg
ويصحب هذه السحب حدوث عواصف واضطرابات جوية، كالرعد والبرق، وخصوصاً مع بداية هطول المطر منها، وقد يصحب هذا المطر سقوط (برد) ..
تتنوع السحب الركامية إلى: سحب بيضاء وسحب ممطرة، وغيرها.
ويتألف السحاب الركامي من ثلاث طبقات، بعضها فوق بعض هي :
أ ـ منطقة عليا :وتحتوي بلورات ثلجية ناصعة البياض.
ب ـ منطقة وسطى:وتحتوي خليطاً من نقطة الماء الزائدة البرودة (over cold)، وبلورات الثلج المتساقطة من أعلى (بفعل الجاذبية الأرضية (Gravity).
ج ـ منطقة سفلى:وتحتوي على نقطاً من الماء أو بلورات من الثلج على أهبة الاستعداد للسقوط إلى الأرض، ولونها معتم غير منفذ للضوء .
[3] السحب المنخفضة:لا يزيد ارتفاعها على 600متر فوق سطح الأرض، وتسمى (السحب الطبقية) أو (السحب البساطية )، وتقابل بالأجنبية (Stratiform Clouds)تتكون هذه السحب في الجو المستقرن ولا يصاحبها حدوث عواصف رعدية، أو سقوط برد، ولذلك يرحب بها الناس عادة.
والسحب الممطرة (المزن) في جو الأرض قليلة إذا قوبلت بالسحب غير الممطرة، وهي كثيفة قاتمة، وليس لها شكل معين، وحوافها مهلهلة، وينهمر منها المطر أو الثلج بصفة مستمرة.
http://www.55a.net/images/cloud/c4.jpg
والسحاب الثقال ذكره القرآن بقول الله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ)[سورة الرعد:12].
وبقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ لرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ لثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[الأعراف:75].
وهذا السحاب الثقال نمط من السحب، يرتفع غلى 20 كيلومتراً عن سطح الأرض، ويصل قطره إلى 400كيلومتراً، وحمولته 500طن من الماء، ومحتواه الحراري يكفي لسد حاجيات دولة كبرى كالولايات المتحدة من الكهرباء، لثلث ساعة تقريباً .
ويسقط المطر على سطح الأرض وسطح البحار والمحيطات، فيعيد ما سبق أن أخذته الرياح منها، من ماء وطاقة حرارية، ثم امتصاصها بالتبخير إلى طبقات الجو العليا، ثم يمتص الماء والطاقة الحرارية مرة أخرى، ثم يعيدها المطر مرة أخرى، وهكذا في دورة مستمرة، عبر عنها القرآن المجيد بقول الله تعالى : (والسماء ذات الرجع) .
نعود إلى النصوص المذكورة صدر هذه المقالة، ففي النص القرآني الأول يوضح المولى جل جلاله أنه يزجي، أي :"يسوق" قطع السحاب برفق نحو بعضها البعض، ثم " يؤلف بينه" أي : يتم التجاذب فيما بينها نظراً لاختلاف شحناتها الكهربائية .
وهكذا فإن الفعل : يؤلف يشير غلى التجاذب الكهربائي بين السحب الركامية. وأما كيف تتراكم الشحنات المتشابهة مع بعضها البعض في مكان واحد، فغير معلوم على وجه الدقة حتى الآن، فقد تكون السحابة الركامية مثلاً موجبة الشحنة عند القمة، ثم سالبة الشحنة في وسطها، ثم موجبة الشحنة عند قاعدتها، ثم تولد هذه الشحنة شحنة أخرى سالبة تحتها ... وبذلك فإن الفعل " يؤلف " المذكور في الآية يفيد التأليف بين السحاب ـ ضمن إفاداته الأخرى ـ من حيث الشحنات الكهربائية، أي : تجميع الشحنات المتشابهة والمختلفة داخل السحابة الركامية الواحدة والجملة القرآنية ( ثم يجعله ركاماً ) تعني أن الله يهيء الظروف لتراكم قطع السحب فوق بعضها البعض فتصبح " ركاماً " ويشبه الجبال، ولذلك جاء في نفس الآية القرآنية قول الله سبحانه : (وينزل من السماء من جبال فيها من برد )
فالسحب الركامية ضخمة وعالية ومتراكبة، أي أنها متراكمة في أحجام الجبال، كما عبرت الآيات القرآنية المعجزة .
نصل كلامنا بالفقرات السابقة، ونواصل تناول تعبيرات وجمل وكلمات الآيات الواردة في النصوص القرآنية التي صدرنا بها الحلقة المذكورة، لنرى قول الله تعالى: (فترى الودق يخرج من خلاله ) يعني المطر ذي القطرات الكبيرة تهبط من الفتوق التي تحدث بالتراكم من هذه الجبال، أي : الجبال السحبية. وأما " البرد " الذي جاء ذكره في قول الله تعالى : ( وينزل من السماء من جبال فيها من برد ) فقد تكلمنا عن نشأته آنفاً، وعلينا الآن أن نعرف آثاره المدمرة، إذ يسقط في شكل حبيبات ثلجية كروية، تتكون من طبقات شفافة ومعتمة، تشبه البصلة، ويصل وزن الواحدة رطلاً وثلث الرطل.
وقد حدث أن سقط البرد في نبراسكا في يوليو 1928م وسقط في كانساس في سبتمبر 1970م، وكانت حبات البرد حين تسقط تسبب خسائر اقتصادية خطيرة أحياناً، فلقد خسرت الولايات المتحدة في إحدى الفترات ما قيمته 300مليون دولار بسبب سقوط البرد على البلاد.
وهكذا يتبين من هذه الجزئية :(وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءوَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ)كيف أن القرآن العظيم سبق العلم الحديث بإشارته إلى أن السحاب الركامي هو النوع الوحيد من السحب الذي ينزل منه (البرد) .
أما الجزئية التي أعقبت تلك الجزئية في نفس النص القرآني : ( فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء ) تفيد بأن الله يصيب بالبرد أناساً، ويقي آخرين منه، أي أن تأثيره محلياً وليس عالمياً، بل وقد يكون في البلد الواحد حقل يسقط عليه البرد وحقل آخر لا يسقط عليه. ومن نافلة القول إن التنبؤ بموعد سقوط البرد أمر غير متاح بدقة حتى الآن ...!!
وأما الجزئية الأخيرة في هذا النص الكريم، فتتحدث عن " البرق " وهو حدث فيزيائي ينشأ كشرارة في الجو نتيجة مختلفتين، فإذا تم هذا التفريغ بين سحابة وبين جسم موجود على سطح الأرض (كجبل أو شجرة مثلا) سمى الناتج عن هذا التماس [صاعقة] .. وعند حدوث
التفريغ الكهربائي يرتفع فوق الجهد لدرجة تجعل الهواء موصلاً للكهرباء لأن ذراته قد تأينت فتمر الشرارة ويحدث البرق في زمن قليل قد لا يتعدى جزء من الثانية ...
والرعد يصاحب " البرق " وذلك لأن درجة حرارة شرارة البرق تصل إلى أكثر من 1000درجة مئوية، فيسخن الهواء ويتمدد وتحدث الفرقعة المدوية. وإذا نظر الإنسان في وجه البرق الشديد الضياء فإنه لا بد وأن يصاب بالعمى المؤقت، لذلك قال الله في نفس الآية القرآنية : (يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار)، ويشير النص القرآنية: (يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار)، ويشير النص القرآني الذي أثبتناه في الفقرة السابقة [الآية 48 من سورة الروم] إلى تكوين السحب البساطية، وكيف أنها تكون (كسفا) أي : طبقة رقيقة فوق طبقة رقيقة، أي كتلة أفقية تنمو دائماً أفقياً وليست رأسياً (كما هو الحال في السحب الركامية) .
http://www.55a.net/images/cloud/c5.jpg
وأما النص الثالث[ الآيات 68ـ 70من سورة الواقعة ]، فيشير إلى السحب الممطرة باللفظ "المزن "، وكيف أن الله أنزل الماء الصالح للشرب للمخلوقات الحية من هذه السحب الممطرة، وأنه قادر على جعله ملحاً أجاجاً بدل أن يجعله عذاباً فراتاً .
ونصل سريعاً إلى النص القرآني الأخير [ الآية 164من سورة البقرة]، وهي نص جامع شامل للعديد من الأمور الكونية والأحداث الطبيعية، ثم يختم المولى جل جلاله هذا النص بإظهار الحكمة من إيراده، وهي أن الله خلق وصنع وقدر وأحكم كل الظواهر والأشياء لكي يتفكر الإنسان فيها ويتدبر عظمة الخالق جل جلاله .. ونمر سريعاً مع هذا النص الكريم لنفهم بعضاً مما ورد فيه:

[1] (إن في خلق السماوات والأرض]،
أي في إبداعها وإبداع الدقة والإحكام فيهما، والسموات والأرض هما الكون كله ـ عموماً ـ بما فيه من أجرام فلكية، وليس المدلول اللفظي للكلمات فقط، وذكر هما يدل أيضاً على ما بينهما من مخلوقات.

[2] (واختلاف الليل والنهار)
أي : حدوثهما وتعاقبهما وعدم تساوي مدتيهما يومياً . ويدل هذا ضمناً على دوران الأرض حول محورها أمام الشمس . ولا شك أن طول كل منهما يختلف في المكان الواحد من فصل إلى آخر، كما يختلف طول كل منهما في الفصل الواحد حسب خط عرض المكان.


[3] (والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس).
وفي هذا إنعام من الله على الإنسان، أن خلق لخدمته ظاهرة الطفو على سطح الماء، ليركب الإنسان السفن، ويتنقل هنا وهناك ويدير حركة التجارة البحرية وغير ذلك من شئون الحياة.

[4] (وما أنزل الله من السماء من ماء)،
هو المطر، والمطر هو المصدر الأساسي لماء الأرض، وهو ـ في الأحوال الطبيعية العادية ـ عذب فرات صالح للشرب.
إذاً (فأحيا به الأرض بعد موتها ) وإحياء التربة هو إنباتها للنبات، فيظهر لها رونق وجمال ونضرة، وتدب الحياة فيها وعليها.

[6] (وبث فيها من كل دابة)،
لفظة " بث " تعني فرق ونشر ووزع، والدابة هي كل ما يدب على الأرض وأغلب استعمالها في اللغة لحيوانات الركوب والأحمال.

[7] (تصريف الرياح)
يعني توجيهها وتيسيرها وتوزيعها بقدرة الله، وقد شرحنا هذا في حلقة سابقة.

[8] (والسحاب المسخر بين السماء والأرض)
أي : السحب التي تسير وفق إرادة الله فهي مسخرة في نشأتها وفي حركتها وفي وجهتها، تبعاً لإرادة الله، إذ لو بقي السحاب معلقاُ في الهواء لكثر وتعاظم وزادت أحجامه واتسعت مساحاته وحجب ضوء الشمس عن المخلوقات، وفي هذا ضرر شديد، وإذا تكاثر السحاب ودام لاستمر هطول الأمطار وغرقت الأرض، وفي هذا أيضاً ضرر شديد .
لكن الله يسوق الرياح فتحرك السحاب وتقوده إلى حيث يشاء الله، وينزل منه المطر في الوقت والمكان اللذين تحددهما المشيئة الإلهية، التي شاءت أيضاً أن ينزل هذا القرآن هداية للناس ومنهاجاً لصلاح دنياهم وآخرتهم .




يقول الشيخ عبد المجيد الزنداني :


قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ) (النور:43) يقول الشيخ عبد المجيد الزنداني : درسنا السحاب لمدة سنتين تقريباً في جامعة الملك عبد العزيز


http://www.55a.net/firas/photo/73730ksf.jpg


صورة للسحاب على شكل قزع



مع قسم الأرصاد في جدة فعند الدراسة ظهرت لنا أن هناك أنواع متعددة من السحب، لكن الأنواع الممطرة ثلاثة أنواع فقط، فلما راجعت القرآن وجدت أن القرآن ذكر الأنواع الثلاثة بالضبط، ووصف كل نوع منها وصفاً دقيقاً هذا الوصف.. هذا الوصف لكل سحاب يختلف تماماً عن وصف السحاب الآخر، فالسحب الممطرة ثلاث أنواع


منها النوع الركامي، يقول الله –جل وعلا- في السحاب الركامي: (ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه) يعني الآن يصنف لنا القرآن طريقة تكوين السحاب الركامي، ووجد أن السحاب الركامي يتكون هكذا، يزجي أي يسوق برفق يتكون (قزع)


ثم يساق هذا (القزع) إلى خط تجمع السحاب فيساق برفق إلى خط هذا التجمع (ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه -في هذا الخط- ثم يجعله ركاماً) يقوم فوقه فوق بعض (ثم يجعله ركاماً فترى الودق يخرج من خلاله) يعني قطرات المطر تخرج متى؟ إذا حدث الركام (فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار) وصف كامل بالضبط لطريقة تكوين السحاب، للظواهر المصاحبة لتكوينه، للنتائج المترتبة عليه، قلنا يبدأ بالسوق، ثم بتأليف، ثم بالتراكم، فينزل المطر، تغير حرف العطف انظر الدقة على مستوى الحرف,


http://www.55a.net/firas/photo/45300shaab.jpg


هذه الصورة التقطت عن طريق الأقمار الصناعية تبين سوق الرياح للسحاب كأن يداً خفية تقوم بتوجيه حركة السحاب .




لأن الفترة من فترة السوق إلى التأليف تأخذ زمن، ومن التأليف إلى نهاية الركم تأخذ زمن، لكن بعد أن ينتهي الركم إلى نزول المطر بدون وجود زمن، ولذلك كان الفارق في هذا الحرف (فاء) عبر بالفاء الذي يدل على التعقيب والترتيب، بسرعة، ولذلك قال (ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً –فـ- فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال) يعني يقول لك أنظر إلى السماء (وينزل من السماء.. من جبال) ما الجبال (فيها من برد) إذن هي سحاب (وينزل من جبال فيها من برد) لا يتكون البرد إلا في السحاب الركامي، الذي تختلف درجة حرارة قاعدته عن قمته، وبسبب هذا الشكل الجبلي للسحاب يتكون البرد، الشكل الطبقي لا يتكون فيه برد ولذلك قال: (وينزل من السماء من جبال) يجب أن يكون السحاب على شكل جبل.

بن الإسلام 13.05.2010 14:48



صورة للسحاب التي لها شكل الجبال التي يتكون منها البرد



(وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء) الله الضمير يرجع إلى البرد (وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به –أي بالبرد- فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء).


يقول علماء الأرصاد يتكون البرد وينزل إلى قاعدة السحاب وفجأة يأتي تيار هوائي يصرفه ويعيده إلى وسط السحاب.

أما كيف نفهم قوله تعالى : (فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء)

http://www.55a.net/firas/photo/40314albrd.jpg

يعني كان متجهاً إلى قوم... فقال له ارجع اطلع فوق، وتتبع علماء الأرصاد ذلك... فوجدها دورة يدورها.. تدورها البردة تكون غلاف فلما تنزل البردة إلى الأرض نحسب كم غلاف نعرف كم دورة دارت هذه البردة في جسم السحابة (فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار) سنا برقه يعني لمعان برقه، و الكلام كله عن البرد (فيصيب به- أي بالبرد-من يشاء ويصرفه- أي يصرف البرد-ويصرفه عمن يشاء يكاد سنا برقه) لمعان برقه، أي برق البرد، في عام 1985م قُدِّم ولأول مرة في مؤتمر دولي أن البرد هو السبب الحقيقي لتكوين البرق ..
فعندما يتحول البرد من سائل إلى جسم صلب تتكون الشحنات الكهربائي الموجبة والسالبة، عندما تدور حبة البرد توزع الشحنات الموجبة والشحنات السالبة، عندما يستمر الدوران تقوم بعملية التوصيل فالبرد.. فالبرق من البرد.


http://www.55a.net/firas/photo/19400raad.jpg
صورة لكيفية تكون البرق والرعد


بن الإسلام 13.05.2010 14:49



{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) } سورة إبراهيم


أَلَمْ تَرَ" تَنْظُر "كَيْفَ ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا" وَيُبْدَل مِنْهُ "كَلِمَة طَيِّبَة" أَيْ لَا إلَه إلَّا اللَّه "كَشَجَرَةٍ طَيِّبَة" وهِيَ النَّخْلَة "أَصْلهَا ثَابِت" فِي الْأَرْض "وَفَرْعهَا" غُصْنهَا في السماء

"تُؤْتِي" تُعْطِي "أُكُلهَا" ثَمَرهَا "كُلّ حِين بِإِذْنِ رَبّهَا" بِإِرَادَتِهِ كَذَلِك كَلِمَة الْإِيمَان ثَابِتَة فِي قَلْب الْمُؤْمِن وَعَمَله يَصْعَد إلَى السَّمَاء وَيَنَالهُ بَرَكَته وَثَوَابه كُلّ وَقْت "وَيَضْرِب" يُبَيِّن "اللَّه الْأَمْثَال لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ" يَتَّعِظُونَ فَيُؤْمِنُونَ ..




مثل المؤمن كشجرة



يقول الدكتور نظمي خليل أبو العطا موسى .. أستاذ النبات ـ ومدير مركز ابن النفيس في البحرين
في جلسة علمية إيمانية عصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذهن أصحابه قائلاً لهم: ( مثل المؤمن كشجرة لا يتحات ورقها ) أي لايسقط ورقها.
هل تعلم أخي المسلم الشجرة المقصودة في لحديث السابق؟!
وما الحكمة في تشبيه المؤمن بهذه الشجرة ؟!
الحديث كما رواه الامام مسلم في صحيحه: عن ابن عمر (رضي الله عنهما ) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه: أخبروني عن شجرة مثلها مثل المؤمن ؟!!
وفي رواية ( مثل المؤمن كشجرة لايتحات ورقها ).فجعل القوم يذكرون الشجر من شجر البوادي، قال ابن عمر (رضي الله عنهما): وألقي في روعي أنها النخلة، فجعلت أريد أن أقولها فإذا بأسنان القوم (أي كبارهم وشيوخهم) فأهاب أن أتكلم.
فلما سكتوا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هي النخلة ".

إذاً الشجرة المقصودة هي النخلة.



الشجرة والمؤمن:
- الشجرة سيدة المملكة النباتية من الناحية العلمية، الظاهرية، والتشريحية والوظائفية، والبيئية فهي: معمرة تتغلب على التقلبات السنوية، طيبة مثمرة نافعة.
- المؤمن: سيد المخلوقات الانسانية من الناحية العلمية، والعقائدية،والوظائفية والاجتماعية فهو: يتحمل المصاعب، مثمر أينما وقع نفع.
والسؤال المطروح عليك أخي المسلم مالحكمة في تشبيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن بالنخلة؟
إليك بعض ما فتح الله به علينا في ذلك:


أولاً: ثبات الشكل الظاهري:
فالنخلة رغم جمالها الأخاذ لها شكل ظاهري واحد لايتغير إلا للأحسن فيزداد حسنها بظهور ثمرها ودنو قطوفها، وللمؤمن أيضاً هيئة ظاهرية واحدة، لا يتقلب حسب الموضة والأهواء، ولكنه يتزين لزوجته فيسرها بمنظره قال ابن عباس: ( إني أتزين لامرأتي كما احب أن تتزين لي )، وهو يتزين في العيدين وقت قطوف ثواب الصوم والحج كما تتزين النخلة وقت قطوف الثمر، ويتزين يوم الجمعة، وعند المجالس، والمساجد ومقابلة الوفود، وهو يتزين بالمشروع ولايتزين بغير المشروع.


ثانياً: ثبات الأصل وسمو الفرع:
فالنخلة أصلها ثابت في الأرض، وفرعها في السماء، تتحمل الجفاف، وتقلبات الطقس، وتصبر على الشدائد البيئية، ولاتعصف بها الرياح بسهولة، وتستمد طاقتها من الشمس والهواء بورقها المهيأ لذلك وقوتها في هالتها الورقية.
والمؤمن قوي ثابت في أصول الإيمان، يرتبط بالأرض التي خلق منها واستمد منها الماء والمعادن، ويتحمل الشدائد والفتن والابتلاء، ويصبر ولا يضجر وهامته مرفوعة تستمد نورها وعلمها من السماء، حيث الوحي وأوامر الله، ويرفع يديه إلى الله في الدعاء والشدة. وقوة المؤمن في عقله وتفكيره، وقوة النخلة في هالتها الورقية، والمؤمن لايستغني عن الوحي الإلهي، والنخلة لا تستغني عن الضوء الإلهي.


ثالثاً: النفع الدائم:
فالنخلة نافعة بثمارها، وأوراقها، وظلها، وجذعها، وخوصها، وكرانيفها، وليفها، وكروبها، وعذوقها، وأنويتها، وقطميرها، وجمارها، وجمالها في حياتها وبعد موتها.
والمؤمن أينما وقع نفع، وهو نافع: بعلمه، وأخلاقه، وماله، وجهده، وحديثه، وفضل زاده، وفضل ظهره، وفعله، وقوته، وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، وتعاونه على البر والتقوى، وتراحمه، وترابطه، وتآزره مع المجتمع.



رابعاً: مقابلة السيئة بالحسنة:
فالنخلة صبورة حليمة كريمة تُرمى بالحجر فتسقط أطيب الثمر.
والمؤمن معرض عن اللغو، وإذا خاطبه الجاهلون قال سلاماً، ويصفح عن المسيئين ولا يظلم ولايجهل على الجاهلين كما قال الشاعر:
كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعا
يرمى بحجر فيلقي بأطيب الثمر


خامساً: دنو القطوف مع سمو الأخلاق:
فالنخلة قطوفها دانية في كل أحوالها، في حال قصرها وطول جذعها لسهولة الصعود إليها، والصعود إليها لا ينال من أوراقها، ولا يكسر أغصانها، ولا ينال جُمارها ولابرعمها الطرفي.
والمؤمن سهل القطوف، يؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة، ويطعم الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا، يحب الناس ويغدق عليهم، ولايتخلى عن أخلاقه وثوابته مهما زادت الألفة والمحبة والمخالطة بينه وبين الناس.


سادساً: يؤكل ثمرها كل حين:
http://www.55a.net/firas/ar_photo/11...ize_resize.jpg
فالنخلة نافع بثمارها،وأوراقها، وظلها، وجذعها، وخوصها، وكرانيفها، وليفها، وكروبها، وعذوقها، وأنويتها، وقطميرها، وجمارها، وجمالها في حياتها وبعد موتها.




فالنخلة يؤكل ثمرها بكميات كافية كل حين على هيئة: الطلع، والجمري، والبُسر، والرطب، والمقابة، والتمر(1)، وعندما تجف الثمار تؤكل طوال العام فهي زاد للمسافر وعصمة للمقيم، سهلة التخزين بطيئة الفساد والتغير.
والمؤمن يخرج زكاة ماله كل حول إن بلغ ماله النصاب، ويخرج زكاة فطره في رمضان، ويتصدق طوال العام، ويسارع في الخيرات، ويطعم الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا، وهو يطعم عند العقيقة لأبنائه، وعند الزواج، وعند الأضحية، وعند الحج، وعند خروج الثمار وغير ذلك من أوجه اطعام الطعام.



سابعاً: محكومية الحركة:
فالنخلة غير مدادة، لا تعتدي على جيرانها بسيقانها أوفروعها، ولها حرم معلوم، وهي محكومة في انتشارها في البيئة لذلك لاتؤذي المحيطين بها.
والمؤمن محكوم بالضوابط الشرعية مع المحيطين به، متوقع السلوك، لايدخل بيت غيره إلاﱠ بإذنه، ولايطلع على عورات غيره، ولايترك لبصره العنان، تجده حيث أمره الله، وتفتقده حيث نهاه، ويتقي الله حيثما كان.



ثامناً: تشذب في العام مرة:
فالنخلة تشذب في العام مرة حيث تسقط الأوراق الصفراء التالفة.
والمؤمن يصوم في العام مرة، وتسقط عنه ذنوبه بالصوم، ويتزين بعد الصيام في العيد.



تاسعاً: أهمية البرعم الطرفي:
فالنخلة على خلاف معظم الشجر تموت إذا قطع برعمها الطرفي.
والمؤمن من دون العقل يسقط عنه التكليف والحساب، ويصبح في عداد الأموات من حيث الثواب والعقاب.



عاشراً: معلومية التلقيح:
فالنخلة رغم أنها من ذوات الفلقة الواحده ذاتية التلقيح الهوائي مثل القمح والشعير والذرة والموز والأرز، ولكن النخلة خلاف نباتات الفلقة الواحدة تحتاج إلى تأبير، وهي تعلن عن حاجتها للتلقيح عندما تخرج نوراتها، وعندما يتم تلقيحها تنشق بطريقة يعلم الجميع منها أنها لقحت، وإذا تركت دون تلقيح بالإنسان شاصت.
وكذلك المؤمن مشهود على زواجه ودخوله بزوجه من الجميع، ومعلن عن ذلك بالدفوف، ويحتاج زواجه إلى شاهدين وولي وإيجاب وقبول، والزواج السري باطل.



أحد عشر: أفضلها معلومة الصفات الوراثية:
فأفضل أنواع النخل معلوم الأصل يتم تكاثره خضرياً بالفسائل أو بزراعة الأنسجة.
والمؤمن معلوم الأصول الوراثية، وهو ثابت في دينه، لايبتدع، ولايخلط شرع الله بشرع البشر، وإذا صنع ذلك فسد عمله ورد كما يتلف النخل إذا بدل صفاته الوراثية، ولاتؤكل ثماره ولاتباع بسهوله، بل يعلف به الدواب لرداءته.



ثاني عشر: حلو الطعم عديم الرائحة:
فثمار النخلة حلوة الطعم عديمة الرائحة، وكذلك المؤمن الذي يعمل بالقرآن ولايقرؤه، فطعمه حلو ولا رائحة له.




ثالث عشر: تفاوت الدرجات:
فالنخلة أنواع وأجناس وأصناف، منها شديد الحلاوة ممتاز الطعم (كالعجوة وهي تمر المدينة المنورة التي زرعها المصطفى صلى الله عليه وسلم بيديه ومنها جيد الطعم ومع ذلك ففي كل النخل خير، وكذلك إيمان المؤمن يزيد وينقص، والمؤمنون درجات منهم الصديقون ومنهم السابقون ومنهم المذنبون ( والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير).




رابع عشر: النخلة لايتساقط ورقها:
الورقة في النبات هي الموضع الرئيس للبناء الضوئي والنتح ورفع العصارة من الأرض، وتثبت ثاني أكسيد الكربون الجوي وطاقة الشمس الضوئية وتشطر الماء لتنتج المواد الغذائية والأكسجين للكائنات الحية وبها تظلل الشجرة الانسان والحيوان، وعندما تسقط الورقة في النباتات الوسطية، تتوقف العمليات السابقة وتدخل الشجرة في كمون للعام القادم.
أما النخلة فهي من النباتات دائمة الخضرة التي لايتحات ( أي يسقط ) ورقها فهي دائمة البناء الضوئي وانتاج الأكسجين والتظليل وصعود العصارة.
وهكذا المسلم دائم التلقي من الله ودائم الانتاج والعبادة طوال العام ولايستغني عن رحمة الله ورزقه وطاعته طرفة عين فهو دائم التلقي والعطاء، كما أن النخلة دائمة التلقي والعطاء.
النخلة ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأصحابه الكرام:
النخلة هي الزرع أي الأصل، والصحابة هم الشطء أي الفسائل وهذا مثل الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابه في الإنجيل ( ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار ) الفتح 29. وقدبينا الاعجاز العلمي في هذه الآية، وكيف يشهد القرآن والنبات بعدالة الصحابة واتباعهم(2).




وصف جميل للنخلة:
قال لقمان لإبنه يابني: ليكن أول شيء تكسبه بعد الإيمان بالله خليلاً صالحاً فإنما الخليل الصالح كالنخلة إذا قعدت في ظلها أظلتك، وإذا احتطبت من حطبها نفعتك، وإذا أكلت من ثمارها وجدته طيباً.
وعن الشعبي أن قيصر ملك الروم كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أما بعد فإن رسلي أخبرتني أن قِبَلكم (بكسر القاف وفتح الفاء ) شجرة، تُخرج مثل أذان الفيله، ثم تنشق عن مثل الدر الأبيض، ثم تخضر كالزمرد الأخضر، ثم تحمر فتكون كالياقوت الأحمر، ثم تنضج فتكون كأطيب فالوذج (حلوى) أكل، ثم تينع وتيبس فتكون عصمة للمقيم وزاداً للمسافر، فإن تكن رسلي صدقتني فإنها من شجر الجنة.
فكتب إليه عمر رضي الله عنه يقول:
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله أمير المؤمنين إلى قيصر ملك الروم السلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإن رسلك قد صدقتك، وإنها الشجرة التي أنبتها الله جل وعز على مريم حين نفست بعيسى فاتق الله ولاتتخذ عيسى إلها من دون الله.
قال أبو حاتم السجستاني رحمه الله في كتابه النخل: النخلة سيدة الشجر مخلوقة من طين آدم – صلوات الله عليه – وقد ضربها الله – جل وعز- مثلاً لقول (لاإله إلا الله ) فقال تعالى: ( ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة )، وهي قول لا إله إلا الله ( كشجرة طيبة ) وهي النخلة، فكما أن لا إله إلا الله سيدة الكلام كذلك النخلة سيدة الشجر
وهكذا إخوة الإسلام مثل المؤمن كشجرة لايتحات ورقها فهو كالنخلة في صفاتها ونفعها وجمالها وكرمها وسموها.

الهوامش:
(1)- مراحل نمو الثمرة وتكوينها – للتفصيل انظر موضوع النخلة في القرآن الكريم والعلم الحديث في كتابنا آيات معجزات من القرآن الكريم وعالم النبات.
(2)- انظر موضوعنا القرآن والنبات يشهدان بعدالة الصحابة.


المصادر :

1- تفسير الجلالين

2 - موقع د. نظمي خليل أبو العطا موسى
أستاذ النبات ـ ومدير مركز ابن النفيس في البحرين

بن الإسلام 13.05.2010 14:50



{ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) }
سورة النور





قوله عز وجل: (اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ) قال ابن عباس: هادي أهل السماوات والأرض، فهم بنوره إلى الحق يهتدون وبهداه من الضلالة ينجون.وقيل: معناه الأنوار كلها منه، كما يقال: فلان رحمة أي منه الرحمة. وقد يذكر مثل هذا اللفظ على طريق المدح ..



( مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ) (مَثَلُ نُورِهِ) أي: مثل نور الله تعالى في قلب المؤمن، وهو النور الذي يهتدي به ... أَيْ صِفَة دَلَائِله الَّتِي يَقْذِفهَا فِي قَلْب الْمُؤْمِن ; وَالدَّلَائِل تُسَمَّى نُورًا ..


وَ(الْمِشْكَاة) : الْكُوَّة فِي الْحَائِط غَيْر النَّافِذَة ; قَالَهُ اِبْن جُبَيْر وَجُمْهُور الْمُفَسِّرِينَ , وَهِيَ أَجْمَع لِلضَّوْءِ ... وَقَالَ (فِي زُجَاجَة) لِأَنَّهُ جِسْم شَفَّاف , وَالْمِصْبَاح فِيهِ أَنْوَر مِنْهُ فِي غَيْر الزُّجَاج . وَالْمِصْبَاح : الْفَتِيل بِنَارِهِ

( الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ) أَيْ فِي الْإِنَارَة وَالضَّوْء. وَذَلِكَ يَحْتَمِل مَعْنَيَيْنِ : إِمَّا أَنْ يُرِيد أَنَّهَا بِالْمِصْبَاحِ كَذَلِكَ , وَإِمَّا أَنْ يُرِيد أَنَّهَا فِي نَفْسهَا لِصَفَائِهَا وَجَوْدَة جَوْهَرهَا كَذَلِكَ . وَهَذَا التَّأْوِيل أَبْلَغ فِي التَّعَاوُن عَلَى النُّور.

( يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ ) أَيْ مِنْ زَيْت شَجَرَة , فَحُذِفَ الْمُضَاف . وَالْمُبَارَة الْمُنَمَّاة ; وَالزَّيْتُون مِنْ أَعْظَم الثِّمَار نَمَاء , وَالرُّمَّان كَذَلِكَ . وَالْمَعْنَى يَقْتَضِي ذَلِكَ. وَقَوْل أَبِي طَالِب يَرْثِي مُسَافِر بْن أَبِي عَمْرو بْن أُمَيَّة بْن عَبْد شَمْس : لَيْتَ شِعْرِي مُسَافِر بْن أَبِي عَمْرو وَلَيْتَ يَقُولهَا الْمَحْزُون بُورِكَ الْمَيْت الْغَرِيب كَمَا بُو رِكَ نَبْع الرُّمَّان وَالزَّيْتُون وَقِيلَ : مِنْ بَرَكَتهمَا أَنَّ أَغْصَانهمَا تُورِق مِنْ أَسْفَلهَا إِلَى أَعْلَاهَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : فِي الزَّيْتُونَة مَنَافِع , يُسْرَج بِالزَّيْتِ , وَهُوَ إِدَام وَدِهَان وَدِبَاغ , وَوَقُود يُوقَد بِحَطَبِهِ وَتُفْله , وَلَيْسَ فِيهِ شَيْء إِلَّا وَفِيهِ مَنْفَعَة , حَتَّى الرَّمَاد يُغْسَل بِهِ الْإِبْرَيْسِم . وَهِيَ أَوَّل شَجَرَة نَبَتَتْ فِي الدُّنْيَا , وَأَوَّل شَجَرَة نَبَتَتْ بَعْد الطُّوفَان , وَتَنْبُت فِي مَنَازِل الْأَنْبِيَاء وَالْأَرْض الْمُقَدَّسَة , وَدَعَا لَهَا سَبْعُونَ نَبِيًّا بِالْبَرَكَةِ ; مِنْهُمْ إِبْرَاهِيم , وَمِنْهُمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ قَالَ : ( اللَّهُمَّ بَارِكْ فِي الزَّيْت وَالزَّيْتُون ) . قَالَهُ مَرَّتَيْنِ .

(لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) أي: ليست شرقية وحدها حتى لا تصيبها الشمس إذا غربت، ولا غربية وحدها فلا تصيبها الشمس بالغداة إذا طلعت، بل هي ضاحية الشمس طول النهار، تصيبها الشمس عند طلوعها وعند غروبها، فتكون شرقية وغربية تأخذ حظها من الأمرين، فيكون زيتها أضوأ، وهذا كما يقال: فلان ليس بأسود ولا بأبيض، يريد ليس بأسود خالص ولا بأبيض خالص، بل اجتمع فيه كل واحد منهما، وهذا الرمان ليس بحلو ولا حامض، أي اجتمعت فيه الحلاوة والحموضة، هذا قول ابن عباس في رواية عكرمة والكلبي، والأكثرين

(يَكَادُ زَيْتُهَا) دهنها، (يُضِيءُ) من صفائه (وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ) أي: قبل أن تصيبه النار،

(نُورٌ عَلَى نُورٍ) أَيْ اِجْتَمَعَ فِي الْمِشْكَاة ضَوْء الْمِصْبَاح إِلَى ضَوْء الزُّجَاجَة وَإِلَى ضَوْء الزَّيْت فَصَارَ لِذَلِكَ نُور عَلَى نُور . وَاعْتَقَلَتْ هَذِهِ الْأَنْوَار فِي الْمِشْكَاة فَصَارَتْ كَأَنْوَرِ مَا يَكُون فَكَذَلِكَ بَرَاهِين اللَّه تَعَالَى وَاضِحَة , وَهِيَ بُرْهَان بَعْد بُرْهَان , وَتَنْبِيه بَعْد تَنْبِيه ; كَإِرْسَالِهِ الرُّسُل وَإِنْزَاله الْكُتُب , وَمَوَاعِظ تَتَكَرَّر فِيهَا لِمَنْ لَهُ عَقْل مُعْتَبَر . ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى هُدَاهُ لِنُورِهِ مَنْ شَاءَ وَأَسْعَدَ مِنْ عِبَاده , وَذَكَرَ تَفَضُّله لِلْعِبَادِ فِي ضَرْب الْأَمْثَال لِتَقَع لَهُمْ الْعِبْرَة وَالنَّظَر الْمُؤَدِّي إِلَى الْإِيمَان .

(يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ) ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ هَذَا النُّور الْمَذْكُور عَزِيز وَأَنَّهُ لَا يَنَالهُ إِلَّا مَنْ أَرَادَ اللَّه هُدَاهُ فَقَالَ : (يَهْدِي اللَّه لِنُورِهِ مَنْ يَشَاء وَيَضْرِب اللَّه الْأَمْثَال لِلنَّاسِ) أَيْ يُبَيِّن الْأَشْبَاه تَقْرِيبًا إِلَى الْأَفْهَام. ( وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) أَيْ بِالْمَهْدِيّ وَالضَّالّ .



وَتَحْتَمِل الْآيَة مَعْنَى آخَر لَيْسَ فِيهِ مُقَابَلَة جُزْء مِنْ الْمِثَال بِجُزْءٍ مِنْ الْمُمَثَّل بِهِ , بَلْ وَقَعَ التَّشْبِيه فِيهِ جُمْلَة بِجُمْلَةٍ , وَذَلِكَ أَنْ يُرِيد مَثَل نُور اللَّه الَّذِي هُوَ هُدَاهُ وَإِتْقَانه صَنْعَة كُلّ مَخْلُوق وَبَرَاهِينه السَّاطِعَة عَلَى الْجُمْلَة , كَهَذِهِ الْجُمْلَة مِنْ النُّور الَّذِي تَتَّخِذُونَهُ أَنْتُمْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَة , الَّتِي هِيَ أَبْلَغ صِفَات النُّور الَّذِي بَيْن أَيْدِي النَّاس ; فَمَثَل نُور اللَّه فِي الْوُضُوح كَهَذَا الَّذِي هُوَ مُنْتَهَاكُمْ أَيّهَا الْبَشَر .

المصادر :
تفسير القرطبي
تفسير البغوي

بن الإسلام 13.05.2010 14:51



{ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) } سورة البقرة








( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ) أَيْ لَا مَعْبُود بِحَقٍّ فِي الْوُجُود "إلَّا هُوَ .. "اللَّهُ" رفع بالابتداء وخبره في ( لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ ) الباقي الدائم على الأبد وهو من له الحياة،


وَأَمَّا قَوْله : ( الْحَيّ ) فَإِنَّهُ يَعْنِي : الَّذِي لَهُ الْحَيَاة الدَّائِمَة , وَالْبَقَاء الَّذِي لَا أَوَّل لَهُ يُحَدّ , وَلَا آخِر لَهُ يُؤَمَّد , إذْ كَانَ كُلّ مَا سِوَاهُ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ حَيًّا فَلِحَيَاتِهِ أَوَّل مَحْدُود وَآخِر مَمْدُود , يَنْقَطِع بِانْقِطَاعِ أَمَدهَا وَيَنْقَضِي بِانْقِضَاءِ غَايَتهَا .



وَمَعْنَى قَوْله : (الْقَيُّوم) : الْقَائِم بِرِزْقِ مَا خَلَقَ وَحِفْظه , كَمَا قَالَ أُمَيَّة : لَمْ يَخْلُق السَّمَاء وَالنُّجُوم وَالشَّمْس مِنْهَا قَمَر يَقُوم قَدْر الْمُهِين الْقَيُّوم وَالْحَشْر وَالْجَنَّة وَالْجَحِيم إلَّا لِأَمْرٍ شَأْنه عَظِيم



الْقَوْل فِي تَأْوِيله قَوْله تَعَالَى : (لَا تَأْخُذهُ سِنَة وَلَا نَوْم) يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ (لَا تَأْخُذهُ سِنَة) لَا يَأْخُذهُ نُعَاس فَيَنْعَس , وَلَا نَوْم فَيَسْتَثْقِل نَوْمًا . وَالْوَسَن : خُثُورَة النَّوْم , وَمِنْهُ قَوْل عَدِيّ بْن الرِّقَاع : وَسْنَانُ أَقْصَدَهُ النُّعَاس فَرَنَّقَتْ فِي عَيْنه سِنَة وَلَيْسَ بِنَائِمِ وَمِنْ الدَّلِيل عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهَا خُثُورَة النَّوْم فِي عَيْن الْإِنْسَان .. عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله تَعَالَى : (لَا تَأْخُذهُ سِنَة) قَالَ : السِّنَة : النُّعَاس , وَالنَّوْم : هُوَ النَّوْم .


فَتَأْوِيل الْكَلَام إذْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْنَا : اللَّه لَا إلَه إلَّا هُوَ الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت , الْقَيُّوم عَلَى كُلّ مَا هُوَ دُونه بِالرِّزْقِ وَالْكِلَاءَة وَالتَّدْبِير وَالتَّصْرِيف مِنْ حَال إلَى حَال , لَا تَأْخُذهُ سِنَة وَلَا نَوْم , لَا يُغَيِّرهُ مَا يُغَيِّر غَيْره , وَلَا يُزِيلهُ عَمَّا لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ تَنَقُّل الْأَحْوَال وَتَصْرِيف اللَّيَالِي وَالْأَيَّام , بَلْ هُوَ الدَّائِم عَلَى حَال , وَالْقَيُّوم عَلَى جَمِيع الْأَنَام , لَوْ نَامَ كَانَ مَغْلُوبًا مَقْهُورًا , لِأَنَّ النَّوْم غَالِب النَّائِم قَاهِره , وَلَوْ وَسِنَ لَكَانَتْ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا فِيهِمَا دَكًّا , لِأَنَّ قِيَام جَمِيع ذَلِك بِتَدْبِيرِهِ وَقُدْرَته , وَالنَّوْم شَاغِل الْمُدَبِّر عَنْ التَّدْبِير , وَالنُّعَاس مَانِع الْمُقَدِّر عَنْ التَّقْدِير بِوَسْنِه .



الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : ( لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَع عِنْده إلَّا بِإِذْنِهِ ) يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : ( لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض ) أَنَّهُ مَالِك جَمِيع ذَلِك بِغَيْرِ شَرِيك وَلَا نَدِيد , وَخَالِق جَمِيعه دُون كُلّ آلِهَة وَمَعْبُود . وَإِنَّمَا يُعْنَى بِذَلِك أَنَّهُ لَا تَنْبَغِي الْعِبَادَة لِشَيْءٍ سِوَاهُ , لِأَنَّ الْمَمْلُوك إنَّمَا هُوَ طَوْع يَد مَالِكه , وَلَيْسَ لَهُ خِدْمَة غَيْره إلَّا بِأَمْرِهِ . يَقُول : فَجَمِيع مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض مِلْكِي وَخَلْقِي , فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْبُد أَحَد مِنْ خلَقَى غَيْرِي وَأَنَا مَالِكه , لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَعْبُد غَيْر مَالِكه , وَلَا يُطِيع سِوَى مَوْلَاهُ . وَأَمَّا قَوْله : (مِنْ ذَا الَّذِي يَشْفَع عِنْده إلَّا بِإِذْنِهِ) يَعْنِي بِذَلِك : مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَع لِمَمَالِيكِهِ إنْ أَرَادَ عُقُوبَتهمْ إلَّا أَنْ يَلِيَهُ , وَيَأْذَن لَهُ بِالشَّفَاعَةِ لَهُمْ .




الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : ( يَعْلَم مَا بَيْن أَيْدِيهمْ وَمَا خَلْفهمْ ) يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ أَنَّهُ الْمُحِيط بِكُلِّ مَا كَانَ وَبِكُلِّ مَا هُوَ كَائِن عِلْمًا , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ أَهْل التَّأْوِيل .



وَأَمَّا قَوْله : ( وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمه إلَّا بِمَا شَاءَ ) فَإِنَّهُ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ الْعَالِم الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مُحِيط بِذَلِك كُلّه مُحْصٍ لَهُ دُون سَائِر مَنْ دُونه , وَأَنَّهُ لَا يَعْلَم أَحَد سِوَاهُ شَيْئًا إلَّا بِمَا شَاءَ هُوَ أَنْ يَعْلَمهُ فَأَرَادَ فَعَلِمَهُ . وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِك أَنَّ الْعِبَادَة لَا تَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ بِالْأَشْيَاءِ جَاهِلًا فَكَيْفَ يُعْبَد مَنْ لَا يَعْقِل شَيْئًا الْبَتَّة مِنْ وَثَن وَصَنَم , يَقُول : أَخْلِصُوا الْعِبَادَة لِمَنْ هُوَ مُحِيط بِالْأَشْيَاءِ كُلّهَا يَعْلَمهَا , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ صَغِيرهَا وَكَبِيرهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ أَهْل التَّأْوِيل .


( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ ) أي ملأ وأحاط به ... وَقَالَ أَبُو ذَرّ : سَمِعْت رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُول : مَا الْكُرْسِيّ فِي الْعَرْش إِلَّا كَحَلْقَةٍ مِنْ حَدِيد أُلْقِيَتْ بَيْن ظَهْرَانِيّ فَلَاة مِنْ الْأَرْض . وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن مَرْدَوَيْهِ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَان بْن أَحْمَد أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن وُهَيْب الْمُقْرِيّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي الْيُسْرَى الْعَسْقَلَانِيّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه التَّمِيمِيّ عَنْ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد الثَّقَفِيّ عَنْ أَبِي إِدْرِيس الْخَوْلَانِيّ عَنْ أَبِي ذَرّ الْغِفَارِيّ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْكُرْسِيّ فَقَالَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا السَّمَوَات السَّبْع وَالْأَرْضُونَ السَّبْع عِنْد الْكُرْسِيّ إِلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاة بِأَرْضٍ فَلَاة وَإِنَّ فَضْل الْعَرْش عَلَى الْكُرْسِيّ كَفَضْلِ الْفَلَاة عَلَى تِلْكَ الْحَلْقَة



وَقَوْله ( وَلَا يَئُودهُ حِفْظهمَا ) أَيْ لَا يُثْقِلهُ وَلَا يَكْتَرِثهُ حِفْظ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَنْ فِيهِمَا وَمَنْ بَيْنهمَا بَلْ ذَلِكَ سَهْل عَلَيْهِ يَسِير لَدَيْهِ وَهُوَ الْقَائِم عَلَى كُلّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ الرَّقِيب عَلَى جَمِيع الْأَشْيَاء فَلَا يَعْزُب عَنْهُ شَيْء وَلَا يَغِيب عَنْهُ شَيْء وَالْأَشْيَاء كُلّهَا حَقِيرَة بَيْن يَدَيْهِ مُتَوَاضِعَة ذَلِيلَة صَغِيرَة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ مُحْتَاجَة فَقِيرَة وَهُوَ الْغَنِيّ الْحَمِيد الْفَعَّال لِمَا يُرِيد الَّذِي لَا يُسْأَل عَمَّا يَفْعَل وَهُمْ يُسْأَلُونَ وَهُوَ الْقَاهِر لِكُلِّ شَيْء الْحَسِيب عَلَى كُلّ شَيْء الرَّقِيب الْعَلِيّ الْعَظِيم لَا إِلَه غَيْره وَلَا رَبّ سِوَاهُ فَقَوْله " وهُوَ الْعَلِيّ الْعَظِيم " ( وَهُوَ الْعَلِيُّ ) الرفيع فوق خلقه والمتعالي عن الأشياء والأنداد، وقيل العلي بالملك والسلطنة ( الْعَظِيم ) الكبير الذي لا شيء أعظم منه.

وَهَذِهِ الْآيَات وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ الْأَحَادِيث الصِّحَاح الْأَجْوَد فِيهَا طَرِيقَة السَّلَف الصَّالِح أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ مِنْ غَيْر تَكْيِيف وَلَا تَشْبِيه .


المصادر :

تفسير الجلالين

تفسير البغوي

تفسير الطبري

تفسير ابن كثير


بن الإسلام 13.05.2010 14:52



{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1) } سورة المائدة






الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : ( يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : ( يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا ) يَا أَيّهَا الَّذِينَ أَقَرُّوا بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه وَأَذْعَنُوا لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ , وَسَلَّمُوا لَهُ الْأُلُوهِيَّة , وَصَدَّقُوا رَسُوله مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نُبُوَّته وَفِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّهمْ مِنْ شَرَائِع دِينه , ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) يَعْنِي : أَوْفُوا بِالْعُهُودِ الَّتِي عَاهَدْتُمُوهَا رَبّكُمْ وَالْعُقُود الَّتِي عَاقَدْتُمُوهَا إِيَّاهُ , وَأَوْجَبْتُمْ بِهَا عَلَى أَنْفُسكُمْ حُقُوقًا وَأَلْزَمْتُمْ أَنْفُسكُمْ بِهَا لِلَّهِ فُرُوضًا , فَأَتِمُّوهَا بِالْوَفَاءِ وَالْكَمَال وَالتَّمَام مِنْكُمْ لِلَّهِ بِمَا أَلْزَمكُمْ بِهَا , وَلِمَنْ عَاقَدْتُمُوهُ مِنْكُمْ بِمَا أَوْجَبْتُمُوهُ لَهُ بِهَا عَلَى أَنْفُسكُمْ , وَلَا تَنْكُثُوهَا فَتَنْقُضُوهَا بَعْد تَوْكِيدهَا .




- قال ابو منصور الثعالبي رحمه الله في كتابه القيم الاعجاز والإيجاز: ((من أراد ان يعرف جوامع الكلم ويتنبه على فضل الاعجاز ويحيط ببلاغة الإيماء ويفطن لكفاية الإيجاز فليتدبر القرأن الكريم وليتأمل علوه على سائر الكلام)).(أ.هـ).
- وقد حوى القرآن الكريم آيات كافيات وصلت إلى 6236 آية، الآية الواحدة تُصلح أمة، فهي دستور حياة.
ولو اتبعت الأمة الإسلامية أمر ربها وطبقت آية واحدة لغدت خير أمة أخرجت للناس، ومن هذه الآيات الكافيات قول الله سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) سورة المائدة آية (1).


معنى العقود:
العقود هي العهود (حسنين مخلوف ـ كلمات القرآن الكريم ).
وقال الراغب الأصفهاني في كتاب مفردات ألفاظ القرآن: العقد : الجمع بين أطراف الشيء،ويستعمل ذلك في الأجسام الصُلبة كعقد الحبل وعقد البناء، ثم يستعار ذلك للمعناني نحو: عقد البيع، والعهد وغيرها.
والعقد مصدر استعمل اسما فجمع نحو (أوفوا بالعقود) المائدة (1) (أ .هـ ) .



السّعدي والوفاء بالعقود:
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان:
( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين، بما يقتضيه الإيمان بالوفاء بالعقود: أي بإكمالها، واتمامها، وعدم نقصهِا ونقِصها .
وقال : (وهذا شامل للعقود، التي بني العبد وربه من التزام عبوديته، والقيام بها اتم قيام، وعدم الانقاص من حقوقها شيئاً، والتي بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم بطاعته واتباعه، والتي بينه وبين الوالدين والأقارب، ببرهم ووصلهم، وعدم قطيعتهمن ,التي بينه وبين أصحابه (المتقين) من القيام بحقوق الصحبة في الغني والفقر، واليسروالعسر، والتي بينه وبين الخلق من عقود المعاملاتن كالبيع والإجارة، ونحوها. وعقود التبرعات كالهبة ونحوها، والقيام بحقوق المسلمين، التي عقدها الله سبحانه وتعالى بينهم بقوله (إنما المؤمنون إخوة ) بل التناصر على الحق، والتعاون عليه، والتآلف بين المسلمين، وعدم التقاطع، فهذا أمر شامل لأصول الدين وفروعه، فكلها داخله في العقود التي أمر الله بالقيام بها ) (أ. هـ ).
قطب والوفاء بالعقود:
قال الأستاذ سيد قطب رحمه الله في تفسير (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) في ظلال القرآن : (لابد من ضوابط للحياة .. حياة المرء مع نفسه التي بين جنبيه، وحياته مع غيره من الناس ومن الأحياء والأشياء عامة الناس من الأقربين والأبعدين، من الأصل والعشيرة، ومن الجماعة والأمة، ومن الأصدقاء والأعداء و الأحياء مما سخر الله للإنسان ...
والأشياء مما يحيط بالإنسان في هذا الكون العريض .. ثم ... حياته مع ربه ومولاه وعلاقته به هي أساس كل حياة ) أ . هـ .



ونحن نقول بالله التوفيق:
إذا وفَّينا بعقودنا،وأنضبط كل مسلم على أوامر ربه في هذه الآية : (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) لاستقامت حياة المسلمين، فإذا وفى كل مسلم بالعقد الأول مع ربه الوارد في قوله تعالى(وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذوريتهم وأشهدهم على انفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين )[سورة الأعراف : 172]،ووفاء المسلم بهذا العهد الذي أخذ عليه في عالم الذر يوجب عليه عدم الإشراك بالله، وعدم الكفر به أو العمل والعبادة لغيره، ويجب عليه اتباع شرع الله الإسلام الحنيف.
ولو وفى المسلم بشهادته(ان محمد رسول الله ) صلى الله عليه وسلم ما عصى مسلم اوامر رسول الله وما حكم غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينه وبين عباد الله، وما أبتدع في دين الله، وكان من نتيجة ذلك: اتباعه لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واتخذه الأسوة في جميع أقواله وأفعاله ونواياه، مع الرضا والتسلم التام .
وإذا وفى الزوج المسلم، ووفت الزوجة المسلمة بعقد زواجهما المؤسس على كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ما ظلم زوج زوجاَ، وما قصر في مسؤلياته ولعمت السعادة بيوت المسلمين، وتقلصت الخلافات والمخالفات الإجتماعية والشريعية والأسرية، وساعتها تتحول بيوت المسلمين إلى دوحات للمحبة والرحمة والدفء والسكن والمودة.
لو وفى المسلمون بعقد الله معهم، بعد الإفساد في الأرض إمتثالاث لقول ربهم سبحانه وتعالى : ( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ) [سورة الأعراف : 85]،ما تلوثت مياههم ولا أرضهم ولا شوارعهم ولا مؤسساتهم ولا فروجهم وأعينهم وأرجلهم وأيديهم ولحظتها ستختفي الفتن والحروب بين المسلمين وبعضهم البعض، وسيختفي الأفساد والتخريب والقتل والسرقة والشذوذ في كل تصرفاتهم.
لو وفى العامل المسلم بعقد العمل لأحسن العمل وأتقنه وما أخر موظف مصالح العباد، وما تعطل الأنتاج وساعتها ستختفي جميع مظاهر السلوك الباطلة لدى العاملين المسلمين.
لو طبق علماء المسلمين هذه الآية ما تكاسلوا، وما تخلفنا علمياً وتقنياً، وما تحولت الشهادات إلى رخص ورقية للوظيفة وما تحولت البحوث إلى وسائل للترقية الوظيفية في مؤسساتنا العلمية، ولم يوسد الأمر للجهلاء.
لو طبقت هذه الآية في الإعلام الإسلامي لانتشرت وسائل الفضيلة، وأختفت مسالك الرذيلة، وما انفقت أموال المسلمين في اللهو والمجون والفضائيات المفسدة.
لو طبق المعلم المسلم هذه الآية لم يتكالس، ولم يتقاعس عن التدريب وتحصيل العلم وطرائق تعلمه الحديثة، وأصلح التعليم وصلحت مخرجاته، وهدأت نفوس الطلاب وأولياء الأمور والتربويين والمصلحين وانصلح حال الأمة .
لو وفى الطالب المسلم بالآية السابقة لمتلأت مدارسنا بالدارسين الجادين والنوابغ المبدعين المحافظين على مؤسساتنا التعليمية والحرصين على العلم النافع وتحصيله، والموقرين لأساتذتهم ومدرائهم وأولياء أمورهم، وساعتها ستختفي كثير من المظاهر السلبية في حياتنا التعليمية التعلمية.
لو طبق الحاكم المسلم هذه الآية، لحكم بالعدل وأمن الشر، ونام قرير العين في ظل أي شجرة في بلده.
لو طبق المحكوم المسلم هذه الآية السابقة لأسغنينا عن الشرطي والمحتسب، ورجال الصحة الغذائية، وما خرب مسلم أي شئ في بلده، ولقام بواجباته الوطنية وساعتها تختفي الجريمة ويتحول المحكوم إلى حارس أمين للحاكم والوطن.
لو طبق المسلمون هذه الآية ما تنازعوا وما اختلفوا أمتثال أمر ربهم حيث قال لهم (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين )[سورة الأنفال : 46].
لو طبق المسلمون هذه الآية لأختفت العمالة واللجوء إلى أعداء الأمة، ولقاتلنا المشركين كافة كما يقاتلوننا كافة، وساعتها تختفي المؤمرات الخارجية، والمشاكل الحدودية، والنزعات القبلية والسلوكيات الجاهلية من حياة المسلمين .
وهكذا أخي المسلم أختي المسلمة آية واحدة من كتاب الله تصلح بالنا وتحول ديارنا إلى أمن وأمان وتورثنا رضا الله وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الموفين بعهودهم والممتثلين لأمر ربهم عندما قال لهم : (يا أيها الذين آمنوا أوفوابالعقود )[سورة المائدة : 1].





فهل من مدكر .













بن الإسلام 13.05.2010 14:53



{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)} سورة الحج



هل تحدث القرآن عن سرعة الضوء ؟

هناك آية عظيمة تخفي وراءها إشارة إلى سرعة الضوء التي لم يتوصل العلماء إليها إلا حديثاً وهي قوله تعالى: (وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون)....



لقد وضع رواد الفضاء أثناء رحلتهم إلى القمر عام 1969 مرايا زجاجية على سطح القمر، وبواسطة هذه المرايا يرسل العلماء من الأرض شعاعاً ليزرياً لينعكس عليها ويعود إلى الأرض، وبعملية حساب بسيطة يمكنهم أن يعرفوا المسافة الدقيقة التي تفصلنا عن القمر.
إن الذي يراقب القمر من خارج المجموعة الشمسية يرى بأن القمر يدور دورة كاملة حول الأرض كل 27.3 يوماً، ولكن بسبب دوران الأرض حول نفسها نرى القمر يتم دورة كاملة كل 29.5 يوماً.

http://www.kaheel7.com/userimages/orbit41414.jpg

يدور القمر حول الأرض بالنسبة لنا كل شهر دورة كاملة، ولكن بسبب دوران الأرض وبنفس الاتجاه أيضاً فإن الشهر يظهر لنا بطول 29.5 يوماً، بينما الحقيقة أن القمر يستغرق فقط 27.3 يوماً. والسؤال: ما هي المسافة التي يقطعها القمر أثناء رحلته حول الأرض في ألف سنة؟



إن الفكرة التي طرحها أحد العلماء المسلمين* هي أن الآية الكريمة تشير إلى زمنين متساويين، وهذا نوع من أنواع النسبية، يقول تعالى: (وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) [الحج: 47]. إذاً لدينا يوم ولدينا ألف سنة، فكيف يمكن أن نساوي بينهما؟ وما هو العامل المشترك؟
يعتبر العلماء أن سرعة الضوء هي سرعة كونية مميزة لا يمكن لأي جسم أن يصل إليها عملياً، وكلما زادت سرعة الجسم تباطأ الزمن بالنسبة له، ومتى وصل أي جسم إلى هذه السرعة (أي سرعة الضوء) توقف الزمن بالنسبة له، وهذا ملخص النظرية النسبية.

http://www.kaheel7.com/userimages/earth-moon1414.jpg

صورة تظهر المسافة والحجم الحقيقي للأرض والقمر، وأثناء دوران القمر حول الأرض يدور بمدار غير دائري (مفلطح) فيبلغ بعده عن الأرض 384 ألف كم وسطياً. ويدور القمر حول الأرض بسرعة وسطية تبلغ 1 كيلو متر في الثانية.



إن سرعة الضوء في الفراغ حسب المقاييس العالمية هي 299792 كيلو متر في الثانية، لنحفظ هذا الرقم لأننا سنجده في الآية بعد قليل.
إذا سمينا اليوم الذي ذكرته الآية باليوم الكوني (تمييزاً له عن اليوم العادي بالنسبة لنا) يمكن أن نكتب المعادلة التالية وفقاً للآية الكريمة (وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) :

اليوم الكوني = ألف سنة عادية

إذاً لدينا علاقة خفية بين طول اليوم وطول الألف سنة، فما هي هذه العلاقة الخفية التي أرادها القرآن؟


1- حساب طول الألف سنة:
بما أن حساب الأشهر والسنين عادة يكون تبعاً لحركة القمر فإن الشهر بالنسبة لنا هو دورة كاملة للقمر حول الأرض. فكما هو معلوم فإن القمر يدور حول الأرض دورة كل شهر وبعد 12 دورة يتم السنة، وهكذا في نظام بديع ومحكم حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فالله تعالى يقول: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا) [التوبة: 36].
بعملية حساب بسيطة على أساس الشهر الحقيقي نجد أن القمر يقطع مسافة تقدر بـ 2152612.27 كيلو متر حول الأرض في دورة حقيقية كاملة. وهذه المسافة تمثل طول المدار الذي يسير فيه القمر خلال دورة كاملة أي خلال شهر.
وإذا أردنا حساب ما يقطعه القمر في سنة نضرب هذا المدار في 12 (عدد أشهر السنة):
2152612.27 × 12 = 25831347 كيلو متر.
وإذا أردنا أن نعرف ما يقطعه القمر في ألف سنة نضرب الرقم الأخير بألف:
25831347 × 1000 = 25831347000 كيلو متر


2- طول اليوم الواحد:
اليوم هو 24 ساعة تقريباً أما قيمة هذا اليوم يالثواني فتبلغ حسب المقاييس العالمية 86164 ثانية.
الآن أصبح لدينا قيمة الألف سنة هي 25831347000 كيلو متر وهي تمثل "المسافة". ولدينا طول اليوم وهو 86164 ثانية وهذا الرقم يمثل "الزمن".
ولكي ندرك العلاقة الخفية بين المسافة والزمن، نلجأ إلى القانون المعروف الذي يقول:

السرعة = المسافة ÷ الزمن

لدينا المسافة معلومة، والزمن معلوم:
مدار القمر في ألف سنة (المسافة) = 25831347000 كيلو متر.
طول اليوم الواحد (الزمن) = 86164 ثانية.
بقي لدينا المجهول الوحيد في هذه المعادلة وهو السرعة، نقوم بتطبيق هذه الأرقام حسب هذه المعادلة لنجد المفاجأة:
السرعة الكونية = 25831347000 ÷ 86164 = 299792 كيلو متر في الثانية، وهي سرعة الضوء بالتمام والكمال!!!
إذاً الآية تشير إشارة خفية إلى سرعة الضوء من خلال ربطها بين اليوم والألف سنة، وهذا سبق علمي للقرآن لا يمكن أن يكون قد جاء بالمصادفة أبداً!
تساؤلات
هناك بعض التساؤلات التي يمكن أن تصادف الإخوة القراء بعد قراءة هذا البحث ويمكن أن نلخصها في نقاط:
1- لماذا اعتبرنا أن هذه الآية تشير إلى سرعة الضوء؟
2- لماذا لم يتحدث القرآن صراحة عن سرعة الضوء؟
3- هل يعني هذا البحث أن الأمر الإلهي يسير بسرعة الضوء؟
والحقيقة أن القرآن يحوي إشارات خفية لا يمكن لأحد أن يراها مباشرة، بل تبقى مئات السنين حتى يأتي العصر المناسب لتنكشف المعجزة وتكون دليلاً على صدق هذا القرآن وأنه الرسالة الخالدة المناسبة لكل زمان ومكان.
إن الآية ربطت بين "يوم" و "ألف سنة" وكما لاحظنا فإن العلاقة بين اليوم الكوني والألف سنة العادية (مما نعد) هي رقم قيمته 299792 وهذا العدد يمثل سرعة الضوء بدقة شبه تامة، فكيف نفسر وجود هذا العدد في القرآن؟
أسرع من الضوء
يقول تعالى: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) [السجدة: 5]. وقد طرح المشككون سؤالاً: هل يسير الأمر الإلهي بسرعة الضوء؟ ونقول إن الآية الكريمة تشير إشارة خفية إلى سرعة الضوء، أما قوله تعالى: (ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ) فهذا يعني أن الأمر الإلهي يعرج إلى السماء السابعة في يوم واحد، أو ألف سنة مما نعد، ولكن ماذا يعني ذلك؟
إنه يعني إشارة خفية إلى وجود سرعة أكبر بكثير من سرعة الضوء!!! فنحن نعلم أن أبعد مجرة مكتشفة بحدود عشرين ألف مليون سنة ضوئية، أي أن الضوء يحتاج إلى عشرين مليون سنة، وهذه المجرة هي دون السماء الدنيا، لأن كل ما نراه من مجرات هي زينة للسماء الدنيا لأن الله يقول: (وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ) [فصلت: 12].
إن الضوء يقطع في يوم واحد مسافة مقدارها: 25831347000 كيلو متر، وهذه المسافة ضمن حدود المجموعة الشمسية، ولذلك فإن سرعة الضوء غير كافية لعبور السماء الدنيا في يوم واحد ولابد من وجود سرعة أعلى من سرعة الضوء بكثير، وهذا ما يعتقده بعض العلماء اليوم!
فقد بدأ العلماء يلاحظون بعض الظواهر الكونية مثل ظاهرة المادة المظلمة، وبدأ الاعتقاد لديهم ينمو بأن الضوء ليس هو الأسرع في الكون بل هناك سرعة كونية أعلى بكثير! وقد طرحت الفكرة لأول مرة من قبل عالمين في بريطانيا وأمريكا في أواخر القرن العشرين، هكذا يقول العلماء.
وحتى تاريخ كتابة هذا البحث لا توجد أية قياسات تثبت هذه النظرية، ولكن القرآن يؤكد وجود سرعة كونية أعلى من سرعة الضوء، ولذلك يمكن أن نقول إن القرآن أشار إلى هذه النظرية قبل أربعة عشر قرناً، وهذا نوع من أنواع الإعجاز.
بقي لدينا إشارة خفية في الآية إلى شكل الطريق الذي يسلكه أي جسم في الفضاء وهو الطريق المتعرج، فجميع المراكب الفضائية والنيازك غير ذلك من الأجسام تسير في الفضاء وفق مسار متعرج وليس بخط مستقيم، بسبب وجود مجالات قوية من الجاذبية تغير مسار أي جسم في الفضاء، وحتى الأشعة الكونية والضوء وغير ذلك من أنواع الطاقة فإنها تسلك طرقاً متعرجة أيضاً لأنها تتأثر بحقول الجاذبية العنيفة في الكون، والله أعلم.
لفت انتباه
لقد لفتت انتباهنا إحدى الأخوات الفاضلات إلى ملاحظة وهي إلى أننا اعتبرنا اليوم الكوني 24 ساعة (تقريباً) وكل ساعة 3600 ثانية، فمن أين جئنا بهذا التقسيم؟ وأقول: إن هذا التقسيم هو اجتهاد بشري والهدف منه استخراج الإشارة القرآنية لسرعة الضوء، وليس بالضرورة أن يكون اليوم الكوني كذلك، وقد يكون في هذه الآية العظيمة إشارات أخرى لسرعات كونية كبيرة.
فقد حدثنا الله تعالى عن سرعة الأمر الهي وقرنها بسرعة البصر فقال تعالى: (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) [القمر: 50]. وهناك آية ثانية تتحدث عن لحظة حدوث القيامة وأنها تأتي مفاجئة بلمح البصر، يقول تعالى: (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [النحل: 77].
وقد تحوي هذه الآيات إشارة إلى السرعة الكونية القصوى التي يبحث عنها العلماء ويتحدثون عنها، ولكن هذه المسألة تحتاج لمزيد من البحث والتدبر.

ـــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل
www.kaheel7.com

* إن الذي طرح هذه الفكرة لأول مرة هو الدكتور محمد دودح في بحث له منشور على موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
* إن سرعة الضوء بدقة هي 299792.458 متر في الثانية، ولكن تم اعتبار سرعة الضوء في الفراغ 299792 متر في الثانية (أي عدا العدد الكسري) وذلك لتسهيل الحسابات فقط وتبسيطها، مع العلم أن سرعة الضوء أقصى ما يمكن تكون في الفراغ، وتكون أبطأ في الأوساط المختلفة مثل السوائل والزجاج وغيرها.
Moon Motion, http://www.aerospaceweb.org/
Speed of Light, Wikipedia.
ON THE CONSTANCY OF THE SPEED OF LIGHT, www.ldolphin.org



بن الإسلام 13.05.2010 14:55


{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) } سورة الإسراء



http://www.kaheel7.com/userimages/life_secret_000.JPG

العلماء يعترفون بعجزهم أمام الروح!

وأخيراً اعترف العلماء أن تجاربهم باءت بالفشل بعد سنوات طويلة من البحث، وحتى التكنولوجيا المتطورة وقفت عاجزة أمام معرفة سر الحياة... لنقرأ.....



بتاريخ 26 فبراير 2008 نشرت جريدة الديلي ميل مقالاً – أرسله لي أحد الإخوة جزاهم الله خيراً، عنوانه Life's Still One Big Secret وملخص هذا المقال هو أن علماء من جامعة أدنبرة البريطانية قاموا ببناء كمبيوتر عملاق كلفهم أكثر من 20 مليون دولار، وكانوا يهدفون من خلاله إلى معرفة سر الحياة أو ما نسميه (الروح).
لقد بلغت سرعة هذا الجهاز المسمى "سوبر كمبيوتر" تريليون عملية حسابية في الثانية!! وقاموا بتجارب استمرت 8 سنوات حول الخلية والحياة والكون لمعرفة سبب نشوء الحياة على الأرض، وما هي احتمالات أن تكون الحياة قد نشأت بالمصادفة!
لقد قاموا بإدخال بلايين المعلومات والبيانات والقوانين الفيزيائية التي تحكم الكون، وقاموا بوضع مخططات لهذه الدراسة بهدف معرفة كيف بدأت الحياة، طبعاً ليس بهدف العبرة والموعظة والوصول إلى الحقيقة للإيمان بالله تعالى، بل محاولة منهم لتقليد نموذج الحياة على الأرض!




السوبر كمبيوتر التابع لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا، وهو جهاز عملاق يبلغ وزنه أكثر من مئة طن، ويقوم بأكثر من تريليون عملية حسابية في الثانية، وهو يشغل مساحة مبنى كامل. هذا الجهاز يستوعب بلايين المعلومات والبيانات تتم معالجتها فيه بسرعة فائقة بهدف معرفة أسرار الكون والحياة.








لقد حاول العلماء إدخال بيانات حول الكون والقوانين الفيزيائية ليعرفوا أسرار الكون، ولكن الكمبيوتر وقف عاجزاً أمام معرفة سر الحياة وكيف تكونت ومن الذي أنشأنها.








لقد حاولوا معرفة أسرار الخلايا، وكيف تعمل بنظام شديد التعقيد، واكتشفوا أن كل خلية من خلايا الدماغ تعمل بكفاءة تتفوق على أي جهاز كمبيوتر، وطرحوا الأسئلة: كيف تعمل هذه الخلايا؟ من الذي يدفعها للقيام بهذه المهام المعقدة؟ ومن الذي ينظم عملها؟ ولكن لا توجد إجابة لديهم.













حاولوا كذلك معرفة أسرار الدماغ وكيف يعمل، وما هو سر وجود تريليون خلية فيه (أي 1000000000000 خلية) ومن الذي ينظم عملها؟ ومن الذي يوجهها ويحافظ على استقرارها؟ ومن الذي يجعلها تعمل بتناسق مبهر فيما بينها؟ ومن ومن ....










كذلك حاولوا من خلال أبحاثهم معرفة أسرار القلب! كيف يعمل بلا توقف، وكيف يقوم بضخ الدم بشكل يتفوق على أفضل مضخة في العالم؟ وكيف يعمل بلا أخطاء ولا تعب ولا ملل، بل يعمل بطاقة مجانية لا نحس بها؟ إن الإجابة لا تزال غامضة بالنسبة لهم.











حاولوا إطالة عمر الإنسان من خلال اختراع القلب الصناعي، ولكن العلماء حديثاً اعترفوا بفشل هذا القلب، بل هناك جمعيات علمية اعترفت بأن هذا القلب الصناعي هو مجرد ضحك على المريض لأنه لا يقدم له شيئاً سوى إطالة عمره ليعيش أشهراً من التعاسة والألم وعدم الراحة والاستقرار!










هذا رسم لجزيء الدي إن إي وهو جزيء مهم أودع الله فيه أسرار الحياة، وعلى الرغم من آلاف التجارب لمعرفة آلية عمل هذا الجزيء وكيف يتحكم بسلوك الإنسان ونشوئه وتطوره وإعطائه الصفات الوراثية، كيف يشرف هذا الجزيء على تكاثر الخلايا وعلى تبادل المعلومات بينها وغير ذلك من العمليات المعقدة. لقد حاولوا تقليد هذا الجزيء في طريقة عمله ففشلوا فشلاً ذريعاً.

بن الإسلام 13.05.2010 14:56




حتى هذه النحلة الصغيرة التي نظنها لا تساوي شيئاً، في دماغها ملايين الخلايا العصبية المعقدة التي تعمل بكفاءة تتفوق على هذا السوبر كمبيوتر! حتى هذه اللحظة لم يتمكنوا من الإجابة على سؤال بسيط: من الذي يدفع هذه النحلة للقيام بما تقوم به؟













حتى أبسط العمليات التي يقوم بها الإنسان مثل النوم: وقفوا عاجزين أمام معرفة أسرار النوم وما الذي يجعل الإنسان ينام؟ وكيف ينام الإنسان ويبقى دماغه في حالة عمل ونشاط؟ حتى هذه اللحظة فشلوا في معرفة أسرار الذاكرة وكيف يخزن الإنسان المعلومات في دماغه... هناك عجز كبير في كل شيء تقريباً.










مجموعة من النطاف تسبح في الظلام، في هذه النطفة التي لا ترى إلا بالمكبرات يكمن سر الحياة، من الذي يوجه هذه النطفة لتسير باتجاه البويضة دائماً، ومن الذي يلهمها أن تدخل إلى البويضة وتندمج معها وتبدأ رحلة الحياة؟ إنها أسئلة لا إجابة عنها كما يقولون.













من الذي يعتني بهذا الجنين في بطن أمه؟ وما هي القوة التي تجعل من خلية واحدة خلال تسعة أشهر تتحول إلى مئة تريليون خلية؟ وكيف يعلم جسم الأم أنه يجب عليه أن يغذي هذا الجنين ويؤمن له الغذاء والهواء والشراب؟ أسئلة تعد بالمئات لا إجابة عنها حتى الآن!





إن بعض الملحدين تحدى الله تعالى وقال إننا تطورنا علمياً في كل المجالات وسنعرف أسرار كل شيء، وسوف نقلد الحياة على الأرض ونخلق كائنات حية! وقال آخر: أخيراً سوف نتمكن من خلق إنسان كامل، ولا داعي بعد الآن للحديث عن وجود الله!
ولكن ومن عظمة الله تعالى، وبعد جهود كبيرة اعترفوا من خلال هذه المقالة وغيرها بعجزهم وفشل تجاربهم حول سر الحياة. وقال الفيزيائيون في جامعة أدنبرة: كنا نحاول استكشاف ما يسمى Standard Model Theory أي نظرية النموذج القياسي، لمعرفة سلوك المادة والطاقة. ولكن هذا النموذج لم يتفق مع قانون الجاذبية وبالتالي فإن مهمة الكمبيوتر قد باءت بالفشل.
إن هذه النتيجة حدثنا عنها القرآن قبل أربعة عشر قرناً! يقول تعالى مؤكداً أنه لا يمكن لأحد أن يعلم سر الحياة لأنها من علم الله تعالى وأن علم البشر قليل: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) [الإسراء: 85]. وسبحان الله! لو أن علماء الغرب اطلعوا على هذه الآية ووفروا على أنفسهم عناء البحث والتكلفة والوقت والجهد. فالقرآن أعطاناً جدوى البحث في أي موضوع مسبقاً وقبل أن نبحث فيه.
إن القرآن يأمرنا أن نسير في الأرض لنكشف بداية الحياة فقط، أي أنه يمكن لنا أن نتعرف على بداية نشوء الحياة، وهذا بالفعل ما وجده العلماء. فقد بدؤوا رحلة البحث عن نشوء الكون ووصلوا إلى نتائج مبهرة.
ولكن جميع المحاولات التي تهدف إلى صنع خلية حية أو تقليد الحياة أو محاكاتها، فإنها باءت وستبوء بالفشل، تماماً مثل الأبحاث التي تهدف إلى إطالة عمر الإنسان. فقد خرج العلماء أخيراً بنتيجة مهمة ألا وهي أن الموت هو النهاية الطبيعية للأحياء، وأن كل محاولة لإطالة عمر الإنسان تسير عكس الطبيعة، وأن المرض الوحيد الذي لا يمكن علاجه هو الهرم! وهنا نتساءل: أليس هذا ما حدثنا عنه الحبيب الأعظم بقوله: (ما وضع الله من داء إلا وضع له الشفاء إلا داءً واحداً الهرم) [رواه أحمد].
هذا هو قرآننا وهذا هو نبينا عليه الصلاة والسلام وهذا هو ديننا الحنيف، إنه دين العلم والحقائق العلمية. لنتأمل هذه الآيات الرائعة التي تحدثنا عن أهمية التفكر في خلق الله والبحث عن أسرار بداية الخلق وإعادته، وأن هؤلاء الملحدين لم يكونوا ليعجزوا الله سبحانه وتعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ * وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) بالعنكبوت: 19-23].
ــــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل
www.kaheel7.com
1- Life's Still One Big Secret, Daily Mail; London (UK) 26/2/2008.
2- Robinson, M.R. Our Universe, Scientific American, 1993.
3- Morris, Richard. Cosmic Questions: Galactic Halos, Cold Dark Matter, and the End of Time, Wiley, 1995.
4- Researchers discover new cell death program, The Rockefeller University, January 9, 2007.

بن الإسلام 13.05.2010 14:57


{ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)}
سورة الأنعام

تمهيد :


إن الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونسترشده ونؤمن به ونتوكل عليه ونصلي ونسلم على سيدالأنبياء وإمام المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
فإننا في عصر العلم وزمن التقدم والسبق الفكري وللأسف أن الأمة الإسلامية تعيش بعيدا عن هذا العصر القائم على العلم والتجربة العلمية والتفكر والتأمل والاستنتاج وهذه المنهجة ـ في الحقيقة ـ منهجية إسلامية محضة سبقنا إليها الغرب المادي وإنه لأجدر بهذه الأمة أن تعود إلى دينها الدين الحق الذي يدعوا إلى التفكر والتدبر وهو دعوة للناس جميعا إلى التفكر والتدبر في الخلق والمخلوقات كما قال تعالى : (أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُون)[1][2].
وقال تعالى: (قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ)2.
ولقد لفت القرءان العظيم الأنظار والعقول من أول يوم للرسالة إلى التأمل والتفكر في شأن المخلوقات لاسيما في الأنعام والحيوانات كونها ألصق بالعرب وبحياتهم ولا يعرفون إلا هي كما قال تعالى :
(أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ...)3وإحياء المنهج التفكر في المخلوقات الذي دعانا إليه الإسلام أقدم هذا البحث الذي أسأل الله أن ينفع به المسلمين وأن يجعله في ميزان حسناتي يوم لقاه.


وقد جعلت قوله تعالى :

(وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ)4 وهو عنوان هذا البحث .
وقد واجهتني كثيرا من الصعاب من أهمها ندرة المراجع العلمية وضيق الوقت وكثرة الشواغل ولكن كان المعين لي بعد الله تعالى وتوفيقه مركز بحوث جامعة الإيمان الذي أمدني بكثير من المراجع المتعلقة بالموضوع بالإضافة إلى مكتبة الجامعة فلا أنسى أن أسجل هنا كلمة شكر وتقدير وعرفان لجامعة الإيمان ـ حماها الله ـ ومركزها ، هذا وكانت خطتي في البحث على النحو التالي :
وقد قسمت هذه الدراسة إلى أربعة مباحث وهي :
المبحث الأول ويشتمل على خمسة مباحث هي :
http://www.55a.net/firas/photo/06857015.jpg

أقوال اللغويين في الآية .
أقوال المفسرين والعلماء في الآية.
المراد بالمثلية في الآية .
لأممية لدى الحيوانات.
العبودية لدى الكائنات
المبحث الثاني :الجوانب العلمية التي أكتشفها العلم الحديث في التماثل بين الإنسان وسائر الكائنات على وجه الأرض ( السلوكيات والأخلاق) :

ويشتمل على ستة مطالب وهي :

البيت الزوجي لدى الحيوانات.
الجنس لدى الحيوانات .
من أعاجيب الحيوانات في حياتها الجنسية
أثر الرائحة العطرة في ثوران الغريزة الجنسية لدى الحيوانات .
تنظيم العملية الجنسية لدى الحيوانات.
الغيرة لدى بعض الحيوانات "البط "
المبحث الثالث : من أخلاقيات الحيوان ويشتمل على ستة مباحث وهي :
الوفاء والأمانة الزوجية لدى الحيوان .
التعاون والمحبة في عالم الحيوان "النحل "
هداية الحمام وعجائب صنع الله فيه .
الهداية الإلهية للحيوان في البحث عن معاشه .
المبحث الرابع غرائب الحيوان ويشتمل على المطالب التالية :
الإنسان يتعلم من الحيوان .
بعض الطيور تقلد أصوات البشر
بعض الحيوانات تسبق الإنسان في معرفة بعض الأحداث والمعلومات .
اللغة السرية لدى الحيوانات "الأفيال والحيتان "في التخاطب فيما بينها المطلب الخامس :الهجرة كذلك في عالم الحيوان .
كيف تهاجم الحيوانات فرائسها ؟
تبادل الأفكار لدى الحيوانات.
الخداع والمكر لدى الحيوانات .
النحل اجتماعي جدا .
هل تنام الحيوانات ؟.
هل تحب الحيوانات الجمال أيضا ؟.
عيون الطيور تشبه عيون البشر .
الوطنية في عالم الحيوان .
جوانب من تفوق الحيوان على الإنسان .
النمل يربي المواشي ويفلح الأرض .
الحيوانات تقيم الحدود الإسلامية.
الحيوانات أيضا تستخدم الدواء وتتطبب كذلك.
كما أشتمل البحث على الخاتمة والفهرس والمراجع . فإلى المبحث الأول:
المبحث الأول تأصيل الجانب الشرعي حول الآية : ويشتمل على المطالب التالية :
أقوال اللغويين في الآية .
أقوال المفسرين والعلماء في الآية.
المراد بالمثلية في الآية .
الأممية لدى الحيوانات.
العبودية لدى الكائنات

مقدمة
القرءان العظيم وهو يخاطب البيئة العربية البدوية التي تعرف الناقة والجمل والخيل والبغال والطير و الغنم والشاء وغيرها من المخلوقات يلفت الأنظار إلى قدرة الباري سبحانه في خلقها وتكوينها وبديع صنعه فيها وهذا ما يعلل سر ذلك الحشد الهائل من الآيات القرآنية التي تتحدث عن الأنعام فلا تكاد تجد سورة من القرءان إلا و فيها حديث أو إشارة إلى آيات الله وبديع صنعه في الأنعام بل لقد سميت بعض سور القرءان بأسماء بعض الأنعام نحو النمل والنحل والفيل والعنكبوت والبقرة والأنعام والعاديات أي الخيل وهكذا .
وفي هذا استنهاض للعقول والأفئدة للتفكر في بديع صنع الله فيها وقدرته تعالى كما قال عز وجل(وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) *5.ومن ضمن الآيات القرآنية التي تحمل الإعجاز والتحدي للبشرية آية من كلام الله تعالى مهما كتب فيها الكاتبون وصنف فيها المصنفون فلن يحصوا ما فيها من علم إلهي إذ تعجز الأقلام عن الخوض في لججها المتلاطمة(قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّيلَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا)6
إنها قوله تعالى : (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُون)7 .
ومن أجل أن تتضح الآية لابد من أن نعرج على أقوال علماء اللغة وأئمة التفسير حول الآية .
http://www.55a.net/firas/photo/37710021.jpg




أقوال علماء اللغة في معنى الآية :

معنى الأمة لغة :
قال في مختار الصحاح للإمام الرازي "والأمة الجماعة "
وقال في لسان الميزان "الأمة الجيل والجنس من كل حي "
وقال الأصفهاني في كتابه مفردات ألفاظ القرءان "والأمة كل جماعة يجمعهم أمر ما إما دين واحد أو زمان واحد أو مكان واحد سواء كان الأمر الجامع تسخيرا أو اختيارا ومنه قوله تعالى(وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم)أي كل نوع منها على طريقة قد سخره الله عليها بالطبع فهي ما بين ناسجة كالعنكبوت وبانية كالسرفة ـ وهي دويبة غبراء تبني بيتا حسنا تكون فيه وهي التي يضرب بها المثل فيقال أصنع من سرفة ـ ومنها المدخرة كالنمل ومعتمدة على قوته كالعصفور والحمام وغير ذلك من الطبائع التي تخصص بها كل نوع "




أقوال المفسرين والعلماء في معنى الآية :

قال الإمام القرطبي في كتابه الجامع لأحكام القرءان "إلا أمم أمثالكم "أي هم جماعات مثلكم في أن الله خلقهم وتكفل بأرزاقهم وعدل عليهم فلا ينبغي أن تظلموهم ولا تجاوزوا فيهم ما أمر تم به "
وقال الزجاج "إلا أمم أمثالكم " قال في الخلق والرزق والموت والبعث والاقتصاص وقال مجاهد أصناف لهن أسماء تعرف بها كما تعرفون. وقال سفيان ابن عيينة أي ما من صنف من الدواب والطير إلا في الناس شبه منه فمنهم من يعدوا كالأسد ومنهم من يشره كالخنزير ومنهم من يعوي كالكلب ومنهم من يزهوا كالطاووس فهذا معنى المماثلة .واستحسن الخطابي هذا وقال فإنك تعاشر البهائم والسباع فخذ حذرك .ثم عقب الإمام القرطبي على هذه الأقوال وغيرها بقوله "وقيل غير هذا مما لا يصح والصحيح ـ إلا أمم أمثالكم ـ في كونها مخلوقة دالة على الصانع محتاجة إليه مرزوقة من جهته كما أن رزقكم على الله "وقول سفيان أيضا حسن فإنه تشبيه في واقع الوجود "أ.ه كلام الإمام القرطبي ثم قال قوله تعالى "بجناحيه "مع أن الطائر لا يطير إلا بجناحيه فذكرهما ليتمحض القول في الطير ."وقال الإمام جلال الدين السيوطي في تفسيره الدر المنثور في التفسير بالمأثور "أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله عز وجل "إلا أمم أمثالكم "قال خلق مثلكم ".
وقال في تفسير الجلالين للإمام السيوطي "إلا أمم أمثالكم "ـ في تدبير خلقها ورزقها وأحوالهم"أه
وقال الإمام الطبري في هذه الآية في تفسيره جامع البيان عن تأويل القرءان "جعلها أجناسا مجنسة وأصنافا مصنفة تعرف كما تعرفون وتتصرف فيما سخرت له كما تتصرفون ومحفوظ عليها ما عملت من عمل لها وعليها ومثبت كل ذلك من أعمالها في أم الكتاب "
وقال الإمام الشوكاني في الفتح "(بجناحيه ) لدفع الإبهام ،لأن العرب تستعمل الطيران لغير الطير كقولهم طر في حاجتي أي أسرع وقيل إن إعتدال جسد الطائر بين الجناحين يعينه على الطيران، ومع عدم الاعتدال يميل فأعلمنا سبحانه أن الطيران بالجناحين وقيل ذكر الجناحين للتأكيد كضرب بيده وأبصر بعينيه ونحو ذلك والمعنى :ما من دابة من الدواب التي تدب في أي مكان من أمكنة الأرض ،ولا طائر يطير في أي ناحية من نواحيها (إلا أمم أمثالكم )أي جماعات مثلكم خلقهم الله كما خلقكم ورزقهم كما رزقكم ،داخلة تحت علمه وتقديره وإحاطته بكل شيء .
ثم سرد ـ رحمه اللـه ـ أقوال المفسرين في الآية ثم قال والأولى أن تحل المماثلة على كل ما يمكن وجود شبه فيه كائنا ما كان ".أه
وقال الإمام ابن القيم "وقال الخطابي ما أحسن ما تأول سفيان ـ يعني ابن عيينة ـ هذه الآية واستنبط منها هذه الحكمة وذلك أن الكلام إذا لم يكن حكمه مطاوعا لظاهره وجب المصير إلى باطنه وقد أخبر الله عن وجود المماثلة بين الإنسان وبين كل طائر ودابة وذلك ممتنع من جهة الخلقة والصورة وعدم من جهة النطق والمعرفة فوجب أن يكون منصرفا إلى المماثلة في الطباع والأخلاق . ثم علق ابن القيم قائلا والله سبحان قد جعل بعض الدواب كسوبا محتالا وبعضها متوكلا غير محتال وبعض الحشرات يدخر لنفسه قوت سنته وبعضها يتكل على الثقة بأن له في كل يوم قدر كفايته رزقا مضمونا وأمر مقطوعا وبعضها لا يعرف ولده البتة وبعض الإناث تكفل ولدها لا تعدوه وبعضها تضيع ولدها وتكفل ولد غيرها وبعضها لا تعرف ولدها إذا استغنى عنها وبعضها يدخر وبعضها لا تكسب له وبعض الذكور يعول ولده وبعضها لا تزال تعرفه وتعطف علبه .وجعل بعض الحيوانات يتمها من قبل أمهاتها وبعضها يتمها من قبل آبائها وبعضها لا يلتمس الولد وبعضها يستفرغ الهم في طلبه وبعضها يعرف الإحسان ويشكره وبعضها ليس ذلك عنده شيئا وبعضها يؤثر على نفسه وبعضها إذا ظفر بما يكفي أمة من جنسه لم يدع أحدا يدنوا منه وبعضها يألف بني آدم ويأنس بهم وبعضها يستوحش منهم وينفر غاية النفار منه وبعضها لا يأكل إلا الطيب وبعضها لا يأكل ألا الخبائث وبعضها يجمع بين الأمرين وبعضها لا يؤذي إلا من بالغ في أذاها وبعضها يؤذي من لا يؤذيها وبعضهم حقود لا ينس الإساءة وبعضها لا يذكرها البتة وبعضها لا يغضب وبعضها يشتد غضبه فلا يزال يسترضى حتى يرضى وبعضها عنده علم ومعرفة بأمور دقيقة لا يهتدي إليها أكثر الناس وبعضها لا معرفة له بشيء من ذلك البتة وبعضها يستقبح القبيح وينفر منه وبعضها الحسن والقبيح سواء عنده وبعضها يقبل التعليم بسرعة وبعضها مع الطول وبعضها لا يقبل ذلك بحال "أه كلام ابن القيم .[3]وقال أيضا الإمام ابن القيم في كتابه جلاء الأفهام "والأمة الجماعة المتساوية في الخلقة والزمان قال تعالى (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُون)[4] .
وقال أيضا في الجواب الكافي حيث أورد كلام سفيان ابن عيينة في الآية "قال منهم من يكون على أخلاق السباع العادية ومنهم من يكون على أخلاق الكلاب وأخلاق الخنازير وأخلاق الحمير ومنهم من يتطوس في ثيابه لحما كتطوس الطاوس في ريشه ومنهم من يكون بليدا كالحمار ومنهم من يؤثر على نفسه كالديك ومنهم يألف ويؤلف كالحمام ومنهم الحقود كالجمل ومنهم الذي خير كله كالغنم ومنهم أشبه الذئاب ومنهم أشباه الثعالب التي يروغ كروغانها .وقد شبه الله أهل الجهل والغي بالحمر تارة وبالكلب تارة وبالأنعام تارة وتقوى هذه المشابهة باطنا حتى تظهر في الصورة الظاهرة ظهورا خفيا يراه المتفرسون ويظهر في الأعمال ظهورا يراه كل أحد ولا يزال يقوى حتى تعلوا الصورة فتنقلب له الصورة بإذن الله وهو المسخ التام. فيقلب الله الصورة الظاهرة على صورة ذلك الحيوان كما فعل باليهود وأ شباههم ويفعل بقوم من هذه الأمة ويمسخهم قردة وخنازير "أه [5] وقال أيضا ابن القيم في شفاء العليل (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم)قال "وهذا يتضمن أنها أمم أمثالنا في الخلق والرزق والتقدير الأول وأنها لم تخلق سدى "[6]
ويقول سيد قطب في ظلاله حول هذه الآية "إنه ما من دابة تدب على الأرض وهذا يشمل كل الأحياء من حشرات وهوام وزواحف وفقاريات وما من طائر يطير بجناحيه في الهواء وهذا يشمل كل طائر من طير أو حشرة وغير ذلك من الكائنات الطائرة،ما من خلق حي في هذه الأرض كلها إلا وهو ينتظم في أمة ذات خصائص واحدة وذات طريقة في الحياة واحدة كذلك شأنها في هذا شأن أمة الناس ما ترك الله شيئا من خلقه بدون تدبير يشمله وعلم يحصيه،وفي النهاية تحشر الخلائق إلى ربها فيقضي بأمرها ما يشاء "أه [7]
وبعد أن سردنا أقوال علماء اللغة وعلماء التفسير نشرع في بيان معنى المثلية في الآية.
يمكننا مما سبق من كلام علماء اللغة والتفسير في المراد بالتماثل في قوله تعالى (إلا أمم أمثالكم )وبجمع أقوالهم في الآية يتبين لنا أن المراد بالتماثل بين الدواب والإنسان إنما هو في بعض الجوانب وليس المراد هو التماثل التام من كل وجه إذ لو وقع هذا لكان الإنسان حيوانا كسائر الحيوانات وهو محال عقلا وشرعا.
أما عقلا فمعلوم وأما شرعا فإن الله عز وجل قد كرم بني آدم على سائر الكائنات وفضلهم على كثير من خلقه كما قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىكَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [8].
ولو قلنا بالتماثل من كل وجه لقلنا برفع التكليف عن بني آدم شأنهم في ذلك شأن البهائم والدواب وهو محال شرعا وإنما المراد ـوالله أعلم ـ هو التماثل والتشابه السلوكي والخلقي والطبعي كما قال الإمام الخطابي والشوكاني والقرطبي وغيرهم ـ كما سبق بيانه ـ.
ويدل على صحة هذا القول الحديث الصحيح "لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها فا قتلوا منها الأسود البهيم [9]" فسمى النبي صلى الله عليه وسلم الكلاب أمة من الأمم أي في الخلق والتدبير والأفعال والأعمال والسلوكيات ومحال تماثل الكلب لكل الأمم من كل الوجوه.







أقرأ المزيد
الأممية في الحيوانات - أمم أمثالكم














[1] الأعراف 185 2يونس 1.1 3 الغاشية 17 4الأنعام 38 5النحل 8 6 الكهف 1.9 7 الأنعام 38 [3] شفاء العليل لإبن القيم ص77[4] جلاء الأفهام ج1ص151[5] الجواب الكافي ج1ص 83[6] شفاء العليل ج1 ص4.[7] ظلال القرآن ج2 ص1.8.[8] الإسراء 7.[9] وحسنه السيوطي في الجامع الصغير والهيثمي في مجمع الزوائد وقال رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط والكبير . قلت ورواه الترمذي و أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وغيرهم .


بقلم : الأستاذ محمد محمد معافى علي المهدلي


بن الإسلام 13.05.2010 14:58



{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21) } سورة الزمر .

http://www.imanway.com/akhawat/image.../wol_error.gifThis image has been resized. Click this bar to view the full image. The original image is sized 1024x768.http://www.anwrs.net/pic/1ss1_rHQliUe9o.jpg


http://www.3enwan.co.il/online/2009/9/22/Autumn.jpg


الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّه أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيع فِي الْأَرْض ثُمَّ يُخْرِج بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانه ثُمَّ يَهِيج فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلهُ حُطَامًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَلَمْ تَرَ } يَا مُحَمَّد { أَنَّ اللَّه أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاء مَاء } وَهُوَ الْمَطَر { فَسَلَكَهُ يَنَابِيع فِي الْأَرْض } يَقُول : فَأَجْرَاهُ عُيُونًا فِي الْأَرْض ; وَاحِدهَا يَنْبُوع , وَهُوَ مَا جَاشَ مِنْ الْأَرْض

ويُخْبِر تَعَالَى أَنَّ أَصْل الْمَاء فِي الْأَرْض مِنْ السَّمَاء كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ " وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاء مَاء طَهُورًا " فَإِذَا أَنْزَلَ الْمَاء مِنْ السَّمَاء كَمَنَ فِي الْأَرْض ثُمَّ يَصْرِفهُ تَعَالَى فِي أَجْزَاء الْأَرْض كَمَا يَشَاء وَيُنْبِعهُ عُيُونًا مَا بَيْن صِغَار وَكِبَار بِحَسَبِ الْحَاجَة إِلَيْهَا وَلِهَذَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى " فَسَلَكَهُ يَنَابِيع فِي الْأَرْض "

ثُمَّ يُخْرِج بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانه " أَيْ ثُمَّ يُخْرِج بِالْمَاءِ النَّازِل مِنْ السَّمَاء وَالنَّابِع مِنْ الْأَرْض زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانه أَيْ أَشْكَاله وَطُعُومه وَرَوَائِحه وَمَنَافِعه " ثُمَّ يَهِيج " أَيْ بَعْد نَضَارَته وَشَبَابه يُكْتَهَل فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا قَدْ خَالَطَهُ الْيُبْس " ثُمَّ يَجْعَلهُ حُطَامًا " أَيْ ثُمَّ يَعُود يَابِسًا يَتَحَطَّم " وَقَوْله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ فِي فِعْل اللَّه ذَلِكَ كَاَلَّذِي وَصَفَ لَذِكْرَى وَمَوْعِظَة لِأَهْلِ الْعُقُول وَالْحِجَا يَتَذَكَّرُونَ بِهِ , فَيَعْلَمُونَ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَنْ يَتَعَذَّر عَلَيْهِ إِحْدَاث مَا شَاءَ مِنْ الْأَشْيَاء , وَإِنْشَاء مَا أَرَادَ مِنْ الْأَجْسَام وَالْأَعْرَاض , وَإِحْيَاء مَنْ هَلَكَ مِنْ خَلْقه مِنْ بَعْد مَمَاته وَإِعَادَته مِنْ بَعْد فَنَائِهِ , كَهَيْئَتِهِ قَبْل فَنَائِهِ , كَاَلَّذِي فُعِلَ بِالْأَرْضِ الَّتِي أُنْزِلَ عَلَيْهَا مِنْ بَعْد مَوْتهَا الْمَاء , فَأَنْبَتَ بِهَا الزَّرْع الْمُخْتَلِف الْأَلْوَان بِقُدْرَتِهِ .أَيْ الَّذِينَ يَتَذَكَّرُونَ بِهَذَا فَيَعْتَبِرُونَ إِلَى أَنَّ الدُّنْيَا هَكَذَا تَكُون خَضِرَة نَضْرَة حَسْنَاء ثُمَّ تَعُود عَجُوزًا شَوْهَاء وَالشَّابّ يَعُود شَيْخًا هَرِمًا كَبِيرًا ضَعِيفًا وَبَعْد ذَلِكَ كُلّه الْمَوْت فَالسَّعِيد مَنْ كَانَ حَاله بَعْده إِلَى خَيْر وَكَثِيرًا مَا يَضْرِب اللَّه تَعَالَى مَثَل الْحَيَاة الدُّنْيَا بِمَا يُنْزِل اللَّه مِنْ السَّمَاء مِنْ مَاء وَيُنْبِت بِهِ زُرُوعًا وَثِمَارًا ثُمَّ يَكُون بَعْد ذَلِكَ حُطَامًا كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاة الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَات الْأَرْض فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاح وَكَانَ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء مُقْتَدِرًا" .


المصادر :
تفسير ابن كثير .
تفسير الطبري .

بن الإسلام 13.05.2010 14:58




{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)} سورة البقرة


قَالَ عُلَمَاؤُنَا : هَذِهِ آيَة عَظِيمَة مِنْ أُمَّهَات الْأَحْكَام ; لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ سِتّ عَشْرَة قَاعِدَة : الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَبِأَسْمَائِهِ وَصِفَاته - وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَيْهَا فِي الْكِتَاب الْأَسْنَى - وَالنَّشْر وَالْحَشْر وَالْمِيزَان وَالصِّرَاط وَالْحَوْض وَالشَّفَاعَة وَالْجَنَّة وَالنَّار - وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَيْهَا فِي كِتَاب - التَّذْكِرَة - وَالْمَلَائِكَة وَالْكُتُب الْمُنَزَّلَة وَأَنَّهَا حَقّ مِنْ عِنْد اللَّه - كَمَا تَقَدَّمَ - وَالنَّبِيِّينَ وَإِنْفَاق الْمَال فِيمَا يَعِنّ مِنْ الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب وَإِيصَال الْقَرَابَة وَتَرْك قَطْعهمْ وَتَفَقُّد الْيَتِيم وَعَدَم إِهْمَاله وَالْمَسَاكِين كَذَلِكَ , وَمُرَاعَاة اِبْن السَّبِيل - قِيلَ الْمُنْقَطِع بِهِ , وَقِيلَ : الضَّيْف - وَالسُّؤَال وَفَكّ الرِّقَاب , وَسَيَأْتِي بَيَان هَذَا فِي آيَة الصَّدَقَات , وَالْمُحَافَظَة عَلَى الصَّلَاة وَإِيتَاء الزَّكَاة وَالْوَفَاء بِالْعُهُودِ وَالصَّبْر فِي الشَّدَائِد , وَكُلّ قَاعِدَة مِنْ هَذِهِ الْقَوَاعِد تَحْتَاج إِلَى كِتَاب
وعن تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ أَوَّلًا بِالتَّوَجُّهِ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس ثُمَّ حَوَّلَهُمْ إِلَى الْكَعْبَة شَقَّ ذَلِكَ عَلَى نُفُوس طَائِفَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَبَعْض الْمُسْلِمِينَ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى بَيَان حِكْمَته فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَاد إِنَّمَا هُوَ طَاعَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَامْتِثَال أَوَامِره وَالتَّوَجُّه حَيْثُمَا وَجَّهَ وَاتِّبَاع مَا شَرَعَ فَهَذَا هُوَ الْبِرّ وَالتَّقْوَى وَالْإِيمَان الْكَامِل وَلَيْسَ فِي لُزُوم التَّوَجُّه إِلَى جِهَة مِنْ الْمَشْرِق أَوْ الْمَغْرِب بِرّ وَلَا طَاعَة إِنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ أَمْر اللَّه وَشَرْعه وَلِهَذَا قَالَ " لَيْسَ الْبِرّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهكُمْ قِبَل الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب وَلَكِنَّ الْبِرّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر وَقَالَ الثَّوْرِيّ : " وَلَكِنَّ الْبِرّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ" الْآيَة قَالَ هَذِهِ أَنْوَاع الْبِرّ كُلّهَا وَصَدَقَ رَحِمَهُ اللَّه فَإِنَّ مَنْ اِتَّصَفَ بِهَذِهِ الْآيَة فَقَدْ دَخَلَ فِي عُرَى الْإِسْلَام كُلّهَا وَأَخَذَ بِمَجَامِع الْخَيْر كُلّه وَهُوَ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَأَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَصَدَّقَ بِوُجُودِ الْمَلَائِكَة الَّذِينَ هُمْ سَفَرَة بَيْن اللَّه وَرُسُله " وَالْكِتَاب " وَهُوَ اِسْم جِنْس يَشْمَل الْكُتُب الْمُنَزَّلَة مِنْ السَّمَاء عَلَى الْأَنْبِيَاء حَتَّى خُتِمَتْ بِأَشْرَفِهَا وَهُوَ الْقُرْآن الْمُهَيْمِن عَلَى مَا قَبْله مِنْ الْكُتُب الَّذِي اِنْتَهَى إِلَيْهِ كُلّ خَيْر وَاشْتَمَلَ عَلَى كُلّ سَعَادَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَنُسِخَ بِهِ كُلّ مَا سِوَاهُ مِنْ الْكُتُب قَبْله وَآمَنَ بِأَنْبِيَاءِ اللَّه كُلّهمْ مِنْ أَوَّلهمْ إِلَى خَاتَمهمْ مُحَمَّد صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَقَوْله " وَآتَى الْمَال عَلَى حُبّه " أَيْ أَخْرَجَهُ وَهُوَ مُحِبّ لَهُ رَاغِب فِيهِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ اِبْن مَسْعُود وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَغَيْرهمَا مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف
وَقَالَ تَعَالَى " وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شَكُورًا " وَقَالَ تَعَالَى " لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ " وَقَوْله " وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ " نَمَطٌ آخَرُ أَرْفَعُ مِنْ هَذَا وَهُوَ أَنَّهُمْ آثَرَوْا بِمَا هُمْ مُضْطَرُّونَ إِلَيْهِ وَهَؤُلَاءِ أَعْطَوْا وَأَطْعَمُوا مَا هُمْ مُحِبُّونَ لَهُ وَقَوْله" ذَوِي الْقُرْبَى " وَهُمْ قَرَابَات الرَّجُل وَهُمْ أَوْلَى مَنْ أَعْطَى مِنْ الصَّدَقَة كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيث " الصَّدَقَةُ عَلَى الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ وَعَلَى ذَوِي الرَّحِم ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ فَهُمْ أَوْلَى النَّاس بِك بِبِرِّك وَإِعْطَائِك " وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ كِتَابه الْعَزِيز " وَالْيَتَامَى " هُمْ الَّذِينَ لَا كَاسِبَ لَهُمْ وَقَدْ مَاتَ آبَاؤُهُمْ وَهُمْ ضُعَفَاء صِغَار دُون الْبُلُوغ وَالْقُدْرَة عَلَى التَّكَسُّب
"وَالْمَسَاكِين " وَهُمْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَكْفِيهِمْ فِي قُوتهمْ وَكِسْوَتهمْ وَسُكْنَاهُمْ فَيُعْطَوْنَ مَا تُسَدُّ بِهِ حَاجَتُهُمْ وَخَلَّتهمْ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَيْسَ الْمِسْكِين بِهَذَا الطَّوَّاف الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ وَاللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَلَكِنَّ الْمِسْكِين الَّذِي لَا يَجِد غِنًى يُغْنِيه وَلَا يُفْطَن لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ " " وَابْن السَّبِيل " وَهُوَ الْمُسَافِر الْمُجْتَاز الَّذِي قَدْ فَرَغَتْ نَفَقَتُهُ فَيُعْطَى مَا يُوَصِّلُهُ إِلَى بَلَدِهِ وَكَذَا الَّذِي يُرِيد سَفَرًا فِي طَاعَة فَيُعْطَى مَا يَكْفِيه فِي ذَهَابه وَإِيَابه وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الضَّيْف كَمَا قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : اِبْن السَّبِيل هُوَ الضَّيْفُ الَّذِي يَنْزِل بِالْمُسْلِمِينَ وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَأَبُو جَعْفَر الْبَاقِر وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَالزُّهْرِيّ وَالرَّبِيع بْن أَنَس وَمُقَاتِل بْن حَيَّان" وَالسَّائِلِينَ " وَهُمْ الَّذِينَ يَتَعَرَّضُونَ لِلطَّلَبِ فَيُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَوَات وَالصَّدَقَات كَمَا قَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا وَكِيع وَعَبْد الرَّحْمَن قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان عَمّ مُصْعَب بْن مُحَمَّد عَنْ يَعْلَى بْن أَبِي يَحْيَى عَنْ فَاطِمَة بِنْت الْحُسَيْن عَنْ أَبِيهَا - قَالَ عَبْد الرَّحْمَن حُسَيْن بْن عَلِيّ - قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لِلسَّائِلِ حَقٌّ وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد " وَفِي الرِّقَاب" فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ : وَفِي فَكّ الرِّقَاب مِنْ الْعُبُودَة , وَهُمْ الْمُكَاتَبُونَ الَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي فَكّ رِقَابهمْ مِنْ الْعُبُودَة بِأَدَاءِ كِتَابَاتهمْ الَّتِي فَارَقُوا عَلَيْهَا سَادَاتهمْ .
وَقَوْله "وَأَقَامَ الصَّلَاة" أَيْ وَأَتَمَّ أَفْعَال الصَّلَاة فِي أَوْقَاتهَا بِرُكُوعِهَا وَسُجُودهَا وَطُمَأْنِينَتهَا وَخُشُوعهَا عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ الْمَرْضِيِّ وَقَوْله " آتَى الزَّكَاة " يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِهِ زَكَاة النَّفْس وَتَخْلِيصهَا مِنْ الْأَخْلَاق الدَّنِيئَة الرَّذِيلَة كَقَوْلِهِ " قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا " وَقَوْل مُوسَى لِفِرْعَوْن : " هَلْ لَك إِلَى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَك إِلَى رَبِّك فَتَخْشَى" وَقَوْله تَعَالَى " وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ " وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد زَكَاة الْمَال كَمَا قَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر وَمُقَاتِل بْن حَيَّان وَيَكُون الْمَذْكُور مِنْ إِعْطَاء هَذِهِ الْجِهَات وَالْأَصْنَاف الْمَذْكُورِينَ إِنَّمَا هُوَ التَّطَوُّع وَالْبِرّ وَالصِّلَة وَلِهَذَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيث عَنْ فَاطِمَة بِنْت قَيْس " أَنَّ فِي الْمَال حَقًّا سِوَى الزَّكَاة" وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَوْله " وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا " كَقَوْلِهِ " الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّه وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاق " وَعَكْس هَذِهِ الصِّفَة النِّفَاق كَمَا صَحَّ الْحَدِيث " آيَةُ الْمُنَافِق ثَلَاث إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ " وَفِي الْحَدِيث الْآخَر" إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ" وَقَوْله " وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَحِين الْبَأْس" أَيْ فِي حَال الْفَقْر وَهُوَ الْبَأْسَاء وَفِي حَال الْمَرَض وَالْأَسْقَام وَهُوَ الضَّرَّاء " وَحِين الْبَأْس " أَيْ فِي حَال الْقِتَال وَالْتِقَاء الْأَعْدَاء قَالَهُ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَأَبُو الْعَالِيَة وَمُرَّة الْهَمْدَانِيّ وَمُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَالرَّبِيع بْن أَنَس وَالسُّدِّيّ وَمُقَاتِل بْن حَيَّان وَأَبُو مَالِك وَالضَّحَّاك وَغَيْرهمْ وَإِنَّمَا نَصَبَ الصَّابِرِينَ عَلَى الْمَدْح وَالْحَثّ عَلَى الصَّبْر فِي هَذِهِ الْأَحْوَال لِشِدَّتِهِ وَصُعُوبَته وَاَللَّه أَعْلَم وَهُوَ الْمُسْتَعَان وَعَلَيْهِ التُّكْلَان : وَقَوْله " أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا " أَيْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اِتَّصَفُوا بِهَذِهِ الصِّفَات هُمْ الَّذِينَ صَدَقُوا فِي إِيمَانهمْ لِأَنَّهُمْ حَقَّقُوا الْإِيمَان الْقَلْبِيّ بِالْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَال فَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ صَدَقُوا " وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ" لِأَنَّهُمْ اِتَّقُوا الْمَحَارِم وَفَعَلُوا الطَّاعَات
وَصَفَهُمْ بِالصِّدْقِ وَالتَّقْوَى فِي أُمُورهمْ وَالْوَفَاء بِهَا , وَأَنَّهُمْ كَانُوا جَادِّينَ فِي الدِّين , وَهَذَا غَايَة الثَّنَاء . وَالصِّدْق : خِلَاف الْكَذِب وَيُقَال : صَدَقُوهُمْ الْقِتَال , وَالصِّدِّيق : الْمُلَازِم لِلصِّدْقِ , وَفِي الْحَدِيث : ( عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْق يَهْدِي إِلَى الْبِرّ وَإِنَّ الْبِرّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّة وَمَا يَزَال الرَّجُل يَصْدُق وَيَتَحَرَّى الصِّدْق حَتَّى يُكْتَب عِنْد اللَّه صِدِّيقًا ) .



المصادر :
تفسير ابن كثير.
تفسير الطبري .
تفسير القرطبي .

بن الإسلام 13.05.2010 14:59


{ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) } سورة طه

عندما قرأ الفاروق عمر رضي الله عنه قوله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم ( طه 0 ما أنزانا عليك القرآن لتشقى 0 إلا تذكرة لمن يخشى 0 تنزيلاً ممن خلق الأرض والسموات العلى 0 الرحمن على العرش استوى 0 له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ) طه 1-5.
قال الفاروق :ينبغي لمن يقول هذا أن لا يعبد معه غيره, دلوني على محمد (1) . وذهب عمر إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم وأعلن إسلامه .
وقد استوقفني قول الله تعالى ( له مافي السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ) طه 5.
حيث افترضت من خلال تخصصي في علميْ النبات والكائنات الحية الدقيقة, أن هناك علاقة وطيدة بين قوله تعالى ( وما تحت الثرى ) وتخصصي الدقيق.
وبعد أعوام من التفكير والقراءة تأكدت الفرضية لدي, عندما قرأت في التفسير المنير (2) تفسير قوله تعالى ( وما تحت الثرى ) : بالتراب المندى, وهو هنا يراد مطلق التراب. وبهذا انفتح لي بفضل الله باب التفسير العلمي لما تحت الثرى.
يقول : مارتن الكسندر(3):
يعتبر تعريف طبيعة الوسط الذي يحيط بالكائنات الدقيقة مدخلاً ضرورياً لدراسة ميكروبيولوجيا (الكائنات الحية الدقيقة) التربة.
ويعرف التربة بأنها الطبقة الخارجية المفككة من سطح الأرض التي تختلف تماماً عن الطبقات الصخرية العميقة.
وهذه المنطقة من القشرة الأرضية تتميز بعديد من الصفات, فمن وجهة النظر الزراعية يمكن اعتبارها المنطقة التي تكفل النبات وتمده بالكثير من العناصر الغذائية (عدا الكربون ) والضوء, ومن الناحية الكيماوية فإن التربة تحتوي على العديد من المواد العضوية التي لاتتواجد في الطبقات السفلى.
وأما من وجهة نظر المختصين في مجال الكائنات الحية الدقيقة (الميكروبيولوجيا ) فإن التربة تختوي مجموعات كثيرة من: البكتيريا والاكتينوميسيتات ( Actinomycetes),والفطريات , والطحالب , والحيوانات الأولية ( Protozoa), والفيروسات.
ومن وجهة نظر المختصين في مجال الزراعة والنبات فهي تحتوي البذور المزروعة والحبوب والثمار , والجذور والسيقان الأرضية ( الدرنات والكورمات ) والبصلات وغيرها.
والتربة واحدة من أكثر الأماكن في الطبيعة ديناميكية في العلاقات المتبادلة بين الكائنات الحية , كما انها المنطقة التي يتم فيها الكثير من العمليات الفيزيائية والكيمياوية والحيوية المتعلقة بتحليل المواد العضوية , وتجوية الصخور وتفتيتها , وتغذية المحاصيل الزراعية.
وقال مارتن اكسندر: وكما هو معلوم للعاملين في هذا المجال فإن التربة: تتكون من خمسة مكونات رئيسة هي : المادة المعدنية, والماء, والهواء, والمادة العضوية, والكائنات الحية (أ.ﻫ).
وقد بينا في كتابنا آيات معجزات من القرآن الكريم وعالم النبات, كيف تكونت هذه الطبقة العليا من الأرض, وكيف أحياها الله سبحانه وتعالى بعد موتها(4).
فماذا تحت الثرى حتى يقسم الله العلي العظيم به, ويفرد له قسماً خاصاً بقوله ( وما تحت الثرى ), ويقرنه بما في السموات والأرض وما بينهما ؟
هذه الآية من آيات الاعجاز العلمي في القرآن الكريم التي يجب على كل متخصص يتصل تخصصه بها أن يدرسها ويبين أوجه الاعجاز فيها.
وفي مجال تخصصي في مجال علمىْ النبات والكائنات الحية الدقيقة (5) فإنني أرى أن حياة الانسان والكائنات الحية الأرضية تتوقف على ما تحت الثرى.
فماذا نرى تحت الثرى ؟
http://www.55a.net/firas/photo_lang/...lip_resize.jpg


نرى تحت الثرى الملايين من البكتيريا التي تقوم بإتمام دورات الحياة المرتبطة بالتربة, وملايين الفطريات المفتته للصخور والمحلله للبقايا الحيوانية والنباتية, وملايين الاكتينوميسيتات المخصبة للتربة والمنظمة لمحتواها الميكروبي, وعشرات الطحالب المخصبة للتربة, والفيروسات المنظمة لأعداد الكائنات الحية الأخرى في التربة, ونرى الحيوانات الأولية, والديدان النيماتودية المقلبة والمهوية للتربة, ونرى الحبوب والبذور والسيقان الأرضية والجذور الدرنية وغير ذلك من سكان الأرض الحية والقاحلة والغدقة والجافة.
وبالدراسة والبحث والعد العلمي وجد أن (69.8%) من الكائنات الحية الدقيقة في التربة بكتيريا هوائية (Aerobic bacteria) و (13%) فطريات (Fungi), 13% اكتينوميسيتات (Actinomycetes)والباقي (0.2%) كائنات حية أخرى مثل الطحالب , والطلائعيات ((Protestaوالفيروسات (6) وهذا ما ناقشناه ببعض التفصيل الذي يسمح به المقام في مايلي :
بالنسبة للبكتيريا (Bacteria) :
تحتوي التربة على أعداد كبيرة من البكتيريا المستوطنه Indigenous autochthonous وغير المستوطنه أو الدخيله Invadders allochthonous وتعيش البكتيريا المستوطنه بصفة طبيعية ودائمة في التربة, حيث تنمو وتتكاثر وتموت بانتظام وفق منحنى نمو البكتيريا المعروف, وتساهم بفاعلية كبيرة في الأنشطة الكيموحيوية في التربة وما يرتبط بها من عمليات فوق الثرى وتحت الثرى.
أما البكتيريا غير المستوطنه أو الدخيله فهي تصل إلى التربة مع الأمطار والمجاري الصحية , ومخلفات الانسان والحيوان والنبات, وهي لا تشارك بطريقة فاعلة ودائمة ومنظمة في العمليات الكيموحيوية في التربة , بل قد تعيق العمليات الحيوية والكيماوية في التربة.
وتقوم البكتيريا المستوطنة بتخصيب التربة بعملياتها الحيوية خاصة بعد إضافة المواد العضوية للتربة , ولذلك تزداد أعدادها مع توفير المواد العضوية وتقل بعد نفاذها.
ويصل وزن الخلايا البكتيرية الحية الطازجة والنشطة من (300) إلى (400) كيلوجرام في الهكتار الواحد , وهي بذلك تمثل ( من 1-40% ) من وزن التربة الحية.
وإذا أردنا تحويل هذا الوزن إلى أعداد للأجناس البكتيرية لتعذر الأمر علينا تماماً لضخامة العدد , من هنا كان قسم الله سبحانه وتعالى بما تحت الثرى من المعجزات العلمية والحقائق الخفية في التربة.
ومن الأجناس البكتيرية المستوطنة للتربة :
Agrobacterium , PseugomonusBacillus , Clostridium , Acinetobacter , Micrococcus , Caulobacter , Striptoccus
Staphylococcus. , Mycobacterium , Myxobacteria.
وتشارك البكتيريا بدور رئيس في عمليات تدفق الطاقة في الأرض, وإتمام دورات: النيتروجين, والكربون, والفسفور, والكبريت وغيرها من دورات الحياة المرتبطة بالتربة.
ففي دورة تدفق الطاقة ( Energy flow)تقوم البكتيريا وغيرها من الكائنات الحية في التربة بتحليل بقايا الكائنات الحية في التربة, وتحرير ثاني اكسيد الكربون المحتبس فيها, وإطلاقه في الهواء الجوي لتغذية دورة الكربون وعمليات البناء الضوئي, وتثبيته مرة أخرى في المركبات العضوية الكربونية الكربوهيدراتية والدهنية والبروتينية المحملة بالطاقة الكيميائية الناتجة من تثبيت الطاقة الشمسية بواسطة اليخضور (Chlorophyll)والبناء الضوئي (Photosynthesis).
أما في دورة النيتروجين فتقوم البكتيريا بدور رئيس وفعال في تشغيل الدورة وإمدادها بالنيتروحين وتثبيته وتحريره .
فالبكتيريا تقوم بتحليل المكونات البروتينية الحيوانية والنباتية والبشرية وغيرها في التربة لانتاج الأمونيا NH3( Amonia)وتحريرها في الجو.
وتقوم بكتيريا النترجه ( Nitrifing bacteria)بعمليات النترجه لانتاج النيتريت (( Nitrates ( NO3)في التربة.
كما تقوم بكتيريا نزع النيتروجين ( Denitrifing bacteria)بتحرير النيتروجين ونزعه من مركباته ليصعد في الغلاف الجوي .
وتقوم البكتيريا المثبته للنيتروجين ( Nitrogen fixing bacteria)بتثبيت النيتروجين الجوي في العقد البكتيرية ( Bacterial nodes)في جذور بعض النباتات خاصة البقولية منها.
وإذا غاب هذا الدور الحيوي للبكتيريا في تفعيل وتشغيل دورات النيتروجين توقفت الحياة تماماً , وماتت التربة, واحتبست العناصر النيتروجينية في مركباتها ونفذت من الحياة.

http://www.55a.net/firas/photo_lang/...10/actinoA.jpg
أما الاكتينوميسيتات (Actinomycetes ) مثل الأجناس :

Thermononospora , Micropolysporea


Microbispora , Pseudonocardi


والتي تحلل الأنسجة النباتية والحيوانية , وتكون الدبال بتحليل المواد العضوية إلى مركباتها وعناصرها الأصلية. وتتميز بقيامها بهذا الدور التحليلي في الأراضي القاحلة في المناطق الحارة , كما تقوم بتحليل الأسمدة الخضراء والأسمدة العضوية وأكوام السماد البلدي.
ووجود الأكتينوميسيتات في التربة يؤدي إلى التوازن الميكروبي بما تفرزه من إنزيمات محلله , ومضادات للحيوية قاتلة لخلايا الفطريات والبكتيريا , وهي بذلك تقوم بعملية فرم وهرس وتحليل للمركبات العضوية المعقدة في التربة.

الفطريات:
وتأتي الفطريات بعد ذلك وهي الكائنات الحية غير الذاتية التغذية التي وهبها الله سبحانه وتعالى أقوى جهاز إنزيمي في الكائنات الحية تحلل به المواد العضوية كلها وتنتج الأحماض العضوية المفتته للصخور.
وبالدراسة والبحث وجد أن كل جرام واحد من التربة يحتوي من (10) إلى (100) متر من الخيوط الفطرية , أي ما يعادل من (500) إلى (5000) كيلوجرام فطر في كل هكتار من سطح التربة.
ويؤثر محتوى رطوبة التربة على انتشار الفطريات وعملها بالتربة مثلها مثل جميع الكائنات الحية, لذلك ينخفض نشاطها بانخفاض درجة الرطوبة ويؤدي التحسن في مستوى الرطوبة إلى زيادة أعداد الفطريات, ومع ذلك فإن بعض هذه الفطريات يعمل في الظروف شبه الجافة.
وتنتشر الفطريات بأعداد كبيرة في الطبقة السطحية للأرض الزراعية, وتوجد أكبر كثافة عددية لها في أراضي المراعي.
وتحتفظ الفطريات بأعدادها الكبيرة في طبقات ما تحت التربة إلى عمق يصل لأكثر من متر حسب المادة العضوية في التربة.
وتوجد الخمائر ( Yeasts) ( وهي فطريات وحيدة الخلية ) بأعداد تصل من (200) إلى (100.000 ) خلية في الهكتار , وهي تنتشر في الأماكن الباردة والمراعي والحقول المنزرعة.
http://www.55a.net/firas/photo_lang/..._BW_resize.jpg
وتقوم الفطريات بتحليل السليلوز (Cellulose)ونصف السليلوز(Hemicellulose) والبكتين (Pectine) والنشا (Starch) واللجنين (Legneine), وتقوم بتحويل البقايا النباتية والحيوانية إلى دبال Humus.
وتتكافل بعض الفطريات مع بعض جذور الأشجار الكبرى مكونة شبكة كبرى من الخيوط الماصة التي تساعد النبات على امتصاص الماء والنمو والتكاثر وتسمى هذه بالجذر فطريات ( Mycorrhiza).

كما توجد خيوط عيش الغراب (Muschroom)والأجسام الثمرية (Ascocarp)للكمأه (Truffles)باجناسها المختلفة ومنها Tuber , Terminia , Terfezva(9)بأنواعها المتباينة

الطحالب:
وبخصوص الطحالب (Algae), فإتها تنتشر في كل الأراضي تقريبا, وتتميز الطحالب باعتمادها في تغذيتها على التغذية الضوئية الذاتية (Photoautotrophs)لوجود اليخضور في خلاياها.
ويلزم لمعيشة الطحالب ذاتيا في التربة توفر الماء والنتروجين والبوتاسيوم والفوسفور , والكبريت والحديد وكميات قليلة جداً من العناصر النادرة , وتحصل هذه الطحالب على الكربون اللازم لها للبناء الضوئي من ثاني اكسيد الكربون (CO2)الحيوي وكربونات التربة كما تحصل من الضوء الساقط عليها على الطاقة اللازمة لها .
وبعض الطحالب يمكنها استخدام النيتروجين الجزئي, وتقوم بعض الطحالب الخضراء المزرقة (Bluegreen algae)والديوتومات (Diatoms)الموجوده في التربة بأكسدة المواد العضوية في التربة.
وتقوم الطحالب في التربة بعملية البناء الضوئي , وانتاج المواد العضوية وتثبيت النيتروجين مما يزيد من خصوبة التربة , وبعضها يتكافل مع الفطريات في الأشن (Lichens)لتفتيت الصخور, وإمداد التربة بالمزيد من المعادن الصخرية المفتته والكربون(7).
http://www.55a.net/firas/photo_lang/...ize_resize.jpg
وبذلك تصبح الطحالب من أهم الكائنات المسئولة عن زيادة نسبة المحتوى الكربوني في التربة التي نعيش فيها , وذلك بتثبيت ثاني أكسيد الكربون الجوي بعملية البناء الضوئي .

الفيروسات:
وتحتوي التربة على العديد من الفيروسات ملتقمة البكتيريا (Bacteriophage)القادرة على التطفل على الخلايا البكتيريه في العقد الجذرية (Rhizobium), كما تهاجم الفيروسات خيوط (Hypha)عيش الغراب (Maschroom)والطحالب الخضراء المزرقة (Blue green algae)وبذلك تحافظ على الاتزان الميكروبي في التربة.
وقد أثبتت نتائج الأراضي البكر والزراعية في كل القارات الأرضية وجود الأوليات البروتوزوا (Protozoa)بأعداد وفيره , وبأجناس وأنواع مختلفة يتراوح عددها بين (10.000) إلى (300.000) خلية حيوانية لكل كيلوجرام من التربة.
ومع ذلك فإن البروتوزوا لاتمثل إلا نسبة صغيرة من مجتمع الحيوانات التي تعيش تحت الثرى.
كما تتراوح أعداد كل من السوطيات (Mastigophora) والأميبا ما بين (3000) إلى (200.000) في البيئات المناسبة الخالية من المعوقات , في حين لايتعدى أعداد الهدبيات (Ciliophora)أكثر من (1000) خلية لكل كيلوجرام تربة. وتقوم البروتوزوا بتنظيم حجم المجتمع البكتيري في التربة بالتغذي عليها.
وتحتوي التربة على ديدان الأرض والحشرات والنيماتودا وذوات الألف رجل , وفي كل (10) متر مكعب من التربة يوجد (200) ألف حشرة , (100) ألف نوع من العثة , (25) ألف حيوان صغير أي ما يعادل وزن بقرتين كاملتين(8) , كما يوجد النمل , والجرذان, والفئران , والأرانب , والثعالب , واليرابيع وغيرها من الحيوانات تحت الأرض.
ولكل نبات من النباتات البذرية (Spermatophyta)مجموعة من الكائنات الحية الدقيقة (والحشرات والحيوانات الأخرى) تعيش في محيطه الجذري (Rizosphere)تسمى بالكائنات الجذر محيطه (Microsphere).
ويوجد تحت الثرى كل مايغطيه الزراع من بذور وحبوب وسيقان وجذور ومراحل انباتها المختلفة.
كما توجد تحت الثرى ثمار نبات الفول السوداني Arachishypogeaeوكورمات (Cormes) نبات القلقاس Colacaciaantiquorumوجذور الجزر Daucuscarrotaواللفت Brassicarapaوالبنجر Betavulgarisوالبطاطا Ipomoeabatatasوالفجل Rafanussativus , وبصلات (Bulbes) البصل Alliumcapaوالثوم AlliumsativaوالكراثporrumAllium وريزومات الزنجبيل Zingiber Officinalesوالجنسنج (Ginseng) وممصات (Haustoria) الهالوك Orobancheودرنات نبات الداليا Dahliarootsوالجذور الدرنية لنبات الأسبرجس Asparagusوما لانعلم من الدرنات , والسيقان , والكورومات , والبصلات والبصيلات الأرضية النامية في الهند والصين وباقي دول آسيا , وأفريقيا والأمريكيتين, وفي البحيرات, وكل ما نعلمه ومالانعلمه في عالم تخصصنا وغير تخصصنا من نبات وحيوان وكائنات حية دقيقة وجماد لذلك قال تعالى (له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ) طه 5 .
تلك الآيات التي عندما قرأها الفاروق قال: ينبغي لمن قال هذا أن لايعبد معه غيره دلوني على محمد فآمن بعد ذلك , وما ذكرناه غيض من فيض ما يتضمنه قوله تعالى (وما تحت الثرى) فسبحان من خلق ذلك ,

والآن ماذا سوف يحدث لو غاب ما تحت الثرى ؟!
لوغابت البكتيريا , والاكتينوميسيات , والفطريات, والطحالب, والجذور النباتية من تحت الثرى توقفت دورات النتروجين , والكربون, والفوسفور, والكبريت وماتت الأرض وتصحرت ومات النبات, واختفت الحياة تماماً من على الأرض, فلا حياة بدون ما تحت الثرى.
كما أنه لاحياة على الأرض بلا ماء ونبات, فالماء والنبات والكائنات الحية الدقيقة وضوء الشمس والهواء الجوي هي المخلوقات التي جعل الله منها كل شيء حي على الآرض.
وعلى المريخ والقمر توجد الأشعة الشمسية والعوامل الفيزيائية والتربة ولكن لايوجد النبات والكائنات الحية الدقيقة, ولذلك غابت الحياة هناك , وحتى لو وجدوا الماء دون النبات والكائنات الحية الدقيقة فلاحياة هناك, فسبحان من خلق وأبدع وملك ما تحت الثرى , وما في السموات وما في الأرض وما بينهما وسخر كل ذلك لخدمتنا من دون حول لنا ولاقوة.
في نهاية هذا المقال أوجه دعوة إلى أصحاب التخصصات المختلفة بالبحث في معنى قوله تعالى (وما تحت الثرى) لنعد كتاباً بعنوان وما تحت الثرى.
بقلم : د/ نظمي خليل أبو العطا
(1)– فضائل الصحابة للإمام أحمد (1/344) نقلاً عن : فصل الخطاب في سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه , محمد على الصلابي .الإسكندرية: دار الايمان (2002م) (ص26).
(2)التفسير المنير , وهبه الزحيلي , سوريا: دار الفكر.
(3)مقدمة في ميكروبيولوجيا التربة (مترجم) جون وايلي وأولاده: نيويورك.
(4)آيات معجزات من القرآن الكريم وعالم النبات , نظمي خليل أبو العطا (200م) , القاهرة مكتبة النور, موضوع إحياء الأرض بعد موتها.
(5)دكتوراه في النبات – تخصص كائنات حية دقيقة.
Microbiology , Principles and Applications . Jacquelyn (6)
G.Black (p 726-741)
(7)انظر موضوعنا المجموعة الدولية لتذويب وتفتيت الصخور الأرضية AFSIG.
(8)انظر موضوع إحياء الأرض بعد موتها في كتابنا آيات معجزات من القرآن الكريم وعالم النبات.
(9)انظر موضوعنا الفطريات الزقية والمن على البشرية ( تحويل محتوى رمال الصحراء إلى بروتين حيوي ومغذي ).

الصارم الصقيل 13.05.2010 15:00

بارك الله فيك مواضيع علمية غاية في الأهمية

بن الإسلام 13.05.2010 15:00


قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر وما يدريك أن الله اطّلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم

قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر:" وما يدريك أن الله اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم", أشكل على كثير من الناس معناه, فإن ظاهره إباحة كل الأعمال لهم وتخييرهم فيما شاءوا منها, وذلك ممتنع. فقالت طائفة منهم ابن الجوزي ليس المراد من قوله "اعملوا" الاستقبال, وإنما هو للماضي, وتقديره: أي عمل كان لكم فقد غفرته: قال: ويدل على ذلك شيئانhttp://www.imanway.com/akhawat/images/smilies/frown.gifأحدهما): أنه لو كان للمستقبل كان جوابه قوله: فسأغفر لكم.(والثاني): أنه كان يكون إطلاقا في الذنوب ولا وجه لذلك.وحقيقة هذا الجواب أني قد غفرت لكم بهذه الغزوة ما سلف من ذنوبكم, لكنه ضعيف من وجهينhttp://www.imanway.com/akhawat/images/smilies/frown.gifأحدهما) أن لفظ "اعملوا" يأباه, فإنه للاستقبال دون الماضي. وقوله" قد غفرت لكم" لا يوجب أن يكون "اعملوا " مثله: فإن قوله:" قد غفرت" تحقيق لوقوع المغفرة في المستقبل كقوله: { أَتَى أَمْرُ اللَّه } النحل1, { وَجَاءَ رَبُّك }الفجر 22. ونظائره.(ثانيهما) أن نفس الحديث يردّه, فإن سببه قصّة حاطب وتجسسه على النبي صلى الله عليه وسلم, وذلك ذنب واقع بعد غزوة بدر لا قبلها, وهو سبب الحديث, فهو مراد منه قطعا, فالذي نظن في ذلك, والله أعلم أن هذا خطاب لقوم قد علم الله سبحانه وتعالى أنّهم لا يفارقون دينهم, بل يموتون على الإسلام, وأنهم قد يقارفون بعض ما يقارفه غيرهم من الذنوب, ولكن لا يتركهم سبحانه مصرّين عليها, بل يوفّقهم لتوبة نصوح واستغفار وحسنات تمحو أثر ذلك. ويكون تخصيصهم بهذا دون غيرهم لأنه قد تحقق ذلك فيهم, وأنهم مغفور لهم. ولا يمنع ذلك كون المغفرة حصلت بأسباب تقوم بهم, كما لا يقتضي ذلك أن يعطّلوا الفرائض وثوقا بالمغفرة, فلو كانت قد حصلت بدون الاستمرار على القيام بالأوامر لما احتاجوا بعد ذلك إلى صلاة ولا صيام ولا حج ولا زكاة ولا جهاد, وهذا محال.ومن أوجب الواجبات التوبة بعد الذنب, فضمان المغفرة لا يوجّب تعطيل أسباب المغفرة, ونظير هذا قوله في الحديث الآخر: "أذنب عبد ذنبا فقال: أي ربّ أذنبت ذنبا فاغفره لي, فغفر له, ثم مكث ما شاء الله أن يمكث ثم أذنب ذنبا آخر فقال, رب أصبت ذنبا فاغفر لي فغفر له, ثم مكث ما شاء الله أن يمكث ثم أذنب ذنبا آخر فقال: رب أصبت ذنبا فاغفر لي, فقال الله: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به, قد غفرت لعبدي فليفعل ما شاء" فليس في هذا إطلاق وإذن منه سبحانه له في المحرّمات والجرائم, وإنما يدل على أنه يغفر له ما دام كذلك إذا أذنب تاب.
واختصاص هذا العبد بهذا لأنه قد علم أنه لا يصر على ذنب, وأنه كلما أذنب تاب, حكم يعم كل من كانت حالته حاله, لكن ذلك العبد مقطوع له بذلك كما قطع به لأهل بدر.وكذلك كل من بشّره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة أو أخبره بأنه مغفور له, لم يفهم منه ولا غيره من الصحابة إطلاق الذنوب والمعاصي له ومسامحته بترك الواجبات, بل كان هؤلاء أشد اجتهادا وحذرا وخوفا بعد البشارة منهم قبلها, كالعشرة المشهود لهم بالجنة.وقد كان الصديّق شديد الحذر والمخافة, وكذلك عمر, فإنهم علموا أن البشارة المطلقة مقيّدة بشروطها والاستمرار عليها إلى الموت, ومقيّدة بانتفاء موانعها, ولم يفهم أحد منهم من ذلك الإطلاق, الإذن فيما شاءوا من الأعمال.


(( ابن قيم الجوزية ))

بن الإسلام 13.05.2010 15:00


من أعجب الأشياء أن تعرفه ثم لا تحبه، وأن تسمع داعيه ثم تتأخر عن الإجابة. وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره. وأن تعرف قدر غضبه ثم تتعرّض له. وأن تذوق ألم الوحشة ثم لا تطلب الأنس بطاعته وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه والحديث عنه ثم لا تشتاق إلى انشراح الصدر بذكره ومناجاته.وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره، ولا تهرب منه إلى نعيم الإقبال عليه، والإنابة إليه. وأعجب من هذا علمك أن لا بد لك منه، وأنك أحوج شيء إليه، وأنت عنه معرض، وفيما يبعدك عنه راغب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفوائـد (( ابن قيم الجوزية ))


ليس ما عُلِمَ إمكانه جُوِّزَ وقوعه، فإنا نعلم قدرة الله على قلب الجبال ذهباً ونحو ذلك، لكن نعلم أنه لا يفعله، إلى غير ذلك من الأمثلة.

--------------
من كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية

بن الإسلام 13.05.2010 15:01



{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} سورة الحشر.


قَالَ تَعَالَى مَادِحًا لِلْأَنْصَارِ وَمُبَيِّنًا فَضْلهمْ وَشَرَفهمْ وَكَرَمهمْ وَعَدَم حَسَدهمْ وَإِيثَارهمْ مَعَ الْحَاجَة " وَاَلَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّار وَالْإِيمَان مِنْ قَبْلهمْ " أَيْ سَكَنُوا دَار الْهِجْرَة مِنْ قَبْل الْمُهَاجِرِينَ وَآمَنُوا قَبْل كَثِير مِنْهُمْ قَالَ عُمَر : وَأُوصِي الْخَلِيفَة بَعْدِي بِالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ أَنْ يُعَرِّف لَهُمْ حَقّهمْ وَيَحْفَظ لَهُمْ كَرَامَتهمْ وَأُوصِيه بِالْأَنْصَارِ خَيْرًا الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّار وَالْإِيمَان مِنْ قَبْل أَنْ يَقْبَل مِنْ مُحْسِنهمْ وَأَنْ يَعْفُو عَنْ مُسِيئُهُمْ رَوَاهُ الْبُخَارِيّ هَهُنَا أَيْضًا وَقَوْله تَعَالَى " يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ" أَيْ مِنْ كَرَمهمْ وَشَرَف أَنْفُسهمْ يُحِبُّونَ الْمُهَاجِرِينَ وَيُوَاسُونَهُمْ بِأَمْوَالِهِمْ قَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا يَزِيد حَدَّثَنَا حُمَيْد عَنْ أَنَس قَالَ : قَالَ الْمُهَاجِرُونَ يَا رَسُول اللَّه مَا رَأَيْنَا مِثْل قَوْم قَدِمْنَا عَلَيْهِمْ أَحْسَن مُوَاسَاة فِي قَلِيل وَلَا أَحْسَن بَذْلًا فِي كَثِير لَقَدْ كَفَوْنَا الْمُؤْنَة وَأَشْرَكُونَا فِي الْمُهَنَّأ حَتَّى لَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَذْهَبُوا بِالْأَجْرِ كُلّه قَالَ " لَا مَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ وَدَعَوْتُمْ اللَّه لَهُمْ " لَمْ أَرَهُ فِي الْكُتُب مِنْ هَذَا الْوَجْه. وَقَالَ الْبُخَارِيّ حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد سَمِعَ أَنَس بْن مَالِك حِين خَرَجَ مَعَهُ إِلَى الْوَلِيد قَالَ دَعَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَنْصَار أَنْ يَقْطَع لَهُمْ الْبَحْرَيْنِ قَالُوا لَا إِلَّا أَنْ تَقَطَّع لِإِخْوَانِنَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِثْلهَا قَالَ " إِمَّا لَا فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي فَإِنَّهُ سَيُصِيبُكُمْ أَثَرَة " تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْه قَالَ الْبُخَارِيّ حَدَّثَنَا الْحَكَم بْن نَافِع أَخْبَرَنَا شُعَيْب حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَاد عَنْ الْأَعْرَج عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَتْ الْأَنْصَار اِقْسِمْ بَيْننَا وَبَيْن إِخْوَاننَا النَّخِيل قَالَ لَا قَالُوا أَتُكْفُونَا الْمُؤْنَة وَنُشْرِككُمْ فِي الثَّمَرَة قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا تَفَرَّدَ بِهِ دُون مُسْلِم . " وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورهمْ حَاجَة مِمَّا أُوتُوا " أَيْ وَلَا يَجِدُونَ فِي أَنْفُسهمْ حَسَدًا لِلْمُهَاجِرِينَ فِيمَا فَضَّلَهُمْ اللَّه بِهِ مِنْ الْمَنْزِلَة وَالشَّرَف وَالتَّقْدِيم فِي الذِّكْر وَالرُّتْبَة . قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ " وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورهمْ حَاجَة " يَعْنِي الْحَسَد" مِمَّا أُوتُوا " قَالَ قَتَادَة يَعْنِي فِيمَا أَعْطَى إِخْوَانهمْ. وَكَذَا قَالَ اِبْن زَيْد وَمِمَّا يُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَا رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد حَيْثُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْد الرَّزَّاق حَدَّثَنَا مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ أَنَس قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " يَطْلُع عَلَيْكُمْ الْآن رَجُل مِنْ أَهْل الْجَنَّة " فَطَلَعَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار تَنْطِف لِحْيَته مِنْ وَضُوئِهِ قَدْ عَلَّقَ نَعْلَيْهِ بِيَدِهِ الشِّمَال فَلَمَّا كَانَ الْغَد قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْل ذَلِكَ فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُل مِثْل الْمَرَّة الْأُولَى فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّالِث قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْل مَقَالَته أَيْضًا فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُل عَلَى مِثْل حَالَته الْأُولَى فَلَمَّا قَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِعَهُ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ فَقَالَ إِنِّي لَاحَيْت أَبِي فَأَقْسَمْت أَنِّي لَا أَدْخُل عَلَيْهِ ثَلَاثًا فَإِنْ رَأَيْت أَنْ تُؤْوِينِي إِلَيْك حَتَّى تَمْضِي فَعَلْت قَالَ نَعَمْ قَالَ أَنَس فَكَانَ عَبْد اللَّه يُحَدِّث أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاث فَلَمْ يَرَهُ يَقُوم مِنْ اللَّيْل شَيْئًا غَيْر أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ تَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشه ذَكَرَ اللَّه وَكَبَّرَ حَتَّى يَقُوم لِصَلَاةِ الْفَجْر قَالَ عَبْد اللَّه غَيْر أَنِّي لَمْ أَسْمَعهُ يَقُول إِلَّا خَيْرًا فَلَمَّا مَضَتْ اللَّيَالِي الثَّلَاث وَكِدْت أَنْ أَحْتَقِر عَمَله قُلْت يَا عَبْد اللَّه لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْن أَبِي غَضَب وَلَا هِجْرَة وَلَكِنْ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول لَك ثَلَاث مَرَّات " يَطْلُع عَلَيْكُمْ الْآن رَجُل مِنْ أَهْل الْجَنَّة " فَطَلَعْت أَنْتَ الثَّلَاث الْمَرَّات فَأَرَدْت أَنْ آوِي إِلَيْك لِأَنْظُر مَا عَمَلك فَأَقْتَدِي بِهِ فَلَمْ أَرَك تَعْمَل كَبِير عَمَل فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِك مَا قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْت فَلَمْ وَلَّيْت دَعَانِي فَقَالَ : مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْت غَيْر أَنِّي لَا أَجِد فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا وَلَا أَحْسُد أَحَدًا عَلَى خَيْر أَعْطَاهُ اللَّه إِيَّاهُ قَالَ عَبْد اللَّه فَهَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِك وَهِيَ الَّتِي لَا تُطَاق وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَنْ سُوَيْد بْن نَصْر عَنْ اِبْن الْمُبَارَك عَنْ مَعْمَر بِهِ وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح عَلَى شَرْط الصَّحِيحَيْنِ لَكِنْ رَوَاهُ عُقَيْل وَغَيْره عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ رَجُل عَنْ أَنَس فَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَم فِي قَوْله تَعَالَى " وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورهمْ حَاجَة مِمَّا أُوتُوا " يَعْنِي مِمَّا أُوتُوا الْمُهَاجِرُونَ قَالَ وَتَكَلَّمَ فِي أَمْوَال بَنِي النَّضِير بَعْض مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْأَنْصَار فَعَاتَبَهُمْ اللَّه فِي ذَلِكَ فَقَالَ تَعَالَى " وَمَا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُوله مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْل وَلَا رِكَاب وَلَكِنَّ اللَّه يُسَلِّط رُسُله عَلَى مَنْ يَشَاء وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير " قَالَ : وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ إِخْوَانكُمْ قَدْ تَرَكُوا الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد وَخَرَجُوا إِلَيْكُمْ " فَقَالُوا أَمْوَالنَا بَيْننَا قَطَائِع فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَوَغَيْر ذَلِكَ " قَالُوا وَمَا ذَاكَ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ " هُمْ قَوْم لَا يَعْرِفُونَ الْعَمَل فَتَكْفُونَهُمْ وَتُقَاسِمُونَهُمْ الثَّمَر " فَقَالُوا نَعَمْ يَا رَسُول اللَّه . وَقَوْله تَعَالَى" وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسهمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة " يَعْنِي حَاجَة أَيْ يُقَدِّمُونَ الْمَحَاوِيج عَلَى حَاجَة أَنْفُسهمْ وَيَبْدَءُونَ بِالنَّاسِ قَبْلهمْ فِي حَال اِحْتِيَاجهمْ إِلَى ذَلِكَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيح عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " أَفْضَل الصَّدَقَة جَهْد الْمُقِلّ " وَهَذَا الْمَقَام أَعْلَى مِنْ حَال الَّذِينَ وَصَفَ اللَّه بِقَوْلِهِ تَعَالَى " وَيُطْعِمُونَ الطَّعَام عَلَى حُبّه " وَقَوْله " وَآتَى الْمَال عَلَى حُبّه " فَإِنَّ هَؤُلَاءِ تَصَدَّقُوا وَهُمْ يُحِبُّونَ مَا تَصَدَّقُوا بِهِ وَقَدْ لَا يَكُون لَهُمْ حَاجَة إِلَيْهِ وَلَا ضَرُورَة بِهِ وَهَؤُلَاءِ آثَرُوا عَلَى أَنْفُسهمْ مَعَ خَصَاصَتهمْ وَحَاجَتهمْ إِلَى مَا أَنْفَقُوهُ وَمِنْ هَذَا الْمَقَام تَصَدَّقَ الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِجَمِيعِ مَاله فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" مَا أَبْقَيْت لِأَهْلِك ؟ فَقَالَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَبْقَيْت لَهُمْ اللَّه وَرَسُوله وَهَكَذَا الْمَاء الَّذِي عُرِضَ عَلَى عِكْرِمَة وَأَصْحَابه يَوْم الْيَرْمُوك فَكُلّ مِنْهُمْ يَأْمُر بِدَفْعِهِ إِلَى صَاحِبه وَهُوَ جَرِيح مُثْقَل أَحْوَج مَا يَكُون إِلَى الْمَاء فَرَدَّهُ الْآخَر إِلَى الثَّالِث فَمَا وَصَلَ إِلَى الثَّالِث حَتَّى مَاتُوا عَنْ آخِرهمْ وَلَمْ يَشْرَبهُ أَحَد مِنْهُمْ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ . وَقَالَ الْبُخَارِيّ حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم بْن كَثِير حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَة حَدَّثَنَا فُضَيْل بْن غَزْوَان حَدَّثَنَا أَبُو حَازِم الْأَشْجَعِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : أَتَى رَجُل لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه أَصَابَنِي الْجَهْد فَأَرْسَلَ إِلَى نِسَائِهِ فَلَمْ يَجِد عِنْدهنَّ شَيْئًا فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" أَلَا رَجُل يُضَيِّف هَذَا اللَّيْلَة رَحِمَهُ اللَّه " فَقَامَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار فَقَالَ أَنَا يَا رَسُول اللَّه فَذَهَبَ إِلَى أَهْله فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ هَذَا ضَيْف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَدَّخِرِيهِ شَيْئًا فَقَالَتْ وَاَللَّه مَا عِنْدِي إِلَّا قُوت الصِّبْيَة قَالَ فَإِذَا أَرَادَ الصِّبْيَة الْعَشَاء فَنَوِّمِيهِمْ وَتَعَالَيْ فَأَطْفِئِي السِّرَاج وَنَطْوِي بُطُوننَا اللَّيْلَة فَفَعَلَتْ ثُمَّ غَدَا الرَّجُل عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " لَقَدْ عَجِبَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ - أَوْ ضَحِكَ - مِنْ فُلَان وَفُلَانَة " وَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى" وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسهمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة " وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ فِي مَوْضِع آخَر وَمُسْلِم وَالنَّسَائِيّ مِنْ طُرُق عَنْ فُضَيْل بْن غَزْوَان بِهِ وَفِي رِوَايَة لِمُسْلِمٍ تَسْمِيَة هَذَا الْأَنْصَارِيّ بِأَبِي طَلْحَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَقَوْله تَعَالَى " وَمَنْ يُوقَ شُحّ نَفْسه فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ" أَيْ مَنْ سَلِمَ مِنْ الشُّحّ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ قَالَ أَحْمَد حَدَّثَنَا عَبْد الرَّزَّاق أَخْبَرَنَا دَاوُد بْن قَيْس الْفَرَّاء عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن مِقْسَم عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِيَّاكُمْ وَالظُّلْم فَإِنَّ الظُّلْم ظُلُمَات يَوْم الْقِيَامَة وَاتَّقُوا الشُّحّ فَإِنَّ الشُّحّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمهمْ " اِنْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِم فَرَوَاهُ عَنْ الْقَعْنَبِيّ عَنْ دَاوُد بْن قَيْس بِهِ . وَقَالَ الْأَعْمَش وَشُعْبَة عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث عَنْ زُهَيْر بْن الْأَقْمَر عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اِتَّقُوا الظُّلْم فَإِنَّ الظُّلْم ظُلُمَات يَوْم الْقِيَامَة وَاتَّقُوا الْفُحْش فَإِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْفُحْش وَلَا التَّفَحُّش وَإِيَّاكُمْ وَالشُّحّ فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ أَمَرَهُمْ بِالظُّلْمِ فَظَلَمُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا " وَرَوَاهُ أَحْمَد وَأَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيق شُعْبَة وَالنَّسَائِيّ مِنْ طَرِيق الْأَعْمَش كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة بِهِ وَقَالَ اللَّيْث عَنْ يَزِيد بْن الْهَادّ عَنْ سُهَيْل بْن أَبِي صَالِح عَنْ صَفْوَان بْن أَبِي يَزِيد عَنْ الْقَعْقَاع بْن الْجُلَاح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّهُ سَمِعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " لَا يَجْتَمِع غُبَار فِي سَبِيل اللَّه وَدُخَان جَهَنَّم فِي جَوْف عَبْد أَبَدًا وَلَا يَجْتَمِع الشُّحّ وَالْإِيمَان فِي قَلْب عَبْد أَبَدًا " وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم ثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَبْدَة بْن سُلَيْمَان أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيّ عَنْ جَامِع بْن شَدَّاد عَنْ الْأَسْوَد بْن هِلَال قَالَ جَاءَ رَجُل إِلَى عَبْد اللَّه فَقَالَ يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَن إِنِّي أَخَاف أَنْ أَكُون قَدْ هَلَكْت فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّه وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ سَمِعْت اللَّه يَقُول " وَمَنْ يُوقَ شُحّ نَفْسه فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ " وَأَنَا رَجُل شَحِيح لَا أَكَاد أَنْ أُخْرِج مِنْ يَدِي شَيْئًا فَقَالَ عَبْد اللَّه : لَيْسَ ذَلِكَ بِالشُّحِّ الَّذِي ذَكَرَ اللَّه فِي الْقُرْآن إِنَّمَا الشُّحّ الَّذِي ذَكَرَ اللَّه فِي الْقُرْآن أَنْ تَأْكُل مَال أَخِيك ظُلْمًا وَلَكِنْ ذَاكَ الْبُخْل وَبِئْسَ الشَّيْء الْبُخْل . وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ عَنْ طَارِق بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ أَبِي الْهَيَّاج الْأَسَدِيّ قَالَ كُنْت أَطُوف بِالْبَيْتِ فَرَأَيْت رَجُلًا يَقُول اللَّهُمَّ قِنِي شُحّ نَفْسِي لَا يَزِيد عَلَى ذَلِكَ فَقُلْت لَهُ فَقَالَ إِنِّي إِذَا وُقِيت شُحّ نَفْسِي لَمْ أَسْرِق وَلَمْ أَزْنِ وَلَمْ أَفْعَل وَإِذَا الرَّجُل عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف رَضِيَ اللَّه عَنْهُ رَوَاهُ اِبْن جَرِير وَقَالَ اِبْن جَرِير حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إِسْحَق حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن عَبْد الرَّحْمَن الدِّمَشْقِيّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش حَدَّثَنَا مُجَمِّع ابْن جَارِيَة الْأَنْصَارِيّ عَنْ عَمّه يَزِيد بْن جَارِيَة عَنْ أَنَس بْن مَالِك عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " بَرِيء مِنْ الشُّحّ مَنْ أَدَّى الزَّكَاة وَقَرَى الضَّيْف وَأَعْطَى فِي النَّائِبَة .

تفسير ابن كثير.


بن الإسلام 13.05.2010 15:02


{ الرحمن الرحيم } سورة الفاتحة .. هذه الصفة التي تستغرق كل معاني الرحمة وحالاتها ومجالاتها تتكرر هنا في صلب السورة، في آية مستقلة، لتؤكد السمة البارزة في تلك الربوبية الشاملة؛ ولتثبت قوائم الصلة الدائمة بين الرب ومربوبيه. وبين الخالق ومخلوقاته.. إنها صلة الرحمة والرعاية التي تستجيش الحمد والثناء. إنها الصلة التي تقوم على الطمأنينة وتنبض بالمودة، فالحمد هو الاستجابة الفطرية للرحمة الندية.

إن الرب الإله في الإسلام لا يطارد عباده مطاردة الخصوم والأعداء كآلهة الأولمب في نزواتها وثوراتها كما تصورها أساطير الإغريق. ولا يدبر لهم المكائد الانتقامية كما تزعم الأساطير المزورة في " العهد القديم " كالذي جاء في أسطورة برج بابل في الإصحاح الحادي عشر من سفر التكوين.

في ظلال القرآن ( سيد قطب )

بن الإسلام 13.05.2010 15:02


{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265)} سورة البقرة



http://www.imanway.com/akhawat/image.../wol_error.gifThis image has been resized. Click this bar to view the full image. The original image is sized 2304x1423.http://babajidesalu.files.wordpress....in24-hours.jpg

http://trendsupdates.com/wp-content/...e-orchards.jpg


وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ:
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَثَل الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّه وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَثَل الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ فَيَصَدَّقُونَ بِهَا وَيَحْمِلُونَ عَلَيْهَا فِي سَبِيل اللَّه وَيُقَوُّونَ بِهَا أَهْل الْحَاجَة مِنْ الْغُزَاة وَالْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيل اللَّه وَفِي غَيْر ذَلِك مِنْ طَاعَات اللَّه طَلَب مَرْضَاته . { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ : وَتَثْبِيتًا لَهُمْ عَلَى إنْفَاق ذَلِكَ فِي طَاعَة اللَّه وَتَحْقِيقًا , مِنْ قَوْل الْقَائِل : ثَبَّتّ فُلَانًا فِي هَذَا الْأَمْر : إذْ صَحَّحْت عَزْمه وَحَقَّقْته وَقَوَّيْت فِيهِ رَأْيه أُثَبِّتهُ تَثْبِيتًا , كَمَا قَالَ ابْن رَوَاحَة : فَثَبَّتَ اللَّه مَا آتَاك مِنْ حَسَن تَثْبِيت مُوسَى وَنَصْرًا كَاَلَّذِي نُصِرُوا وَإِنَّمَا عَنَى اللَّه جَلَّ وَعَزَّ بِذَلِكَ , أَنَّ أَنْفُسهمْ كَانَتْ مُوقِنَة مُصَدِّقَة بِوَعْدِ اللَّه إيَّاهَا فِيمَا أَنْفَقَتْ فِي طَاعَته بِغَيْرِ مَنّ وَلَا أَذًى , فَثَبَّتَهُمْ فِي إنْفَاق أَمْوَالهمْ ابْتِغَاء مَرْضَاة اللَّه , وَصَحَّحَ عَزْمهمْ وَآرَاءَهُمْ يَقِينًا مِنْهَا بِذَلِكَ , وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِ اللَّه إيَّاهَا مَا وَعَدَهَا . وَلِذَلِكَ قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْل التَّأْوِيل فِي قَوْله : { وَتَثْبِيتًا } وَتَصْدِيقًا , وَمَنْ قَالَ مِنْهُمْ وَيَقِينًا , لِأَنَّ تَثْبِيت أَنْفُس الْمُنْفِقِينَ أَمْوَالهمْ ابْتِغَاء مَرْضَاة اللَّه إيَّاهُمْ , إنَّمَا كَانَ عَنْ يَقِين مِنْهَا وَتَصْدِيق بِوَعْدِ اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَهْل التَّأْوِيل : 4747 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثِنَا يَحْيَى , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي مُوسَى , عَنْ الشَّعْبِيّ : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } قَالَ : تَصْدِيقًا وَيَقِينًا . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي مُوسَى , عَنْ الشَّعْبِيّ : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } قَالَ : وَتَصْدِيقًا مِنْ أَنْفُسهمْ ثَبَات وَنُصْرَة . 4748 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } قَالَ : يَقِينًا مِنْ أَنْفُسهمْ . قَالَ : التَّثْبِيت الْيَقِين . 4749 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : ثِنَا عَلِيّ بْن مَعْبَد , عَنْ أَبِي مُعَاوِيَة , عَنْ إسْمَاعِيل , عَنْ أَبِي صَالِح فِي قَوْله : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } يَقُول : يَقِينًا مِنْ عِنْد أَنْفُسهمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَثَبَّتُونَ فِي الْمَوْضِع الَّذِي يَضَعُونَ فِيهِ صَدَقَاتهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4750 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمِّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } قَالَ : يَتَثَبَّتُونَ أَيْنَ يَضَعُونَ أَمْوَالهمْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : ثنا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ عُثْمَان بْن الْأَسْوَد , عَنْ مُجَاهِد : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } فَقُلْت لَهُ : مَا ذَلِكَ التَّثْبِيت ؟ قَالَ : يَتَثَبَّتُونَ أَيْنَ يَضَعُونَ أَمْوَالهمْ . * - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أبي , عَنْ عُثْمَان بْن الْأَسْوَد , عَنْ مُجَاهِد : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } قَالَ : كَانُوا يَتَثَبَّتُونَ أَيْنَ يَضَعُونَهَا . 4751 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثِنَا أَبِي , عَنْ عَلِيّ بْن عَلِيّ بْن رِفَاعَة , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } قَالَ : كَانُوا يَتَثَبَّتُونَ أَيْنَ يَضَعُونَ أَمْوَالهمْ , يَعْنِي زَكَاتهمْ . 4752 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا سُوِيد , قَالَ : ثنا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ عَلِيّ بْن عَلِيّ , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن قَرَأَ : { ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّه وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } قَالَ : كَانَ الرَّجُل إذَا هَمَّ بِصَدَقَةٍ تَثَبَّتَ , فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ مَضَى , وَإِنْ خَالَطَهُ شَكّ أَمْسَكَ . وَهَذَا التَّأْوِيل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ مُجَاهِد وَالْحَسَن تَأْوِيل بَعِيد الْمَعْنَى مِمَّا يَدُلّ عَلَيْهِ ظَاهِر التِّلَاوَة , وَذَلِك أَنَّهُمْ تَأَوَّلُوا قَوْله : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } بِمَعْنَى : وَتَثَبُّتًا , فَزَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا قِيلَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَوْم كَانُوا يَتَثَبَّتُونَ أَيْنَ يَضَعُونَ أَمْوَالهمْ . وَلَوْ كَانَ التَّأْوِيل كَذَلِكَ , لَكَانَ : وَتَثَبُّتًا مِنْ أَنْفُسهمْ ; لِأَنَّ الْمَصْدَر مِنْ الْكَلَام إنْ كَانَ عَلَى تَفَعَّلْت التَّفَعُّل , فَيُقَال : تَكَرَّمْت تَكَرُّمًا , وَتَكَلَّمْت تَكَلُّمًا , وَكَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أَوْ يَأْخُذهُمْ عَلَى تَخَوُّف } 16 47 مِنْ قَوْل الْقَائِل : تَخَوَّفَ فُلَان هَذَا الْأَمْر تَخَوُّفًا . فَكَذَلِكَ قَوْله : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } لَوْ كَانَ مِنْ تَثَبَّتَ الْقَوْم فِي وَضْع صَدَقَاتهمْ مَوَاضِعهَا لَكَانَ الْكَلَام : " وَتَثَبُّتًا مِنْ أَنْفُسهمْ " , لَا " وَتَثْبِيتًا " , وَلَكِنَّ مَعْنَى ذَلِك مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ وَتَثْبِيت مِنْ أَنْفُس الْقَوْم إيَّاهُمْ بِصِحَّةِ الْعَزْم وَالْيَقِين بِوَعْدِ اللَّه تَعَالَى ذِكْره . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا تُنْكِر أَنْ يَكُون ذَلِك نَظِير قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَتَبَتَّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلًا } 73 8 وَلَمْ يَقُلْ : تَبَتُّلًا ؟ قِيلَ : إنَّ هَذَا مُخَالِف لِذَلِكَ , وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا إنَّمَا جَازَ أَنْ يُقَال فِيهِ : " تَبْتِيلًا " لِظُهُورِ " وَتَبَتَّلْ إلَيْهِ " , فَكَانَ فِي ظُهُوره دِلَالَة عَلَى مَتْرُوك مِنْ الْكَلَام الَّذِي مِنْهُ قِيلَ : تَبْتِيلًا , وَذَلِكَ أَنَّ الْمَتْرُوك هُوَ : " تَبَتَّلْ فَيُبَتِّلُك اللَّه إلَيْهِ تَبْتِيلًا " , وَقَدْ تَفَعَّلَ الْعَرَب مِثْل ذَلِك أَحْيَانًا تُخَرَّج الْمَصَادِر عَلَى غَيْر أَلْفَاظ الْأَفْعَال الَّتِي تَقَدَّمَتْهَا إذَا كَانَتْ الْأَفْعَال الْمُتَقَدِّمَة تَدُلّ عَلَى مَا أُخْرِجَتْ مِنْهُ , كَمَا قَالَ جَلَّ وَعَزَّ : { وَاَللَّه أَنْبَتَكُمْ مِنْ الْأَرْض نَبَاتًا } 71 17 وَقَالَ : { وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا } 3 37 وَالنَّبَات : مَصْدَر نَبَتَ , وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك لِمَجِيءِ أَنْبَتَ قَبْله , فَدَلَّ عَلَى الْمَتْرُوك الَّذِي مِنْهُ قِيلَ نَبَاتًا , وَالْمَعْنَى : وَاَللَّه أَنْبَتَكُمْ فَنَبَتُّمْ مِنْ الْأَرْض نَبَاتًا . وَلَيْسَ قَوْله : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } كَلَامًا يَجُوز أَنْ يَكُون مُتَوَهِّمًا بِهِ أَنَّهُ مَعْدُول عَنْ بِنَائِهِ . وَمَعْنَى الْكَلَام : وَيَتَثَبَّتُونَ فِي وَضْع الصَّدَقَات مَوَاضِعهَا , فَيُصْرَف إلَى الْمَعَانِي الَّتِي صُرِفَ إلَيْهَا قَوْله : { وَتَبَتَّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلًا } وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَادِر الْمَعْدُولَة عَنْ الْأَفْعَال الَّتِي هِيَ ظَاهِرَة قَبْلهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } احْتِسَابًا مِنْ أَنْفُسهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4753 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } يَقُول : احْتِسَابًا مِنْ أَنْفُسهمْ . وَهَذَا الْقَوْل أَيْضًا بَعِيد الْمَعْنَى مِنْ مَعْنَى التَّثْبِيت , لِأَنَّ التَّثْبِيت لَا يُعْرَف فِي شَيْء مِنْ الْكَلَام بِمَعْنَى الِاحْتِسَاب , إلَّا أَنْ يَكُون أَرَادَ مُفَسِّره كَذَلِكَ أَنَّ أَنْفُس الْمُنْفِقِينَ كَانَتْ مُحْتَسِبَة فِي تَثْبِيتهَا أَصْحَابهَا . فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَانَ عِنْده مَعْنَى الْكَلَام , فَلَيْسَ الِاحْتِسَاب بِمَعْنًى حِينَئِذٍ لِلتَّثْبِيتِ فَيُتَرْجَم عَنْهُ بِهِ .


كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ:
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَمَثَلِ جَنَّة بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِل فَآتَتْ أُكُلهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِل فَطَلّ } يَعْنِي بِذَلِك جَلَّ وَعَزَّ : وَمَثَل الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ , فَيَتَصَدَّقُونَ بِهَا , وَيُسَبِّلُونَهَا فِي طَاعَة اللَّه بِغَيْرِ مَنّ عَلَى مَنْ تَصَدَّقُوا بِهَا عَلَيْهِ وَلَا أَذًى مِنْهُمْ لَهُمْ بِهَا ابْتِغَاء رِضْوَان اللَّه وَتَصْدِيقًا مِنْ أَنْفُسهمْ بِوَعْدِهِ , { كَمَثَلِ جَنَّة } وَالْجَنَّة : الْبُسْتَان . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ الْجَنَّة الْبُسْتَان بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة مِنْ إعَادَته . { بِرَبْوَةٍ } وَالرَّبْوَة مِنْ الْأَرْض : مَا نَشَزَ مِنْهَا فَارْتَفَعَ عَنْ السَّيْل . وَإِنَّمَا وَصَفَهَا بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ , لِأَنَّ مَا ارْتَفَعَ عَنْ الْمَسَايِل وَالْأَوْدِيَة أَغْلَظَ , وَجِنَان مَا غَلُظَ مِنْ الْأَرْض أَحْسَن وَأَزْكَى ثَمَرًا وَغَرْسًا وَزَرْعًا مِمَّا رَقَّ مِنْهَا , وَلِذَلِكَ قَالَ أُعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة فِي وَصْف رَوْضَة : مَا رَوْضَة مِنْ رِيَاض الْحَزْن مُعْشِبَة خَضْرَاء جَادَ عَلَيْهَا مُسْبِل هَطِل فَوَصَفَهَا بِأَنَّهَا مِنْ رِيَاض الْحَزْن , لِأَنَّ الْحُزُون : غَرْسهَا وَنَبَاتهَا أَحْسَن وَأَقْوَى مِنْ غُرُوس الْأَوْدِيَة وَالتِّلَاع وَزُرُوعهَا . وَفِي الرَّبْوَة لُغَات ثَلَاث , وَقَدْ قَرَأَ بِكُلِّ لُغَة مِنْهُنَّ جَمَاعَة مِنْ الْقُرَّاء , وَهِيَ " رُبْوَة " بِضَمِّ الرَّاء , وَبِهَا قَرَأَتْ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْحِجَاز وَالْعِرَاق . و " رَبْوَة " بِفَتْحِ الرَّاء , وَبِهَا قَرَأَ بَعْض أَهْل الشَّام , وَبَعْض أَهْل الْكُوفَة , وَيُقَال إنَّهَا لُغَة لِتَمِيمٍ . و " رِبْوَة " بِكَسْرِ الرَّاء , وَبِهَا قَرَأَ فِيمَا ذُكِرَ ابْن عَبَّاس . وَغَيْر جَائِز عِنْدِي أَنْ يُقْرَأ ذَلِكَ إلَّا بِإِحْدَى اللُّغَتَيْنِ : إمَّا بِفَتْحِ الرَّاء , وَإِمَّا بِضَمِّهَا , لِأَنَّ قِرَاءَة النَّاس فِي أَمْصَارهمْ بِإِحْدَاهُمَا . وَأَنَا لِقِرَاءَتِهَا بِضَمِّهَا أَشَدّ إيثَارًا مِنِّي بِفَتْحِهَا , لِأَنَّهَا أَشْهَر اللُّغَتَيْنِ فِي الْعَرَب ; فَأَمَّا الْكَسْر فَإِنَّ فِي رَفْض الْقِرَاءَة بِهِ دِلَالَة وَاضِحَة عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَة بِهِ غَيْر جَائِزَة . وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ الرَّبْوَة لِأَنَّهَا رَبَتْ فَغَلُظَتْ وَعَلَتْ , مِنْ قَوْل الْقَائِل : رَبَا هَذَا الشَّيْء يَرْبُو : إذَا انْفَتَحَ فَعَظُمَ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4754 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثِنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { كَمَثَلِ جَنَّة بِرَبْوَةٍ } قَالَ : الرَّبْوَة : الْمَكَان الظَّاهِر الْمُسْتَوِي . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : هِيَ الْأَرْض الْمُسْتَوِيَة الْمُرْتَفِعَة . 4755 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثِنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { كَمَثَلِ جَنَّة بِرَبْوَةٍ } يَقُولَا : بِنَشِزٍ مِنْ الْأَرْض . 4756 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { كَمَثَلِ جَنَّة بِرَبْوَةٍ } وَالرَّبْوَة : الْمَكَان الْمُرْتَفِع الَّذِي لَا تَجْرِي فِيهِ الْأَنْهَار وَاَلَّذِي فِيهِ الْجِنَان . 4757 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ قَوْله : { بِرَبْوَةٍ } بِرَابِيَةٍ مِنْ الْأَرْض . 4758 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { كَمَثَلِ جَنَّة بِرَبْوَةٍ } وَالرَّبْوَة النَّشِزُ مِنْ الْأَرْض . 4759 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ ابْن عَبَّاس : { كَمَثَلِ جَنَّة بِرَبْوَةٍ } قَالَ : الْمَكَان الْمُرْتَفِع الَّذِي لَا تَجْرِي فِيهِ الْأَنْهَار . وَكَانَ آخَرُونَ يَقُولُونَ : هِيَ الْمُسْتَوِيَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4760 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { كَمَثَلِ جَنَّة بِرَبْوَةٍ } قَالَ : هِيَ الْأَرْض الْمُسْتَوِيَة الَّتِي تَعْلُو فَوْق الْمِيَاه . وَأَمَّا قَوْله : { أَصَابَهَا وَابِل } فَإِنَّهُ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَصَابَ الْجَنَّة الَّتِي بِالرَّبْوَةِ مِنْ الْأَرْض وَابِل مِنْ الْمَطَر , وَهُوَ الشَّدِيد الْعَظِيم الْقَطْر مِنْهُ . وَقَوْله : { فَآتَتْ أُكُلهَا ضِعْفَيْنِ } فَإِنَّهُ يَعْنِي الْجَنَّة أَنَّهَا أَضْعَفَ ثَمَرهَا ضِعْفَيْنِ حِين أَصَابَهَا الْوَابِل مِنْ الْمَطَر , وَالْأَكْل : هُوَ الشَّيْء الْمَأْكُول , وَهُوَ مِثْل الرُّعْب وَالْهُزْء وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاء الَّتِي تَأْتِي عَلَى فُعْل ; وَأَمَّا الْمَأْكُول بِفَتْحِ الْأَلِف وَتَسْكِين الْكَاف , فَهُوَ فِعْل الْآكِل , يُقَال مِنْهُ : أَكَلْت أَكْلًا , وَأَكَلْت أَكْلَة وَاحِدَة , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : وَمَا أَكْلَة أَكَلْتهَا بِغَنِيمَةٍ وَلَا جَوْعَة إنْ جُعْتهَا بِغَرَامِ فَفَتَحَ الْأَلِف لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْفِعْل . وَيَدُلّك عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ قَوْله : " وَلَا جَوْعَة " , وَإِنْ ضُمَّتْ الْأَلِف مِنْ " الْأَكْلَة " كَانَ مَعْنَاهُ : الطَّعَام الَّذِي أَكَلْته , فَيَكُون مَعْنَى ذَلِكَ حِينَئِذٍ : مَا طَعَام أَكَلْته بِغَنِيمَةٍ . وَأَمَّا قَوْله : { فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِل فَطَلّ } فَإِنَّ الطَّلّ : هُوَ النَّدَى وَاللَّيِّن مِنْ الْمَطَر . كَمَا : 4761 - حَدَّثَنَا عَبَّاس بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : { فَطَلّ } نَدًى . عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس . 4762 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثِنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَّا الطَّلّ : فَالنَّدَى . 4763 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثِنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِل فَطَلّ } أَيْ طَشّ . 4764 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثِنَا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { فَطَلّ } قَالَ : الطَّلّ : الرَّذَاذ مِنْ الْمَطَر , يَعْنِي اللَّيِّن مِنْهُ . 4765 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { فَطَلّ } أَيْ طَشّ . وَإِنَّمَا يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِهَذَا الْمَثَل كَمَا أَضَعَفْت ثَمَرَة هَذِهِ الْجَنَّة الَّتِي وَصَفْت صِفَتهَا حِين جَادَ الْوَابِل فَإِنْ أَخْطَأَ هَذَا الْوَابِل فَالطَّلّ كَذَلِكَ يُضَعِّف اللَّه صَدَقَة الْمُتَصَدِّق وَالْمُنْفِق مَاله ابْتِغَاء مَرْضَاته وَتَثْبِيتًا مِنْ نَفْسه مِنْ غَيْر مَنّ وَلَا أَذًى , قَلَّتْ نَفَقَته أَوْ كَثُرَتْ لَا تَخِيب وَلَا تُخَلَّف نَفَقَته , كَمَا تُضَعَّف الْجَنَّة الَّتِي وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ صِفَتهَا قَلَّ مَا أَصَابَهَا مِنْ الْمَطَر أَوْ كَثُرَ لَا يُخَلَّف خَيْرهَا بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَال . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4766 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ قَوْله : { فَآتَتْ أُكُلهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِل فَطَلّ } يَقُول : كَمَا أَضْعَفْت ثَمَرَة تِلْكَ الْجَنَّة , فَكَذَلِكَ تُضَاعَف ثَمَرَة هَذَا الْمُنْفِق ضِعْفَيْنِ . 4767 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { فَآتَتْ أُكُلهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِل فَطَلّ } هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِعَمَلِ الْمُؤْمِن , يَقُول : لَيْسَ لِخَيْرِهِ خُلْف , كَمَا لَيْسَ لِخَيْرِ هَذِهِ الْجَنَّة خُلْف عَلَى أَيّ حَال , إمَّا وَابِل , وَإِمَّا طَلّ . 4768 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : هَذَا مِثْل مَنْ أَنْفَقَ مَاله ابْتِغَاء مَرْضَاةِ اللَّه . 4769 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ ابْتِغَاء مَرْضَاة اللَّه } . الْآيَة , قَالَ : هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِعَمَلِ الْمُؤْمِن . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ قِيلَ : { فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِل فَطَلّ } وَهَذَا خَبَر عَنْ أَمْر قَدْ مَضَى ؟ قِيلَ : يُرَاد فِيهِ : كَانَ , وَمَعْنَى الْكَلَام : فَآتَتْ أُكُلهَا ضِعْفَيْنِ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَابِل أَصَابَهَا , أَصَابَهَا طَلّ , وَذَلِك فِي الْكَلَام نَحْو قَوْل الْقَائِل : حَبَسْت فَرَسَيْنِ , فَإِنْ لَمْ أَحْبِسْ اثْنَيْنِ فَوَاحِدًا بِقِيمَتِهِ , بِمَعْنَى : إلَّا أَكُنْ , لَا بُدّ مِنْ إضْمَار " كَانَ " , لِأَنَّهُ خَبَر ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : إذَا مَا انْتَسَبْنَا لَمْ تَلِدنِي لَئِيمَة وَلَمْ تَجِدِي مِنْ أَنْ تُقِرِّي بِهَا بُدًّا

وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ:
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير } . يَعْنِي بِذَلِكَ : وَاَللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ أَيّهَا النَّاس فِي نَفَقَاتكُمْ الَّتِي تُنْفِقُونَهَا بَصِير , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا وَلَا مِنْ أَعْمَالكُمْ فِيهَا وَفِي غَيْرهَا شَيْء يُعْلَم مِنْ الْمُنْفِق مِنْكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى وَالْمُنْفِق ابْتِغَاء مَرْضَاة اللَّه , وَتَثْبِيتًا مِنْ نَفْسه , فَيُحْصِي عَلَيْكُمْ حَتَّى يُجَازِيَ جَمِيعكُمْ جَزَاءَهُ عَلَى عَمَله , إنْ خَيْرًا فَخَيْرًا , وَإِنْ شَرًّا فَشَرًّا . وَإِنَّمَا يَعْنِي بِهَذَا الْقَوْل جَلَّ ذِكْره , التَّحْذِير مِنْ عِقَابه فِي النَّفَقَات الَّتِي يُنْفِقهَا عِبَاده , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَال أَنْ يَأْتِيَ أَحَد مِنْ خَلْقه مَا قَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ , أَوْ يُفَرِّط فِيمَا قَدْ أَمَرَ بِهِ , لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَرْأًى مِنْ اللَّه وَمَسْمَع , يَعْلَمهُ وَيُحْصِيهِ عَلَيْهِمْ , وَهُوَ لِخَلْقِهِ بِالْمِرْصَادِ .

المصدر : تفسير الطبري.

بن الإسلام 13.05.2010 15:03



{وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} سورة الضحى

http://www.imanway.com/akhawat/image.../wol_error.gifThis image has been resized. Click this bar to view the full image. The original image is sized 1024x768.http://www.mika2eel.com/awrad/awrad-...mageshow76.jpg



قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِي " الضُّحَى " , وَالْمُرَاد بِهِ النَّهَار لِقَوْلِهِ : " وَاللَّيْل إِذَا سَجَى " فَقَابَلَهُ بِاللَّيْلِ . وَفِي سُورَة ( الْأَعْرَاف ) " أَفَأَمِنَ أَهْل الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ . أَوَأَمِنَ أَهْل الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ " [ الْأَعْرَاف : 97 - 98 ] أَيْ نَهَارًا . وَقَالَ قَتَادَة وَمُقَاتِل وَجَعْفَر الصَّادِق : أَقْسَمَ بِالضُّحَى الَّذِي كَلَّمَ اللَّه فِيهِ مُوسَى , وَبِلَيْلَةِ الْمِعْرَاج . وَقِيلَ : هِيَ السَّاعَة الَّتِي خَرَّ فِيهَا السَّحَرَة سُجَّدًا . بَيَانه قَوْله تَعَالَى : " وَأَنْ يُحْشَر النَّاس ضُحًى " [ طه : 59 ] . وَقَالَ أَهْل الْمَعَانِي فِيهِ وَفِي أَمْثَاله : فِيهِ إِضْمَار , مَجَازه وَرَبّ الضُّحَى .

سَجَا " مَعْنَاهُ : سَكَنَ قَالَهُ قَتَادَة وَمُجَاهِد وَابْن زَيْد وَعِكْرِمَة . يُقَال : لَيْلَة سَاجِيَة أَيْ سَاكِنَة . وَيُقَال لِلْعَيْنِ إِذَا سَكَنَ طَرَفهَا : سَاجِيَة . يُقَال : سَجَا اللَّيْل يَسْجُو سَجْوًا : إِذَا سَكَنَ . وَالْبَحْر إِذَا سَجَا : سَكَنَ . قَالَ الْأَعْشَى : فَمَا ذَنْبُنَا أَنْ جَاشَ بَحْرُ اِبْنِ عَمِّكُمْ وَبَحْرُك سَاجٍ مَا يُوَارِي الدَّعَامِصَا وَقَالَ الرَّاجِز : يَا حَبَّذَا الْقَمْرَاءُ وَاللَّيْلُ سَاجْ وَطُرُقٌ مِثْلُ مِلَاءِ النِّسَاجْ وَقَالَ جَرِير : وَلَقَدْ رَمَيْنَك يَوْمَ رُحْنَ بِأَعْيُنٍ يَنْظُرْنَ مِنْ خِلَلِ السُّتُورِ سَوَاجِي وَقَالَ الضَّحَّاك : " سَجَا " غَطَّى كُلّ شَيْء . قَالَ الْأَصْمَعِيّ : سَجْو اللَّيْل : تَغْطِيَته النَّهَار مِثْلَمَا يُسَجَّى الرَّجُل بِالثَّوْبِ . وَقَالَ الْحَسَن : غَشِيَ بِظَلَامِهِ وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَعَنْهُ : إِذَا ذَهَبَ . وَعَنْهُ أَيْضًا : إِذَا أَظْلَمَ . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : أَقْبَلَ وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَة أَيْضًا . وَرَوَى اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد : " سَجَا " اِسْتَوَى . وَالْقَوْل الْأَوَّل أَشْهَر فِي اللُّغَة : " سَجَا " سَكَنَ أَيْ سَكَنَ النَّاس فِيهِ . كَمَا يُقَال : نَهَار صَائِم , وَلَيْل قَائِم . وَقِيلَ : سُكُونه اِسْتِقْرَار ظَلَامِهِ وَاسْتِوَاؤُهُ . وَيُقَال : " وَالضُّحَى . وَاللَّيْل إِذَا سَجَا " : يَعْنِي عِبَاده الَّذِينَ يَعْبُدُونَهُ فِي وَقْت الضُّحَى , وَعِبَاده الَّذِينَ يَعْبُدُونَهُ بِاللَّيْلِ إِذَا أَظْلَمَ . وَيُقَال : " الضُّحَى " : يَعْنِي نُور الْجَنَّة إِذَا تُنَوَّر . " وَاللَّيْل إِذَا سَجَا " : يَعْنِي ظُلْمَة اللَّيْل إِذَا أَظْلَمَ . وَيُقَال : " وَالضُّحَى " : يَعْنِي النُّور الَّذِي فِي قُلُوب الْعَارِفِينَ كَهَيْئَةِ النَّهَار . " وَاللَّيْل إِذَا سَجَا " : يَعْنِي السَّوَاد الَّذِي فِي قُلُوب الْكَافِرِينَ كَهَيْئَةِ اللَّيْل فَأَقْسَمَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِهَذِهِ الْأَشْيَاء .

مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ:
هَذَا جَوَاب الْقَسَم . وَكَانَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَبْطَأَ عَلَى النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : قَلَاهُ اللَّه وَوَدَّعَهُ فَنَزَلَتْ الْآيَة . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : اِحْتَبَسَ عَنْهُ الْوَحْي اِثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : خَمْسَة عَشَرَ يَوْمًا . وَقِيلَ : خَمْسَة وَعِشْرِينَ يَوْمًا . وَقَالَ مُقَاتِل : أَرْبَعِينَ يَوْمًا . فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : إِنَّ مُحَمَّدًا وَدَّعَهُ رَبّه وَقَلَاهُ , وَلَوْ كَانَ أَمْره مِنْ اللَّه لَتَابَعَ عَلَيْهِ , كَمَا كَانَ يَفْعَل بِمَنْ كَانَ قَبْله مِنْ الْأَنْبِيَاء . وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ جُنْدُب بْن سُفْيَان قَالَ : اِشْتَكَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَجَاءَتْ اِمْرَأَة فَقَالَتْ : يَا مُحَمَّد , إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُون شَيْطَانُك قَدْ تَرَكَك , لَمْ أَرَهُ قَرُبَك مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاث فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " وَالضُّحَى . وَاللَّيْل إِذَا سَجَى . مَا وَدَّعَك رَبّك وَمَا قَلَى " .
وَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْ جُنْدُب الْبَجَلِيّ قَالَ : كُنْت مَعَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَار فَدَمِيَتْ إِصْبَعُهُ , فَقَالَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : [ هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ , وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ ] قَالَ : وَأَبْطَأَ عَلَيْهِ جِبْرِيل فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : قَدْ وُدِّعَ مُحَمَّد فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : " مَا وَدَّعَك رَبّك وَمَا قَلَى " . هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح . لَمْ يَذْكُر التِّرْمِذِيّ : " فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا " أَسْقَطَهُ التِّرْمِذِيّ . وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ , وَهُوَ أَصَحّ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ . وَاَللَّه أَعْلَم .
وَقَدْ ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ أَيْضًا عَنْ جُنْدُب بْن سُفْيَان الْبَجَلِيّ , قَالَ : رُمِيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إِصْبَعِهِ بِحَجَرٍ , فَدَمِيَتْ , فَقَالَ : [ هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ , وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ ] فَمَكَثَ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لَا يَقُوم اللَّيْل . فَقَالَتْ لَهُ أُمّ جَمِيل اِمْرَأَة أَبِي لَهَب : مَا أَرَى شَيْطَانَك إِلَّا قَدْ تَرَكَك , لَمْ أَرَهُ قَرُبَك مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاث فَنَزَلَتْ " وَالضُّحَى " . وَرَوَى عَنْ أَبِي عِمْرَان الْجَوْنِيّ , قَالَ : أَبْطَأَ جِبْرِيل عَلَى النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى شَقَّ عَلَيْهِ فَجَاءَ وَهُوَ وَاضِع جَبْهَته عَلَى الْكَعْبَة يَدْعُو فَنُكِتَ بَيْن كَتِفَيْهِ , وَأُنْزِلَ عَلَيْهِ : " مَا وَدَّعَك رَبّك وَمَا قَلَى " . وَقَالَتْ خَوْلَة - وَكَانَتْ تَخْدُم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : إِنَّ جِرْوًا دَخَلَ الْبَيْت , فَدَخَلَ تَحْت السَّرِير فَمَاتَ , فَمَكَثَ نَبِيّ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيَّامًا لَا يَنْزِل عَلَيْهِ الْوَحْي . فَقَالَ : [ يَا خَوْلَة , مَا حَدَثَ فِي بَيْتِي ؟ مَا لِجِبْرِيل لَا يَأْتِينِي ] قَالَتْ خَوْلَة فَقُلْت : لَوْ هَيَّأَتْ الْبَيْت وَكَنَسْته فَأَهْوَيْت بِالْمِكْنَسَةِ تَحْت السَّرِير , فَإِذَا جِرْوٌ مَيِّت , فَأَخَذْته فَأَلْقَيْته خَلْف الْجِدَار فَجَاءَ نَبِيّ اللَّه تَرْعَد لَحْيَاهُ - وَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْي اِسْتَقْبَلَتْهُ الرِّعْدَة - فَقَالَ : [ يَا خَوْلَة دَثِّرِينِي ] فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ السُّورَة . وَلَمَّا نَزَلَ جِبْرِيل سَأَلَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التَّأَخُّر فَقَالَ : [ أَمَا عَلِمْت أَنَّا لَا نَدْخُل بَيْتًا فِيهِ كَلْب وَلَا صُورَة ] . وَقِيلَ : لَمَّا سَأَلَتْهُ الْيَهُود عَنْ الرُّوح وَذِي الْقَرْنَيْنِ وَأَصْحَاب الْكَهْف قَالَ : [ سَأُخْبِرُكُمْ غَدًا ] . وَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّه . فَاحْتَبَسَ عَنْهُ الْوَحْي , إِلَى أَنْ نَزَلَ جِبْرِيل عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ : " وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِل ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاء اللَّه " [ الْكَهْف : 23 ] فَأَخْبَرَهُ بِمَا سُئِلَ عَنْهُ . وَفِي هَذِهِ الْقِصَّة نَزَلَتْ " مَا وَدَّعَك رَبّك وَمَا قَلَى " . وَقِيلَ : إِنَّ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , مَا لَك لَا يَنْزِل عَلَيْك الْوَحْي ؟ فَقَالَ : [ وَكَيْف يَنْزِل عَلَيَّ وَأَنْتُمْ لَا تُنْقُونَ رَوَاجِبَكُمْ - وَفِي رِوَايَة بَرَاجِمَكُمْ - وَلَا تَقُصُّونَ أَظْفَارَكُمْ وَلَا تَأْخُذُونَ مِنْ شَوَارِبكُمْ ] . فَنَزَلَ جِبْرِيل بِهَذِهِ السُّورَة فَقَالَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : [ مَا جِئْت حَتَّى اِشْتَقْت إِلَيْك ] فَقَالَ جِبْرِيل : [ وَأَنَا كُنْت أَشَدَّ إِلَيْك شَوْقًا , وَلَكِنِّي عَبْد مَأْمُور ] ثُمَّ أُنْزِلَ عَلَيْهِ " وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبّك " [ مَرْيَم : 64 ] . " وَدَّعَك " بِالتَّشْدِيدِ : قِرَاءَة الْعَامَّة , مِنْ التَّوْدِيع , وَذَلِكَ كَتَوْدِيعِ الْمُفَارِق . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَابْن الزُّبَيْر أَنَّهُمَا قَرَآهُ " وَدَعَك " بِالتَّخْفِيفِ , وَمَعْنَاهُ : تَرَكَك . قَالَ : وَثَمَّ وَدَعْنَا آلَ عَمْرٍو وَعَامِرٍ فَرَائِسَ أَطْرَافَ الْمُثَقَّفَةِ السُّمْر وَاسْتِعْمَاله قَلِيل . يُقَال : هُوَ يَدَع كَذَا , أَيْ يَتْرُكهُ . قَالَ الْمُبَرِّد مُحَمَّد بْن يَزِيد : لَا يَكَادُونَ يَقُولُونَ وَدَعَ وَلَا وَذَرَ , لِضَعْفِ الْوَاو إِذَا قُدِّمَتْ , وَاسْتَغْنَوْا عَنْهَا بِتَرْكِ .


وَمَا قَلَى:
أَيْ مَا أَبْغَضك رَبّك مُنْذُ أَحَبَّك . وَتُرِكَ الْكَاف ; لِأَنَّهُ رَأْس آيَة . وَالْقِلَى : الْبُغْض فَإِنْ فَتَحْت الْقَاف مَدَدْت تَقُول : قَلَاهُ يَقْلِيهِ قِلًى وَقَلَاءً . كَمَا تَقُول : قَرَيْت الضَّيْف أَقْرِيهِ قِرًى وَقَرَاءً . وَيَقْلَاهُ : لُغَة طَيِّئ . وَأَنْشَدَ ثَعْلَب : أَيَّام أُمّ الْغَمْر لَا نَقْلَاهَا أَيْ لَا نُبْغِضهَا . وَنَقْلَى أَيْ نُبْغِض . وَقَالَ : أَسِيئِي بِنَا أَوْ أَحْسِنِي لَا مَلُومَةً لَدَيْنَا وَلَا مَقْلِيَّةً إِنْ تَقَلَّتِ وَقَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : وَلَسْت بِمَقْلِيِّ الْخِلَالِ وَلَا قَالِ وَتَأْوِيل الْآيَة : مَا وَدَّعَك رَبّك وَمَا قَلَاك . فَتُرِكَ الْكَاف ; لِأَنَّهُ رَأْس آيَة كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : " وَالذَّاكِرِينَ اللَّه كَثِيرًا وَالذَّاكِرَات " [ الْأَحْزَاب : 35 ] أَيْ وَالذَّاكِرَات اللَّه .

المصدر : تفسير القرطبي.

بن الإسلام 13.05.2010 15:04


قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)

في الوسيط لسيد طنطاوي :

قد افتتحت بفعل الأمر " قل " لإِظهار العناية بما بعد هذا الأمر من توجيهات حكيمة ، ولتلقينه صلى الله عليه وسلم الرد على المشركين الذين سألوه أن ينسب لهم ربه .
و { هو } ضمير الشأن مبتدأ ، والجملة التى بعده خبر عنه .
والأحد : هو الواحد فى ذاته وفى صفاته وفى أفعاله ، وفى كل شأن من شئونه ، فهو منزه عن التركيب من جواهر متعددة ، أو من مادة معينة ، كما أنه - عز وجل - منزه عن الجسمية والتحيز ، ومشابهة غيره .
وفى الإِتيان بضمير الشأن هنا : إشارة إلى فخامة مضمون الجملة ، مع ما فى ذلك من زيادة التحقيق والتقرير ، لأن الضمير يشير إلى شئ مبهم تترقبه النفس ، فإذا جاء الكلام من بعده زال الإِبهام ، وتمكن الكلام من النفس فضل تمكن .
وجئ بالخبر نكره وهو لفظ " أحد " لأن المقصود الإِخبار عن الله - تعالى - بأنه واحد ، ولو قيل : الله الأحد ، لأفاد أنه لا واحد سواه ، وليس هذا المعنى مقصودا هنا ، وإنما المقصود إثبات أنه واحد فى ذاته وصفاته وأفعاله . . ونفى ما زعمه المشركون وغيرهم ، من أنه - تعالى - مركب من أصول مادية أو غير مادية ، أو من أنه له شريك فى ملكه .
وقوله - سبحانه - { الله الصمد } أى : الله - تعالى - هو الذى يَصْمدُ إليه الخلق فى حوائجهم ، ويقصدونه وحده بالسؤال والطلب . . مأخوذ من قولهم صمد فلان إلى فلان . بمعنى توجه إليه بطلب العون والمساعدة .
قال صاحب الكشاف : والصمد فعل بمعنى مفعول ، من صمد إليه إذا قصده ، وهو - سبحانه - المصمود إليه فى الحوائج ، والمعنى : هو الله الذى تعرفونه وتقرون بأنه خالق السموات والأرض ، وخالقكم ، وهو واحد متوحد بالإِلهية لا يشارك فيها ، وهو الذى يصمد إليه كل مخلوق لا يستغنون عنه ، وهو الغنى عنهم . .
وجاء لفظ " الصمد " محلى بأل ، لإِفادة الحصر فى الواقع ونفس الأمر ، فإن قصد الخلق إليه - سبحانه - فى الحوائج ، أعم من الصد الإِرادى ، والقصد الطبيعى ، والقصد بحسب الاستعداد الأصلى ، الثابت لجميع المخلوقات إذ الكل متجه إليه - تعالى - طوعا وكرها .
وقوله - سبحانه - : { لَمْ يَلِدْ } تنزيه له - تعالى - عن أن يكون له ولد أو بنت ، لأن الولادة تقتضى انفصال مادة منه ، وذلك يقتضى التركيب المنافى للأحدية والصمدية ، أو لأن الولد من جنس أبيه ، وهو - تعالى - منزه عن مجانسه أحد .
وقوله : { وَلَمْ يُولَدْ } تنزيه له - تعالى - عن أن يكون له أب أو أم ، لأن المولودية تقتضى - أيضا - التركيب المنافى للأحدية والصمدية ، أو لاقتضائها سبق العدم ، أو المجانسة ، وكل ذلك مستحيل عليه - تعالى - فهو - سبحانه - :
{ الأول والآخر والظاهر والباطن وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } وقوله - عز وجل - { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } تنزيه له - تعالى - عن الشبيه والنظير والمماثل .
والكفؤ : هو المكافئ والمماثل والمشابه لغيره فى العمل أو فى القدرة .
أى : ولم يكن أحد من خلقه مكافئاً ولا مشاكلا ولا مناظرا له - تعالى - فى ذاته ، أو صفاته ، أو أفعاله ، فهو كما قال - تعالى - : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السميع البصير } وبذلك نرى أن هذه السورة الكريمة قد تضمنت نفى الشرك بجميع ألوانه .
فقد نفى - سبحانه - عن ذاته التعددد بقوله : { الله أَحَدٌ } ونفى عن ذاته النقص والاحتياج بقوله : { الله الصمد } ونفى عن ذاته أن يكون والدا أو مولودا بقوله : { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } ، ونفى عن نفسه الأنداد والأشباه بقوله : { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } .
كما نراها قد تضمنت الرد على المشركين وأهل الكتاب ، وغيرهم من أصحاب الفرق الضالة ، الذين يقولون ، بالتثليث ، وبأن هناك آلهة أخرى تشارك الله - تعالى - فى ملكه .
وبغير ذلك من الأقاويل الفاسدة والعقائد الزائفة . . - سبحانه وتعالى - عما يقولون علوا كبيرا .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .


قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)

في ظلال القرآن لسيد قطب :

هذه السورة الصغيرة تعدل ثلث القرآن كما جاء في الروايات الصحيحة . قال البخاري : حدثنا إسماعيل : حدثني مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن الرحمن بن أبي صعصعة ، عن أبيه ، عن أبي سعد ، « أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ : { قل هو الله أحد } يرددها . فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له وكأن الرجل يتقالها فقال النبي صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده ، إنها لتعدل ثلث القرآن » .
وليس في هذا من غرابة . فإن الأحدية التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلنها : { قل هو الله أحد } هذه الأحدية عقيدة للضمير ، وتفسير للوجود ، ومنهج للحياة . . وقد تضمنت السورة من ثم أعرض الخطوط الرئيسية في حقيقة الإسلام الكبيرة . .
{ قل هو الله أحد } . . وهو لفظ أدق من لفظ « واحد » . . لأنه يضيف إلى معنى « واحد » أن لا شي ء غيره معه . وأن ليس كمثله شيء .
إنها أحدية الوجود . . فليس هناك حقيقة إلا حقيقته . وليس هناك وجود حقيقي إلا وجوده . وكل موجود آخر فإنما يستمد وجوده من ذلك الوجود الحقيقي ، ويستمد حقيقته من تلك الحقيقة الذاتية .
وهي من ثم أحدية الفاعلية . فليس سواه فاعلاً لشيء ، أو فاعلاً في شيء ، في هذا أصلاً . وهذه عقيدة في الضمير وتفسير للوجود أيضاً . .
فإذا استقر هذا التفسير ، ووضح هذا التصور ، خلص القلب من كل غاشية ومن كل شائبة ، ومن كل تعلق بغير هذه اللذات الواحدة المتفردة بحقيقة الوجود وحقيقة الفاعلية .
خلص من التعلق بشيء من أشياء هذا الوجود إن لم يخلص من الشعور بوجود شيء من الأشياء أصلاً! فلا حقيقة لوجود إلا ذلك الوجود الإلهي . ولا حقيقة لفاعلية الإرادة الإلهية . فعلام يتعلق القلب بما لا حقيقة لوجوده ولا لفاعليته!
وحين يخلص القلب من الشعور بغير الحقيقة الواحدة ، ومن التعلق بغير هذه الحقيقة . . فعندئذ يتحرر من جميع القيود ، وينطلق من كل الاوهاق . يتحرر من الرغبة وهي أصل قيود كثيرة ، ويتحرر من الرهبة وهي أصل قيود كثيرة . وفيم يرغب وهو لا يفقد شيئاً متى وجد الله؟ ومن ذا يرهب ولا وجود لفاعلية إلا لله؟
ومتى استقر هذا التصور الذي لا يرى في الوجود إلا حقيقة الله ، فستصحبه رؤية هذه الحقيقة في كل وجود آخر انبثق عنها - وهذه درجة يرى فيها القلب يد الله في كل شيء يراه . ووراءها الدرجة التي لا يرى فيها شيئاً في الكون إلا الله . لأنه لا حقيقة هناك يراها إلا حقيقة الله .
كذلك سيصحبه نفي فاعلية الأسباب . ورد كل شيء وكل حدث وكل حركة إلى السبب الأول الذي منه صدرت ، وبه تأثرت . . وهذه هي الحقيقة التي عني القرآن عناية كبيرة بتقريرها في التصور الإيماني . ومن ثم كان ينحي الأسباب الظاهرة دائماً ويصل الأمور مباشرة بمشيئة الله : { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } { وما النصر إلا من عند الله } { وما تشاءون إلا أن يشاء الله } وغيرها كثير . .
وبتنحية الأسباب الظاهرة كلها ، ورد الأمر إلى مشيئة الله وحدها ، تنسكب في القلب الطمأنينة ، ويعرف المتجه الوحيد الذي يطلب عنده ما يرغب ، ويتقي عنده ما يرهب ، ويسكن تجاه الفواعل والمؤثرات والأسباب الظاهرة التي لا حقيقة لها ولا وجود!
وهذه هي مدارج الطريق التي حاولها المتصوفة ، فجذبتهم إلى بعيد! ذلك أن الإسلام يريد من الناس أن يسلكوا الطريق إلى هذه الحقيقة وهم يكابدون الحياة الواقعية بكل خصائصها ، ويزاولون الحياة البشرية ، والخلافة الأرضية بكل مقوّماتها ، شاعرين مع هذا أن لا حقيقة إلا الله . وأن لا وجود إلا وجوده . وأن لا فاعلية إلا فاعليته . . ولا يريد طريقاً غير هذا الطريق!
من هنا ينبثق منهج كامل للحياة ، قائم على ذلك التفسير وما يشيعه في النفس من تصورات ومشاعر واتجاهات : منهج لعبادة الله وحده . الذي لا حقيقة لوجود إلا وجوده ، ولا حقيقة لفاعلية إلا فاعليته ، ولا أثر لإرادة إلا إرادته .
ومنهج للاتجاه إلى الله وحده في الرغبة والرهبة . في السراء والضراء . في النعماء والبأساء . وإلا فما جدوى التوجه إلى غير موجود وجوداً حقيقياً ، وإلى غير فاعل في الوجود أصلاً؟!
ومنهج للتلقي عن الله وحده . تلقي العقيدة والتصور والقيم والموازين ، والشرائع والقوانين والأوضاع والنظم ، والآداب والتقاليد . فالتلقي لا يكون إلا عن الوجود الواحد والحقيقة المفردة في الواقع وفي الضمير .
ومنهج للتحرك والعمل لله وحده . . ابتغاء القرب من الحقيقة ، وتطلعاً إلى الخلاص من الحواجز المعوقة والشوائب المضللة . سواء في قرارة النفس أو فيما حولها من الأشياء والنفوس . ومن بينها حاجز الذات ، وقيد الرغبة والرهبة لشيء من أشياء هذا الوجود!
ومنهج يربط مع هذا بين القلب البشري وبين كل موجود برباط الحب والأنس والتعاطف والتجاوب . فليس معنى الخلاص من قيودها هو كراهيتها والنفور منها والهروب من مزاولتها . . فكلها خارجة من يد الله؛ وكلها تستمد وجودها من وجوده ، وكلها تفيض عليها أنوار هذه الحقيقة . فكلها إذن حبيب ، إذ كلها هدية من الحبيب!
وهو منهج رفيع طليق . . الأرض فيه صغيرة ، والحياة الدنيا قصيرة ، ومتاع الحياة الدنيا زهيد ، والانطلاق من هذه الحواجز والشوائب غاية وأمنية . . ولكن الانطلاق عند الإسلام ليس معناه الاعتزال ولا الإهمال ، ولا الكراهية ولا الهروب . . إنما معناه المحاولة المستمرة ، والكفاح الدائم لترقية البشرية كلها ، وإطلاق الحياة البشرية جميعها . . ومن ثم فهي الخلافة والقيادة بكل أعبائهما ، مع التحرر والانطلاق بكل مقوماتهما .
كما أسفلنا .
إن الخلاص عن طريق الصومعة سهل يسير . ولكن الإسلام لا يريده . لأن الخلافة في الأرض والقيادة للبشر طرف من المنهج الإلهي للخلاص . إنه طريق أشق ، ولكنه هو الذي يحقق إنسانية الإنسان . أي يحقق انتصار النفخة العلوية في كيانه . . وهذا هو الانطلاق . انطلاق الروح إلى مصدرها الإلهي ، وتحقيق حقيقتها العلوية . وهي تعمل في الميدان الذي اختاره لها خالقها الحكيم . .
من أجل هذا كله كانت الدعوة الأولى قاصرة على تقرير حقيقة التوحيد بصورتها هذه في القلوب ، لأن التوحيد في هذه الصورة عقيدة للضمير ، وتفسير للوجود ، ومنهج للحياة . وليس كلمة تقال باللسان أو حتى صورة تستقر في الضمير . إنما هو الأمر كله ، والدين كله؛ وما بعده من تفصيلات وتفريعات لا يعدو أن يكون الثمرة الطبيعية لاستقرار هذه الحقيقة بهذه الصورة في القلوب .
والانحرافات التي أصابت أهل الكتاب من قبل ، والتي أفسدت عقائدهم وتصوراتهم وحياتهم ، نشأت أول ما نشأت عن انطماس صورة التوحيد الخالص . ثم تبع هذا الانطماس ما تبعه من سائر الانحرافات .
على أن الذي تمتاز به صورة التوحيد في العقيدة الإسلامية هو تعمقها للحياة كلها ، وقيام الحياة على أساسها ، واتخاذها قاعدة للمنهج العملي الواقعي في الحياة ، تبدو آثاره في التشريع كما تبدو في الاعتقاد سواء . وأول هذه الآثار أن تكون شريعة الله وحدها هي التي تحكم الحياة . فإذا تخلفت هذه الآثار فإن عقيدة التوحيد لا تكون قائمة ، فإنها لا تقوم إلا ومعها آثارها محققة في كل ركن من أركان الحياة . .
ومعنى أن الله أحد : أنه الصمد . وأنه لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفواً أحد . . ولكن القرآن يذكر هذه التفريعات لزيادة التقرير والإيضاح :
{ الله الصمد } . . ومعنى الصمد اللغوي : السيد المقصود الذي لا يقضى أمراً إلا بإذنه . والله سبحانه هو السيد الذي لا سيد غيره ، فهو أحد في ألوهيته والكل له عبيد . وهو المقصود وحده بالحاجات ، المجيب وحده لأصحاب الحاجات . وهو الذي يقضي في كل أمر بإذنه ، ولا يقضي أحد معه . . وهذه الصفة متحققة ابتداء من كونه الفرد الأحد .
{ لم يلد ولم يولد } . . فحقيقة الله ثابتة أبدية أزلية ، لا تعتورها حال بعد حال . صفتها الكمال المطلق في جميع الأحوال . والولادة انبثاق وامتداد ، ووجود زائد بعد نقص أو عدم ، وهو على الله محال . ثم هي تقتضي زوجية . تقوم على التماثل . وهذه كذلك محال . ومن ثم فإن صفة { أحد } تتضمن نفي الوالد والولد . .
{ ولم يكن له كفواً أحد } . . أي لم يوجد له مماثل أو مكافئ . لا في حقيقة الوجود ، ولا في حقيقة الفاعلية ، ولا في أية صفة من الصفات الذاتية . وهذا كذلك يتحقق بأنه { أحد } ولكن هذا توكيد وتفصيل . . وهو نفي للعقيدة الثنائية التي تزعم أن الله هو إله الخير وأن للشر إلهاً يعاكس الله بزعمهم ويعكس عليه أعماله الخيرة وينشر الفساد في الأرض .
وأشهر العقائد الثنائية كانت عقيدة الفرس في إله النور وإله الظلام ، وكانت معروفة في جنوبي الجزيرة العربية حيث للفرس دولة وسلطان!!
هذه السورة إثبات وتقرير لعقيدة التوحيد الإسلامية ، كما أن سورة « الكافرون » نفي لأي تشابه أو التقاء بين عقيدة التوحيد وعقيدة الشرك . . وكل منهما تعالج حقيقة التوحيد من وجه . وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستفتح يومه في صلاة سنة الفجر بالقراءة بهاتين السورتين . . وكان لهذا الافتتاح معناه ومغزاه . .

بن الإسلام 13.05.2010 15:05


قال الله تعالي { قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ }يوسف85

محذوف حرف النفي (لا) (تالله لا تفتأ).
القاعدة : أنه إذا كان فعل مضارع مثبت لابد من حرف اللام فإن لم تذكر اللام فهو منفي مثال: والله أفعل (معناها لا أفعل) و والله لأفعل (معناها أثبّت الفعل) فلماذا حذف إذن؟

هذا هو الموطن الوحيد في القرآن الذي حُذف فيه حرف النفي جواباً للقسم . وقد جاء في القرآن قوله تعالى (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) النساء) (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) النحل).

إنما آية سورة يوسف هي الوحيدة التي تفيد النفي ولم يذكر فيها حرف النفي لماذا؟ الذين أقسموا هم إخوة يوسف ومن المقرر في النحو أن الذكر يفيد التوكيد والحذف أقل توكيداً. فعلى ماذا أقسموا؟ أقسموا أن أباهم لا يزال يذكر يوسف حتى يهلك فهل هم متأكدون من ذلك؟ أي هل هم متأكدون أن أباهم سيفعل ذلك حتى يهلك وهل حصل ذلك؟ كلا لم يحصل.

في حين في كل الأقسام الأخرى في القرآن الأمر فيها مؤكد. أما في هذه الآية لا يؤكد بالحذف لحرف النفي مع أنه أفاد النفي .

فتأ : من معانيها في اللغة نسي وسكّن وأطفأ النار يقال فتأت النار والإتيان بالفعل (فتأ) في هذه الآية وفي هذا الموطن جمع كل هذه المعاني. كيف؟ المفقود مع الأيام يُنسى ويُكفّ عن ذكره أو يُسكّن لوعة الفراق أو نار الفراق في فؤاد وفي نفس من فُقد له عزيز. ولو اختار أي فعل من الأفعال الأخرى المرادفة لفعل فتأ لم تعطي كل هذه المعاني المختصة في فعل فتأ .

بن الإسلام 13.05.2010 15:06


{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)} سورة الحجر.


وَقَوْله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِلْمُتَوَسِّمِينَ } يَقُول : إِنَّ فِي الَّذِي فَعَلْنَا بِقَوْمِ لُوط مِنْ إِهْلَاكهمْ وَأَحْلَلْنَا بِهِمْ مِنْ الْعَذَاب لِعَلَامَاتٍ وَدَلَالَات لِلْمُتَفَرِّسِينَ الْمُعْتَبَرِينَ بِعَلَامَاتِ اللَّه , وَعِبَره عَلَى عَوَاقِب أُمُور أَهْل مَعَاصِيه وَالْكُفْر بِهِ . وَإِنَّمَا يَعْنِي ـ تَعَالَى ذِكْره ـ بِذَلِكَ قَوْم نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قُرَيْش ; يَقُول : فَلِقَوْمِك يَا مُحَمَّد فِي قَوْم لُوط , وَمَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ عَذَاب اللَّه حِين كَذَّبُوا رَسُولهمْ وَتَمَادَوْا فِي غَيّهمْ وَضَلَالهمْ , مُعْتَبَر . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْله : { لِلْمُتَوَسِّمِينَ } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16056 - حَدَّثَنِي عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصِل قَالَ : ثَنَا يَعْلَى بْن عُبَيْد , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان , عَنْ قَيْس , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِلْمُتَوَسِّمِينَ } قَالَ : لِلْمُتَفَرِّسِينَ . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا اِبْن فُضَيْل , عَنْ عَبْد الْمَلِك ; وَحَدَّثَنَا الْحَسَن الزَّعْفَرَانِيّ , قَالَ : ثَنِي مُحَمَّد بْن عُبَيْد , قَالَ : ثَنِي عَبْد الْمَلِك , عَنْ قَيْس , عَنْ مُجَاهِد : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِلْمُتَوَسِّمِينَ } قَالَ لِلْمُتَفَرِّسِينَ . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء ; وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثَنَا شَبَّابَة , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل ; وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبُو أُسَامَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله. * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْمُتَوَسِّمِينَ : الْمُتَفَرِّسِينَ. قَالَ : تَوَسَّمْت فِيك الْخَيْر نَافِلَة . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان , عَنْ قَيْس , عَنْ مُجَاهِد : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِلْمُتَوَسِّمِينَ } قَالَ : الْمُتَفَرِّسِينَ . 16057 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِلْمُتَوَسِّمِينَ } يَقُول : لِلنَّاظِرِينَ. 16058 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن يَزِيد , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { لِلْمُتَوَسِّمِينَ } قَالَ لِلنَّاظِرِينَ . 16059 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِلْمُتَوَسِّمِينَ } : أَيْ لِلْمُعْتَبِرِينَ . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { لِلْمُتَوَسِّمِينَ } قَالَ : لِلْمُعْتَبِرِينَ. 16060 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة , قَالَ : ثَنِي حَسَن بْن مَالِك , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن كَثِير , عَنْ عَمْرو بْن قَيْس , عَنْ عَطِيَّة , عَنْ أَبِي سَعِيد , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اِتَّقُوا فِرَاسَة الْمُؤْمِن فَإِنَّهُ يَنْظُر بِنُورِ اللَّه " . ثُمَّ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِلْمُتَوَسِّمِينَ } " . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد الطَّوْسِيّ , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن كَثِير مَوْلَى بَنِي هَاشِم , قَالَ : ثَنَا عَمْرو بْن قَيْس الْمُلَائِيّ , عَنْ عَطِيَّة , عَنْ أَبِي سَعِيد , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِمِثْلِهِ . 16061 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن مُحَمَّد الطَّوْسِيّ , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثَنَا الْفُرَات بْن السَّائِب , قَالَ : ثَنَا مَيْمُون بْن مِهْرَان , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اِتَّقُوا فِرَاسَة الْمُؤْمِن فَإِنَّ الْمُؤْمِن يَنْظُر بِنُورِ اللَّه " . 16062 - حَدَّثَنَا عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصِل , قَالَ : ثَنِي سَعِيد بْن مُحَمَّد الْجَرْمِيّ , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْوَاحِد بْن وَاصِل , قَالَ : ثَنَا أَبُو بِشْر الْمُزَلِّق , عَنْ ثَابِت الْبُنَانِيّ , عَنْ أَنَس , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا يَعْرِفُونَ النَّاس بِالتَّوَسُّمِ " . 16063 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِلْمُتَوَسِّمِينَ } قَالَ : الْمُتَفَكِّرُونَ وَالْمُعْتَبِرُونَ الَّذِينَ يَتَوَسَّمُونَ الْأَشْيَاء , وَيَتَفَكَّرُونَ فِيهَا وَيَعْتَبِرُونَ * حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { لِلْمُتَوَسِّمِينَ } يَقُول : لِلنَّاظِرِينَ . 16064 - حَدَّثَنِي أَبُو شُرَحْبِيل الْحِمْصِيّ , قَالَ : ثَنَا سُلَيْمَان بْن سَلَمَة , قَالَ : ثَنَا الْمُؤَمَّل بْن سَعِيد بْن يُوسُف الرَّحَبِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو الْمُعَلَّى أَسَد بْن وَدَاعَة الطَّائِيّ , قَالَ : ثَنَا وَهْب بْن مُنَبِّه , عَنْ طَاوُس بْن كَيْسَان , عَنْ ثَوْبَان , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اِحْذَرُوا فِرَاسَة الْمُؤْمِن فَإِنَّهُ يَنْظُر بِنُورِ اللَّه وَيَنْطِق بِتَوْفِيقِ اللَّه " .


تفسير القرطبي.

بن الإسلام 13.05.2010 15:06



{قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72)} سورة طه


الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا لَنْ نُؤْثرك عَلَى مَا جَاءَنَا منْ الْبَيّنَات وَاَلَّذي فَطَرَنَا فَاقْض مَا أَنْتَ قَاضٍ إنَّمَا تَقْضي هَذه الْحَيَاة الدُّنْيَا } يَقُول تَعَالَى ذكْره : قَالَتْ السَّحَرَة لفرْعَوْن لَمَّا تَوَعَّدَهُمْ بمَا تَوَعَّدَهُمْ به : { لَنْ نُؤْثرك } فَنَتَّبعك وَنُكَذّب منْ أَجْلك مُوسَى { عَلَى مَا جَاءَنَا منْ الْبَيّنَات } يَعْني منْ الْحُجَج وَالْأَدلَّة عَلَى حَقيقَة مَا دَعَاهُمْ إلَيْه مُوسَى . { وَاَلَّذي فَطَرَنَا } يَقُول : قَالُوا : لَنْ نُؤْثرك عَلَى الَّذي جَاءَنَا منْ الْبَيّنَات , وَعَلَى الَّذي فَطَرَنَا . وَيَعْني بقَوْله : { فَطَرَنَا } خَلَقَنَا ; فَاَلَّذي منْ قَوْله : { وَاَلَّذي فَطَرَنَا } خُفضَ عَلَى قَوْله : { مَا جَاءَنَا } , وَقَدْ يَحْتَمل أَنْ يَكُون قَوْله : { وَاَلَّذي فَطَرَنَا } خَفْضًا عَلَى الْقَسَم , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام : لَنْ نُؤْثرك عَلَى مَا جَاءَنَا منْ الْبَيّنَات وَاَللَّه .
"عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ" قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد مِنْ الْيَقِين وَالْعِلْم . وَقَالَ عِكْرِمَة وَغَيْره : لَمَّا سَجَدُوا أَرَاهُمْ اللَّه فِي سُجُودهمْ مَنَازِلهمْ فِي الْجَنَّة ; فَلِهَذَا قَالُوا " لَنْ نُؤْثِرك " . وَكَانَتْ اِمْرَأَة فِرْعَوْن تَسْأَل مَنْ غَلَبَ , فَقِيلَ لَهَا : غَلَبَ مُوسَى وَهَارُون ; فَقَالَتْ : آمَنْت بِرَبِّ مُوسَى وَهَارُون . فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فِرْعَوْن فَقَالَ : اُنْظُرُوا أَعْظَم صَخْرَة فَإِنْ مَضَتْ عَلَى قَوْلهَا فَأَلْقُوهَا عَلَيْهَا ; فَلَمَّا أَتَوْهَا رَفَعَتْ بَصَرهَا إِلَى السَّمَاء فَأَبْصَرَتْ مَنْزِلهَا فِي الْجَنَّة , فَمَضَتْ عَلَى قَوْلهَا فَانْتَزَعَ رُوحهَا , وَأُلْقِيَتْ الصَّخْرَة عَلَى جَسَدهَا وَلَيْسَ فِي جَسَدهَا رُوح . وَقِيلَ : قَالَ مُقَدَّم السَّحَرَة لِمَنْ يَثِق بِهِ لَمَّا رَأَى مِنْ عَصَا مُوسَى مَا رَأَى : اُنْظُرْ إِلَى هَذِهِ الْحَيَّة هَلْ تَخَوَّفْت فَتَكُون جِنِّيًّا أَوْ لَمْ تَتَخَوَّف فَهِيَ مِنْ صَنْعَة الصَّانِع الَّذِي لَا يَعْزُب عَلَيْهِ مَصْنُوع ; فَقَالَ : مَا تَخَوَّفْت ; فَقَالَ : آمَنْت بِرَبِّ هَارُون وَمُوسَى .

"وَالَّذِي فَطَرَنَا" قِيلَ : هُوَ مَعْطُوف عَلَى " مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَات " أَيْ لَنْ نُؤْثِرك عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَات وَلَا عَلَى الَّذِي فَطَرَنَا أَيْ خَلَقَنَا . وَقِيلَ : هُوَ قَسَم أَيْ وَاَللَّه لَنْ نُؤْثِرك .


"فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ" التَّقْدِير مَا أَنْتَ قَاضِيه . وَلَيْسَتْ " مَا " هَاهُنَا الَّتِي تَكُون مَعَ الْفِعْل بِمَنْزِلَةِ الْمَصْدَر ; لِأَنَّ تِلْكَ تُوصَل بِالْأَفْعَالِ , وَهَذِهِ مَوْصُولَة بِابْتِدَاءٍ وَخَبَر . قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَاصْنَعْ مَا أَنْتَ صَانِع . وَقِيلَ : فَاحْكُمْ مَا أَنْتَ حَاكِم ; أَيْ مِنْ الْقَطْع وَالصَّلْب . وَحُذِفَتْ الْيَاء مِنْ قَاضٍ فِي الْوَصْل لِسُكُونِهَا وَسُكُون التَّنْوِين . وَاخْتَارَ سِيبَوَيْهِ إِثْبَاتهَا فِي الْوَقْف لِأَنَّهُ قَدْ زَالَتْ عِلَّة السَّاكِنَيْنِ

"إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا" أَيْ إِنَّمَا يَنْفُذ أَمْرك فِيهَا . وَهِيَ مَنْصُوبَة عَلَى الظَّرْف , وَالْمَعْنَى : إِنَّمَا تَقْضِي فِي مَتَاع هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا . أَوْ وَقْت هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا , فَتُقَدَّر حَذْف الْمَفْعُول . وَيَجُوز أَنْ يَكُون التَّقْدِير : إِنَّمَا تَقْضِي أُمُور هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا , فَتَنْتَصِب اِنْتِصَاب الْمَفْعُول و " مَا " كَافَّة لِإِنَّ . وَأَجَازَ الْفَرَّاء الرَّفْع عَلَى أَنْ تُجْعَل " مَا " بِمَعْنَى الَّذِي وَتُحْذَف الْهَاء مِنْ تَقْضِي وَرُفِعَتْ " هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا " .

وَقَوْله : { فَاقْض مَا أَنْتَ قَاضٍ } يَقُول : فَاصْنَعْ مَا أَنْتَ صَانع , وَاعْمَلْ بنَا مَا بَدَا لَك { إنَّمَا تَقْضي هَذه الْحَيَاة الدُّنْيَا } يَقُول : إنَّمَا تَقْدر أَنْ تُعَذّبنَا في هَذه الْحَيَاة الدُّنْيَا الَّتي تَفْنَى . وَنَصَبَ الْحَيَاة الدُّنْيَا عَلَى الْوَقْت وَجُعلَتْ إنَّمَا حَرْفًا وَاحدًا . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18266 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : حُدّثْت عَنْ وَهْب بْن مُنَبّه { لَنْ نُؤْثرك عَلَى مَا جَاءَنَا منْ الْبَيّنَات وَاَلَّذي فَطَرَنَا } أَيْ عَلَى اللَّه عَلَى مَا جَاءَنَا منْ الْحُجَج مَعَ بَيّنَة { فَاقْض مَا أَنْتَ قَاضٍ } : أَيْ اصْنَعْ مَا بَدَا لَك { إنَّمَا تَقْضي هَذه الْحَيَاة الدُّنْيَا } أَيْ لَيْسَ سُلْطَان إلَّا فيهَا , ثُمَّ لَا سُلْطَان لَك بَعْده .

المصدر:
تفسير الطبري.
تفسير القرطبي.

بن الإسلام 13.05.2010 15:07


{وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)} سورة يوسف



" وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُف " أَيْ أَعْرَض عَنْ بَنِيهِ وَذَلِكَ أَنَّ يَعْقُوب لَمَّا بَلَغَهُ خَبَر بِنْيَامِين تَتَامَّ حُزْنه , وَبَلَغَ جُهْده , وَجَدَّدَ اللَّه مُصِيبَته لَهُ فِي يُوسُف وَقَالَ مُتَذَكِّرًا حُزْن يُوسُف الْأَوَّل " يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُف " جَدَّدَ لَهُ حُزْن الِابْنَيْنِ الْحُزْن الدَّفِين قَالَ عَبْد الرَّزَّاق أَنَا الثَّوْرِيّ عَنْ سُفْيَان الْعُصْفُرِيّ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَنَّهُ قَالَ لَمْ يُعْطَ أَحَد غَيْر هَذِهِ الْأُمَّة الِاسْتِرْجَاع أَلَا تَسْمَعُونَ إِلَى قَوْل يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام " يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُف وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنْ الْحُزْن فَهُوَ كَظِيم " أَيْ سَاكِت لَا يَشْكُو أَمْره إِلَى مَخْلُوق قَالَهُ قَتَادَة وَغَيْره وَقَالَ الضَّحَّاك فَهُوَ كَظِيم كَئِيب حَزِين وَنَسِيَ اِبْنه بِنْيَامِين فَلَمْ يَذْكُرهُ ; عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : لَمْ يَكُنْ عِنْد يَعْقُوب مَا فِي كِتَابنَا مِنْ الِاسْتِرْجَاع , وَلَوْ كَانَ عِنْده لَمَا قَالَ : " يَا أَسَفَا عَلَى يُوسُف " قَالَ قَتَادَة وَالْحَسَن : وَالْمَعْنَى يَا حُزْنَاهُ ! وَقَالَ مُجَاهِد وَالضَّحَّاك : يَا جَزَعَاه ! ; قَالَ كَثِير : فَيَا أَسَفَا لِلْقَلْبِ كَيْف اِنْصِرَافه وَلِلنَّفْسِ لَمَّا سُلِّيَتْ فَتَسَلَّتْ وَالْأَسَف شِدَّة الْحُزْن عَلَى مَا فَاتَ . وَالنِّدَاء عَلَى مَعْنَى : تَعَالَ يَا أَسَف فَإِنَّهُ مِنْ أَوْقَاته .
"وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيم" قِيلَ : لَمْ يُبْصِر بِهِمَا سِتّ سِنِينَ , وَأَنَّهُ عَمِيَ ; قَالَهُ مُقَاتِل . وَقِيلَ : قَدْ تَبْيَضّ الْعَيْن وَيَبْقَى شَيْء مِنْ الرُّؤْيَة , وَاَللَّه أَعْلَم بِحَالِ يَعْقُوب ; وَإِنَّمَا اِبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنْ الْبُكَاء , وَلَكِنَّ سَبَب الْبُكَاء الْحُزْن , فَلِهَذَا قَالَ : " مِنْ الْحُزْن " . قَالَ النَّحَّاس : فَإِنْ سَأَلَ قَوْم عَنْ مَعْنَى شِدَّة حُزْن يَعْقُوب - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى نَبِيّنَا - فَلِلْعُلَمَاءِ فِي هَذَا ثَلَاثَة أَجْوِبَة : مِنْهَا - أَنَّ يَعْقُوب صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ يُوسُف صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيّ خَافَ عَلَى دِينه , فَاشْتَدَّ حُزْنه لِذَلِكَ . وَقِيلَ : إِنَّمَا حَزِنَ لِأَنَّهُ سَلَّمَهُ إِلَيْهِمْ صَغِيرًا , فَنَدِمَ عَلَى ذَلِكَ . وَالْجَوَاب الثَّالِث : وَهُوَ أَبْيَنهَا - هُوَ أَنَّ الْحُزْن لَيْسَ بِمَحْظُورٍ , وَإِنَّمَا الْمَحْظُور الْوَلْوَلَة وَشَقّ الثِّيَاب , وَالْكَلَام بِمَا لَا يَنْبَغِي وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تَدْمَع الْعَيْن وَيَحْزَن الْقَلْب وَلَا نَقُول مَا يُسْخِط الرَّبّ ) . وَقَدْ بَيَّنَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : " فَهُوَ كَظِيم " أَيْ مَكْظُوم مَمْلُوء مِنْ الْحُزْن مُمْسِك عَلَيْهِ لَا يَبُثّهُ ; وَمِنْهُ كَظْم الْغَيْظ وَهُوَ إِخْفَاؤُهُ ; فَالْمَكْظُوم الْمَسْدُود عَلَيْهِ طَرِيق حُزْنه ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُوم " [ الْقَلَم : 48 ] أَيْ مَمْلُوء كَرْبًا . وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَكْظُوم بِمَعْنَى الْكَاظِم ; وَهُوَ الْمُشْتَمِل عَلَى حُزْنه . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : كَظِيم مَغْمُوم ; قَالَ الشَّاعِر : فَإِنْ أَكُ كَاظِمًا لِمُصَابِ شَاس فَإِنِّي الْيَوْم مُنْطَلِق لِسَانِي وَقَالَ اِبْن جُرَيْج عَنْ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : ذَهَبَتْ عَيْنَاهُ مِنْ الْحُزْن " فَهُوَ كَظِيم " قَالَ : فَهُوَ مَكْرُوب . وَقَالَ مُقَاتِل بْن سُلَيْمَان عَنْ عَطَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : " فَهُوَ كَظِيم " قَالَ : فَهُوَ كَمِد ; يَقُول : يَعْلَم أَنَّ يُوسُف حَيّ , وَأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ هُوَ ; فَهُوَ كَمِد مِنْ ذَلِكَ . قَالَ الْجَوْهَرِيّ : الْكَمَد الْحُزْن الْمَكْتُوم ; تَقُول مِنْهُ كَمِدَ الرَّجُل فَهُوَ كَمِد وَكَمِيد . النَّحَّاس . يُقَال فُلَان كَظِيم وَكَاظِم ; أَيْ حَزِين لَا يَشْكُو حُزْنه ; قَالَ الشَّاعِر : فَحَضَضْت قَوْمِي وَاحْتَسَبْت قِتَالهمْ وَالْقَوْم مِنْ خَوْف الْمَنَايَا كُظَّم.

المصادر:
تفسير القرطبي.
تفسير ابن كثير.


بن الإسلام 13.05.2010 15:07



{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)} سورة الأنبياء






يَذْكُر تَعَالَى عَنْ أَيُّوب " مَا كَانَ أَصَابَهُ مِنْ الْبَلَاء فِي مَاله وَوَلَده وَجَسَده وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ مِنْ الدَّوَابّ وَالْأَنْعَام وَالْحَرْث شَيْء كَثِير وَأَوْلَاد كَثِيرَة وَمَنَازِل مُرْضِيَة فَابْتُلِيَ فِي ذَلِكَ كُلّه وَذَهَبَ عَنْ آخِره ثُمَّ اُبْتُلِيَ فِي جَسَده يُقَال بِالْجُذَامِ فِي سَائِر بَدَنه وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ سَلِيم سِوَى قَلْبه وَلِسَانه يَذْكُر بِهِمَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى عَافَهُ الْجَلِيس وَأُفْرِدَ فِي نَاحِيَة مِنْ الْبَلَد وَلَمْ يَبْقَ أَحَد مِنْ النَّاس يَحْنُو عَلَيْهِ سِوَى زَوْجَته كَانَتْ تَقُوم بِأَمْرِهِ وَيُقَال إِنَّهَا اِحْتَاجَتْ فَصَارَتْ تَخْدُم النَّاس مِنْ أَجْله وَقَدْ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَشَدّ النَّاس بَلَاء الْأَنْبِيَاء ثُمَّ الصَّالِحُونَ ثُمَّ الْأَمْثَل فَالْأَمْثَل " وَفِي الْحَدِيث الْآخَر" يُبْتَلَى الرَّجُل عَلَى قَدْر دِينه فَإِنْ كَانَ فِي دِينه صَلَابَة زِيدَ فِي بَلَائِهِ " وَقَدْ كَانَ نَبِيّ اللَّه أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام غَايَة فِي الصَّبْر وَبِهِ يُضْرَب الْمَثَل فِي ذَلِكَ . وَقَالَ يَزِيد بْن مَيْسَرَة لَمَّا اِبْتَلَى اللَّه أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام بِذَهَابِ الْأَهْل وَالْمَال وَالْوَلَد وَلَمْ يَبْقَ شَيْء لَهُ أَحْسَنَ الذِّكْر ثُمَّ قَالَ : أَحْمَدك رَبّ الْأَرْبَاب الَّذِي أَحْسَنْت إِلَيَّ أَعْطَيْتنِي الْمَال وَالْوَلَد فَلَمْ يَبْقَ مِنْ قَلْبِي شُعْبَة إِلَّا قَدْ دَخَلَهُ ذَلِكَ فَأَخَذْت ذَلِكَ كُلّه مِنِّي وَفَرَّغْت قَلْبِي فَلَيْسَ يَحُول بَيْنِي وَبَيْنك شَيْء لَوْ يَعْلَم عَدُوِّي إِبْلِيس بِاَلَّذِي صَنَعْت حَسَدَنِي . قَالَ فَلَقِيَ إِبْلِيس مِنْ ذَلِكَ مُنْكَرًا قَالَ وَقَالَ أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام يَا رَبّ إِنَّك أَعْطَيْتنِي الْمَال وَالْوَلَد فَلَمْ يَقُمْ عَلَى بَابِي أَحَد يَشْكُونِي لِظُلْمٍ ظَلَمْته وَأَنْتَ تَعْلَم ذَلِكَ وَإِنَّهُ كَانَ يُوَطَّأُ لِي الْفِرَاش فَأَتْرُكهَا وَأَقُول لِنَفْسِي : يَا نَفْس إِنَّك لَمْ تُخْلَقِي لِوَطْءِ الْفِرَاش مَا تَرَكْت ذَلِكَ إِلَّا اِبْتِغَاء وَجْهك . رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم
" أَنِّي مَسَّنِي الضُّرّ وَأَنْتَ أَرْحَم الرَّاحِمِينَ " أَيْ نَالَنِي فِي بَدَنِي ضُرّ وَفِي مَالِي وَأَهْلِي . قَالَ اِبْن عَبَّاس : سُمِّيَ أَيُّوب لِأَنَّهُ آبَ إِلَى اللَّه تَعَالَى فِي كُلّ حَال . وَرُوِيَ أَنَّ أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ رَجُلًا مِنْ الرُّوم ذَا مَال عَظِيم , وَكَانَ بَرًّا تَقِيًّا رَحِيمًا بِالْمَسَاكِينِ , يَكْفُل الْأَيْتَام وَالْأَرَامِل , وَيُكْرِم الضَّيْف , وَيُبَلِّغ اِبْن السَّبِيل , شَاكِرًا لِأَنْعُمِ اللَّه تَعَالَى , وَأَنَّهُ دَخَلَ مَعَ قَوْمه عَلَى جَبَّار عَظِيم فَخَاطَبُوهُ فِي أَمْر , فَجَعَلَ أَيُّوب يَلِينَ لَهُ فِي الْقَوْل مِنْ أَجْل زَرْع كَانَ لَهُ فَامْتَحَنَهُ اللَّه بِذَهَابِ مَاله وَأَهْله , وَبِالضُّرِّ فِي جِسْمه حَتَّى تَنَاثَرَ لَحْمه وَتَدَوَّدَ جِسْمه , حَتَّى أَخْرَجَهُ أَهْل قَرْيَته إِلَى خَارِج الْقَرْيَة , وَكَانَتْ اِمْرَأَته تَخْدُمهُ . قَالَ الْحَسَن : مَكَثَ بِذَلِكَ تِسْع سِنِينَ وَسِتَّة أَشْهُر . فَلَمَّا أَرَادَ اللَّه أَنْ يُفَرِّج عَنْهُ قَالَ اللَّه تَعَالَى لَهُ : " اُرْكُضْ بِرِجْلِك هَذَا مُغْتَسَل بَارِد وَشَرَاب " [ ص : 42 ] فِيهِ شِفَاؤُك , وَقَدْ وَهَبْت لَك أَهْلك وَمَالك وَوَلَدك وَمِثْلهمْ مَعَهُمْ . وَسَيَأْتِي فِي " ص " مَا لِلْمُفَسِّرِينَ فِي قِصَّة أَيُّوب مِنْ تَسْلِيط الشَّيْطَان عَلَيْهِ , وَالرَّدّ عَلَيْهِمْ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَاخْتُلِفَ فِي قَوْل أَيُّوب : " مَسَّنِيَ الضُّرّ " عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ قَوْلًا : الْأَوَّل : أَنَّهُ وَثَبَ لِيُصَلِّيَ فَلَمْ يَقْدِر عَلَى النُّهُوض فَقَالَ : " مَسَّنِي الضُّرّ " إِخْبَارًا عَنْ حَاله , لَا شَكْوَى لِبَلَائِهِ ; رَوَاهُ أَنَس مَرْفُوعًا . الثَّانِي : أَنَّهُ إِقْرَار بِالْعَجْزِ فَلَمْ يَكُنْ مُنَافِيًا لِلصَّبْرِ . الثَّالِث : أَنَّهُ سُبْحَانه أَجْرَاهُ عَلَى لِسَانه لِيَكُونَ حُجَّة لِأَهْلِ الْبَلَاء بَعْده فِي الْإِفْصَاح بِمَا يَنْزِل بِهِمْ . الرَّابِع : أَنَّهُ أَجْرَاهُ عَلَى لِسَانه إِلْزَامًا لَهُ فِي صِفَة الْآدَمِيّ فِي الضَّعْف عَنْ تَحَمُّل الْبَلَاء . الْخَامِس : أَنَّهُ اِنْقَطَعَ الْوَحْي عَنْهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَخَافَ هِجْرَان رَبّه فَقَالَ : " مَسَّنِي الضُّرّ " . وَهَذَا قَوْل جَعْفَر بْن مُحَمَّد . السَّادِس : أَنَّ تَلَامِذَته الَّذِينَ كَانُوا يَكْتُبُونَ عَنْهُ لَمَّا أَفْضَتْ حَاله إِلَى مَا اِنْتَهَتْ إِلَيْهِ مَحَوْا مَا كَتَبُوا عَنْهُ , وَقَالُوا : مَا لِهَذَا عِنْد اللَّه قَدْر ; فَاشْتَكَى الضُّرّ فِي ذَهَاب الْوَحْي وَالدِّين مِنْ أَيْدِي النَّاس . وَهَذَا مِمَّا لَمْ يَصِحّ سَنَده . وَاَللَّه أَعْلَم ; قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ . السَّابِع : أَنَّ دُودَة سَقَطَتْ مِنْ لَحْمه فَأَخَذَهَا وَرَدَّهَا فِي مَوْضِعهَا فَعَقَرَتْهُ فَصَاحَ " مَسَّنِي الضُّرّ " فَقِيلَ : أَعَلَيْنَا تَتَصَبَّر . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا بَعِيد جِدًّا مَعَ أَنَّهُ يَفْتَقِر إِلَى نَقْل صَحِيح , وَلَا سَبِيل إِلَى وُجُوده . الثَّامِن : أَنَّ الدُّود كَانَ يَتَنَاوَل بَدَنه فَصَبَرَ حَتَّى تَنَاوَلَتْ دُودَة قَلْبه وَأُخْرَى لِسَانه , فَقَالَ : " مَسَّنِي الضُّرّ " لِاشْتِغَالِهِ عَنْ ذِكْر اللَّه , قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَمَا أَحْسَن هَذَا لَوْ كَانَ لَهُ سَنَد وَلَمْ تَكُنْ دَعْوَى عَرِيضَة . التَّاسِع : أَنَّهُ أَبْهَمَ عَلَيْهِ جِهَة أَخْذ الْبَلَاء لَهُ هَلْ هُوَ تَأْدِيب , أَوْ تَعْذِيب , أَوْ تَخْصِيص , أَوْ تَمْحِيص , أَوْ ذُخْر أَوْ طُهْر , فَقَالَ : " مَسَّنِي الضُّرّ " أَيْ ضُرّ الْإِشْكَال فِي جِهَة أَخْذ الْبَلَاء . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا غُلُوّ لَا يُحْتَاج إِلَيْهِ . الْعَاشِر : أَنَّهُ قِيلَ لَهُ سَلْ اللَّه الْعَافِيَة فَقَالَ : أَقَمْت فِي النَّعِيم سَبْعِينَ سَنَة وَأُقِيم فِي الْبَلَاء سَبْع سِنِينَ وَحِينَئِذٍ أَسْأَلهُ فَقَالَ : " مَسَّنِي الضُّرّ " . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا مُمْكِن وَلَكِنَّهُ لَمْ يَصِحّ فِي إِقَامَته مُدَّة خَبَر وَلَا فِي هَذِهِ الْقِصَّة . الْحَادِيَ عَشَر : أَنَّ ضُرّه قَوْل إِبْلِيس لِزَوْجِهِ اُسْجُدِي لِي فَخَافَ ذَهَاب الْإِيمَان عَنْهَا فَتَهْلِك وَيَبْقَى بِغَيْرِ كَافِل . الثَّانِي عَشَر : لَمَّا ظَهَرَ بِهِ الْبَلَاء قَالَ قَوْمه : قَدْ أَضَرَّ بِنَا كَوْنه مَعَنَا وَقَذَره فَلْيُخْرَجْ عَنَّا , فَأَخْرَجَتْهُ اِمْرَأَته إِلَى ظَاهِر الْبَلَد ; فَكَانُوا إِذَا خَرَجُوا رَأَوْهُ وَتَطَيَّرُوا بِهِ وَتَشَاءَمُوا بِرُؤْيَتِهِ , فَقَالُوا : لِيُبْعَدْ بِحَيْثُ لَا نَرَاهُ . فَخَرَجَ إِلَى بُعْد مِنْ الْقَرْيَة , فَكَانَتْ اِمْرَأَته تَقُوم عَلَيْهِ وَتَحْمِل قُوته إِلَيْهِ . فَقَالُوا : إِنَّهَا تَتَنَاوَلهُ وَتُخَالِطنَا فَيَعُود بِسَبَبِهِ ضُرّه إِلَيْنَا . فَأَرَادُوا قَطْعهَا عَنْهُ ; فَقَالَ : " مَسَّنِي الضُّرّ " . الثَّالِث عَشَر : قَالَ عَبْد اللَّه بْن عُبَيْد بْن عُمَيْر : كَانَ لِأَيُّوبَ أَخَوَانِ فَأَتَيَاهُ فَقَامَا . بَعِيد لَا يَقْدِرَانِ أَنْ يَدْنُوَا مِنْهُ مِنْ نَتْن رِيحه , فَقَالَ أَحَدهمَا : لَوْ عَلِمَ اللَّه فِي أَيُّوب خَيْرًا مَا اِبْتَلَاهُ بِهَذَا الْبَلَاء ; فَلَمْ يَسْمَع شَيْئًا أَشَدّ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَة ; فَعِنْد ذَلِكَ قَالَ : " مَسَّنِي الضُّرّ " ثُمَّ قَالَ : " اللَّهُمَّ إِنْ كُنْت تَعْلَم أَنِّي لَمْ أَبِتْ شَبْعَان قَطُّ وَأَنَا أَعْلَم مَكَان جَائِع فَصَدِّقْنِي " فَنَادَى مُنَادٍ مِنْ السَّمَاء " أَنْ صَدَقَ عَبْدِي " وَهُمَا يَسْمَعَانِ فَخَرَّا سَاجِدِينَ . الرَّابِع عَشَر : أَنَّ مَعْنَى " مَسَّنِي الضُّرّ " مِنْ شَمَاتَة الْأَعْدَاء ; وَلِهَذَا قِيلَ لَهُ : مَا كَانَ أَشَدّ عَلَيْك فِي بَلَائِك ؟ قَالَ شَمَاتَة الْأَعْدَاء . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا مُمْكِن فَإِنَّ الْكَلِيم قَدْ سَأَلَهُ أَخُوهُ الْعَافِيَة مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ : " إِنَّ الْقَوْم اِسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِت بِي الْأَعْدَاء " [ الْأَعْرَاف : 150 ] . الْخَامِس عَشَر : أَنَّ اِمْرَأَته كَانَتْ ذَات ذَوَائِب فَعَرَفَتْ حِين مُنِعَتْ أَنْ تَتَصَرَّف لِأَحَدٍ بِسَبَبِهِ مَا تَعُود بِهِ عَلَيْهِ , فَقَطَعَتْ ذَوَائِبهَا وَاشْتَرَتْ بِهَا مِمَّنْ يَصِلهَا قُوتًا وَجَاءَتْ بِهِ إِلَيْهِ , وَكَانَ يَسْتَعِين بِذَوَائِبِهَا فِي تَصَرُّفه وَتَنَقُّله , فَلَمَّا عَدِمَهَا وَأَرَادَ الْحَرَكَة فِي تَنَقُّله لَمْ يَقْدِر قَالَ : " مَسَّنِي الضُّرّ " . وَقِيلَ : إِنَّهَا لَمَّا اِشْتَرَتْ الْقُوت بِذَوَائِبِهَا جَاءَهُ إِبْلِيس فِي صِفَة رَجُل وَقَالَ لَهُ : إِنَّ أَهْلَك بَغَتْ فَأُخِذَتْ وَحُلِقَ شَعْرهَا . فَحَلَفَ أَيُّوب أَنْ يَجْلِدهَا ; فَكَانَتْ الْمِحْنَة عَلَى قَلْب الْمَرْأَة أَشَدّ مِنْ الْمِحْنَة عَلَى قَلْب أَيُّوب . قُلْت : وَقَوْل سَادِس عَشَر : ذَكَرَهُ اِبْن الْمُبَارَك : أَخْبَرَنَا يُونُس بْن يَزِيد عَنْ عُقَيْل عَنْ اِبْن شِهَاب أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ يَوْمًا أَيُّوب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أَصَابَهُ مِنْ الْبَلَاء ; الْحَدِيث . وَفِيهِ أَنَّ بَعْض إِخْوَانه مِمَّنْ صَابَرَهُ وَلَازَمَهُ قَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه لَقَدْ أَعْجَبَنِي أَمْرك وَذَكَرْته إِلَى أَخِيك وَصَاحِبك , أَنَّهُ قَدْ اِبْتَلَاك بِذَهَابِ الْأَهْل وَالْمَال وَفِي جَسَدك , مُنْذُ ثَمَان عَشْرَة سَنَة حَتَّى بَلَغْت مَا تَرَى ; أَلَا يَرْحَمك فَيَكْشِف عَنْك ! لَقَدْ أَذْنَبْت ذَنْبًا مَا أَظُنّ أَحَدًا بَلَغَهُ ! فَقَالَ أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام : " مَا أَدْرِي مَا يَقُولَانِ غَيْر أَنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ يَعْلَم أَنِّي كُنْت أَمُرّ عَلَى الرَّجُلَيْنِ يَتَزَاعَمَانِ وَكُلّ يَحْلِف بِاَللَّهِ - أَوْ عَلَى النَّفَر يَتَزَاعَمُونَ - فَأَنْقَلِب إِلَى أَهْلِي فَأُكَفِّر عَنْ أَيْمَانهمْ إِرَادَة أَلَّا يَأْثَم أَحَد ذَكَرَهُ وَلَا يَذْكُرهُ أَحَد إِلَّا بِالْحَقِّ " فَنَادَى رَبّه " أَنِّي مَسَّنِي الضُّرّ وَأَنْتَ أَرْحَم الرَّاحِمِينَ " إِنَّمَا كَانَ دُعَاؤُهُ عَرْضًا عَرَضَهُ عَلَى اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُخْبِرهُ بِاَلَّذِي بَلَغَهُ , صَابِرًا لِمَا يَكُون مِنْ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِ . وَذَكَرَ الْحَدِيث . وَقَوْل سَابِع عَشَر : سَمِعْته وَلَمْ أَقِف عَلَيْهِ أَنَّ دُودَة سَقَطَتْ مِنْ جَسَده فَطَلَبَهَا لِيَرُدَّهَا إِلَى مَوْضِعهَا فَلَمْ يَجِدهَا فَقَالَ : " مَسَّنِي الضُّرّ " لِمَا فَقَدَ مِنْ أَجْر أَلَم تِلْكَ الدُّودَة , وَكَانَ أَرَادَ أَنْ يَبْقَى لَهُ الْأَجْر مُوَفَّرًا إِلَى وَقْت الْعَافِيَة , وَهَذَا حَسَن إِلَّا أَنَّهُ يَحْتَاج إِلَى سَنَد . قَالَ الْعُلَمَاء : وَلَمْ يَكُنْ قَوْله " مَسَّنِي الضُّرّ " جَزَعًا ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ : " إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا " [ ص : 44 ] بَلْ كَانَ ذَلِكَ دُعَاء مِنْهُ , وَالْجَزَع فِي الشَّكْوَى إِلَى الْخَلْق لَا إِلَى اللَّه تَعَالَى , وَالدُّعَاء لَا يُنَافِي الرِّضَا . قَالَ الثَّعْلَبِيّ سَمِعْت أُسْتَاذنَا أَبَا الْقَاسِم بْن حَبِيب يَقُول : حَضَرْت مَجْلِسًا غَاصًّا بِالْفُقَهَاءِ وَالْأُدَبَاء فِي دَار السُّلْطَان , فَسَأَلْت عَنْ هَذِهِ الْآيَة بَعْد إِجْمَاعهمْ عَلَى أَنَّ قَوْل أَيُّوب كَانَ شِكَايَة قَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى : " إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا " [ ص : 44 ] فَقُلْت : لَيْسَ هَذَا شِكَايَة وَإِنَّمَا كَانَ دُعَاء .


المصادر:
تفسير ابن كثير.
تفسير القرطبي.



جميع الأوقات حسب التوقيت الدولي +2. الساعة الآن 00:02.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.